صفحات العالم

ارتباك إيراني أمام خسارة الأسد بعد “حماس” ومحاصرة “حزب الله”


أسعد حيدر

لم يسبق أن بدا الارتباك على السياسة الإيرانية كما هو اليوم. تعيش إيران على وقع مواجهات وأزمات عديدة في وقت واحد. تقف إيران أمام مفترق طرق نتيجته الانعطاف الحاد نحو مواجهة تغييرات استراتيجية لم تتحضّر لها أو فكّرت بها. الشعور بالهزيمة دائماً يكون أقسى من الهزيمة نفسها حتى ولو كانت محدودة، فكيف إذا كانت تتناول قطاعات استراتيجية منها الخارجي وله أبعاد ايديولوجية، ومنها الداخلي المباشر الذي له ارتدادات على الاستقرار الأهلي.

تكابر القيادة الإيرانية بكل مكوّناتها حول خسارتها للنظام الأسدي. القيادة الإيرانية تعرف جيداً، وهي المطّلعة على تفاصيل التفاصيل لهذا النظام ومكوّناته، أنها مهما ساندته بالمال والخبراء والسلاح، فإنّ بقاءه لم يعد مقبولاً وإنها وروسيا لن تستطيعا إنقاذه. أقصى ما تستطيعانه، بعد مفاوضات مرتفعة التكاليف المحافظة على جزء من هذا النظام تحت بند الحفاظ على الدولة السورية حتى لا “تتعرقن” سوريا، ويرثها إسلاميون متطرفون، لم يولدوا من فراغ، وإنما ترعرعوا ونموا في كنف النظام الأسدي الذي قام بتصديرهم إلى العراق، وها هم يهاجرون إليه في هجرة مضادّة طالما حذّره العراقيون من حصولها.

خسارة النظام الأسدي بالنسبة للقيادة الإيرانية خسارة مزدوجة، لأن الجانب الآخر منها هو: ما العمل بـ”حزب الله”؟ مهما بدا “الحزب” جسماً مستقلاً فإنّه واقعياً يبقى خاضعاً لحاجته لـ”الوريد” الجغرافي السوري. أيضاً سقوط النظام الأسدي يغيّر المعادلات الداخلية في لبنان. لا يبقى أمام الحزب سوى القبول بأن يكون جزءاً متساوياً مع باقي الأفرقاء، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو المغامرة في الاستيلاء على لبنان عسكرياً مما يفتح “أبواب جهنم” عليه، لأنّه سيجد نفسه مقطوعاً وربما محارَباً من النظام السوري الجديد ومحاصَراً بحالة من الردع العسكري من القرار 1701 وخطر الحرب الإسرائيلية الشاملة. طهران غير قادرة أو مستعدة للمغامرة بمصير “الابن الشرعي الوحيد لها” مما سيحمّلها أعباء ومسؤوليات إضافية.

تدرك القيادة الإيرانية، أنّها خسرت حركة “حماس” في فلسطين. عادت “حماس” إلى قواعدها “الاخوانية” سالمة. “حماس” كانت تشكّل لإيران “بوابة” مهمّة لفلسطين خارج القطاع الشيعي المتجسّد في “حزب الله”. فجأة ودون استعدادات انهارت هذه العلاقة بسبب سوريا. قد تعود العلاقات بين “حماس” وطهران لكن من موقع مختلف فيه الشيء الكثير من النديّة والحاجة المتبادلة والفهم المشترك للمنابع المختلفة للطرفين. يمكن للقيادة الإيرانية الردّ بأنّه ما زال لها ومعها حركة “الجهاد الإسلامي”. لكن طهران تعرف أن “حماس” التي “كرسحت” “فتح” في غزة، لا تأخذ منها “الجهاد” سوى ساعات إذا خرجت عن “خطوطها الحمراء”.

داخلياً، تتجاهل إيران كلياً مفاعيل الربيع العربي، لا بل تعتبر أنّ جزءاً مهماً من “الربيع” يصبّ في “طاحونتها”. الإسلاميون يزحفون إلى السلطة في أرجاء العالم العربي. هذا خبر جيد بالنسبة إليها. قبل الرئيس محمد مرسي، كان من الصعب إقامة علاقة مباشرة، الآن أصبح ذلك ممكناً. أيضاً إنّ خطر انفجار “انتفاضة خضراء” ثانية تراجع كثيراً. نجحت السلطة الإيرانية في قمع “الانتفاضة” بأقل كلفة شعبية ممكنة وليس كما فعل النظام الأسدي الذي استخدام طيرانه ودباباته فأوقع عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين والمعتقلين وبقي مصيره معلقاً على مفاوضات خارجية وصمود الثوار.

هذا النجاح يقابله فشل آخر يهدّد بثورة يمكن أن تكون “ثورة الخبز والفقراء”. لأوّل مرّة تجد القيادة الإيرانية نفسها أمام خطر امتداد نار الاعتراض الشعبي إلى الطبقات الفقيرة من جنوب طهران إلى أعمق أعماق الريف الإيراني وفي وقت واحد في “زلزلة” الوضع المعيشي للطبقة المتوسطة المتضرّرة أصلاً منذ “الانتفاضة الخضراء”.

خريطة الغلاء الناتجة عن ذلك ضربت المواطن المتوسط، فكيف بالفقير في لقمة عيشه اليومية؟ استناداً إلى أرقام البنك المركزي الإيراني المنشورة في الصحف وأبرزها “جمهوري إسلامي” (30/6/2012) فإنّ “نمو الأسعار بلغ 34,2 في المئة وهذا يعني ارتفاع كلفة الإنتاج نحو 34 في المئة قياساً للعام الماضي ما أدى الى ارتفاع أسعار المواد الأولية واليد العاملة وأسعار الطاقة، وبذلك ارتفعت عوامل الانتاج 37 في المئة مقارنة بالعام الماضي، كما ارتفع مؤشر الاستهلاك نحو 21 في المئة في حين كان في العام الماضي 14 في المئة، ويصف البنك المركزي هذا الفارق بـ”المخيف”.

الترجمة العملية ارتفاع أسعار الحليب والخبز بنسبة 30 في المئة و25 في المئة. أما عن اللحوم ومشتقات الألبان والمعكرونة والفاكهة فالأسعار أصبحت فوق مستوى المواطن العادي. وقد ساهم في رفع الأسعار، ارتفاع كلفة الإنتاج. ذلك أنّ كلفة إنتاج المزارعين لكلغ الحليب وصلت الى 800 تومان وكلفة إنتاج كلغ الحنطة 500 تومان ومن الطبيعي في هكذا وضع أن المزارع لا يمكنه بيع كلغ الحليب للحكومة 630 تومان أو كلغ الحنطة 450 تومان (الأرقام كما أوردتها صحيفة جمهوري إسلامي في 12/6/2012).

في مواجهة هذا الارتفاع في الأسعار وتضخم نسبة البطالة إلى أكثر من 20 في المئة ردّت حكومة نجاد برفع نسبة تقديمات الاقتصاد الريعي إلى ثلاثة آلاف تومان للشخص الواحد في الشهر. وقد ادى هذا الدعم الى زيادة التضخم باعتراف مسؤولين إيرانيين، أي مضاعفة أسباب ومظاهر الأزمة الاقتصادية.

أما الإرباك الواضح فإنّه متبلور في سياسة الضدّين في وقت واحد. في الوقت الذي يزور فيه قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري الجزر الثلاث مؤكداً أن الجزر “أراضٍ استراتيجية وحساسة بالنسبة لإيران” يعلن أنه “يمد يد الصداقة والاخوّة إلى الدول الإسلامية وخصوصاً دول جنوب الخليج الفارسي”. وفي الوقت الذي يتم فيه إطلاق الصواريخ على أهداف مفترضة لقواعد أميركية وعربية في الخليج، يعلن الجنرال محسن رضائي أمين سر مجلس تشخيص مصلحة النظام أنّ بلاده تبحث “إقامة اتحاد مع دول المنطقة على غرار الاتحاد الأوروبي”. وفي الوقت الذي تتفاوض فيه مع الغرب حول ملفها النووي، والهدف الرئيسي لها منع الانزلاق نحو الحرب، فإنّ مائة نائب يقدمون قانوناً لإغلاق مضيق هرمز في وجه الدول التي تقاطعها. وفي الوقت الذي تؤكد فيه يومياً أنّ العقوبات لا أثر لها عليها، فإنّ محاولاتها للحصول على ملايين الأطنان من القمح من خلال اتفاقات مقايضة مع الهند والباكستان فشلت.

يؤكد الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس “أنّ دولاً مثل أميركا وروسيا لم تصل إلى الإنجاز الذي وصلت إليه الصواريخ الإيرانية في دقّة إصابتها لأهدافها”. حتى لو كان هذا صحيحاً، ما فائدته إذا كانت إيران تماماً كما حصل مع الاتحاد السوفياتي ربحت الفضاء وخسرت الأرض؟!.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى