صفحات سوريةعلي العبدالله

في الضرورة الوطنية/ علي العبدالله *

في ضوء الظروف العامة البالغة الصعوبة والخطورة التي تمر بها الثورة السورية من التذرر الواسع الذي تعيشه القوى الثورية والمقاتلة، إلى ضعف أداء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وتآكل دور الجيش السوري الحر ورئاسة أركانه، مروراً بإنهاك الحاضنة الشعبية، ليس بسبب القتل والحصار والنزوح واللجوء فقط، بل بسبب عدم اليقين الذي ترتب على مجمل الصورة من أداء المعارضة السيء، إلى مواقف الدول الصديقة التي لم تكتف بأن تكون غير حاسمة وحازمة في دعمها، بل وزادت بسوء تصرفها في تمزيق الصفوف وتشتيت الجهود بسبب التنافس على السيطرة على المعارضة، الكتائب المسلحة بخاصة، فخلقت للثورة تناقضات وتعارضات وصراعات هي دونها تعاني مصاعب نتيجة توحش النظام وحلفائه وقلة الخبرة ونقص العتاد.

فصراع الدول الداعمة والدخول في تنافس وصراع عبر استتباع شخصيات معارضة واستخدامها في محاصرة الدول المنافسة، وطرح خيارات وتصورات خاصة والعمل على تمريرها في اوساط الثورة عبر الضغط المالي والعسكري، زاد في تمزق المعارضة وفي تضارب الخيارات والمواقف والخطط وأدخل الثورة في نفق مظلم. هذا دون أن ننسى الأثر السلبي لممارسات الحركات «الجهادية» الوافدة، بخاصة «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، آخذين في الاعتبار اختراقها من قبل النظام وإيران وروسيا وتوجيه بعض خططها بحيث تلعب في خدمة النظام، وتخويف الخارج القريب والبعيد من تبعات الثورة وانتصارها، والتي – ممارسات الحركات الجهادية – ميّعت نجاحات الثوار وضربت صورة الثورة وتفتّت المجتمع بين من يتلاقى مع هذه الحركات ومن يرى فيها دماراً لا يقل سوءاً عن دمار النظام، فتعدد القوى والدول والخطط التي تتزاحم على الأرض السورية ساهم في تعقيد الوضع وخلق حالة تناقض وتضاد وسيولة في الحراك الشعبي والثوري جعل المحصلة هزيلة ولا تتناسب مع حجم التضحيات والخسائر المادية والبشرية.

كل هذا، بالإضافة إلى مبادرة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي لإقامة حكم ذاتي في ما يعتبره مناطق كردية، التي أضفت الكثير من الشكوك على الثورة وقدرتها على حفظ وحدة التراب السوري ووضع البلاد على طريق الخلاص، جعل مستقبل الثورة وسورية أرضاً وشعباً موضع تساؤل وشكوك.

لقد أصبحت الثورة بحاجة إلى ثورة لتصحيح مسارها، بخاصة في ضوء تواتر الحديث عن عقد مؤتمر «جنيف2»، بحيث تظهر الثورة بصورة أفضل، قوة منظمة وقادرة، وإقامة تكتل عريض ووازن للعمل على تصحيح المسار، وإشاعة جو من التفاؤل والإيجابية يعيد إطلاق الطاقات الشعبية والثورية على طريق انتصار الثورة وتحقيق أهدافها، تكتل على خلفية وطنية جامعة كأرضية سياسية له وذلك بـ:

1- الانحياز إلى استمرار الثورة، والتعبير عن هذا الانحياز بالعمل الجاد لتجميع القوى ورصّ الصفوف والتنسيق اليومي والعمل المشترك لإيجاد حلول مناسبة للمشكلات والعقبات التي تواجهها بطرح أفكار وخطط وإبداع تكتيكات مناسبة.

2- التمسك بالطابع الوطني للثورة، باعتبارها ثورة كل السوريين ولخدمتهم جميعاً، والحرص على الوحدة الوطنية بتكريسها في الممارسة اليومية والتأكيد على اللحمة الوطنية للشعب السوري، وأن تكون سورية الجديدة دولة لكل مواطنيها.

3- التمسك بالهدف الرئيس للثورة باعتبارها ثورة حرية وكرامة، والعمل من اجل الانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى الديموقراطية، عبر إسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته، باعتماد الممكن سياسياً وعسكرياً.

4- تقوم عملية التغيير الوطني الديموقراطي على بناء الدولة المدنية الحديثة، التي تتأسس على عقد اجتماعي يتجسد في دستور جديد تضعه جمعية تأسيسية منتخبة، يكون أساساً لنظام يضمن الحقوق المتساوية للمواطنين ويحدّد واجباتِهم، من دون تمييز قومي أو ديني أو مذهبي، يكفل التعددية وتداول السلطة، واستقلال القضاء وسيادة القانون، واللامركزية الإدارية، واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالشرائع الدولية ذات الصلة.

5- العمل لتكون سورية الجديدة بنظامها المدني الديموقراطي أفضل ضمانة لأمن وسلامة كل مكونات الشعب السوري القومية والدينية والطائفية وحل القضية القومية للمكونات غير العربية من كرد وتركمان وآشوريين/ سريان وأرمن …الخ حلاً ديموقراطياً عادلاً في إطار وحدة سورية أرضاً وشعباً وممارسة حقوق وواجبات المواطنة المتساوية لجميع المواطنين.

6- العمل لتكون سورية الجديدة دولة إيجابية وعامل استقرار حقيقي في محيطها العربي والإقليمي والدولي.

إنّ توافق القوى الثورية، المدنية والعسكرية، على هذه الأسس في جوهرها وخطوطها الرئيسة يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تحفيز الثوار والحاضنة الشعبية، بحيث لا نضيع في التفاصيل والاختلافات التي قد تنعكس على ما نستطيع إنجازه عملياً بعد ذلك، لنتفرغ لمسائل تعزيز ثورة شعبنا وضمان أمنه وأمانه، وتقديم أفضل أداء ممكن نستطيع من خلاله مواجهة الظروف الطارئة والمتغيرة، ونساهم في تحقيق أهداف الثورة والانتقال بسورية من الاستبداد إلى الحرية والديموقراطية.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى