صفحات المستقبل

في عكس مسار نظرية المؤامرة

 

بدور عبد الكريم

 لا حقيقة، فكل شيء “مثل”.. أما الأصل فمفقود.. ولا أمل… هكذا كانت سوريا إلى ما قبل عامين مضيا، وبالتحديد إلى ما قبل آذار من عام 2011.

ولعل إحدى حلقات العمل الدرامي السوري “ما في أمل” قد غرزت أصابعها في عمق الواقع السوري ونبشت قروح جرح طري أمام مشاهدها، علّ صرخته تنفجر.. فقد ضاعت المؤسسات ليحلّ محلها شيء “مثل” المؤسسات.. المدارس “مثل” المدارس.. والمشافي “مثل” المشافي.. والإعلام “مثل” الإعلام.. و الدولة “مثل” الدولة .. والوطن.. لا وطن..

هذا هو حال ما صار “سوريا” أو “مثل” سوريا.. فكيف تم صنيع هذا “المثل” الخديعة؟!..

مؤسسة عسكرية رتبت على مهل لتشارك مثيلتها الأمنية في الحفاظ على نظام الحكم تحت وطأة حذاء خشن. أما القفاز الناعم فقد غطى قبضة السياسة التي اعتمدت خطين متلازمين:

• البناء على المسألة الطائفية في مختلف مفاصل الدولة.

• اعتماد خطة يمكن تسميتها “بسياسة التوازن”..

ولعل من المفيد هنا أن نشير إلى أن خطة التوازن هذه أو الإمساك بالعصا من الوسط مع الاتكاء بقوة على فكر براغماتي، بقيت مسألة في صلب سياسة النظام الداخلية والخارجية على حد سواء.

كان على هذا النظام لكي يؤسس لحكم مديد يتناسل في التوريث المقدس أن يعمل على هيكلة بنائه الداخلي بما يتناسب وهذه الغاية فيؤسس لأجهزة تابعة له بكل تفاصيلها حينما يقتضي الأمر.. و هو حينما يقتضي فحكمه مبرم قطعي مفاده “نعم” لا بأس أن تكون ممهورة بالدم.

وعلى هذا فقد ضرب النظام عميقاً في صلب الدولة بدعامتيه العسكريتين وألحق بهما ثالثة مدنية.. أما الدعامة الأولى فهي الجيش والذي ختم بخاتم “عقائدي” ليكون لصاحبه النظام و ليس للوطن.

وأما الدعامة الثانية فهي المخابرات التي تمتعت بقدر معتبر من الصفاقة ألغى كل حاجة أو رغبة لديها لقناع أيديولوجي أو أخلاقي. فقد كفتها أذرعها الطويلة المتفرعة على خمسة عشر فرعاً عناء أو ضرورة الستر أو التستر ولو بورقة توت.

وفي الدعامة الثالثة تمركز الاقتصاد ممثلاً أساساً بكبار التجار والمستثمرين بما يشكلونه من تأثير ضارب في عمق البنية الاقتصادية والذين قام بينهم وبين النظام “ممثلا بالحاشية الحاكمة وكبار الضباط” حلف مقدس يتم فيه تبادل المصالح واحتكار السلع والمرافق الخدمية وإنشاء جملة من المشاريع والصناعات الاستهلاكية سريعة الربح..

وقد قام النظام بإصدار جملة من القوانين والمراسيم الاقتصادية ليخدم هذا التوجه الذي اقتلع، بعد نهب القطاع العام من داخله، ما تبقى من أحشاء الاشتراكية حتى لم يبق منها غير الجلد الخاوي المترهل فاقتفت أثر مثيلتها.. الحرية.. والتي كانت قد ذهبت أدراج الرياح إلا في مؤتمرات الحزب وإعلام النظام ومهرجاناته الاحتفالية.. والوحدة.. التي ضاقت حتى على الإقليمية فانفرطت إلى طوائف يتم تداول مسمياتها تندراً أو استنكاراً في الأحاديث اليومية.

أما سرّ الأسرار في هذه المنظومة الحاكمة فهو البترول حيث الحديث فيه خط أحمر، بدءا باستخراجه وكمياته وانتهاء بمردوده، فكل ما تعلق بهذا الأمر بقي سراً للحكم و الحاكم.

وعلى هذا فالدعائم الأساسية الثلاث المشار إليها والتي توضعت في مفاصل النظام كانت بحاجة إلى جسم يبدو للعيان قادرا على تأدية الحركة الطبيعية للجسم وهذا ما انيط بمجموع مؤسسات بعضها كان قائماً لكنه فرغ من محتواه وبعضها مستحدث. توزعت على تشكيلات حزبية ونقابية وسياسية متعددة ألوان الطيف ممهورة بخاتم صاحبها، ليس حزب البعث، وإنما النظام. أما الأدوات التنفيذية فقد توزعت على الأجهزة الوزارية والتشريعية والقضائية.

وفي هذا الجسد الديكوري كان لابد من دور للصوت والصورة يبدو فيهما هذا الجسد لا على ما هو عليه وإنما على ما يراد له ومنه.

وعلى هذا فقد كان على الإعلام المرئي والمسموع أن يلغي الحواس الخمس لدى المواطن ويستبدلها بأخرى مصنعة في مخابره و تحت إشرافه. فما يراه المواطن بعينه وما يسمعه بإذنه أو ما يزكم أنفه برائحته إنما هو خديعة وتآمر على البلاد وقيادتها الحكيمة، وما على الناس سوى أخذ الحطة والحذر من المؤامرة والمتآمرين والاستمتاع بنعيم الجنة التي يعيشون وتقديم آيات الشكر والعرفان للقائد الملهم الذي أنعم عليهم بها.

وعلى السطح اليومي للأحداث، في شوارع المدن كما في مؤسساتها كان كل شيء يسير في كل يوم مضيعا، كما في كل يوم، بديمومة تبدو بلا نهاية للحاكم والمحكوم على حد سواء.

ومع أن القراءة المعمقة في واقع الأمور كانت قابلة ربما على جس حرارة البركان المضمر في وجدان المجتمع لكن استدعاء الأمل بوصول رياح البركان العربي الذي ثار بادئا بمغربه عابراً باتجاه مشرقه كان ضنيناً علينا حتى بالاقتراب مما بدا لنا أنه مكان أحكم إغلاق بواباته حتى في وجه الحلم.

وكان على السؤال (وماذا بالنسبة لسورية؟) أن يوغل في الأمل ويوغل في الجرأة ليقول ستأتي ولكن في آخر سلم الثورات العربية.

لكن البركان انفجر.. فورقة التوت التي تغطى بها النظام كانت قد تخرقت بالفساد وصبر الناس نفد.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى