صفحات سورية

في نقد جوانب من خطاب الثورة السورية


حسين جمو

من غير الواضح الكيفية التي يقرأ بها النظام السوري التحدي الثوري الذي أصبح يستهدف رأس السلطة، لكن المؤكد أنه بدأ يأخذ في الاعتبار احتمال توضيب الحقائب وإخلاء قصر الشعب. وأمام ذلك، اكتسبت لهجة المحتجين في الداخل او في المنافي بالتصاعد تدريجياً، بل إن قطاعات كبيرة من هذه الفئات بدأت تناقش جدياً «مستقبل سوريا» بعد خلع النظام الذي بات في حكم يصعب القول انه ليس مؤكداً.

في موازاة ذلك، اكتنفت بعض الأخطاء الخطاب الداخلي للثورة السورية، أو لنقل السياسة الداخلية، وتمت مناقشة هذه الأخطاء في معظم المنابر الاعلامية.. بدءً من تسمية جمعة العشائر إلى بعض الهتافات الجارحة لشخص الرئيس السوري. إلا أن خطاباً موازياً تروّج لها صفحات الثورة السورية على الانترنت يصلح ان يطلق عليه «السياسة الخارجية» أو التراث الذي يحاول القائمون على هذه الصفحات مراكمته بحيث يصبح خطابها مصاغاً فور الاطاحة بالنظام.

إلا أن بعض النقاط التي يتم طرحها يشكل خطراً على استمرارية الثورة، بل إن الاستمرار في المزايدة على النظام في تحميله مسؤوليته بقاء الجولان تحت الاحتلال الاسرائيلي إنما مقامرة بالهوية “المتعقلة” للثورة التي تراقبها القوى الكبرى بقلق شديد. ولعل هذا القلق انعكس في تباطؤ دولي باتحاذ خطوات ملموسة تردع النظام. أحد المعارضين كتب أن واحدة من أهم الأسباب التي ستجعل المحتجين ينسحبون من التظاهر هو ان ينتهج النظام “سياسات تجعل تحرير الجولان مسألة وطنية تتمحور حولها علاقات الدولة السورية في الداخل والخارج (  ) فالشعب السوري يشعر بجرح في كرامته الوطنية لأن أرضه محتلة منذ نصف قرن، ولأن حزب الله تمكن بقدرات محدودة بالمقارنة مع الجيش السوري من خوض حرب تحرير حقيقية لأرض الجنوب”… إلخ.

وتروج مواقع الكترونية أخرى مقولة “النظام الذي باع الجولان” إلى درجة تُشعر متصفحي هذه المواقع وكأن إعلان حرب التحرير ستندلع فور الاطاحة بالنظام.

في هذه المرحلة الحساسة من مسيرة الثورة السورية، يجب ان لا ينقلب خطاب فضح سياسات النظام الخارجية إلى عبئ قد يكلف المتظاهرين ذوي الصدور العارية الكثير من ناحية التعاطف الدولي. وبوضوح أكبر، هذه ليست دعوة للغمز في قناة إرضاء الغربيين وحليفتهم اسرائيل، بل توخي الحذر من خطاب لا ينتهي بمجرد اتهام النظام بالتفريط على جبهة الجولان، فللحديث تتمة، وهي الشروع في تنفيذ ما عجز عنه النظام السوري. وهو حق لا نقاش فيه أن تعود الجولان أرضاً تحت السيادة السورية، لكن الجموح في هذا الخط حالياً سيمنح المزيد من الوقت للنظام بما ان المجتمع الدولي لن يساعد نظاما جديدا همه الأول تحرير الجولان مسبوقاً بخطاب ثوري وليس قانوني.

والمشكلات التي افتعلها النظام على جبهة الجولان يومي النكبة والنكسة هو في جانب منه رد على هذه الاستفزازات المتكررة في اتهامه بالتواطؤ لإبقاء الجولان تحت الاحتلال. وسيكون للأمر تداعيات أكبر لو أن الأمور تطورت في هذا الاتجاه. ماذا لو قرر الأسد الحرب الآن؟. على من يطالب وضع الجولان أولوية أن يجيب. وهناك مخاطر في عدم التحكم بالهجوم المتكرر على علاقات النظام بإيران وحزب الله رغم اتهامات بدعمهما قمع الاحتجاجات. ثم هنالك ازدواجية لدى منظري الثورة عندما يتغاضون عن التنازل الذي تم ظهيرة يوم خريفي عام 1998 عن لواء الاسكندرون لتركيا طالما ان المسألة تتعلق بمبدأ السيادة. وللاحراج فقط، قام أنصار السلطة في دمشق بتظاهرة امام السفارة التركية قبل أيام للمطالبة بـ”اللواء السليب”.

وأدرك شباب الثورة المصرية حساسية الزج بشعارات تتعلق بالسياسة الخارجية عندما كان أكثر من مليون متظاهر يهتف في ميدان التحرير لإسقاط حسني مبارك رغم الأخطاء الفادحة للسياسة الخارجية المصرية في عهده. رفع أحد المحتجين لافتة ورقية كتبها بخط يده تقول “الموت لاسرائيل”، لكن هذا المشهد لم يتكرر في ميدان التحرير رغم حرية وسائل الاعلام في العمل.

لتجنب المقامرة بالثورة، لا بد من الابتعاد عن التنظير في الشؤون الخارجية للدولة. لقد حكم حزب البعث البلاد منذ عام 1963 بالسياسة الخارجية، وليس من الحكمة الاستناد إلى سياسته الخارجية لتبرير إسقاطه. هناك قائمة لا تنتهي من الأسباب الكافية لتشريع الاطاحة به في ممارساته بسجن صيدنايا فقط.

إن المزايدة الرابحة تكمن في الالتزام بخط السياسة الداخلية. الحرية سر الثورة وليس الجولان الذي يحتل مكانا آخر مهما في سلّم الأسباب،لكن ليس أولها ولا ثانيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى