صفحات العالم

في الاستثناء السوري

 


زياد ماجد

تشكّل سوريا منذ آذار 2011 إستثناءً عربيًّا حقيقياً. إستثناء لم يعد محصوراً بكون نظامها هو الأكثر استبداداً وفساداً بين الأنظمة العربية فحسب، بل صار مرتبطاً كذلك بكون شعبها هو الأكثر شجاعة وإقداماً بين شعوب المنطقة في مواجهته لدموية أجهزة الأمن وفي توقه للتحرّر والعيش بكرامة.

فمنذ آذار الفائت، سقط بنيران القمع في سوريا أكثر من ألف قتيل واعتقلت المخابرات أكثر من 13 ألف مواطن ومواطنة، واضطُر مئات الناشطين السياسيين والمثقّفين الى التخفّي كي يستمرّوا في العمل والكتابة والشهادة على ما يجري في بلدهم. نحن إذن أمام ثورة بكل ما للكلمة من معنى. ثورة لم تعرف منطقتنا العربية مثيلاً لها من قبل، لا في القرن الماضي ولا في الربيع العربي الراهن. ذلك أننا لم نشهد مرّة قبل درعا والصنمين ودوما وحمص وحماه وبانياس والبيضا وتل كلخ وغيرها من البلدات والمدن السورية التي نكتشف أسماء بعضها منذ أسابيع، مظاهرات تخرج الى الشوارع يومياً هاتفة للحرية والكرامة في مواجهة الدبابات والرشاشات الثقيلة. لم نشهد شجاعة وكبرياء ومثابرة الى هذا الحد، وبطشاً وسادية وقدرة على التنصّل من كل انتماء إنساني الى هذا الحد أيضاً.

هو استثناء سوري إذن، يجعلنا نحن المتابعين المعنيين بالحدث وأهله، قلقين صبيحة كل يوم جمعة خشية أن يكون القتل والتعذيب خلال ما فات من أيام قد نالا من عزيمة الناس. فإذا بالصور والأصوات العارية تعاجلنا بجرعات أمل واعتزاز وإعجاب… وإذا بها تعيد لعبارات استثقلناها لكثرة ما استُخدمت كامل معانيها، فتغدو “البطولة” توصيفاً دقيقاً لموقف، ويصير “الصمود” كلمة عادية لوصم سلوك.

وهو استثناء سوري أيضاً، لأنه يحرّك في محيط سوريا عامة، وفي لبنان خاصة، أنبل المشاعر وأحطّها.

لسوريا الشعب الاستثنائي، ألف وردة وشمعة…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى