خولة دنياصفحات مميزة

في ثورتنا.. ما الذي نواجهه؟ ومالذي نخاف منه؟ وما هي إمكانيات الفعل المتجددة لدينا


خولة دنيا

تكبر كل يوم وتعم البلاد.. ولا تكاد تخبو في مكان.. حتى تبرعم في آخر…

تتنقل بين المدن والقرى والجبال والسهول.. وكأنه ملعبها.. بل هو ملعبها

تعشش بين الناس.. وفي ضمير الناس.. وتتوقد وهي تعتاش على دماء الشهداء ودموع الأمهات وسواعد الشباب وصرخات الحرية..

هي ثورتنا السورية.. أحقيتنا في الحياة والولادة بعد أزمنة القهر المديدة.. هي طفلتنا التي انتظرناها طويلاً.. واليوم تكبر وتتعلم مزيداً من الحروف والكلمات… ومزيداً من التعابير الجذلة

ولكن وهي دائماً ولكن.. كيف ستنتصر… لنا ولها ولكل التضحيات.. مالذي نواجهه وتواجهه الآن؟ وهل نستطيع حصر هذا في جملة نقاط مثلاً؟

فمع نظام أظهر دموية فظيعة يبدو أننا نرى أساليب لم نعتدها، وإبداعات للنظام  لا تنتهي  للتخلص من الثورة والثوار بكل الأشكال والطرق، ومنها ما يلفت النظر فعلاً من حيث غرابته وسوءه وطريقة طرحه للاستخدام ضد الناس بدون أدنى مسؤولية عما قد تسفر عنه نتائجه وانعكاسها على المجتمع، فمن الواضح أن النظام في حربه لينتصر على الثورة لم يعد يسأل عن الطريقة ولا عن نتائجها الكارثية المدمرة للمجتمع، وماسينجم عنه من مآلات…

قد نقول أن التجربة الليبية يجب أن تنعكس إيجاباً من حيث ترهيب النظام من الآتي وأنه مهما تطاول فلن ينجح، ولكن بالمقابل فهذا قد يعطيه نفساً جديداً لتجربة مالم يجربه بعد، والغوص في المآلات المخيفة إلى حدود اللعنة على البلد وشعبه.

سأذكر بعض التصرفات التي تثير حفيظة الجميع، بسبب فجاجتها ووقاحتها وطريقة عرضها وما يعكسه ذلك من أن النظام لم يعد يسأل حتى عن فبركة تصرفاته وإخراجها بشكل قد يبدو لائقاً:

– ماحدث في حمص أمام لجنة تقصي الحقائق من إطلاق نار على المتظاهرين، وسقوط شهداء في الشارع وأمام أعين اللجنة الدولية

– تسليم شهداء التعذيب لأهاليهم بعد إجبارهم على التوقيع بأن أولادهم سقطوا في حوادث سيارات أو بنيران جماعات مسلحة، وعند رفض الأهل لا تسلم جثث الشهداء أو يتم عقاب الأهل.

– إطلاق النار على بيوت العزاء المقامة للشهداء، وآخرها البارحة في حي الميدان بدمشق، وقبلها بيومين في مصياف، وسقوط مزيد من الشهداء من المواطنين الذين يشاركوا في تقديم واجب العزاء للأهل، وكأن الهدف من ذلك إرهاب الناس كي يتوقفوا عن مؤازرة أهالي الضحايا، وهو ما يتناقض مع فكرة أن هؤلاء سقطوا بنيران الجماعات المسلحة.

– إلباس الأمن ملابس عسكرية، وتنزيل الجيش في أحيان كثيرة بملابس مدنية وما يميز بين الجميع صعب جداً على المشاهد العادي، ولكن تآلفنا مع فكرة أن الذين يقوموا بالأعمال الوحشية وهم يلبسون لباس الجيش، لديهم ذقون طويلة في أحيان كثيرة، ويلبسون أحذية رياضية .

– التضحية بأفراد الجيش وخصوصاً من المجندين، وهذا ما رأيناه في درعا، وجسر الشغور، لخلق فكرة أن الضحايا من الجيش والأمن هم ضحايا جماعات مسلحة.

– إهانة المواطنين وإجبارهم على ترديد شعارات مخالفة لعقائدهم الدينية ومذلة ومسيئة لإنسانيتهم، من مثل ما رأيناه في آخر شريط (لا إله إلا بشار ولا إله إلا ماهر). وهو ما يضع الجميع في موقع العبد لهاذين الشخصين.

– تسريب أشرطة فيديو من الواضح أن من قام بالتقاطها هم من أفراد النظام نفسه، ويبدو أن هذه التسريبات بهدف بث الذعر والرعب في قلوب المواطنين كافة، وكذلك أإستنفار الجماعات النائمة، أو الداعية لحمل السلاح، فالنظام بعد طول المدة أصبح بحاجة لعدو حقيقي يواجهه بالسلاح والنار، كي يثبت نظريته المبهمة عن وجود المؤامرة والعصابات المسلحة، وهو ما رأيناه في الكم الكبير من التسريبات المتعلقة بإهانة المواطنين من قبل الجيش والأمن في الفترة الأخيرة.

– استخدام الأساليب المافياوية في التعامل مع المعارضين، إما بترك أنصار النظام يمارسوا أساليب التشبيح اللفظي والضرب بحق المعارضين، وحتى قد تصل إلى استخدامهم للسلاح وتهديد حياة المعارضين بدون رادع من أحد، أو الأساليب الأخرى بحق الشخصيات الاجتماعية المعروفة من ضرب وأهانة ومهاجمة بيوت، وآخرها ماحصل مع الفنان علي فرزات..

 – يضاف إلى ذلك شراء الموالين في المناطق التي تشهد حركة معارضة قوية، بهدف قمع وضعضعة المقاومة من قلبها. وهذا ما نشهده في حلب من دعم للعائلات والعشائر الموالية التي انتجت شبيحتها الخاصة بها لقمع الاحتجاجات هناك ومنعها من الظهور. وكذلك ما سمعناه من ضخ للأموال لصالح رؤساء عشائر في الرقة وما انعكس بضعف حركة الاحتجاج هناك، وزاد الطين بلة ما سمعناه عن طريقة التعامل مع النازحين من دير الزور واستغلال اوضاعهم السيئة فبدل ان يتم احتوائهم من قبل الناس تم تأجير المنازل لهم بمبالغ مضاعفة، وهو ما نتمنى أن يتجاوزه أهالي الرقة الطيبيون في التخلص من الخوف من الشبيحة والأمن وتقديم ما يمكنهم تقديمه للنازحين، وفرض موقفهم المساند لهم.

كل هذا يعطينا فكرة عن المرحلة التي تنتظرنا من شراسة النظام واستخدام أساليب أكثر دونية وشراسة وأقرب إلى عمل العصابات التي سمعنا عنها والمافيات، وهذا ليس غريباً، فهو من أسس هذه العصابات أصلاً ودعمها وجعلها تحتل مراكز في البلد بين صفوف رجال الأعمال، ومن بيض لها اموالها وسوق لها محلياً وعالمياً، والآن جاء وقت دفع الحساب والاستفادة من الخبرات المتراكمة في حربه ضد الشعب.

  من جهة أخرى مالذي يمكننا فعله في مواجهة هذه الأساليب وكيف نفعل عملنا الاحتجاجي المعارض، أو المدني المساند للثورة؟

حتى لا نعود لتكرار اساليب سبق وتم تداولها كثيرا، قد يكون من المفيد أكثر التفكير بالنقاط التالية:

– التوقف عن التفكير بأن التظاهر هو الشكل الوحيد للاعتراض، فكثير من الناس المساندين للحراك ولكن يمنعهم من ذلك استمرار توحش النظام في القمع عليهم خلق اساليب احتجاج اخرى رأينا بعضها من التي تم قمعها كذلك كظاهرة القمصان البيضاء  والسوداء لاحقا، وابداع اساليب جديدة للعمل دائماً

– العمل على كسر العزلة عن المناطق الموصومة بالاحتجاج، وهذا مفيد في مناطق الاحتقان الطائفي، ويمكن ان تكون مفيدة للتخفيف منه، وذلك بقيام الناس بمزاولة حياتهم المعتادة قبل الثورة في التعامل مع الاطراف الأخرى في المعاملات اليومية، كالشراء من المحلات والتجول في هذه المناطق، والجلوس في مقاهيها ومتنزهاتها. وهذا الشكل سيكون مفيدا جدا في مناطق الساحل خصوصا: بانياس، اللاذقية.. جبلة…. وكذلك في حمص وحماه، وسيخفف من غضب المحتجين تجاه إهمال الآخرين لهم وما قد ينجم عنه من انعكاسات طائفية. وهنا تحضرني بعض الامثلة كخوف البعض من الشراء من مناطق الاحتجاج  ورغبتهم في تبرير فعلهم هذا… ولكن يجب أن لا ننس أنه في النهاية العلاقات الإنسانية والأهلية لا تحتاج لتبرير، بل بحاجة لتفعيل وقد تتحول من ظاهرة فردية إلى ظاهرة أكثر شمولاً مع مرور الوقت، فواحبنا اليوم كسر هذه العزلة لما لها من مضار على الناس ومعيشتهم ووضعهم الاقتصادي.. إضافة إلى تثبيت أفكار العيش المشترك والهم المشترك… وخصوصاً أن التجار يستفيدون من حالة العزلة هذه في خلق أسواق بديلة قد تثبت حالة الانقسام وهم يستفيدوا منها، ولكن مضارها المستقبلية كبيرة جداً.

– فكرة التوعية يجب التأكيد عليها مراراً وتكراراً، والتأكيد على سلمية الثورة، فالسلمية هي السلاح الناجح لحد الآن في وجه النظام، والانجرار إلى السلاح، قد يكون انجراراً إلى العنف، وهو مالايريده أحد من السوريين برغم استفزازات النظام المتكررة.

– التوعية قد تتخذ اشكالاً متنوعة ، من الشعارات المرفوعة في التظاهرات، (وهو مالايمكن التكهن به حالياً بسبب الهم الأمني أولاً ولكن يجب التأكيد عليه)، وحتى جلسات الحوار المشتركة.. وحتى الجلسات العادية التي تتناول هموم الوضع في البلد والنقاشات حوله ومراعاة الاختلافات بين الناس والتوجهات والقناعات، بحيث يمكن أن تكون ممراً لسورية المستقبل التي نطمح بأن تكون لجميع أنباءها بمختلف أطيافهم وقناعاتهم.

– المساعدة في الكشف عن الأوضاع الإنسانية والمعيشية للسكان في مناطق الاحتجاج، وفي حال عدم إمكانية طرح بعض المسائل، فالقيام بتوثيقها على الأقل، فكما أن كل سوري أصبح مصوراً ومراسلاً، فيمكن أن يكون موثقاً لحوادث ومجريات أحداث يجب أن لا تضيع بتفاصيلها لأهمية ذلك للمستقبل، وخاصة المسائل التي يحاول النظام التغطية عليها والالتفاف عليها، وتزويرها أو إظهارها بشكل منافي للحقيقة. مع حراجة طرح بعض المسائل الآن إما بسبب صعوبة التأكد منها أو خوف الناس من طرحها، ومن هنا أهمية التوثيق.

إن الثورة السورية اليوم تبدو كأزميل يحفر في الصخر ليرسم ملامح المستقبل، ولم يعد خافيا على أحد الصعوبات والتميز الذي يلفها. ومواجهة نظام من اعتى الانظمة واشرسها واكثرها تضليلا، يحتاج منا إلى إبداعات وطاقات متجددة ومرونة للتعامل مع المستجدات وان لا تكون افعالنا ردود افعال له ولتصرفاته (فهذا ما يريده)، ولكن ان نضع هدفنا نصب اعيننا ونعمل على تحقيقه بكل الوسائل، وأن نحرص على أن نسبق النظام بخطوة دائماً بحيث نجبره هو ليكون فعله رد فعلٍ لنا وليس العكس.. وأن نجره إلى حقلنا لا  أن ننجر إلى حقله…

الثورة ستنتصر

وسورية ستنتصر

والشعب السوري سينتصر

خولة دنيا

25-8-2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى