خورشيد دليصفحات سورية

في ضرورة تحديث المشروع القومي الكردي/ خورشيد دلي

 

 

أحيانا كثيرة، تبدو الطروحات القومية الكردية، من الناحية الأيديولوجية، وكأنها متوقفة عند لحظة ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما انطلقت ما سميت الثورة العربية الكبرى عام 1916، على أساسٍ قومي لتأسيس دولة على هذا الأساس. وفي أحيانٍ كثيرة، تبدو المفاهيم التي تنطلق منها الحركات والأحزاب الكردية (اللغة – العادات – الانتماء العرقي…) وكأنها مستمدة من فكرة “روح الشعب” التي شكلت جوهر الفكر القومي الألماني. وعليه ظل حلم الكرد بإقامة دولة قومية مستقلة يشكل جوهر المشروع القومي الكردي. وفي سبيل ذلك، انطلقت عشرات الثورات والانتفاضات الكردية في تركيا والعراق وإيران، ومع أنها سُحقت بالقوة، إلا أن جملة المفاهيم التقليدية ظلت تتحكم بأيديولوجيا الحركات القومية الكردية.

اليوم، وبعد مرور قرن على هذا المسار، تواجه الحركات الكردية، وعلى اختلاف مشاربها، تحديات كثيرة على صعيد طبيعة الأيديولوجيا القومية وأهدافها، وفي كيفية النظر إلى الآخر المختلف قوميا، فالصورة العامة لهذه الأيديولوجيا هي النزوع إلى الانفصال والتقسيم والاستقلال، بل، وفي أحيان كثيرة، التآمر مع الخارج على القضية الوطنية، بوصفها قضية جامعة، رسمت ضمن حدود الدولة الوطنية، وهو ما يُحدث صداما مع الآخر (التركي والعربي والإيراني)، بل ويدفع هؤلاء إلى الاتفاق ضد أي خطوة كردية نحو الانفصال – الاستقلال، على اعتبار أن الحدث واحدٌ، بتداعياته ومفاعيله المستقبلية. ولعل تجربة استفتاء إقليم كردستان العراق خير دليل على ما سبق، وهي تجربةٌ قد تتكرّر في أماكن أخرى، كلما برز الشأن الكردي شأنا إقليميا ودوليا يهدد المعادلات القائمة، على شكل تكرار لمعادلة الصفر، أو دورة الأقدار التي تبدأ بحلم كردي، لتنتهي بانكسار أو مأساة.

انطلاقا من هذه المعادلة، ثمّة أسئلة كثيرة تطرح عن مسؤولية الحركة القومية الكردية عن تكرار ما يحصل، وهل تستوعب هذه الحركة المتغيرات التي تتطلب تطويرا في المفاهيم والرؤى، أم أنها عاجزة عن ذلك، بفعل بنيتها التحتية؟ وهل باتت الحركات الكردية بحاجةٍ ماسّةٍ إلى التحديث على مستوى الفكر القومي والطروحات الأيديولوجية، ورؤية الآخر، وكيفية

“تحديث المشروع القومي الكردي بات ضرورة مستقبلية لتحريك المياه الراكدة في علاقات الكرد بدول المنطقة وشعوبها”

التعاطي السياسي، من أجل تحقيق الهوية القومية في فضاء مشترك؟ من وحي الأسئلة السابقة، ثمّة من يرى أن الحركات الكردية باتت بحاجة ضرورية إلى مراجعة شاملة على مستوى المفاهيم والبرامج والأيديولوجيا. ولعل أولى خطوات هذه المراجعة تنطلق من كيفية رؤية الآخر، بحيث تكون العلاقة معه علاقة وصل لا قطع، علاقة بناء وشراكة لا صدام من أجل الانفصال، خصوصا أن الظواهر الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والخصائص العلمية تغيرت كثيرا. ولعل ما يدفع الأمور بهذا الاتجاه وجود فضاء حضاري مشترك، يمكن أن يساعد في طرح صيغ عمل مشتركة من أجل المستقبل، فيكون الذهاب إلى تحقيق الهوية الكردية، بوصفها هوية متأصلة في البنية الحضارية للمنطقة، من خلال التغيير من داخل الدول نفسها، وليس بالصدام معها، أي أن تكون الديمقراطية والآليات الدستورية والقانونية المتاحة بوصلة العمل، على أن تحقق الخطوات التكتيكية استراتيجية طويلة المدى، من أجل التغيير المنشود. ويحمل هذا المسار قيمة استراتيجيةً، لا لجهة تحقيق الهوية القومية فحسب، بل لجهة تغيير الآخر المختلف، ودفعه نحو تحقيق المشترك الحضاري.

في الحديث عن ضرورة تحديث المشروع القومي الكردي، لا بد من التوقف عند نقطة مهمة وجوهرية، أنه مشروع لم يتبلور من خلال مفكرين وسياسيين، باستثناء حالات قليلة، بقدر ما تبلور من خلال قادة حزبيين، غالبا ما كانوا رموزا عشائرية ودينية وعائلية، في إطار البحث عن الحقوق والسلطة. ولعل الاستثناء حالة عبدالله أوجلان الذي ظهر تيارا يساريا ماركسيا يقارع “الإمبريالية”، ويؤمن بالسلاح، وهي أيديولوجيا وضعته في خانة الإرهاب، على الرغم من التحولات الكبيرة التي عصفت بحزب العمال الكردستاني لاحقا، لكن الثابت أن الحالة السابقة بدت أقرب إلى شكل الأنظمة العربية في قضية السلطة والحكم. وعليه، التحدّي هنا، هل يستطيع أصحاب المشروع القومي الكردي طرح المطالب الكردية من دون الصدام مع الشعوب والهوية القومية للآخر المختلف؟ سؤال ربما يحيلنا إلى الطرف المقابل، أي الدول التي يوجد فيها الكرد، أي هل الدولة الوطنية الإيرانية والتركية والعربية تتعامل مع الكرد من زاوية الشريك الحقيقي في الوطن، أم أن نظرتها تنحصر في رؤية الكردي خطرا داخليا ينبغي الانقضاض عليه عند أول فرصة؟ ويوحي واقع الحال بسلبية سياسية وتاريخية، تؤكد أن تحديث المشروع القومي الكردي بات ضرورة مستقبلية لتحريك المياه الراكدة في علاقات الكرد بدول المنطقة وشعوبها، فمن دون ذلك، التجارب السابقة قابلة للتكرار.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى