صفحات الحوار

فيدرين لـ «الحياة»: نظرة الغرب الى سورية تبسيطية ورحيل الأسد صار تمنياً بعد تراجع واشنطن

الدوحة – رندة تقي الدين

كان منتدى الدوحة مناسبة لمشاركة شخصيات ومسؤولين من أنحاء العالم. وكان الحضور الفرنسي فيه لافتاً، تمثّل في رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون ووزير الخارجية السابق هوبير فيدرين الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي وكان مقرباً من الرئيس الراحل فرنسوا ميتران، وهو من الشخصيات التي تحظى بتقدير كبير في فرنسا.

وتحدث فيدرين في إحدى جلسات المنتدى عن تحول الدور الأميركي من التسعينات مسجلاً تراجعه النسبي. لكنه شرح لـ «الحياة» أن هذا لا يمنع أن الولايات المتحدة ما زالت الأقوى الأولى في العالم. وقال إن مجرد الاتفاق الأميركي – الروسي على عقد مؤتمر دولي حول سورية، يظهر أن الإدارة الأميركية وافقت على بقاء الرئيس بشار الأسد في البداية وأنها تخلت عن الشرط المسبق لتنحيه محولة ذلك إلى أمل وتمنٍّ. ورأى أن أوباما يتخوف من أن تجرّه إسرائيل إلى تدخل عسكري في شأن الملف النووي الإيراني، ما قد يجعله يطلب من وزيري خارجيته جون كيري والدفاع تشاك هيغل أن يجدا حلاً للملف النووي الإيراني ليتجنب التدخل العسكري في إيران… وهنا نص مقابلة أجرتها «الحياة» مع فيدرين في الدوحة:

> قلت في مداخلتك في منتدى الدوحة إن الولايات المتحدة قوة في تراجع نسبي. هل يقتصر ذلك على مستوى الشرق الأوسط وخصوصاً سورية؟

– دعيني أوضح صورة ما قلت. الولايات المتحدة هي قوة في تراجع نسبي ولكنها ستستمر القوة العظمى الأولى لمدة طويلة. طبعاً، لم يعد الأميركيون القوة الفائقة التي كانوا عليها في التسعينات. اليوم هناك مجموعة القوى الناشئة. والواقع أن سياسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش القاضية بإثبات تفوق الغرب بالقوة العسكرية لم تكن صحيحة. فهذا الأمر غير عملي. أما الرئيس الحالي باراك أوباما فيبحث عن صيغة أخرى. وكان عليه أن يدير عملية الانسحاب من أفغانستان والعراق. ورأيناه حذراً جداً بالنسبة إلى موضوعي ليبيا ومالي، حيث قام بدور الحد الأدنى، ومارس سياسة القيادة من الخلف كما يقول معاونوه. ولكنهم ينفون اعتماد هذا التعبير. وهذا أيضاً لا يجعل من أميركا بلداً في تراجع. وهي تبقى قوة ضخمة، وتمثل موازنتها العسكرية نصف الإنفاق العسكري في العالم. ولديها نفوذ في العالم لا مثيل له. وحتى عندما ستتفوق الصين عليها من ناحية حجم الناتج العام الذي سيحصل في الأعوام المقبلة بفعل وجود بليون وثلاثمئة مليون مواطن، ستظل أميركا القوة الأولى لمدة طويلة. هذا ما أسميه القيادة النسبية التي سيحتفظون بها. ثمة قضايا ينسحب الأميركي منها حتى بات يشبه الإطفائي الذي يرسل فرقه حيث ثمة ضرورات عاجلة. في أوروبا لا حاجة لذلك باعتبار أن لا تهديد استراتيجياً. لكنه لن يكسر أبداً علاقاته وتحالفه مع أوروبا وسيحافظ على حلف شمال الأطلسي. وبالتالي سيتجه نحو آسيا حيث ثمة الكثير من التحديات. الصين أساسية في الاقتصاد الأميركي وفي الوقت عينه هي مصدر أخطار ومنافسة. من هنا، فإن أوباما يتصرف بطريقة منطقية. لكن، علينا ألا نخطئ بالقول إن الولايات المتحدة تنسحب من كل مكان وتتجه صوب الانعزال. هذا غير ممكن. لــيس باستطاعتهم أن يكونوا انعزالييـــن. ولا يمكنهم أن يصيروا قوة أميركية – آسيوية فقط. إنهم مجبرون على الاهتمام بما يحصل في الشرق الأوسط. وصحيح أن أوباما يريد منـــــح القضايا الداخلية الأميركية أولوية. وبالنسبة إلى الشرق الأوسط فقد صدمت أميركا بسبب تجربة جورج بوش التي ارتكزت على تحليل خاطئ وسياسة خاطئة عبر الالتصاق بموقف حزب الليكود الإسرائيلي. ونتيجة صدمة أميركا في العراق فإن أوباما يتجه إلى الانسحاب وانتهاج سياسة حــــــذرة. وقد فاقمت الأمور الثورات العربية. فما من أحد يعرف كيف يتصرف إزاءها. والأميركيون يقولون إنه لا بـــــد من مواكبة الثورات. وهذه طريقة مهذبة للقول إننا لا نعرف كيف ستتطور الأمور وسنتكيف مـــ الظروف. لا أتصور أميركا تفقد اهتمامها بالشرق الأوسط. هذا غير ممكن. بداية هناك الروابط مع إسرائيل. كما أن المسألة الإيرانية حـــاضرة أيضاً. وهي مطروحة علـــــى الدوام ولا اتفاق استراتيجياً وتاريخياً بين أميركا وإيران كما حـــــصل أيام كيسينجر ومع الصين أيـــــام ماو تسي تونغ. ولا يسع أميركا أن تفقد اهتمامها بموضوعي إيران وإسرائيل والأزمة القائمة بينهما.

طبعاً، وبسبب فورة النفط والغاز الصخري يمكن أميركا أن تصبح مكتفية وحتى بلداً مصدراً. ولكنها لا تستطيع باعتبارها القوة الأولى في العالم ألا تعتبر أن احتمال أن تشتري الصين مجمل النفط في الشرق الأوسط ينشئ رابطاً استراتيجياً يحمل أخطاراً بالنسبة إلى الولايات المتحدة. خلاصة القول، إن الولايات المتحدة ستصب اهتمامها على مشاكلها الداخلية وستتدخل بدرجة أقل في الخارج، ولكنه لن يكون انسحاباً كاملاً. أقول هذا لجميع الذين يخشون من احتمال انسحاب أميركا ومن يفرحون لذلك، لأن الموضوع هو بين بين.

بالنسبة إلى سورية، حصلت في البداية توقعات غير صحيحة لأنهم اعتقدوا أن بشار الأسد سيسقط بسهولة كما سقط زين العابدين بن علي وحسني مبارك. هذا ما ثبت لاحقاً أنه خطأ. لقد اسأوا فهم تعقيدات الوضع السوري. تأخروا في فهم أنه حتى لو كان للنظام معارضة، حتى لو كانت الحرب الأهلية مريعة، والقمع هائلاً، ثمة فريق سوري يخاف من المستقبل، ومن احتمال قيام نظام إسلامي. غرق عدد كبير من الغربيين في نظرة تبسيطية وهي أنه ينبغي قلب نظام بشار الأسد في الغد وكلما تم ذلك بسرعة كان الأمر أفضل. ولم يكونوا وحدهم في هذا التفكير. فالأتراك اقتنعوا بذلك، وكذلك الدول العربية السنّية التي تعتبر أن الهلال الشيعي المحيط بها هو الخطر الأول وتريد إسقاط المفصل السوري. فهناك مجموعة حسابات لم تصب. كان يمكن أن تصيب لو تمكنت المعارضة من تجاوز انقساماتها ولو تمكنت شخصية أو مجموعة مقنعة ولها صدقية كافية من اتخاذ التزامات حول المستقبل لتقول إن الطوائف المختلفة ستكون محمية. ولتقول إنها ستعمل على علاقات مع الجميع في العالم بما في ذلك روسيا التي لن تخسر روابطها مع سورية كلياً. ولكن، لا أحد في المعارضة بإمكانه أن يقول ذلك، وإذا افترضنا أنهم يريدون ذلك لا أحد لديه الصدقية حالياً. والعنصر الآخر الذي ينبغي أخذه في الاعتبار أنه في اللحظة التي كان يجب وضع مقاربة مشتركة مع الروس وقعنا في لحظة البرود في العلاقات الأميركية – الروسية منذ عودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة، علماً أن إدارة الرئيس أوباما لديها انطباع بأنها فشلت في ملاقاة عودة بوتين إلى الرئاسة. وفي أوروبا، خصوصاً في فرنسا، هناك حساسية من بوتين. لم يكن هناك جهد خاص من الجانب الغربي لإدخال روسيا في حل يمكن أن يشمل الأميركيين والأوروبيين والأتراك والقطريين والسعوديين وأيضا الروس. إذاً، تقاطع الاقتناع بسهولة سقوط النظام السوري وعدم الرغبة في العمل مع الرئيس بوتين أدى إلى فشل وضع حل لم يتبلور لأن الائتلاف السوري المعارض لم يفرض نفسه. وعلى رغم التعقيدات، لا أنتقد محاولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإعادة روسيا إلى اللعبة، وبالتأكيد هذا يفترض حصول تسويات.

تنازلات أميركية

> هل تعتقد أن الولايات المتحدة ستقدم تنازلات للروس على أساس «جنيف ١» عبر القبول ببقاء بشار الأسد في الرئاسة؟

– حصل ذلك بمجرد إعادة روسيا إلى الحل وإطلاق فكرة المؤتمر الأميركي – الروسي. هناك ثمن دفع وهو عدم اشتراط رحيل الأسد مسبقاً. وهذا الأمر حصل فعلاً وليس تخميناً للمستقبل. ومن أجل ذلك يبتكرون صيغاً مفادها أن يتم التفاوض مع شخصيات من النظام غير متورطة بالدم. وفهم أوباما أن أي حل لن ينجح من دون روسيا ويجب العمل معها. هذا يعني أن رحيل الأسد مجرد تمنٍّ وأمل وليس شرطا مسبقا. هل سيتيح ذلك اختراق التعطيل؟ أنا لا أدري. ولكن بما أن شيئاً آخر لا ينجح، يجب ألا ننتقد هذه المحاولة الأميركية ولننتظر لنرى نتائجها.

> ألا ترى أن قلب التوازن العسكري في سورية وحده يمكن أن يؤدي إلى حل؟

– قد يطول بقاء الوضع على ما هو عليه ويستمر مع لا غالب ولا مغلوب، في ظل نظام يواصل السيطرة على دمشق ومناطق أخرى، وثوار يسيطرون على مناطق الشمال والحدود الأردنية. ليس هناك سبب لتغيير الوضع. لو ذهب الأوروبيون أبعد في تزويد المعارضة سلاحاً كان يمكن قلب ميزان القوى في موازاة فرض الائتلاف المعارض نفسه وأخذ التزامات للمستقبل. ولكن، بما أن أحداً لا يمكنه قطع تعهدات، فإن غالبية الأوروبيين لا تريد التقدم. إذاً، كل العناصر الحالية تشير إلى استمرار الوضع القائم باستثناء المحاولة الأميركية مع روسيا التي تتطلب دفع ثمن يمكن وصفه بأنه لا مفر منه.

> هذا يعني تراجع النفوذ الأميركي لمصلحة الروس في المنطقة.

– هذا تراجع نسبي. لم تتراجع الولايات المتحدة عندما فاوضت الفيتناميين في باريس عام 1968. وقد حصل ذلك مرات عدة في الصراعات الحديثة مع قوى قالت إنها لن تتحاور مع أعدائها. هذا ما فعله إسحق رابين عندما قرر التحاور مع منظمة التحرير الفلسطينية وكان أفضل وأكبر قيادي إسرائيلي منذ أربعين سنة. فهذا ليس بالضرورة ظاهرة ضعف ولكنه مؤشر واقعية.

المأزق الإيراني

> ماذا عن دور إيران في هذه المفاوضات؟

– بالنسبة إلى الولايات المتحدة الموضوع السوري ليس أساسياً، وأن يرأس سورية هذا أو ذاك فهذه ليست مسألة أساسية لهم. وفي نظرهم إذا كانت سورية العلوية أضعف يكون ذلك أفضل من وجهة نظر الولايات المتحدة إزاء الموضوع الإيراني، ولكن المسألة السورية ليست محورية لواشنطن. أوباما يرى أن الصين وفرص العمل في أميركا والاقتصاد والتبادل التجاري مع أوروبا هي المواضيع الاستراتيجية له. الأميركيون يتمنون أن يكون في سورية نظام ديموقراطي يحترم حقوق شعبه، ولكن هذا ليس حيوياً لهم. ولا يكلفهم شيء اتباع ستراتيجية تتمثل في مواصلة القول إنهم يطالبون برحيل الأسد ولكن، لم يعد ذلك شرطاً مسبقاً. هم يوافقون على الدخول في مسار مع روسيا لكي يروا إلى أين سيصلون في ذلك. وهذه من وجهة نظري واقعية أميركية لا تراجع نفوذ. أما بالنسبة إلى المسألة الإيرانية فالوضع مختلف. أعتقد أن السياسة الأميركية إزاء ايران هي نتيجة صدمة ولكنها غير ذكية. واشنطن في مأزق. فالعقوبات على إيران تؤثر سلباً في الاقتصاد الإيراني ولكنها ليست كافية لإسقاط النظام. والتهديدات بالتدخل العسكري الإسرائيلي أو غيره لم تكن لها فعالية بل بالعكس. كانت سياسة مد اليد التي اعتمدها أوباما في البداية أذكى لأنها نشرت الهلع في النظام الإيراني والتساؤل حول ما إذا كان ينبغي أن يستجيب أم لا، إلى ما أطلق نوعاً من ربيع في طهران توقف لسوء الحظ وقُمع بعنف. إذاً، ليس هناك أي سياسة فاعلة مع إيران. وأوباما حريص على ألا يدخل في صراع عسكري تجره إسرائيل إليه. وأنا مقتنع، ولكن ليس بناء على معلومات، بأن أوباما طلب من وزيري الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هيغل إيجاد حل يتيح له الخروج من المأزق الإيراني من دون أن يضطر للتدخل العسكري.

> هل يكون ذلك عبر المؤتمر الدولي حول سورية في جنيف؟

– لا، حول أمر آخر. ولكن، قد يكون المؤتمر حول سورية اختباراً. فإذا بدأ تعاون جديد بين الولايات المتحدة وروسيا حول سورية مع تغيير النظام فيها ولكن وفق جدول زمني مختلف كلياً، قد يكون ذلك عنصراً مفيداً في المسألة الإيرانية إذا وافقت روسيا على العمل مع الولايات المتحدة. وهذا قد يمهّد لحل بعد الانتخابات الإيرانية، على أن يقرر النظام الإيراني أن يتحاور يوماً ما مع الإدارة الأميركية وأن يوافق على صفقة. فإذا عملت روسيا مع الولايات المتحدة حول سورية خارج منطق المواجهة، يمكن ذلك أن يمثل عنصر ضمان لتسوية مع إيران. ولكن الخطر أن النظام الإيراني خارج السيطرة ولا أحد يتوقع كيف يعمل.

> هل ترى أن الصراع في سورية سينتهي مع بقاء الأسد في السلطة؟

– ليس مستبعداً أن يبقى لبعض الوقت، ولكن على المدى الطويل لن يمكنه أن يستمر في وجه زعزعة الأوضاع في العالم العربي ومطالبة الشعوب بالديموقراطية وشعلة البراكين المتكررة التي لا يمكن أحداً أن يسيطر عليها… على المدى الطويل لا يمكنه البقاء. ولكن، قد يضطر الجانب الأميركي للموافقة على بقائه موقتاً. أرى أن الأسد محكوم بالرحيل مع الوقت ولكن، لا أدري متى. هذا لا يعني أن الأزمة انتهت، بل ثمة مرحلة جديدة من المحاولة الدولية لإدارة الأزمة السورية. قد تستمر الأزمة مع تغير شكلها ومع بقاء الأسد في السلطة موقتاً.

> هل هذا يعني أن روسيا استعادت نفوذ القوة الكبرى في الشرق الأوسط؟

– لا، لن تستعيد هذا النفوذ كلياً لأنها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خسرت أراضي شاسعة ودولاً بما فيها أوكرانيا، إضافة إلى ذلك لديها موارد ضخمة من النفط والغاز ولكنها لم تتمكن من خلق اقتصاد حديث. وهي دولة حافظت على قدرة تخريبية. وبوتين يمثل الكرامة الروسية المجروحة والعزم على دفع الشعور القومي بنهج القائد السلطوي الحديث. ولكنه لا يستطيع الذهاب بعيداً في ذلك قبل أن يخلق اقتصاداً حديثاً. روسيا في بعض النقاط حافظت على أوراق وهي تستخدمها، وسورية إحدى هذه الأوراق.

> هل هُمش دور فرنسا في المؤتمر حول سورية؟

– الولايات المتحدة لا تملك التحليل الواضح حول المواضيع التي تكلمنا عنها، لذا لا شيء يمنع بلداً غربياً آخر وأصغر من الولايات المتحدة أن يشارك في المؤتمر، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا. تخطئ الولايات المتحدة إن لعبت وحدها، وينبغي أيضاً مشاركة تركيا والسعودية وقطر وبعد ذلك سنرى. هذه بداية مسار، ولا نتوقّع معجزة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى