صفحات الثقافةوهيب أيوب

فنُّ علي فرزات وفنون بشار الأسد..!


وهيب أيوب

عبر التاريخ القديم والحديث، كان أكثر ما يُرعِب أنظمة الطغيان والاستبداد هو الكلمة الحرّة الشجاعة، والمغامِرة إلى حدِّ الموت في سبيل الإجهار بالرأي وفضح أولئك الطغاة.

وسواء كانوا هؤلاء شعراء أو أُدباء وكتّاب ومفكرين وفنانين، فإن نظرة الطغاة إليهم واحدة، لأنهم يُدركون مدى خطرهم على أنظمتهم وعروشهم، لِما يملكون من قدرة على كشف طغيانهم وتعريتهم أمام الناس، لهذا فهم يخصّونهم بأقسى العواقب والعقاب، وبأبشع صور القتل والتنكيل. لذلك، تدأب أنظمة الطغيان إلى كسب هذا القطّاع المهم من شريحة المثقفين والكتاب والفنانين والإعلاميين بشتى الوسائل والطُرق، لاستخدامهم كدرعٍ واقٍ من خطرِ بعض الذين أصرّوا على شقّ عصا الطاعة والخنوع، وهم على كلِّ حال يمثّلون أقليّة ضمن هذه الشريحة الواسعة، ولهذا يدفعون أثماناً غالية جرّاء استفراد الطغاة بهم، فيذيقونهم أشد العذاب وأشنع طرق الموت والاغتيال.

في كتاب الدكتور يحيى الجبوري “محن الشعراء وما أصابهم من السجن والتعذيب والقتل والبلاء”، يوضِح ما تعرّض له بعض الشعراء في التاريخ العربي الإسلامي من قتلٍ وتنكيل، وصل إلى حدّ أن أحدهم، وهو الشاعر العكوك “علي بن جبلة”، أمر الخليفة المأمون بأن يُسلّ لسانه من قفاه بسبب قصيدة كتبها. أما الشاعر ابن مقلة “أبو علي محمد بن علي”، فقد قُطعت يده ولسانه، وحُبِس وضُرِب بالمقارع وأُحرِقت داره ثلاث مرّات، وأُجبِر على الشرب من بوله حتى مات في السجن. ولا ننسى أن الأديب العبّاسي ابن المُقفّع قد قطّعت أطرافه ورُميت في النار وأجبروه على الأكل منها. هذه بعض النماذج فقط، فالسلسلة طويلة كألف ليلة وليلة.

هذه بعض فنون الطغاة القدماء، فماذا عن طغاة عصرنا الحالي…؟ ببساطة شديدة، ما أشبه اليوم بالأمس.

مخابرات الطاغية السابق حافظ الأسد، والد الطاغية الصغير بشار، اغتالت الصحافي سليم اللوزي عام 1980وأذابت يده اليُمنى بالأسيد حتى تآكل العضم، وغُرِست أقلام الحبر في أحشائه من الخلف. وفي ذات العام، أمطروا نقيب الصحافة السابق رياض طه بالرصاص في رأسه وعنقه وصدره، وأردوه قتيلاً.

تصريحات رامي مخلوف سابقاً، أنّ أمن سوريا مرتبط بأمن إسرائل، يُظهِر بأن جميع الذين اغتالهم النظام السوري و”حزب الله” هم أشدّ أعداء إسرائيل، كما للنظام السوري، فما هذا التقاطع الغريب..؟

من هنا، ليس من المفارقات العجيبة، أنّه ومنذ دخول جيش النظام السوري إلى لبنان عام 1976 وحتى تأسيس حزب الطاغية حسن نصرالله عام 82 وحتى الآن، فإن جميع الاغتيالات التي تمّت على الأرض اللبنانيّة، من قادة ومفكرين وإعلاميين، كانت توجّه أصابع الاتهام إلى جهتين اثنتين لا ثالث لهما، الموساد الإسرائيلي أو المخابرات السورية و”حزب الله”، بمن فيهم الذين اغتيلوا داخل دمشق نفسها!

فيا للمقاومة والممانعة …!!

فزعيم الحركة الوطنية اللبنانيّة كمال جنبلاط، اغتالته المخابرات السورية، وشتّتت الحركة الوطنية اللبنانية، ثم قضت على حركة المقاومة، مخلية الجو لـ”حزب الله”، الذي تكفّل باغتيال عدد من القادة والمفكرين الوطنيين والشيوعيين. ففي عام 1987 دخلوا بيت المفكر حسين مروّة وقد جاوز الثمانين وهو مُقعَد، فأفرغوا عدداً من الرصاصات في رأسه وصدره وقتلوه. وقبلها بعام اغتالوا المفكر مهدي عامل وسهيل طويلة، ثم تتابعت سلسلة الاغتيالات من رفيق الحريري وسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي إلى آخر القائمة، وهؤلاء جميعاً تم اغتيالهم على أيدي النظام السوري أو ذراعه الآثمة “حزب الله” صنيعة ولي الفقيه الإيراني، أو كما يحلو لبعضهم اتهام الموساد الإسرائيلي….لا بأس، فهذا يُعزّز وجهة نظرنا.

لأن هؤلاء جميعاً أعداء لإسرائيل، كما هم أعداء للنظام السوري و “حزب الله”.

فنان الكاريكاتير ناجي العلي، تلقّى التهديدات من جميع طغاة العرب، بسبب رسوماته التي تفضح سياساتهم ومواقفهم، كما كانت تُهاجم إسرائيل بذات الوقت. وعندما اغتيل ناجي العلي، احتار العرب والعالم بمن اغتال ناجي العلي، أهو الموساد الإسرائيلي، أم إحدى أجهزة المخابرات العربية…؟!

بشار الأسد، هذا الطاغية الصغير، يقتفي سيرة الطغاة وسلوك أبيه من قبله، فمن شابه أباه ما ظلم!

فعدا استخدام المدافع والرشاشات والدبابات وطائرات الهيلوكبتر في قمع السوريين، بالغ في أساليب التعذيب والتنكيل، من قلع الأظافر وتقطيع الأوصال وحرق الأجساد وتشويه الجثث، إلى حدّ قطع العضو الذكري للطفل حمزة الخطيب، وحزّ حنجرة إبراهيم القاشوش، وصولاً إلى التنكيل بالفنان علي فرزات الذي تجرّأ من خلال رسوماته خلال الثورة في سوريا على تعرية أكاذيب النظام وكشف جرائمه، فقاموا بتشويه وجهه بالضرب المبرّح وكسر يده وسحق أصابعه حتى لا يُعاود الرسم. وبهذا أراد الطاغية الصغير التفوّق بفنون التعذيب على فنون من سبقوه. فكان رد الفنان علي فرزات بلوحته الأخيرة، بأن يُظهِر آثار التنكيل به وهو مُلقى على سرير المُستشفى وقد لُفّ معظم أجزاء جسده بالضمادات، مع إشارة بسيطة يُظهر فيها إصبعه الوسطى مُنتصبة…

هي لوحة علي فرزات الفنيّة وإحدى إبداعاته في تحدّي الطغاة، مقابل لوحة التنكيل التي أبدعتها فنون بشار الأسد على جسد الفنان المُبدِع.

وهيب أيوب

الجولان المحتل/ مجدل شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى