صفحات سوريةفراس قصاص

في أزمة المجلس الوطني السوري ومستدعيات دمقرطته


فراس قصاص

صار واضحا الى درجة كبيرة، أن المجلس الوطني السوري الذي اعلن الثوار السوريون انه يمثلهم، يعاني من ازمة خطيرة تتكاثر تعقيداتها يوما بعد يوم ،وأن البعض، خصوصا أنصار الثورة السورية، يرون انه تحول بالفعل إلى عبء حقيقي يثقل على عاتق الثورة ويشدها الى الخلف. بينما كان متوقعا على نطاق واسع ان يشكل المجلس بمجرد تأسيسه حجر الزاوية السياسي في إدارة ملفاتها بشكل مثمر وفاعل وبما يساعد على توفير عوامل إنجاحها.

حجم السلبية الذي أظهره المجلس الوطني في تعاطيه مع شؤون الثورة، والبطء الشديد الذي يعانيه في الاستجابة للمعطيات المرتبطة بها، واستمرار الاستعصاء الذي تعيشه حالته، والصراع والتنافر الذي تشهده أروقته، يزيد من القناعة بأن الازمة التي يعاني منها المجلس الوطني بنيوية، وهو ما يدفع بإرجاعها الى القوى التي تداعت الى تأسيسه وأمست القوة الفاعلة الاساسية فيه والى الأسس التنظيمية التي اعتمدتها في بنائه .

ولأنها قوى معارضة سورية تقليدية ،لم تتوفر دلائل كافية على أنها تحررت من عصبياتها او استوعبت حساسية المرحلة وما تقتضيه، كان طبيعيا أن لا تتناغم مع روح الثورة وترتقي الى مستوى تضحيات الثوار وإنكارهم الاسطوري لذواتهم، فعملت على تأسيس المجلس وفقا لقاعدة التوافق التي تخفي إراداتها في الهيمنة، قاعدة التوافق الذي لا يشير بدلالاته إلا الى المحاصصة، لم تدرك هذه القوى، وهي صاحبة الخبرة التي تفتقد الى الاصالة في علاقتها بالديمقراطية، بأن نبذها للديمقراطية كقيمة عملية في هيكلة وتنظيم العلاقات الداخلية للمجلس الذي تؤسسه، واعتماد التوافق/المحاصصة فيما بينها، سيؤدي حتما الى إصابته بخلل بنيوي يمنعه عن أداء وظيفته على النحو المطلوب. لم تتجذر في خبرات هذه القوى التنظيمية، أن ابتعاد أي منــــتظم سياسي عن الديمقراطية في علائقه الداخلية، يصيب بنيته بالضعف والتفكك ويمنعها من الاستقرار ويفقدها وحدتها البنائية، فللديمقــــراطية الداخلية دور مركزي في تكوين البنى السياسية الناجحة والمنسجمة والفعالة، من حيث هي التي توفر الامكانية للتراكب والتمفصل الضروري بين مختلف الدوائر التنظيمية وتخلع عليها التماسك، وهي التي تتيح تموضع مراكز الثقل وتوزع منصات التأثير داخلها. الديمقراطية الداخلية وحدها من يوفر القدرة لأي مؤسسة سياسية على الاستقرار الهيكلي مترافقا مع التفاعل الحيوي الداخلي بوصفه العامل الاهم في سلامة الوظيفة المطلوبة منها .

على أن دور وأثر تلك القوى في احداث التشوه البنيوي/الوظيفي في المجلس الوطني بوصفها نافذة وحيدة فيه، لا يقف عند حد التفريط بالديمقراطية وعدم اللجوء اليها في هيكلة المجلس وعلاقاته الداخلية، بل يصل الى طبيعة إدارتها لدفته السياسية وصناعة القرار السياسي فيه، فكونها قوى نخبوية وأيديولوجية لم يتسن لها أن تتجاوز انغلاقاتها، ولم يتح لها أن تختبر السياسة والعمل السياسي الطبيعي، بسبب الاستبداد السياسي، انعكس انقطاعها عن الواقع الساخن وعن التعاطي الخلاق والمثمر معه على ادائها في المجلس الوطني وتاليا على الممكنات العملية التي يمكنه حيازتها، فجاء سلوك المجلس عاجزا ومقتصرا على الجانب الإعلامي والدبلوماسي الارتجالي، مبتعدا عن التأثير في فصول الثورة، بالمعنى الملموس والخلاق للكلمة، كما تكرس فيه التعاطي النخبوي الوصائي مع ارادة الثوار والتأخر في نقلها كما هي الى العالم.

إن أداء المجلس الوطني السوري الهزيل ونكوصه عن الوفاء بمقتضيات التفاعل الايجابي مع التحديات التي تواجهها ،فاقم من فواتير الثورة البشرية والوطنية في سوريا، وأظهر إلى أي حد تبلغ أهمية دمقرطة شؤون المجلس الداخلية وإعادة هيكلته وفقها، فالاستمرار بدونها سيؤدي الى تكاثر النزعات التدميرية بين مكوناته، ستتضخم إرادات الهيمنة على حساب المعنى السياسي والمحتوى المشاريعي لجميع الفاعلين في حالته، ستنشأ علاقات تخريب داخلية خلاصتها المحسوبية وتبادل المنافع والمكاسب على حساب الهدف العام ،سيتكرس العجز الاداري وستترسخ عوامل الابتعاد عن الثورة والثوار، ستختنق الكثير من المبادرات الذاتية والمهمة للعديد من القوى المنضوية فيه. ودون هذه الدمقرطة سيستمر خضوع المجلس بشكل مطلق لنفوذ قوى عاجزة على نحت مسارات عملية ومنتجة، يومية واستراتيجية، ضرورية للثورة، هذا النحت الذي يتطلب بنية سياسية متماسكة ومتفاعلة فيما بين عناصرها ،تتعاطى السياسة وفقا لأبعادها المعرفة لها، الواقع والعلم والممكن، بالعمل على الواقعي وفقا لما هو علمي لتحقيق ما هو ممكن .

‘ كاتب وناشط سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى