صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت الموقف الايراني والأزمة السورية

احتمالات تستدعي الترقّب، لا الاستنتاج/ حازم صاغيّة

يتسرّع بعض المراقبين والمحلّلين في بلوغ الخلاصات وتبليغ النتائج. فالحوار الأميركيّ – الغربيّ مع إيران يرسم تقارباً ناجزاً، والحديث عن مؤتمر جنيف -2 يُصوّر انتصاراً كاملاً للأسد ونظامه. حتّى المحاولة التي يرعاها جون كيري للتقريب بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، تجد من يستبق نتائجها ويهلّل لنجاحها المضمون!

وبطبيعة الحال فإنّ نزوعاً رغبويّاً حادّاً يقف وراء هذا الاستعجال، جاعلاً من الأمنية تفكيراً ومن التفكير أماني.

والأمر ليس كذلك، بدليل أنّ جلسة الحوار مع إيران في جنيف انتهت إلى انسداد، بينما التناقضات الكثيرة، بين النظام والمعارضة السوريّين كما بين الروس والغربيّين، قد تنسف جنيف السوريّ. أمّا في ما خصّ الإسرائيليّين والفلسطينيّين، فبالكاد بدأت مسيرة يقف في طريقها ما لا يُحصى من مستوطنات.

هذا لا يعني أنّ اليوم مثل الأمس، وأنّ لا جديدَ في الأفق. فأغلب الظنّ أنّ ثمّة رغبة يتقاطع عندها الأميركيّون، الراغبون في تقليص التزاماتهم، والروس، الراغبون في توسيع دوائرهم، لإعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط المتنازعة والمتصارعة والمقلقة للعالم كلّه. فإذا جمعنا جنيف الإيرانيّة إلى جنيف السوريّة إلى المحاولات الأميركيّة على الجبهة الفلسطينيّة – الإسرائيليّة، ارتسمت ملامح ميل أوّليّ إلى مؤتمر دوليّ جامع من النوع الذي يراجع السياسات وقد يراجع الخرائط أيضاً. وهذا ما يستدعي حكماً أن تكون الأطراف المعنيّة في حال من التواصل الذي تشهد عليه تطوّرات كمثل تدفئة العلاقات الروسيّة – المصريّة، أو استئناف العلاقات البريطانيّة – الإيرانيّة.

وميل كهذا لا ينفصل عن تطوّر كبير مفاده أنّ الثورات العربيّة هزّت الوضع القائم القديم هزّاً عميقاً، إلاّ أنّها أبدت وتبدي عجزها عن استيلاد وضع قائم جديد ذي نصاب مستقرّ. وفي هذه الفجوة اتّسعت رقعة الفوضى وصعدت قوى متطرّفة لا يتّسع لها صدر العالم. يضاف إلى ذلك أنّ قوى، كالأكراد مثلاً، بل خصوصاً، نجحوا في التحوّل لاعباً كبيراً في غير بلد من البلدان التي يتمزّق نسيجها الوطنيّ.

بطبيعة الحال فإنّ ميلاً كهذا يحضّ على استحضار نقاط التقاطع وتظهيرها بين المعنيّين بالأمر، والنقطة الأهمّ، في هذا المجال، مسألة الإرهاب. بيد أنّ استحضار التقاطع لا يعني تغييب الخلافات، وإلاّ انتفت الحاجة إلى أيّ مؤتمر، بل إلى كلّ سياسة أيضاً. وهذا ما يسمح بالقول إنّ تلك العمليّة، التي لا تزال في بداياتها، ستغيّر إيران، وقد تغيّرها أكثر ممّا تغيّر البلدان والمناطق الأخرى. ذاك أنّ نظاماً إيديولوجيّاً وإمبراطوريّ النزوع يصعب أن يصمد لتعديلات يرغب أصحابها في استئصال أسباب التوتّر والاضطراب.

مع هذا، فإنّ ما يدعو إلى شيء من الحذر هو أنّ مبادرة ضخمة كهذه، إذا ما أتيح لها الإقلاع، تتطلّب إدارة أميركيّة تعيش زخمها الأوّل، لا إدارة في النصف الثاني من ولايتها الثانية. كما تتطلّب دعماً عسكريّاً أكبر لقوى كـ «معتدلي» الثورة السوريّة، ودعماً سياسيّاً أكبر لقوى كالسلطة الفلسطينيّة، بما يعدّل توازنات القوى على نحو أكثر نفعاً لصورة المستقبل بوصفه شيئاً أشدّ عدلاً واستقراراً.

ولا بأس، في هذه الغضون، من تغليب المراقبة على الاستنتاج.

الحياة

تقاطع أميركي – إسرائيلي – روسي – إيراني جديد/ راغدة درغام

ليس أمراً عابراً أن يقوم وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان بزيارة الى مصر وُصِفَت بـ «التاريخية» للتحدث عن صفحة جديدة في العلاقات الثنائية رافقتها أنباء عن صفقة أسلحة لافتة في العلاقات الثلاثية بين روسيا ومصر والمملكة العربية السعودية.

الأنباء تفيد بالتعاون الأمني بين القاهرة وموسكو. إدارة الرئيس باراك أوباما تبدو غير مكترثة بهذا التحوّل لأنها واثقة بأنه لن يصبح تحوّلاً استراتيجياً، وربما لأنها لا تبالي حتى وإن عادت روسيا الى ما كانت عليه علاقاتها بمصر قبل أن قام الرئيس أنور السادات باستبدال التحالف مع روسيا بالتحالف مع الولايات المتحدة منذ 41 سنة. السؤال الأهم هو: هل لدى مصر اليوم رؤية متكاملة لعلاقاتها الاستراتيجية مع أي من أو كل من الولايات المتحدة وروسيا؟ وهل هناك تنسيق في التصوّر السعودي – المصري لدورهما ووزنهما معاً في موازين القوى الإقليمية؟ كلاهما غاضب – لأسباب مختلفة – من إدارة أوباما وازدرائها هاتين الدولتين الأساسيتين للوزن العربي في موازين القوى الإقليمية، لا سيما بعدما تم حذف العراق وسورية من المعادلة الاستراتيجية مع إسرائيل وتم وضعهما تحت لواء إيران. إنما هل يستكمل التوجه الى روسيا نقلة نوعية جدّية في العلاقة مع الولايات المتحدة أم انه مجرد تعبير مرحلي عن الاستياء؟ ولأن إيران وتركيا وإسرائيل دول أساسية في موازين القوى الاستراتيجية، فإن العلاقة الروسية والأميركية مع كل من الدول الثلاث لا بد من ان تُؤخَذ في اعتبار مصر والسعودية عند بناء شراكة جديدة مع موسكو أو التخلي عن شراكة قديمة مع واشنطن. فالمسألة السورية تتقاطع مع القطبين الأميركي والروسي في الاعتبارات السعودية وكذلك محورية إيران في العلاقات معهما. أما بالنسبة الى القاهرة، فإن مسألة «الإخوان المسلمين» تتصدر الأولوية في العلاقات المصرية مع كل من القطبين. المسألة الفلسطينية مهمة بالطبع سعودياً ومصرياً إنما المواقف الأميركية والروسية تكاد تتطابق اليوم في صدد إسرائيل، عكس ما كانت عليه في مرحلة «الحرب الباردة». تركيا غامضة في موازين القوى تترنح على ماضٍ ضمَّها الى إسرائيل وحاضرٍ أوحى لها بقيادة «الإخوان المسلمين» وهي اليوم في خصام مع مصر وتأرجح مع المملكة العربية السعودية وكذلك مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أمام هذه المعطيات، وإزاء الإقبال الروسي على منطقة الشرق الأوسط برمتها بكل الوسائل مقابل الانحسار الأميركي في كل الأماكن، لا بد من تصوّر ورؤية سعودية-مصرية بعيدة المدى لعلاقاتهما مع القطبين الأميركي والروسي كي لا تكون الإجراءات المرحلية بديل الأمر الواقع للاستراتيجية الضرورية. لا بد من إشراك القاعدة الشعبية العربية في هذا التصور لأنها لم تعد جاهزة للاحتضان التلقائي إما لـ «الدب» الروسي أو لـ «الحمار» الديموقراطي و «الفيل» الجمهوري في الولايات المتحدة.

وزير خارجية مصر، نبيل فهمي، وفي حديث أدلى به الى «الحياة» في نيويورك بتاريخ 24 ايلول (سبتمبر) الماضي، وصف العلاقة مع الولايات المتحدة بأنها مضطربة، إذ «كان هناك لبس في شأن حقيقة الدور الأميركي وموقف (الولايات المتحدة) تجاه الرئيس السابق حسني مبارك في أول الأمر، أي في الثورة الأولى، ثم تجاه الإخوان في الثورة الثانية. ولا شك في أن التوجه العام لدى الرأي العام المصري تجاه الولايات المتحدة يميل الى السلبية بدرجات أكثر بكثير مما كان في أي فترة ماضية». وأضاف أن «المواطن المصري العادي يدعو الى استبدال الاعتماد على الولايات المتحدة بدول أخرى، وأسهل مثال لذلك هو روسيا. إنما الدعوة الحقيقية هي تنوع الخيارات، وليس استبدالها. مسألة استبدال دولة بدولة في هذا العصر كلام غير منطقي وغير فعّال وغير مرغوب فيه». وقال إن زيارته الى موسكو مطلع توليه منصب وزير الخارجية «رسالة مهمة، إنما ليست رسالة تحوّل تاريخي. معنى الرسالة المهمة هو أننا نريد استعادة علاقات أو ارتفاع مستوى العلاقات المصرية – الروسية، ومن دون أدنى شك أو خجل. إنما المسألة ليست أننا سنذهب شرقاً على حساب الغرب، أو جنوباً على حساب الشمال».

ما أكده فهمي في حديثه هو أنه «ستكون هناك علاقات في المجال العسكري، على سبيل المثال، مع الولايات المتحدة ومع عدد من الدول الأوروبية الغربية أيضاً، وكذلك مع روسيا». والحدث هو الزيارة الأولى لوزيري الخارجية والدفاع، سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، الى القاهرة هذا الأسبوع لعقد أول اجتماع في تاريخ العلاقات بين البلدين في إطار ما بات يسمى «2+2» لوزراء الخارجية والدفاع، وفي أول زيارة روسية على هذا المستوى منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وبحكم «الإخوان المسلمين».

نقطة الالتقاء الروسي – المصري – السعودي هي «الإخوان المسلمون»، إذ ان الثلاثي عازم على منع صعودهم مجدداً الى السلطة. نقطة الافتراق هي إيران وسورية، بالذات لدى المملكة العربية السعودية، علماً أن مصر – «الإخوان» – كانت اتخذت موقفاً معارضاً للنظام في دمشق ولتدخّل روسيا في سورية. أما مصر اليوم فإنها أقل وضوحاً وحدة في مواقفها من التطورات في سورية، بل ان اجراءات الحكومة المصرية ضد اللاجئين أو النازحين المدنيين السوريين قاسية في كثير من الأحيان. ففي الأمر السوري، تختلف المواقف الروسية – السعودية – المصرية، مما يجعل التعاون الأمني بين الأطراف الثلاثة لافتاً ومحيّراً في آن.

إن ما يثير الفضول أكثر هو أين تقع إيران في المسيرة الثلاثية، علماً أن روسيا واضحة تماماً في تحالفها الاستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في انحيازهما الى مصلحة النظام في دمشق كما في علاقاتهما الأوسع وتموضع كل منهما إقليمياً ودولياً. فالمحور الذي يضم موسكو وطهران ودمشق والذي يشمل أيضاً «حزب الله» محور جدّي وثابت بالذات في هذا المنعطف ولن تغري موسكو الصفقات ببلايين الدولارات إذا كان المقابل تخليها عن هذا المحور، لا سيما في شقه مع طهران.

الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله تحدث هذا الأسبوع متهكماً على التحالفات العربية – الغربية وسرعة استغناء الولايات المتحدة عن حلفائها فيما أصبح يُعرَف بسمعة الخيانة. تباهى بتحالفه بالذات مع إيران وسورية حيث تقوم قواته بقلب الموازين العسكرية على الأرض لمصلحة النظام في دمشق بالتعاون والتنسيق مع «الحرس الثوري» الإيراني الموجود في ساحة القتال السورية.

قال: «عندما تحصل تسويات كبرى في العالم، حلفاء وأصدقاء هذا الطرف وذاك يقلقون، لكن نحن لا نقلق من حليفنا. كان وما زال لدينا حليفان أساسيان، إيران وسورية. قولوا لي هل في يوم من الأيام باعنا حليفنا وهل سلمنا حليفنا في أي يوم أو طعننا في الظهر؟». وتابع متباهياً مخاطباً الذين راهنوا على تحالفهم إما مع الولايات المتحدة أو مع الدول الخليجية في المعركة السورية: «نحن واثقون بعلاقتنا مع حليفينا، لكن هل تريدون أن نعد كم مرة تخلى عنكم حلفاؤكم وتركوكم في قارعة الطريق؟».

اللافت أكثر هو دفاع نصرالله عن التفاهم بين إيران والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة محذراً من «أن البديل» من التفاهم والتسوية الإيرانية – الغربية هو الحرب». جاء تحذيره من بديل الحرب بمثابة صدى لتحذير صدر عن إدارة أوباما للكونغرس من أن عدم الاتفاق مع طهران في المسألة النووية وعدم إغرائها برفع تدريجي للعقوبات التي تخنقها هو الحرب. وعلا في طهران أيضاً صدى الإنذار من الحرب كبديل الأمر الواقع لعدم الخضوع أمام مطالب إيران لتحقيق التفاهم النووي مع الغرب. فلقد بات التخويف من الحرب أسهل الأدوات لإقناع القيادات الغربية بأن عليها تلبية إيران في المفاوضات النووية وفي إعطائها القيادة الإقليمية. ذلك أن الرأي العام الأميركي والأوروبي مهووس بأولوية لديه هي: لا نريد أن نحارب. والقيادة الأميركية، كما البريطانية، تهرول الى الإذعان أمام القيادة الإيرانية لأنها تخشى أن تضطر لأن تحارب. لذلك، إن طهران متأهبة للاستفادة من هذه «الخاصرة الضعيفة» لدى الغرب من دون أن تضطر لتقديم المقابل لها. فالمقابل بات عملياً سحب التلويح بشبح «الحرب». واشنطن ولندن وبرلين تبدو جاهزة للاكتفاء بهذا المقابل.

المدهش هو أن واشنطن ولندن تدركان تماماً مدى تقويض العقوبات المفروضة على إيران للقوة الاقتصادية لدرجة الإنهاك وهما تدركان تماماً أيضاً أن الدافع لحملة «الاعتدال» الآتي من طهران هو الحاجة الماسة لرفع العقوبات، لكنهما تستخدمان هذا الواقع ذخيرة ضد أنفسهما، فبدلاً من توظيف تلك الحاجة الماسة لدى طهران من أجل استئصال الاعتدال الحقيقي فقط في الشأن النووي وفي الشأن السوري، ترتجف إدارة أوباما وحكومة كامرون خوفاً أمام النظام في طهران وتنضمان عملياً الى مواقف حكومة أنغيلا مركل، المستشارة الألمانية القوية التي ترى أن لإيران حق التخصيب النووي. فألمانيا وقفت تقليدياً مع طهران وهي تنظر الى إيران بأنها لم تكن يوماً دولة «معتدية»، تماماً كما نظر الغرب دوماً الى إسرائيل معتبراً أنها ضحية ليس لها تاريخ «الاعتداء». لذلك، ان فرنسا تبدو وحيدة في إطار المحادثات النووية الإيرانية التي تضم الدول الأوروبية الثلاث مع روسيا والصين والولايات المتحدة. باريس وحدها توصي بعدم الانزلاق في أحضان ابتسامة اللاإلتزام الإيرانية وعدم الاكتفاء بالوقوف في الحب مع إيران – الاعتدال التي لم تثبت اعتدالها بعد.

بريطانيا لا تكتفي بالهرولة الى استئناف العلاقات الديبلوماسية مع طهران وإنما، ووفق مصدر وثيق، تحاول الحكومة البريطانية إيجاد وسيط لها لإيصالها أيضاً الى دمشق بالذات لإصلاح العلاقة مع الرئيس بشار الأسد. فبريطانيا التي قادت إحباط الضربة العسكرية للنظام في دمشق عقاباً له على استخدام الأسلحة الكيماوية حصدت اليوم قطار إعادة تأهيل النظام في دمشق إرضاءً للمطالب الإيرانية.

إذاً، هناك تقاطع لافت بين المواقف الأميركية والبريطانية والألمانية مع المواقف الروسية والصينية نحو إيران في بعدها النووي وكذلك بعدها السوري. قد تتعقد المفاوضات النووية إذا ما أفرطت طهران بالثقة بنفسها ورهانها على ضعف الغرب وحاجته الى «اللاحرب»، ذلك أن إصرارها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة قد يضع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية في خطر الانهيار. وهذا أمر لا تريده أي من الدول النووية الخمس الكبرى. إنما، اليوم، يوجد شبه تفاهم دولي على ضرورة التفاهم مع طهران وليس مواجهتها. هناك شبه موافقة ضمنية على إخفاء شرعية دولية على دور إقليمي لإيران أبرزه في العراق، وربما في سورية أيضاً.

هذه التطورات تأتي نتيجة عوامل عدة من ضمنها تبني الجمهورية الإسلامية الإيرانية استراتيجية صبورة مدروسة ومتكاملة قائمة على المثابرة والرؤيوية وحبس العاطفة بعيداً من الانفعالية، فإذا كان للأطراف العربية نصيب لاسترجاع موقف عربي في موازين القوى الإقليمية لن يفيدها «الترقيع» ولا التصور بأن التقارب مع روسيا مثلاً غضباً من الولايات المتحدة هو الأمثل للمصلحة العربية، فيما روسيا، عملياً، هي الحليف الأول لإيران – أحد أهم الأقطاب في موازين القوى الإقليمية. فتصحيح الاعوجاج الذي أحدثه التحالف الأميركي – الإسرائيلي في موازين القوى على حساب العرب لا يأتي عبر التحالف الروسي – الإيراني، بل هناك اليوم تقاطع أميركي – إسرائيلي – روسي – إيراني جديد أخذه حقاً في اعتبار الأطراف العربية إذا كانت تفكر حقاً باستعادة موقع عربي في موازين القوى الإقليمية.

مصر مؤهلة لاستعادة وزنها الإقليمي، لكنها لن تكون قادرة على ذلك سوى بتعاضد رؤيوي وعملي معها من جانب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وغيرها من الدول العربية. مصر مؤهلة شرط ألا تسقط في سياسات الانفعال والتنويع الاعتباطي، تعبيراً عن الحرد أو الغضب. مصر مؤهلة إذا وضعت سوياً مع الشركاء الأساسيين لها استراتيجية رؤيوية بعيدة المدى وبدأت فوراً أخذ الرأي العام المصري والقاعدة الشعبية العربية شريكاً لها في صنع القرار الجديد في المنطقة العربية.

الحياة

إيران: بعيدا عن المناورات/ محمد ابرهيم

عندما اخترقت ايران المشرق العربي باسم القضية الفلسطينية استطاعت لفترة طويلة تمويه قاعدتها المذهبية باعتبارها الضرورة التي لا غنى عنها حتى في سبيل تحقيق المصلحة الوطنية للأكثرية المذهبية العربية التي فقدت نضاليتها منذ “كمب ديفيد”.

وكان طبيعيا ان تتهم ايران انظمة الاكثرية السنية العربية بأنها تفتعل الصراع السني- الشيعي حفاظا على كياناتها التي باتت متحالفة عمليا مع اميركا واسرائيل. وسهّل هذا الاتهام انه حتى الحركات السنية المتطرفة لم تضع فلسطين في اولوياتها فيما كانت تعتبر عداء الانظمة للشيعة غير كاف.

وهكذا لجأت الانظمة السنية العربية، العائدة من عقود المواجهة مع اسرائيل، والتي لا تعارضها حركات شعبية تحمل برنامجا مقنعا لمواجهة متجددة معها، لجأت الى الوسيلة الوحيدة التي تملكها: حشد الاكثرية السنية ضد الاقلية الشيعية.

وعندما كانت ايران، وامتداداتها، مشتبكة في آن واحد مع المحاولة العربية لبعث النزاع المذهبي، ومع اسرائيل واميركا، نوويا وحول فلسطين، كانت دعوتها الى رؤية الوطني خلف النزاع المذهبي تجد صدى لدى الاكثرية السنية وترددا في اطلاق المكبوت المذهبي. لكن ايران اساءت تقدير قدرات الخصوم، واللافت ان نقاط الضعف التي ظهرت في جبهتها لم تكن نقاطا طرفية كما كان متوقعا، اي في لبنان وفلسطين، وانما في واسطة العقد، اي سوريا، وفي عقر الدار، اي ايران. عند هذا الحد اصبح التنازل الايراني لأحد طرفي جبهة الخصوم حتميا. لكنه لم يكن حتميا ان تختار ايران التنازل لأميركا واسرائيل، بدل التنازل لما يمكن تسميته السنية العربية.

النووي الايراني والكيميائي السوري هما عنوان التنازل لأميركا واسرائيل، وضبط الاختراق الشيعي للمشرق العربي هو عنوان التنازل عربيا. وحتى الآن باركت ايران انجاز الشطر الكيميائي السوري وتوحي بأنها مستعدة لانداز شطرها النووي لكن… بكرامة.

ربما تراهن طهران على صيغة اتفاق نووي يجمد قدراتها في انتظار ظروف افضل ترتفع فيها الضغوط المتجمعة ميدانيا في سوريا واقتصاديا في ايران. لكن مثل هذه المراهنة لن يكون مصيرها افضل من سابقاتها. فإدارة اوباما التي تبدو مترددة في ملفات اقليمية كثيرة كشفت عن تصميم لا مثيل له عندما تعلّق الامر بمصالح استراتيجية اسرائيلية او اميركية، والكيميائي السوري والنووي الايراني يقعان في هذه الخانة. يضاف الى ذلك ان آلية القرار الاميركي في هذين الشأنين مفتوحة على ضغوط داخلية وخارجية تجعل المناورة الايرانية شبه مستحيلة.

وبعيدا عن المناورات تبقى ايران امام سؤال: ايهما اقرب الى البرنامج الفلسطيني الأصلي للثورة الاسلامية: التفاهم مع جماعة “كمب ديفيد” العرب ام الذهاب شخصيا الى “كمب ديفيد”؟

النهار

/ غازي العريضي «جنيف الإيراني»… و«جنيف السوري»

سارعت الإدارة الأميركية إلى محاولة استيعاب الغضب السعودي، فأرسلت وزير خارجيتها إلى مصر ثم إلى المملكة العربية السعودية. في مصر قال جون كيري كلاماً يوحي وكأن فيه تفهماً لما تقوم به الحكومة المصرية في سياق التزامها تنفيذ خريطة الطريق التي أقرت بعد عزل الرئيس محمد مرسي. ويفترض أن يطمئن هذا الموقف قادة المملكة لأن أحد مواضيع الخلاف مع الإدارة وأحد أسباب الموقف السعودي المنتقد للسياسة الأميركية هو انحيازها إلى “الإخوان” المسلمين علناً، وعدم احترام الإرادة الشعبية التي رفضت سياساتهم وأدت إلى إطاحة حكمهم.

بعد القاهرة كانت المحطة الأهم الرياض. التقى “كيري” خادم الحرمين الشريفين. وأكد الحرص على العلاقة مع المملكة، والتشاور مع الحلفاء فيما خصّ قضايا المنطقة لاسيما القضية الإيرانية المتمثلة بالسلاح النووي بشكل خاص، وبتمدّد إيران في المنطقة، و”تسّرع” الإدارة الأميركية في الانفتاح عليها، وكذلك القضية السورية وتلكؤ أميركا في دعم معارضة نظام الأسد، وحصر الموقف منه في الاتفاق مع الروس، ثم في قرار مجلس الأمن الأخير المتعلّق بالسلاح الكيماوي دون أي إشارة إلى مسؤوليته في استخدامه، وإلى استبعاد دوره في الحل الآتي وفي قيادة سوريا مستقبلاً! في النهاية قال “كيري”: “لا دور للأسد مستقبلاً! متفقون مع المملكة. الخلاف تكتيكي حول الأساليب. ونحن نشارك المملكة إحباطها في مجلس الأمن”!

منطق الأمور. حتمية التاريخ تقول لا يمكن للأسد أن يستمر من دون منة من كيري أو غيره، لا يمكن بأي حال من الأحوال ولو طال الزمن أن يبقى النظام في سوريا بعد حمّام الدم المفتوح، وما تسبّب به الخيار الأمني في المعالجة من خراب ودمار وأحقاد في النفوس لا يستطيع أحد تحملها. لكن السؤال المطروح من الأساس: متى وكيف وبأي ثمن سيرحل النظام؟ هنا الموقف من السياسة الأميركية خصوصاً والغربية عموماً من قبل المعارضة أو المعارضات السورية وداعميها في المنطقة على مختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم وحساباتهم. فلو كان الموقف واضحاً حاسماً، لكان التغيير في نظر هؤلاء قد تمّ ومن دون هذه الكلفة الاستثنائية، وهذا الثمن الكبير الخيالي الذي يدفعه الشعب السوري وسوريا عموماً.

ولأن الأميركيين كانوا يقولون كلاماً عالياً، ويعتبرون أن الأسد فقد شرعيته، ولكنهم كانوا يمارسون سياسة مختلفة، آخذين بعين الاعتبار مصالحهم ومصالح إسرائيل في المنطقة دون غيرها من الأطراف، لذلك كان الموقف منها سلبياً ولا يزال. إذ وبالرغم من الكلام الذي قاله كيري، فإن كثيرين في المملكة وخارجها لا يزالون على حذرهم وينتظرون أفعالاً من الأميركيين قد لا تأتي. فالإدارة الأميركية لا تريد تدخلاً، لا تريد حرباً،. وتريد اتفاقاً مع إيران والوقائع حتى زيارة كيري إلى المملكة كانت تؤكد عكس ما قاله، فالأميركيون بدؤوا انفتاحهم على إيران منذ أشهر باعتراف مسؤولين كبار في إدارة أوباما، وقرروا رفع العقوبات تدريجياً ولم يتشاوروا مع حلفائهم العرب. كانت إسرائيل في صورة ما يجري وكانت ولا تزال ترفض، وهم يحاولون إرضاءها، ولن يكون ثمن إلا لها في النهاية. ومهما صرح الأميركيون وناقشوا مع العرب فإنهم لن يخرجوا عن ثابتين: ثابت اتفاقهم مع الروس فيما يخص سوريا. وبالتالي: لا حرب ولا حل عسكرياً للصراع، ولا تغيير للأسد إلا عند حصول الاتفاق بين هذين الشريكين الأساسيين. والثابت الثاني هو استكمال المسار الذي بدؤوه مع إيران والمحافظة على ما أنجز حتى الآن، واستمرار التفاوض للوصول إلى اتفاق وقد كان العالم ينتظر هذا الاتفاق خلال الأيام الماضية، لكن الضغط الإسرائيلي الكبير أدى إلى تعثره وتأخره إلا أن الأمور لم تخرج، ولن تخرج عن مسارها في النهاية، سيكون هناك اتفاق. سترضى إسرائيل. قد يرضى العرب شكلاً لكنهم لن يأخذوا شيئاً ذا قيمة للأسف!! هذه هي أميركا. هذه هي إسرائيل، وهذا هو الواقع العربي.

في الحديث عن مشاركة كيري المملكة إحباطها من مجلس الأمن، المملكة تحدثت عن سببين: موقف مجلس الأمن من سوريا، وهذا يمكن حصره بـ”الفيتو” الروسي. وبالتالي يمكن لكيري أن يقول إنه يشارك المملكة في الموقف. لكن السبب الثاني هو ازدواجية المعايير في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وهذا يحصر بأميركا التي تحمي إسرائيل بـ”الفيتو” والسلاح والدعم والتغطية الكاملة، فكيف سيتشارك “كيري” مع المملكة في هذا الإحباط ودولته هي المسؤولة عنه؟

في كل الحالات، بعد زيارته، ظهر ارتباك في صفوف المعارضات السورية. الائتلاف الوطني أصدر قادته مواقف متباينة، بين تصعيد ورفض وموافقة مشروطة. وآخر الشروط الإصرار على فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة.

كانت الشروط أكبر وأعلى من ذلك بكثير ويأتي هذا الشرط اليوم في وقت يفتح فيه النظام مدعوماً من إيران و”حزب الله” وقوات عراقية ممرات إلى محاور كان قد خسرها ومدناً وبلدات كانت تحت سيطرة المعارضة بالكامل. كذلك تستمر فصائل معارضة في الاقتتال والتنافس على إقامة دويلاتها وأنظمتها وفرض قوانينها وشرائعها فيها. فالسيد أيمن الظواهري دعا علناً إلى إلغاء الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام لمصلحة جبهة النصرة. وهذه وغيرها من الدعوات والممارسات والمعارك الدائرة بين المعارضين تفيد النظام، وتمنحه فرصة تحقيق الإنجازات الميدانية وفتح الممرات والمناطق، وتزيده إصراراً على محاولة فرض شروطه في التفاوض، أو في التعاطي مع المبادرات التي تطرح. كذلك فقد وردت معلومات عن دعوة معارضين في الخارج إلى جنيف 2 من أمثال رفعت الأسد عم الرئيس السوري الحالي، وهذا بحد ذاته نكسة لمعارضات الداخل، التي جنح بعضها في اتجاه أعمال لا تمت إلى التغيير والحرية والديمقراطية بصلة، وجنح البعض الآخر في اتجاه رفض المشاركة في جنيف 2 دون طرح بديل ودون أي أفق سياسي ومبادرة سياسية يمكن الدفاع عنها!

كل هذه التطورات، أدت إلى تعثر جنيف 2 السوري، وتقدم جنيف الإيراني المفتوح. وثمة ربط موضوعي سياسي ميداني بين الاثنين، وستؤدي بالتأكيد إلى استمرار الحرب والخراب والدمار في سوريا، وتوسيع دائرة المواجهات والاستهدافات المذهبية والطائفية.

الاتحاد

إيران حليفة أميركا، السعودية حليفة الصين؟/ امين قمورية

عدم توصل المجتمعين في جنيف الى اتفاق على تجميد البرنامج النووي الايراني، لا يعني ان الصفحة الجديدة التي فتحتها “ديبلوماسية الهاتف” بين اوباما وروحاني طويت بسرعة. فالزخم الذي أعاد المفاوضين الايرانيين والغربيين الى طاولة المفاوضات لا يزال قائما، والدفء الذي سرى في شرايين العلاقات الاميركية – الايرانية بعد النشاف الذي أصابها طوال 30 عاماً، لا يزال سارياً. وكل المؤشرات تدل على ان الاتفاق ممكن بين الطرفين ولو طال زمانه.

المسار الجديد للعلاقات الاميركية – الايرانية يرسم صورة مغايرة لما كان قائما قبل اشهر. علما انها ليست المرة الاولى يتعاون الطرفان، فقد سبق لهما ان تصافحا في أفغانستان والعراق لتحقيق مكاسب مشتركة قبل ان يفترقا مجددا. لكن حرارة الايدي هذه المرة تفوق مثيلتها في المرات السابقة وتوحي بقرب الاعلان عن تحالف دولي من نوع آخر، تحالف بين رأس “محور الشر” ورأس “قوى الاستكبار العالمي”. ولعل انفجار الغضب الاسرائيلي أكبر علامة على هذا التحول الاستراتيجي الذي فاجأ العالم منذ أشهر.

ليس سراً انزعاج السعودية من تقارب حليفتها الكبرى واشنطن مع غريمتها الاقليمية اللدود ايران. فهذا التقارب قد يأتي على حسابها وخصوصاً في الساحات التي صادر فيها النفوذ الايراني مواقع مؤثرة على حساب النفوذ السعودي – العربي، ولا سيما منها سوريا بعد العراق ولبنان واليمن والبحرين. ويصير احتمال الخسارة أكبر إذا ما فك الارتباط النفطي بين المملكة والولايات المتحدة التي بلغت مرحلة الاكتفاء الذاتي في انتاج الطاقة والتي تستعد لأن تصير المصدر الاول لهذه المادة على الصعيد العالمي.

والسعودية لوحت بالابتعاد عن حليفتها الكبرى والبحث عن بدائل. لكنها في الواقع تتعامل مع هذا البديل منذ وقت طويل. فالمطلع على الخريطة الاستثمارية العالمية والتغيرات الاقتصادية الدولية، لا بد ان يلاحظ مساراً تصاعدياً في العلاقات السعودية – الصينية على كل المستويات النفطية والتجارية والاقتصادية، لا بل حتى السياسية على رغم التباعد الحالي بين الطرفين في المسألة السورية، مع ان بيجينغ لا تنفك تكرر أنها ليست مع النظام بل هي مع مبدأ عدم التدخل في شؤون الاخرين ولعل هذا التفصيل يريح دوائر القرار في الرياض.

الصين هي اليوم ثاني أكبر مستورد للنفط، بينما المملكة هي أكبر مصدر للنفط، وتالياً ترى بيجينيغ في المملكة مورداً موثوقاً به للنفط، في حين تنظر السعودية الى مصنع العالم على انه سوق يملك امكانات هائلة وشريك تجاري استراتيجي. لا بل ان الصين المستاءة من محاولة واشنطن تهميشها وعزلها في شرق آسيا وجنوبها لا يضيرها دخول الشرق الاوسط من نافذة كبرى مثل السعودية.

هل دخلنا زمن الانقلابات الكبرى، زمناً نرى فيه ايران حليفة لأميركا في مواجهة حلف الصين – السعودية؟

النهار

إيران تُظهر تصميماً على إثبات جدّيتها وأميركا لا تحتمل تحويل حلفائها إلى خصوم/ روزانا بومنصف

تعتقد مصادر ديبلوماسية ان اتفاق ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الاثنين الماضي حول خارطة طريق للتعاون بينهما في شأن البرنامج النووي الايراني على نحو سريع جداً ومناقض للمماطلة التي اعتمدتها ايران طيلة الاعوام الماضية وفي المدة الفاصلة بين اجتماعين اساسيين لايران مع مجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع توقع استئناف المفاوضات بين الجانبين في 20 تشرين الثاني الجاري انما يهدف الى أمرين: احدهما انه يسابق العراقيل التي تخشاها ايران امام عقد اتفاق بات واضحا انها تريده بقوة وسرعة رغبة منها في استباق خطوات مطلوبة بحيث يمهد ذلك الى تجاوز خطوات والاسراع في رفع العقوبات التي تثقل على ايران. في حين تخشى من عرقلة فعلية نظراً الى حسابات طرأت ويمكن أن تطرأ بما يؤدي الى خربطة كبيرة. والاخر انه يظهر تصميماً ايرانياً فعلياً على السير نحو اتفاق وأن التغيير في الموقف الايراني هو تغيير في العمق وان ما هو ظاهر ما يعبر عن حقيقة الامور وليس مجرد موقف شكلي دعائي موقت وفق ما تخشى فرنسا مثلاً التي ترددت معلومات انها هي من اوقفت الاتفاق الذي كان وشيكا الاسبوع الماضي وهو ما لم يخفه وزير خارجيتها لوران فابيوس في سؤال أمام مجلس الشيوخ الفرنسي حول المحادثات مع ايران بعد الجولة الاولى من هذه المحادثات في 15 و16 تشرين الاول المنصرم واستعداد الانفتاح الذي تبديه طهران في ظل الرئيس حسن روحاني من ان فرنسا تحتاج الى المزيد من الاثباتات حول حسن النية الايرانية وتجاوز التغيير الايراني من الشكل الى الجوهر نظراً الى الحذر من التجارب السابقة.

فعلى رغم اللهجة التفاؤلية التي حافظت عليها كل الدول المعنية موحية بأن فترة الاحد عشر يوماً بين الاتفاق الذي كان وشيكاً حصوله في التاسع من الشهر الجاري والمهلة التي اخذتها الدول لمراجعة حكوماتها وايجاد صياغات مقبولة من الجميع قبل العودة الى الاجتماع يوم الاربعاء المقبل في العشرين من الجاري، فإن ثمة حذراً ديبلوماسياً ازاء مقاربة حصول اتفاق في الاجتماع المقبل في جنيف يتخطى بنسبته عوامل ترجيح حصول اتفاق. الا ان ذلك يترافق مع استبعاد عودة الأمور الى الوراء بمقدار ما يعني امكان الافادة من مزيد من الوقت قبل الوصول الى اتفاق نظرا الى أن ذلك مرتبط في رأي البعض بمحاولة رصد ما اذا كان هناك تحول استراتيجي اميركي جدي في المنطقة في اتجاه الشيعة وايران في ظل صعود للتطرف السني والعجز عن ضبطه.

الا أن هناك عراقيل جدية يرصدها عدد من المراقبين وهي تتمثل في تحرك الكونغرس الاميركي نحو فرض مزيد من العقوبات على ايران في الوقت الذي تسعى ادارة الرئيس باراك اوباما الى اقناعه بارجاء ذلك من أجل عدم توجيه رسالة خاطئة الى ايران على نحو يخدم وجهة نظر المتشددين فيها ازاء الانفتاح على الغرب والسعي الى اتفاق حول النووي الايراني. وليس مستبعداً أن يكون التشدد الاسرائيلي ازاء اتفاق كان محتملاً مع ايران مؤثرا بقوة على الكونغرس مما قد يدفع اوباما الى المساومة مع هذا الاخير من أجل عدم تعطيل احتمال الاتفاق مع ايران علماً أن ليس واضحاً كيف ستنتهي هذه المسألة بين الادارة الاميركية والكونغرس خصوصا أن هناك من يعتقد ان وضع ادارة اوباما صعب للغاية وليس بالسهولة التي تم فيها اختصار حاجة كل من الغرب وايران الى اتفاق حول النووي الايراني. اذ ليس سهلاً على واشنطن أن تحول حلفاءها في المنطقة أعداء أكانت اسرائيل نظراً الى المعارضة الشديدة التي رفعها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد اتفاق محتمل مع ايران او دول الخليج وفي مقدمها المملكة السعودية ولو ان الاستياء من واشنطن ابعد من الخلاف حول اتفاق مع طهران اضافة الى المخاوف من تسويات على حساب منطقة الخليج ودولها. اذ في نهاية الامر فان وضع حد للطموحات النووية الايرانية يهدف من جهة الى ارضاء اسرائيل وطمأنتها فيما هي غير راضية كما يهدف الى ضمان امن دول الخليج فيما هذه الدول غير مرتاحة لمسار الامور مما يترك تساؤلات حول جدوى السعي الى اتفاق مع ايران لمصلحة حلفاء يخشون من طبيعة هذا الاتفاق. وهذه اسباب قد تساهم في اطالة امد التشاور والبحث عن صيغ جديدة للاتفاق بين ايران والدول الغربية الى ابعد من العشرين من الشهر الجاري وفق ما يعتقد اكثر من مراقب ومتابع سياسي على رغم ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري توقع اتفاقاً مع ايران خلال الشهور المقبلة.

ولذلك فان الترقب يبقى سيد الموقف حتى اشعار اخر نظراً الى ان التطورات على الملف النووي الايراني باتت الخط البياني لمسار الامور في المنطقة اكثر بكثير مما يشكله السعي الى مؤتمر جنيف 2 لايجاد حل للازمة السورية والذي يعتقد انه بات مرتبطا بتطورات الملف النووي الايراني ايضا.

النهار

بعبع الحرب أميركياً وإيرانياً/ راجح الخوري

في”أدبيات” السياسة الخارجية الاميركية شعار يقول “تحدّث بصوت خفيض ولوّح بعصا غليظة”، وشعار آخر معروف هو “سياسة العصا والجزرة”. امس استخدمت اميركا شعاراً معاكساً في تعاملها مع الملف النووي الايراني هو: “ضع العصا جانباً ولوّح بكثير من الجزر”!

كان هذا واضحاً عندما حذّر البيت الابيض الكونغرس من ان عدم التوصل الى اتفاق مع طهران يعني الحرب وان الشعب الاميركي لا يريد الحرب. المثير هنا ان واشنطن التي طالما كانت تهدد ايران بالحرب إن لم يحصل الاتفاق النووي صارت الآن توجّه هذا التحذير الى الكونغرس وضمناً الى الشعب الاميركي!

لا ادري لماذا انطوت التصريحات الواردة امس من البيت الابيض ومن الخارجية الاميركية، على اظهار ملامح احساس بالرعب من الحرب، فاذا كان معروفاً ان اميركا في طور الانسحاب من الحروب التي انخرطت فيها في العقد الاخير، فمن المعروف اكثر ان اوباما لا يريد الحروب ولو لوّح بها، على ما أكدت سياسته المضحكة حيال الازمة السورية، فلا هو يريد الحرب ولا الكونغرس والشعب الاميركي، فهل ان تلويح بعض الاعضاء في الكونغرس بمزيد من العقوبات على طهران يعني ان الحرب ستقع غداً؟ طبعاً لا اوباما في هذا الوارد ولا ايران ترتجف خوفاً من الحرب، وان كانت ترتجف خوفاً من انعكاس العقوبات مزيداً من خنقها اقتصادياً، بما يعني في النهاية ان التلويح بالعقوبات يمكن ان يساعد في تعجيل الاتفاق على الحل!

والطريف ان التخويف من الحرب كان متوازياً امس بين واشنطن وطهران، ففي حين قال البيت الابيض لا نريد الحرب [وكأنه قادر بعد على خوضها] كان محمد جواد ظريف يستعمل بعبع الحرب في مخاطبة الدول الخليجية ولكن بطريقة غير مباشرة، إذ قال: “ان المفاوضات حول الملف النووي الايراني لا علاقة لها بهواجس جيراننا في الخليج الذين عليهم ان يشعروا بالسرور لإزالة مشكلة كان من الممكن ان تشعل المنطقة”!

ولكن ظريف وهو ديبلوماسي عريق يعرف تماماً ان اميركا لن تخوض الحرب ضد ايران لأسباب تتعلق ايضاً بسياستها “الخلفية” في المنطقة [ اذا صح التعبير]، التي تتكشف يوماً بعد يوم عن تنسيق اميركي – ايراني غير مكتوب بالضرورة، لكنه كبير ومتحرك في الأعماق الاستراتيجية، فهو يوائم بين المصالح الاميركية في اقامة توازن رعب اقليمي على أبعاد مذهبية [ اقليّات في مواجهة اكثرية] يشلّ قدرات الاقليم ويبقيه في الاذعان، وبين الطموحات الايرانية التوسعية في المنطقة التي قال ظريف امس بالحرف: “ان ايران هي اكبر واقوى دولة فيها وان جيراننا بمثابة محيط أمننا”… وكأنه يضع الاقليم تحت المظلة الايرانية!

النهار

تفاسير أحلام إيرانية/ علي بردى

تقترب ايران من فتح صفحة جديدة مع المجتمع الدولي في شأن طموحاتها النووية. تبدو الأجواء مبشرة وإن يكن الشيطان يوسوس في التفاصيل. تبدو روحية المصالحة التي أشاعها الرئيس حسن روحاني مثمرة. غير أن الإتفاق النووي المرجو بين الدول الغربية والجمهورية الإسلامية لا يعوض حاجة الأخيرة الى المساهمة فعلاً في لجم دوامة العنف التي تجتاح الشرق الأوسط.

ليست حملة الإستلطاف التي باشرها الرئيس روحاني مجرد كلام. لا يجوز الإستخفاف بالإتصال الهاتفي الذي أجراه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما على هامش الدورة السنوية الثامنة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة. رجلان يؤمنان بسحر القوة الناعمة. قرأ كلاهما في كتب عالم السياسة جوزف ناي. اجتمعت ضرورات الولايات المتحدة مع حاجات الجمهورية الإسلامية. الأولى تسعى الى الإنكفاء بعدما مطت جبروتها العسكري الى الذروة في نهاية القرن العشرين. الأخيرة تشعر بأنه لا يمكن المضي في سياسة التحدي والإستفزاز الى ما لا نهاية. جلس وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والايراني محمد جواد ظريف معاً في ثلاثة أيام مدة أطول من كل اللقاءات مجتمعة بين مسؤولي البلدين خلال العقود الثلاثة الأخيرة. قطعا شوطاً مهماً في “التطبيع” ولم يصلا بعد الى نهاية المطاف. ولكن حان وقت المساومة. صيغة التفاهم التي أعدها الايرانيون بأنفسهم كي تكون المرحلة الأولى من الإتفاق تحتاج الى المزيد من التفاوض: توقف ايران البرنامج النووي كلياً مدة ستة أشهر كي تسمح بالمزيد من المفاوضات على اتفاق أشمل دونما خوف من أن تكون ايران تسابق الزمن لصنع سلاح نووي. في المقابل، يخفف الغرب العقوبات الدولية التي تعطب الإقتصاد الإيراني. اصطدم الطرفان بمشكلتين، الأولى ايرانية تتعلق بوقف بناء مفاعل آراك لإنتاج البلوتونيوم، والثانية غربية مركبة ترتبط بالقدرات المتفاوتة بين الولايات المتحدة والدول الغربية في رفع العقوبات المفروضة على ايران. الرئيس الأميركي لا يمكنه اتخاذ قرار في شأن العقوبات التي فرضها الكونغرس، لكنه قادر على تحرير الودائع النقدية الإيرانية المجمدة في المصارف الدولية. إذا وافقت على خطوة كهذه، تتنازل الدول الأوروبية عملياً عن العنصر الأقوى لديها ضد ايران. لذلك ظهر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مظهر الأكثر تردداً خلال الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف.

الأجواء محكومة بمنطق الإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة. الايرانيون يؤكدون أن الإطمئنان الى سلمية البرنامج النووي الإيراني يقتضي تخفيفاً للعقوبات بدءاً من الدول وصولاً الى مجلس الأمن. الغربيون يقولون إن هذه العملية المعقدة تحتاج الى مراعاة “هواجس” اسرائيل.

لا أحد يعرف أين موقع العرب في ما يطبخ. ياملون في أن يساهم روحاني في لجم دوامة العنف في الشرق الأوسط. كيف لا، وهو الذي محا تقريباً تعبير “الشيطان الأكبر”. لن نسمع “الحق ع الأميركان” حيثما تدغدغ الإيرانيين تفاسير أحلام أمبراطورية.

النهار

“شيطان أكبر” جديد ؟/ موناليزا فريحة

ليس جديدا التشدد الفرنسي حيال البرنامج النووي الايراني. مع فرنسوا هولاند، كما مع سلفه نيكولا ساركوزي وقبله جاك شيراك، تكاد باريس تكون الدولة الغربية الاكثر ارتياباً في الطموحات النووية الايرانية، والاكثر اصرارا على كبحها.

تشتبه باريس، شأنها شأن الدول الغربية الاخرى، في أن طهران تخفي اهدافاً عسكرية لبرنامجها النووي، وتعتقد أنه يجب منعها من امتلاك السلاح النووي بأي ثمن. وفي حين يبدي باراك أوباما استعداده للتدخل عسكريا ضد ايران اذا اقتضت الحاجة، تتصرف واشنطن على أساس أن الجمهورية الاسلامية لم تقرر بعد انتاج القنبلة النووية، وإن تكن امتلكت كثيراً من البنى التحتية التكنولوجية التي تمكنها من ذلك. يخفي الموقف الفرنسي هواجس جمة، منها التزام فرنسي لحظر الانتشار النووي حفاظاً على الردع النووي الفرنسي، ومخاوف من سباق تسلح نووي في تركيا والسعودية ومصر.كما لا تسقط باريس من حساباتها تهديد القنبلة النووية المفترضة لأمن اسرائيل.

كانت هذه الهواجس واضحة في رد فعل لوران فابيوس على مسودة اتفاق جنيف.ومع ذلك، ثمة من رأى في محاولة باريس اقتباس دور الشرطي النووي العالمي، أهدافا استراتيجية أخرى ومقامرة ذات تداعيات خطيرة.

باحباطها اتفاقا نوويا مع ايران بدا وشيكا للمرة الاولى منذ عقد تقريباً، كانت باريس منسجمة مع موقف السعودية القلقة من صفقة نووية تفك عزلة الجمهورية الاسلامية وتطلق يدها في المنطقة. وفي ظل انسجام كهذا، قد تتطلع باريس الى دور الحليف الاستراتيجي والشريك التجاري للمملكة، وقت تشهد العلاقات بين الرياض وأميركا أسوأ أيامها .

الى ذلك، يعكس موقف فرنسا رغبة في الاضطلاع بدور قيادي في الشؤون الدولية، وخصوصاُ بعد تجربتي مالي وليبيا، وقت تميل واشنطن الى “القيادة من الخلف”. ولكن قبل هذا كله، لا تغيب عن الموقف الفرنسي ملامح تصفية حسابات شخصية بين هولاند وأوباما. ففي ايلول الماضي، عندما هدد الرئيس الاميركي بضرب سوريا، كانت باريس الوحيدة التي وقفت الى جانبه. وعندما بدل رأيه وقرر استشارة الكونغرس، لم يكلف نفسه عناء اخطار حليفه الفرنسي وتركه وحيداً ينتظر الساعة الصفر التي لم تأت. وعندما عقد صفقة كيميائية مع الروس، كان الفرنسيون آخر من علم بها.

مرة جديدة، تجد باريس نفسها وحيدة، لكن عزلتها اختيارية هذه المرة وتنطوي على أخطار. فاذا أمكن في الاسابيع المقبلة توقيع اتفاق ينتزع مزيداً من التنازلات من ايران، يسجل هولاند إصابة التعادل في مرمى أوباما، أما اذا انهارت المحادثات، فقد تكون فرنسا قد فوتت على العالم فرصة ذهبية للخروج من المأزق النووي، ووترت علاقاتها اكثر مع واشنطن ولندن. أما في شوارع طهران وعلى جدرانها، فلا شك في أن فرنسا ستنافس أميركا على لقب “الشيطان الاكبر”.

النهار

عاطفة قوية بين إيران والقوى الغربية

المفاوضات حول النووي الإيراني تتقدم حثيثاً؛ وإن كانت القوى العظمى من مجموعة الخمسة زائد واحد، (أي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، زائد ألمانيا) لم تتوصل الى ترتيب إتفاق نهائي مع طهران، نهاية الأسبوع الماضي في جنيف. كاترين آشتون، وزيرة خارجية المجموعة الأوروبية، وهي ترأست الدورة الثانية من المفاوضات، إعترفت بأن “تقدماً كبيراً حصل، ولكن تبقى هناك مسائل للبحث”. ومن المنتظر أن تعقد جلسات تفاوض في العشرين والواحد والعشرين من تشرين الثاني الجاري، أيضا على ضفاف بحيرة ليمان في جنيف.

هل نحن أمام منعطف؟ هذه الأزمة حول النووي الإيراني عمرها عشر سنوات، كانت طهران متهمة أثناءها بتنفيذ برنامج تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية. ففي آب من العام 2003 أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية انها وجدت آثار ليورانيوم مخصَّب في موقع ناتزان؛ وهذه معلومات كان قد كُشف عنها قبل ذلك، عن طريق صور فضائية إلتقطها الأميركيون. أنشطة التخصيب هذه ذات الأهداف العسكرية، تزايدت بعد إنتخاب المحافظ المتشدد أحمدي نجاد، عام 2005. تملك إيران اليوم تسعة عشر ألف جهاز طرد مركزي، فضلاً عن مخزون وزنه مئة وثمانين كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بدرجة عشرين بالمئة. من هنا جاءت سلسلة العقوبات على أربع فترات، صوّت على جزء منها مجلس الأمن، فيما بادرت الى فرضه كل من الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية. هذا لا يمنع من ان إيران اليوم بلغت حدّ “البلد العتَبَة”، أي البلد الذي يملك قدرات علمية وصناعية قادرة ان تصنع السلاح النووي خلال بضعة أشهر.

حتى الأسابيع القليلة الأخيرة، كانت النقاشات مع طهران عقيمة. ولكن هذه المرة، وخلافاً للمسلسلات السابقة، فان الإيرانيين لم يكتفوا بإطلاق الحملات الهجائية ضد الغرب، والتشديد على حقوق طهران بالنووي. وزير الخارجية البريطاني، وليم هيغ أوضح بأن “الإتفاق موجود الآن على الطاولة، ويمكن ان يوقَّع عليه”. إنه لمنعطف حقيقي، ولكن الحذر واجب أيضاً. فنحن، في الوقت الحاضر، بصدد التفاوض حول إتفاق مؤقت، شيء يشبه خريطة طريق، تفتح المجالات للتفاوض من أجل إتفاق نهائي خلال الأشهر القليلة المقبلة. الكرة الآن في الملعب الايراني. أثر العقوبات ازدادت قساوته على إقتصاد الجمهورية الإسلامية؛ فيما الرئيس الجديد، حسن روحاني، إنتُخب وهو يَعِد بلاده بإخراجها من مأزقها.

على ماذا تنص الإتفاقية؟ هناك تكتم شديد حول هذه المفاوضات، ولكن الخطوط الكبرى للتسوية واضحة. مصد مقرب من الملف يقول: “نحن نرمي الى تجميد وضعية أثناء تناولنا لقلب الموضوع”. فبموجب هذا الإتفاق، سوف تلتزم طهران بتجميد تخصيبها اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة، وفي المقابل، سوف يوافق الغربيون على تجميد جزء من العقوبات، وهو تجميد قابل للتعديل. أما الغرض النهائي للإتفاق، حسب أحد الديبلوماسيين، فهو:” إستعادة ثقة المجتمع الدولي حول الصفة المدنية البحتة للبرنامج النووي الايراني”.

والنقاط الأكثر إثارة للخلاف سوف تناقش في هذه المرحلة الأخيرة. والمفاوضات حول الإتفاق المرحلي تتضمن جزءاً من هذه المسائل الشائكة. مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمئة، والبالغ وزنه مئة وستة وثمانين كيلوغراماً، وهو ملك لإيران، هل سيدمَّر بإشراف أجنبي؟ أو، سؤال آخر: كيف سيتم مراقبة المفاعل النووي بالمياه الثقيلة في أراك، وهذا المفاعل يفترض به ان يصنع البلوتونيوم المكثف ذو الإستخدام العسكري والشديد الخطورة. ماذا أيضا عن منشآت التخصيب المبنية تحت الأرض في فوردو، والتي يريد الغربيون تحييدها؟ (…)

هل يمكن للإتفاق أن يتعثر؟ هل هو معرَّض للفشل؟ إن العملية التي سيمر من خلالها الإتفاق النهائي سوف تكون طويلة ومليئة بالمفاجآت؛ لكن الإتفاق المؤقت يبدو انه في متناول اليد. طهران تبدو الآن وكأنها قررت ان تخوض في اللعبة. منذ أيام، أعلن الرئيس حسن روحاني بأن بلاده لن تتخلى عن “حقها النووي في إطار القوانين الدولية”، وهو يتضمن “تخصيبه على أرض إيران”. بما ان إيران وقّعت على إتفاقية الحدّ من التسلح، فان كلام الرئيس الإيراني يعتبر صحيحاً من الناحية القانونية؛ ولكن بشرط، ان يبرهن الإيرانيون عن ان برنامجهم ذو أهداف مدنية. ان تصريح الرئيس الإيراني موجّه بالأساس الى الداخل الذي رفع جمهوره النووي الى شعار قومي، وهو يهدف أيضاً الى طمأنة المحافظين. المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، دعم هذه المفاوضات، ولكنه أعلن أيضاً عن “تشاؤمه”.

بالمقابل، من جهة الغرب، فلن يكون من السهل رفع العقوبات، ولو مؤقتاً، كما تتمنى طهران. في الولايات المتحدة، بعض العقوبات يمكن للرئيس نفسه ان يرفعها، ولكن الجزء الأكبر منها مرهون بتصويت من الكونغرس، المؤيد لاسرائيل. من هنا الدور الحاسم للمجموعة الأوروبية، وإن كان رفع العقوبات من جانبها يحتاج الى تصويت الدول الأعضاء الأوروبيين الثمانية والعشرين. بعد ذلك، يجب الأخذ بالإعتبار عواصم أخرى، أيضاً، مثل لاهاي، القريبة من إسرائيل.

[مارك سيمو- صحيفة “ليبراسيون”

الفرنسية (11 تشرين الثاني 2013)

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى