صفحات سورية

في سوريا نريد الحرية.. العدالة.. التسامح.. لا ثأراً ولا انتقاماً


ميشال شماس()

الرسالات السماوية قامت على المحبة والرحمة والتسامح، ونبذت الكراهية والعنف والقتل، يسوع المسيح عندما كان على الصليب طلب من ربه أن يغفر لمن صلبوه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون، وهو الذي قال أمام حشد من الناس “من ضربك على خدك الأيمن فحول له الأيسر”. وقال أيضاً أحبوا أعداءكم وباركوا لأعينكم وأحسنوا معاملة الذين يبغضونكم.. والنبي محمد لم ينتقم من جاره اليهودي الذي كان يرمي داره بالأوساخ، بل قدم له الطعام والدواء عندما مرض تأكيداً لقوله في القرآن “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.. وقوله: “ادخلوا في السلم كافة” (البقرة: 208). وقوله أيضاً: “خلقناكم قبائل وشعوب لتعارفوا وإن أقربكم إلى الله هو اتقاكم” (الحجرات 208).

والعظيم نيلسون مانديلا رغم سجنه سبعة وعشرين عاماً وضع مصلحة بلده فوق رؤيته الشخصية الضيقة باعتباره زعيم السود في جنوب أفريقيا، ووضع أيضاً مصلحة واستقرار جنوب أفريقيا فوق رغبة الانتقام التي كانت تعم بين السود من عنصرية البيض تجاهه شخصياً وتجاه أغلبية شعبه من السود، وفتح قلبه وعقله ويديه لزملائه وكذلك للذين ظلموه من البيض، وأسس ما أسماه بلجان الحقيقة والتسامح، وقال يجب أن نعرف حقيقة ما حدث وبعد ذلك نسامح من ظلم. فنجت جنوب أفريقيا من حرب أهلية بين السود والبيض رغم الاضطهاد الكبير الذي عانى منه السود على يد الأقلية البيضاء التي كانت تحكم في جنوب إفريقيا.. واحتلت مكانة مرموقة في العالم بفضل سياسة التسامح التي اتبعها نليسون مانديلا.

ومن هذا المنطلق أود أن أناشد من بيده القرار اليوم أن يعي جيداً أن مصلحة سوريا وشعبها لا يمكن أن تتحقق بالحل الأمني ولا بالاعتقالات، بل بالحل السياسي والاعتراف بأننا نعيش في أزمة وطنية، وفتح الإعلام أمام الرأي الأخر إعلام يكشف لنا بصدق وشفافية حقيقة ما يجري على الأرض..

كما أناشد الذين يتحدثون اليوم عن تغيير الدستور وعن تحقيق الحرية والديمقراطية، وأولئك الذين يتحدثون عن إسقاط النظام وإسقاط الرئيس، وأرجو هؤلاء الذين يطالبون بالقصاص والانتقام أن يضعوا مصلحة سوريا فوق أي اعتبار، فمصلحتي ومصلحتك ومصلحة جميع السوريين لا يمكن أن تتحقق من خلال التجريح والسباب والشتائم والتوعد بالانتقام، بل تتحقق بالتسامح والمحبة والتعالي على الجراح.

وإن مصلحة سورية سوريا لا تتحقق بسعي كل منّا لتطبيق رؤيته وآرائه الشخصية الخاصة، بل تتحقق عندما أضع رؤيتي وتضع رؤيتك الشخصية في خدمة مصلحة سوريا، وفي خدمة مصلحة جموع الشعب السوري بمختلف تلاوينه وأطيافه فوق أي شخصية.

إن تحقيق ذلك سيمنحنا القدرة والقوة على مسامحة من ظلمني ومن ظلمك.. وبناء سوريا على أساس من الحرية والكرامة والعدالة والتسامح .. سوريا خالية من الكراهية والحقد والانتقام… خالية من الاستبداد والظلم والقهر.

لا شك في أن حجم الظلم الذي لحق بأغلبية الشعب السوري كان كبيراً، وأدرك جيداً مدى حجم الأسى والألم الذي يعتصر قلوب السوريات والسوريين الذين ظلموا وعذبوا وعانوا القهر والاستبداد، إلا أن كل ذلك يجب أن يدفعنا إلى إن ننظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية حتى نتمكن من تجاوز تفاصيل الماضي المؤلم بأقل الخسائر والآلام ، وننطلق باتجاه بناء سوريا العزة والكرامة والعدالة والتسامح.

إن سوريا يجب ان تتسع لجميع بناتها وأبنائها دون تمييز، وبصرف النظر عن ميولهم السياسية والدينية وألوانهم وأجناسهم وأعراقهم.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى