صفحات الحوار

فيصل خرتش: لو كنت حاكماً لأصبحت مستبداً

 

 

انور محمد

أين موقع الروائي السوري الذي حاز في 1994 على جائزة نجيب محفوظ من الحرب السورية، انه إلى جانب الجماهير التي عانت من الاستبداد والتي لا حول لها ولا قوة، يبقى معها ولا يغادر وطنه وشعبه.

فيصل خرتش روائي سوري مُقيم في حلب، حائز على جائزة نجيب محفوظ للرواية عام 1994، وصدرت له تسع روايات، وله مسلسلان تلفزيونيان، وفيلم سينمائي عن روايته «تراب الغرباء» من إخراج سمير ذكرى حاز على أفضل فيلم سينمائي في مهرجان القاهرة عام 2000 وهو عن المفكِّر عبد الرحمن الكواكبي، التقيناه في هذا الحوار:

^ خمس سنوات من الحرب السورية، من الانكسارات والخراب… ماذا قدَّمت لها… روائياً ومثقفاً؟

} قدّمت روايتين ونصف رواية، الروايتان منجزتان بشكل نهائي، والنصف، هي رواية أيضاً تتحدَّث عن الواقع، لكنَّها لم تُنجز، وإنَّني أناضل لكي أطبع الروايتين في بيروت، لأنَّها أكثر انفتاحاً وتستوعب الآخر، وأعتقد أنَّهما مرعبتان… وفيهما أتحدَّث عن الخراب والدمار اللذين أصابانا، وقد اضطررت أن أسافر إلى «الرقة « و «دير الزور» مرات عدَّة لأتطلع على تنظيم الدولة الإسلامية، عن قرب، كل ذلك سجلته في روايتي التي تسمّى «دوار الموت»، عموماً أنا أنتظر وأراسل. وأمَّا ماذا قدَّمت لها كمثقَّف، فأنا أجلس في المقهى، والناس يمرُّون من أمامي، بعضهم قُتل أو استشهد، سمِّه كما تشاء، وبعضهم فقد، وبعضهم هاجر، وبعضهم سُجن، والحبل على الجرار. لقد كُنَّا نرتاد مقهىً، فنُسفَ لأنَّه يقع بجانب فندق الضباط، وبجانبه يقع الفندق السياحي، جئنا إلى المقهى، فوجدناه أثراً بعد عين. والفندق السياحي صار مهشّماً، ونادي الضباط، حدِّث ولا حرج، والساحة التي كنَّا نمرُّ فيها – ساحة سعد الله الجابري – مُنعنا من دخولها، فغيَّرنا إلى مقهى آخر، ونحن ننتظر الفرج. هل أعدِّد لك الذين قُتلوا أو استشهدوا من أقربائي؟ أم أعدِّد لك الذين هاجروا؟ سواءً إلى الساحل، أم إلى أوروبا… إنَّها هجرة وطن بكامله، فمن لم يسمح بقتله، سافر إلى أوروبا، وضاع فيها، أو ابتلعه سمك المتوسط.

الاستبداد

^ في رواياتك، وخاصة «تراب الغراب» عرضتَ ووقفتَ ضد الاستبداد، هل تغيَّر موقفك؟

} إطلاقاً أنا لم أغيّر موقفي، عبد الرحمن الكواكبي، هو القدوة لنا، الاستبداد ظاهرة تمتد عبر التاريخ العربي، وكلُّ الحكَّام والمسؤولين يتعرَّشون في الاستبداد، وهذا حقّ لهم، فهم يعرفون أنَّ شعوبهم لا يمكن أن تسألهم عن شيء من سرقات ونهب، وقتل ودمار، لهم ولأقربائهم، فإذا ما وعت هذه الشعوب، وسألت وقامت بالثورات، فالويل لها، وينصبُّ جامُ غضب الحاكم، أو المسؤول عليها، إنَّهم لم يتعوَّدوا على الديموقراطية، ولم يشاهدوها، الشعب أوعى منهم. وأنا لو كنت حاكماً لأصبحت مستبداً، وأنتَ كذلك، لأنَّنا لا نعرف شيئاً عن الديموقراطية أو ما هي الديموقراطية. إنّ العرب لا يفكِّرون في المستقبل، إنهم يعيشون أحلام الماضي، الماضي الذي اختاروه، والذي يقول لهم: «إنَّهم أمُّة من أفضل الأمم، وأنَّهم فتحوا العالم، وبشَّروا بالخير… إلى ما هنالك من هذا الكلام… هذا لا يفيد، فعلينا أن نفكِّر في المستقبل ونعايش الأمم ونراقب تطورها ونفعل مثلها.

^ شخصيات رواياتك أغلبهم مُستبدُّ عليهم، وهم من أسفل القاع الاجتماعي الحلبي، معدومون لكنَّهم يتنفسون، يحتالون على الحياة، ماتوا أم ما زالوا أحياء في هذه الحرب؟

} هؤلاء هم عشيرتي الأقربون، جزءٌ مني، ومن تكويني الثقافي والاجتماعي وأنت لم تقرأ لي منذ فترة طويلة، وغالباً، عندي الشخصيات المثقَّفة، والعاملة في الحياة أستطيع أن أقول لك وبكلِّ صراحة، هذه الشخصيات هي «أنا»، فمرة تلبس ثوب هذه ومرة تلبس ثياب هذا، أختاره من بين الذين أعرضهم، ثمَّ يصب فيَّ، ليأخذ منحى خاصا به، ويمضي إلى نهاية الرواية، وهذه الشخصيات موجودة، لا حول لها ولا قوَّة، هتفتْ مع الجماهير، وعندما تدخَّل العسكر، طلبتُ منها الوقوف، فهذا ليس مجالنا، وجلستُ وإياها في المقهى، نراقب بصمت، ونكتب.

^ أنت مثقَّف، بخلافها، مع أنّهم مصدر شرعيتك، كروائي، ألم تَجْنِ عليهم؟

} قلت لك، إنَّ هذه الشخصيات تحمل جزءاً مني، تحمل ما كنت أراه في طفولتي، ولكنَّها الآن صارت «أنا»، فهل يمكن للإنسان أن يجني على نفسه.

^ لكنَّهم حيِّزك الفكري والأدبي؟

} إنهم حيِّزي الاجتماعي، ليس لهم علاقة بحيزي الفكري والأدبي، في البداية أتعاطف معهم، أحبُّهم، ثمَّ أتخلى عنهم ليكونوا «أنا»، ومثل هذه الشخصيات ذاكرتي مليئة بها، ولا زلتُ أتعايش معها.

^ أنت وشخصيات رواياتك، هل تشعر أنكم كنتم تمثلون ضمير الثقافة السورية؟

} هؤلاء الذين يخيِّم عليهم البؤس، لا علاقة لهم بالثقافة السورية، وهم كانوا في المدارس، يصطفون قبل أن يأتي المدير، ويكيل لهم الشتائم. وهم الذين كانوا يخرجون في المسيرات، يعطونهم فعالية على أن يسلموها بعد أن تنتهي المسيرة، ويهتفون، ويهتفون بفرح وسعادة، وهم اليوم مشرَّدون لاجئون، سمِّهم ما شئت، فقد جاء أحدٌ ما وأعطى أوامره، واحتلت الحارة، و «طفش» سكانها، لا أحد يعرف إلى أين … والمنطقة أصبحت جهة مشتعلة، فأي ضمير للثقافة يمكن أن نمثله؟… يا رجل إنَّهم يتصارعون على الغنائم، وأربعة أو خمسة أيام من القصف المتبادل، ومن أجل ماذا، يقول لك: إنَّهم حررَّوا بناية، فخذْ من هذا الكلام وسطِّرْ.

^ أمام كلامك هذا، ماذا تقول للمثقفين الذين تركوا سورية، لأمراء الحرب وفرُّوا…؟

} لكلِّ واحدٍ ظروفه، ناسٌ هُدمت بيوتها، وآخرون قتل نصف عائلتهم أو كلّها، وهناك من كان سجيناً من أجل فكرة ما، أنا لا ألومهم، لكني ألوم نفسي، فلماذا ما زلت قاعداً، أتفرَّج على القصف والقتل، وانقطاع الكهرباء، والمياه، لماذا لا أرحل عن هذا الذي يسمُّونه وطناً، منذ فترة قصيرة التقيت بشاب فلسطيني، استوقفني الشاب، وقال لي لماذا لا تهاجر؟ قلت له: إنَّ زهوراً بحاجة إلى الحياة، وأنا سوف أسقيها … هنا وطني … فهل يهاجر المواطن عن وطنه. وهؤلاء، الذين هاجروا عن الوطن، غداً يعودون، وسوف يتقاتلون على فتات الكعك التي تركها الآخرون، ونحن، إنْ بقينا أحياء، سوف نكتب عنهم وسيمنعوننا من الكتابة، إنَّها الدوامة.

(كاتب سوري)

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى