كتب ألكترونية

في الثورة/ حنة أرندت

في البدء كانت الثورة: قراءة في كتاب حنّة أرندت

عبد الرحيم خالص

 

في الثورة. ط 1. ترجمة عطا عبد الوهاب، ومراجعة رامز بورسلان.

(بيروت: المنظمة العربية للترجمة ومركز دراسات الوحدة العربية)، 447 صفحة.

مقدمة:

في البدء كانت الثّورة، والآن هل تأسّسَت الحُرِّيَّة؟

إن هدف السياسة عامة لا يبتعد كثيراً عن الغاية الأساسية التي تجمع الحرب بالثورة حسب حنة أرندت Hannah ARENDT. تلك الغاية هي “قضية الحرية إزاء الاستبداد” (ص 13)؛ فالثورة لا تقوم إلا من أجل المطالبة بالحرية، فتندلع الحرب من أجل نيلها. وفي هذا الإطار، من المفروض على الشعب مواجهة “القاسم المشترك” (ص 23) بين الثورة والحرب، والذي هو العنف، إذا ما أراد نيل الحرية السياسية.

هكذا، تؤمن أرندت بالفعل الأول المسجل في العُرف التوراتي والعلماني، والذي يعتبر “أن العنف كان البداية، وعلى هذه الشاكلة فما من بداية يمكن إحداثها من دون استخدام العنف” (ص 25) ولذلك، فإن العنف هو الفعل المؤسس للحرب، وبما أن العنف هو القاسم المشترك للثورة والحرب، فإن غاية الثورة تكمن في أن تصبح بدورها الفعل المؤسس للحرية، ولكن بأي معنى تؤسس الثورة للحرية؟ وما معنى الثورة؟

إن هدفنا من خلال قراءة مختصرة لكتاب “في الثورة”، لا يعني محاولة تلخيص المضامين الرئيسة التي يعالجها الكتاب أو محاولة تبيان مختلف الاستنتاجات التي توصلت إليها صاحبة الكتاب، بقدر ما يتجلى هدفنا الأساسي في محاولة الكشف عن “غير المعلن” في فعل الثورة بما هي فعل تأسيس حسب أرندت. ولذلك، سوف نحاول من خلال الفصول الستة للكتاب سَبر أغوارها للكشف عما هو مستور ومخفي بين سطور الثورة السياسية، لا سيما حين تندلع شرارتها دون سابق إنذار.

وسوف نحاول حصر تلك العملية الكشفية في ست نقط أساسية، وذلك بحسب تقسيم الفصول الذي اعتمدته أرندت.

1-في معنى الثورة:

لقد ارتبط فعل الثورة ـ حسب أرندت ـ منذ العصور القديمة بتحول في شكل الحكومة تارة وبدورة طبيعية في التاريخ الإنساني تارة أخرى، تحكم الواقع الملموس بشرياً لتغيره بالعنف (أو بدونه) نحو شيء جديد أو حالة جديدة مخالفة للواقع الأصلي. وكأن كل ذلك، إنما يقودنا إلى طبائع الإنسان المتأصلة في رغبته الجامحة في التحرر من كل القيود التي تعترض حياته الخاصة والعامة.

وما بين الطبيعة البشرية المحكومة بالغلبة عن طريق العنف في بدايات الحياة الإنسانية وبين الرغبة الجامحة في التحرر من عقال ذلك العنف وتلك العبودية، اخترع الإنسان فكرة البداية بما هي فكرة إبداع تجربة حياة جديدة (ص 39). تلك التجربة هي التي يسعى من خلالها الإنسان الثوري – حسب أرندت – إلى خلق حالة من المساواة الاجتماعية، ليس لأن الناس ولدوا متساوين، بل لأنهم بالطبيعة غير متساوين؛ ولذلك وجب صناعة تجربة بداية جديدة تساعدهمعلى العيش متحررين ومتساوين أمام الطبيعة القانونية للمدينة الدولة. فالحرية وكذلك المساواة لم يسبق للإنسان من قبل فهمهما كصفتين كامنتين في الطبيعة البشرية، “منحتهما الطبيعة فنشأتا نشوءاً ذاتياً، إن المساواة والحرية مصنوعتان، وهما من منتجات الجهد الإنساني ومن صفات العالم الذي خلقه الإنسان”. (ص 41)

ولذلك، تحتاج الحرية دوماً لمكان أفسح ليلتقي فيه الناس من أجل التعبير عنها. وتوفر المساواة القانونية في ولوج ذلك “المكان”، قد يسهم في التأسيس لمجال سياسي مناسب لبلورة المساواة في صناعة الحرية ثم التحرر لصناعة المساواة. وما بين المساواة والحرية يلعب العنف كبداية لحالة جديدة دوراً أساسياً في إحداث التغيير، بل إنه شرارة اندلاع الثورة. “ولكن العنف لا يكفي لوصف ظاهرة الثورة، وإنما التغيير هو الوصف الأجدر بها، ولا يمكننا الحديث عن الثورة إلا حين يحدث التغيير ويكون بمعنى بداية جديدة، وحين يستخدم العنف لتكوين شكل مختلف للحكومة لتأليف كيان سياسي جديد، وحين يهدف التحرر من الاضطهاد إلى تكوين الحرية”. (ص 47)

إن التغيير الذي يحصل في بعض الأمور أحياناً من حولنا، ومن دون فهم دقيق مِنّا، يجعلنا نتصور ذلك التغيير بكونه ثورة. وهذا ما حدث فعلاً لِـكيبرنيكوس COPERNICUS حينما لاحظ تغير حركة النجوم غير الاعتيادية فوصفها بالثورة؛ ولذلك نجد الكثير من المفكرين يربطون ظهور مفهوم الثورة بمجال العلوم الفلكية. إنها أشبه بالانتقال من عالم قديم إلى عالم جديد، يولد لتوه بفضل عملية التغيير التي تُحدث فعل تأسيس جديد (ص 57 و58).

2-المسألة الاجتماعية وبداية الثورة:

في البداية كانت الثورة، والآن نحاول بكل جدية أن نستنشق عبير الحرية. لقد ساهم الفقراء بجانب البؤساء في صناعة الثورة الفرنسية على خلاف الثورة الأمريكية، حسب أرندت. إن البؤساء كما يقول سان جوست SAINT-JUST، لا يقاومون قوة الأرض، وذلك بمساهمة من الضرورة والعنف (ص 158). إن “الضرورة”، في هذا الإطار وضمن المسألة الاجتماعية المتعلقة برغبة البسطاء من الشعب وكل التعساء بالتحرر من أَسْر الحياة المُظلمة، هي “العملية البيولوجية الإحيائية” التي “تقدم الحياة التي تتغلغل في أجسادنا وتبقيها في حال مستمرة من التغيير (…) ولا تُقاوم، بمعنى أنها مستقلة عن حاجات ملحة طاغية”. (ص 81)

إن الوجود البشري يتطلب استمرار القوى الثورية بالوجود في الحياة السياسية، اعتماداً على مدى تحقيق رغبة الرجال الثوريين في التحرر من كل بداية. وقد يكون ذلك من أجل نهاية مستقرة ومتسمة في النهاية بالحرية من جهة، وقبل أن تفوتنا “لحظة العثور على الحرية” على حد تعبير روبسبيير ROBESPIERRE من جهة أخرى. (ص 83)

يجب على جماهير الشعب إذن، أن تواجه قضية الضرورة الملحة من أجل قضية المساواة الاجتماعية؛ ولذلك ينبغي عليها اللجوء إلى الميدان السياسي، باعتباره “الميدان الوحيد الذي يمكن فيه للناس أن يكونوا أحراراً حقاً”. (ص 158)

3-السعي وراء السعادة:

إن السعي للحرية، حسب أرندت، كثيراً ما كان طريقه مُلغماً جداً بالعديد من القضايا المشبوهة؛ ففي الثورة الفرنسية وكذلك الأمريكية والبلشفية، كان الشعب، في الأولى، وقوداً للوصول إلى رماد المهزومين وتنصيب نظام حكومة ثورية على أنقاض جهود الملايين الذين جاهدوا في سبيل البداية الجديدة التي كانوا يرغبون فيها، ويؤمنون بالقدرة على تأسيسها، بينما كان الشعب في الثانية الروح الثورية التي تستحق المغامرة في سبيل اكتشاف المجهول بعد حياة غير مستقرة وغير منتجة بالشكل الذي يبدو فيه العالم الجديد آنذاك أمام الملايين التي هاجرت إلى أمريكا من المستعمرات الإنجليزية، سواء برغبة التحرر وصناعة الحرية أو برغبة التأسيس لمبدإ المساواة في الطبيعة الاجتماعية التي يشترك الجميع في صنعها. أما الثالثة، فقد كانت الصورة الأكبر لأسوأ نموذج لم يعترف إطلاقاً بفعل الثورة كفعل تأسيس للحرية، بقدر ما جعل من الحرية آخر ما يمكن التفكير في صنعه. لكن بالمقابل، كان التحرر هدفاً ميسوراً وقريباً من أيادي القادة البلشفيين.

وكيفما كانت شروط وظروف الشعوب التي قادت مختلف الثورات التي عرفها العصر الحديث حسب أرندت، فإنّ الحرية العامة أو السياسية، والسعادة العامة أو السياسية، كانت ولازالت إلى اليوم – في نظرنا المتواضع – “هي المبادئ الملهمة التي هيأت العقول لأولئك الذين فعلوا آنئذ ما لم يكونوا قد توقعوا فعله قط، والذين كانوا في الغالب مضطرين للقيام بأفعال لم يكن لديهم ميل سابق للقيام بها” (ص 171).

من هذا المنطلق، ساهم المدافعون عن الحرية من خلال خيطهم الناظم لرغبتهم في التحرر من عقال الثبات الذي يفرضه عليهم نظام الحزب الوحيد الذي يقودهم نحو السير في الطريق المظلم؛ وبالتالي، كان لابد من فعل تأسيس يشحن النفوس ويقود العقول إلى التفكير في سبل العيش الرغيد والحر.

لقد كانت الفكرة المركزية للثورة، أيّة ثورة مستقلة، هي تدشين بداية متغيرة، تقود إلى “تأسيس كيان سياسي يضمن المجال الذي يمكن للحرية أن تظهر فيه” (ص 147). فكل تأسيس سياسي جديد، على شاكلة الفضاء العام الذي يسمح لكل الناس بالتحدث في المسائل العامة والشؤون السياسية التي يشتركون فيها، والتي تهم حياتهم الجمعية، يعني بداية إطلاق العنان لفعل تأسيس تُطلق فيه الحرية بدورها العنان لأشعة شمسها لتطل على مسرح ولادة الكيان السياسي الجديد. (ص 175)

4-تكوين الحرية كهدف للثورة:

إن الهدف النهائي للثورة هو تكوين الحرية، ويشبه ذلك مسألة صياغة الدساتير في ظل كل وضعية سياسية غير مستقرة دستورياً، أو وضعية سياسية حديثة العهد بطرق التأسيس لنظام سياسي جديد أو كيان سياسي جديد. فتأسيس الحرية يشبه تأسيس الدساتير، غير أن الأولى تحتاج إلى روح ثورية، بينما يحتاج الثاني إلى كيان سياسي يمتلك مشروعية التأسيس. (ص 204)

فإذا كانت الدساتير هي المحصلة النهائية للثورات، فإن الهدف النهائي التأسيسي للثورة هو الحرية، وكلاهما: الدستور والحرية، لا يمكن بلوغهما ـ حسب أرندت – إلا من خلال كيان سياسي جديد، يعلن بداية فعل تأسيس يكون الأساس الأول والأخير لصناعة الدستور وتكوين الحرية: إنه فعل الثورة (ص 228). هل يعني ذلك محاولة الاعتراف بأن مهمة الثورات كانت في السابق إنشاء سلطة سياسية حاكمة جديدة؟ وبالتالي، لم يعد اليوم ذلك هدفها المحض أمام تطور مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة والدستور والفضاء العام و”المواطنة العالمية”؟

5-هل يمكن للثورات أن تُؤسس لنظام عالمي جديد؟

هل يمكن للثورة كفعل تأسيس أن تصنع لنا نظاماً عالمياً جديداً؟ مع العلم بأن غاية الثورة النهائي – حسب أرندت – ليس تغيير النظام العالمي، وإنما تأسيس كيان سياسي جديد ينعم فيه المواطنون بحرية سياسية وسعادة سياسية تام. إن معنى ذلك أن الحرية هي غاية الثورة، وإذا كان ذلك هدفاً “بدهياً”، فيمكننا أيضاً إدخال نشأة الدساتير ضمن الهدف نفسه، وإن كان ليس بالدرجة نفسها من مكانة الحرية.

ويعود هذا الاختلاف إلى أن الدساتير هي قوانين يجب أن تكون في مقام الضمانة الأساسية لتوفير الحرية بخلاف ما كانت عليه سابقاً، حيث المِلكية هي الضامنة الأساسية للحرية (ص 262). لذلك وضعنا صناعة الدستور بعيداً عن الهدف الأسمى للثورة، وجعلنا تأسيس الحرية طريق الفعل الثوري النبيل.

وتتلخص فكرة الثورة كفعل تأسيس من خلال تعبير أرندت بالحرف الواحد، حيث تقول: “إن التأسيس، وهو يحدث الآن لأول مرة في وضح النهار ويشاهده الحاضرون جميعاً، قد كان لآلاف السنين هو الموضوع لأساطير التأسيس التي حاولت المخيلة أن تبلغه في ماض، وأن ترده إلى حدث لا يمكن للذاكرة أن تصل إليه. ومهما يكن ما نجده بشأن الحقيقة الفعلية لمثل هذه الأساطير، فإن أهميتها التاريخية تكمن في الكيفية التي بها حاول العقل الإنساني أن يحل مشكلة البداية، مشكلة حدث جديد غير مترابط يقتحم التسلسل المتواصل للزمن التاريخي”. (ص 298 و299)

يتضح، من خلال المقطع أعلاه، أن فعل التأسيس مرتبط بـ”الكيفية التي حاول بها العقل الإنساني أن يحل مشكلة البداية، مشكلة حدث جديد”، والذي يسعى إلى “نهاية النظام القديم وبداية النظام الجديد” (ص 299). إذن، فالثورة هي حصيلة ما بين البداية والنهاية، ما بين قديم وجديد، وما بين “الأمر الذي لم يعد قائماً والأمر الذي لم يحدث بعد”، أو بكل اختصار ما بين العبودية والحرية.

6-الروح الثورية وصناعة الحرية

لم تنجح كلّ “الأفعال التأسيسيّة” في تحقيق مبتغاها السياسي الأول. فالبلدان التي كانت سياساتها الاجتماعية منفتحة أكثر على العموم، لم تكن بالضرورة النموذج الأكثر نجاحاً للثورة، بل لقد عرفت نماذج مغلقة في سياساتها الاجتماعية، كالأنظمة الملكية الطاغية كما في فرنسا، نجاح الثورة، وإن بمقاييس متذبذبة في النتائج، وذلك على مدى عقود متواصلة. أما اليوم، فنكاد نجزم بأن الأنظمة السياسية الناجحة والأكثر ديمقراطية هي الأنظمة السياسية التي قيدت من سلطات حكوماتها القيادية وفتحت باب المشاركة لجميع الأطراف السياسية وفصّلت في الحقوق المدنية والسياسية؛ الأمر الذي مكنها بالفعل من تحقيق ثورات تأسيسية منتهية بشروق شمس الحرية على معظم شرائحها الاجتماعية ودواليب كياناتها السياسية الجديدة. (ص 319)

“إن روحية الثورة، حيث الحدث الأعظم في كل ثورة من الثورات هو فعل التأسيس، تتضمن عنصرين هما ـ على ما يبدو لنا ـ عنصران لا يتوافقان، بل هما متناقضان”، هذان العنصران هما: “الاهتمام بالاستقرار” و”روحية التجديد”.

 

ويتضح ذلك التعارض، حينما ننزع بالبداية الجديدة التي نود تأسيسها إلى الجمع بين حالتين غير متماثلتين: الأولى، هي رغبتنا في الحفاظ على الاستقرار من خلال تفادي الزّجّ بنا في دوامات العنف؛ والثانية، هي رغبتنا في التجديد من خلال الانعتاق نحو التحرر. وكلتا الرغبتين ممزوجتان بفكرتين متعارضتين: العنف من جهة، والحرية من جهة أخرى.

إننا نتوق إلى التحرر من عقال القديم والدخول إلى عهد جديد ونظام جديد يتسم بالحرية، لكن من دون الانزياح نحو العنف. في حين، أنه لا ثورة من دون عنف حتى وإن تم إخفاؤه وممارسته تحت مسميات وألقاب أخرى. فأين تجد هذه الأضداد مبررها في الجمع بين تحديدين متباعدين: النهاية والبداية، القديم والجديد، العنف والحرية؟

تجيب أرندت قائلة: “من المؤكد أن هذه الأضداد تجد أصلها، وفي النهاية مبررها، في التجربة الثورية بأسرها، ولكن المقصود بالأمر هو أن هذه الأضداد في فعل التأسيس لم تكن أضداداً بصفة حصرية متبادلة، بل كانت وجهين للحدث ذاته، ولم يحدث إلا بعد أن بلغت الثورات نهايتها، بالنجاح أو الهزيمة، أن افترقت الأضداد بعضها عن البعض الآخر وتصلبت في معتقدات وأخذ بعضها يتعارض مع البعض الآخر” (ص 328). وإذا “كان التأسيس هو هدف الثورة وغايتها، إذن فإن الروحية الثورية ليست مجرد روحية البدء بشيء ما جديد، بل هي البداية بشيء دائم ومستمر بالبقاء”. (ص 341)

ختاماً، يمكن القول: إن الثورة تعالج إشكالية الولادة. إن البحث عن التحرر من خلال نيل الحرية هو الطريق الأقرب لدى رجال الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية لتدشين بداية جديدة؛ لأنهم بالطبيعة “هم أنفسهم بدايات جديدة وبالنتيجة بادئون، وبأن طاقة البداية ذاتها متجذرة بالمولد، متجذرة في أن الكائنات الإنسانية تظهر في العالم بحكم الولادة”. (ص 310)

إن هدف الثورة وغايتها هو نيل الحرية والتأسيس لها من خلال “تكوين مجال عام يمكن للحرية أن تظهر فيه” (ص 374 و375). ولا يمكن لهذا الظهور أن يتم دون المرور بحالتين أساسيتين: وجود إحساس بضرورة التغيير، ثم وجود رغبة بضرورة تحقيق ذلك التغيير. وكلا الأمرين لا يكتملان دون التأسيس لما بينهما بفعل تدشين يوضح السُّبل الممكنة لتكوين رجال يتمتعون بروح ثورية وبإمكانهم اكتساب الحرب ولو بالعنف لصالح عامة الناس؛ أي لصالح المنفعة العامة.

أما المنفعة العامة، فليست في لحظات قيام الثورتين الفرنسية والأمريكية سوى الاستقرار في ظل حكومة ثورية عادلة ومنصفة، لكن بتأسيس كيان سياسي جديد. ومعنى ذلك أن المنفعة العامة هي ما ينتج كقاسم مشترك بين كل الأفراد في تعددهم الجمعي. إنه التحرر الذي يعد طريق الحرية وسبيل تحقيقها الوحيد.

الاستقرار لا يتم إلا من خلال كيان سياسي جديد قد تُمثِّلُه حكومة منتخبة ودستور ديمقراطي وحقوق مدنية وسياسية متوافرة. أما العنف، فهو السّبِيل الممكن لولادة متكاملة؛ فحتى الولادة الطبيعية للإنسان تمر عبر مراحل عسيرة أشبه في ألمها بألم الإحراق حَيّاً.

في الثورة يَكمُن العنف الحربي الذي لا بد له أن يسبق الاستقرار السياسي الذي يؤسس بدوره لكيان سياسي جديد، والموجه نحو حرية أوسع لدى الشعب وأشمل لدى النظام.

فهل ذلك هو الوضع ذاته الذي تسعى الثورة إلى تأسيسه في العالم العربي والإسلامي المعاصر؟ لا سيما بعد ما عرفه من تحولات عسيرة أشبه بولادات حديثة، تحت ما سُمّيَ بـ”ثورات الربيع العربي”؟ مع العلم أننا قد لَمَحنا في البدء شرارات الثورة؛ لكن ما زِلنا حتى اليوم ـ في أغلب الأقطار العربية – لَم نَلمَح بعد شروق شمس الحرية.

 

لتحميل الكتاب

 

الرابط الأول

 

في الثورة/ حنة أرندت

 

الرابط الثاني

 

في الثورة/ حنة أرندت

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى