صفحات العالم

الأهداف الحقيقية لتدخل بوتين في سوريا/ نينا خروتشوفا

 

 

 

ذكرت مصادر غربية أن ما لا يقل عن ثلاثمئة روسي لقوا مصرعهم خلال 7 و8 فبراير/شباط الماضي، إثر غارة جوية أميركية على القوات السورية التابعة للرئيس بشار الأسد. وكانوا كلهم يعملون لصالح شركة واغنر العسكرية الخاصة.

بيد أن وزارة الخارجية الروسية صرحت بأن خمسة مواطنين روس فقط لقوا مصرعهم، ولا علاقة لهم بالقوات المسلحة الروسية؛ وأصيب عشرات آخرون بجروح. ووصف وزير الخارجية سيرغي لافروف التقارير الغربية بشأن هذه الخسائر بأنها “محاولات تخمين بشأن الحرب”.

للوهلة الأولى، يبدو رد فعل روسيا غير متوقع. وفي وقت يزداد فيه التوتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، فإن هذا الهجوم يعدّ فرصة ممتازة للكرملين ليوجه إدانة إلى منافسه.

وعادة ما تغتنم روسيا هذه الفرص؛ ففي وقت سابق، انتقد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا نظيرته الأميركية نيكي هيلى، وذلك لوصفها حكومة فلاديمير بوتين “المنتخَب شرعيا” بـ”النظام”.

وبالإضافة إلى ذلك؛ تفتخر روسيا بمواطنيها الذين ماتوا في المعركة كأبطال. ويقال الكثير عن شجاعة الطيار العسكري رومان فيليبوف الذي قُتل في المعركة قبل أيام قليلة، بسبب الغارة الجوية الأميركية. ويقوم أندري مالاخوف الآن -وهو شخصية تلفزيونية على شبكة تلفزيون روسيا الأولى التابعة للكرملين- بتصوير فيلم وثائقي في سوريا عن فيليبوف.

ومع ذلك، وبالنسبة للغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة؛ لم يلق الجنود الروس حتفهم، بل المرتزقة الذين تعكس مشاركتهم في الصراع رغبة الكرملين في الحصول على فرصة لإنكار معقول. وهذا واضح تماما في بيان وزارة الخارجية الروسية ردا على التقارير الغربية.

فقد أشار البيان إلى أن “المواطنين الروس” جاءوا إلى سوريا “بمحض إرادتهم ولأسباب مختلفة”، و”ليس من مهمة الوزارة تقييم صحة وشرعية قراراتهم”.

وقد استخدمت روسيا هذه القوات لحل مشاكلها من قبل -على سبيل المثال- أثناء ضم القرم بشكل غير قانوني عام 2014. وادعى الكرملين حينئذ بأن ذلك لم يكن بسبب الغزو الروسي، بل هو راجع إلى إرادة الناس الذين يعيشون في شبه جزيرة القرم.

بفضل المرتزقة، تمكن الكرملين من تقليل التدخل الروسي في الشؤون السورية، فضلا عن الخسائر التي تنبأ العديد من الخبراء -منذ بداية هذا التدخل- بأنها ستكون مرتفعة بشكل مذهل.

وبطبيعة الحال، لا يريد بوتين أن يتهم بتكرار الحرب السوفياتية الأفغانية الكارثية 1979-1989، التي ساعدت في انهيار الاتحاد السوفياتي. ولذلك، حرص بوتين على تقديم العملية العسكرية الروسية كمسعى محدود بغية تخليص العالم من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وعلاوة على ذلك؛ أعلن بوتين في ديسمبر/كانون الأول الماضي -خلال زيارة للقاعدة الجوية الروسية في حميميم بسوريا- انسحابَ القوات الروسية، على وجه التحديد لاستكمال المهمة الرسمية. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الوضع “استقر” بعد القضاء على نحو 35 ألف مقاتل و700 معسكر تدريب.

ستحتفظ روسيا في سوريا فقط بقوات محدودة داخل القواعد العسكرية الروسية الدائمة في طرطوس وحميميم، وستقوم هذه القوات “بمهام تتعلق بحماية المصالح الوطنية لروسيا”. والمرتزقة الروس -وفقا لتصريحات السلطات- لا ينتمون إلى القوات الروسية.

ولكن الحقيقة هي أن التدخل الكامل في سوريا (بما في ذلك المرتزقة) يهتم -قبل كل شيء- بحماية المصالح الوطنية الروسية. ومؤكد أن تقديم الدعم لنظام الأسد سيسمح لروسيا بالحفاظ على وجودها بالشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، سيبيّن أن أي انتفاضة شعبية للإطاحة بحلفاء روسيا ستفشل.

إن عرض روسيا واختبارها للتكنولوجيا العسكرية الجديدة -مثل الصواريخ العالية الدقة وغيرها من الأسلحة- قد عزز هذه الإشارات. وفي الأسبوع الماضي، نقلت روسيا -ردا على نشر المقاتلين السريين والقاذفات الأميركية- مقاتلين في مروحيات الجيل الخامس من طراز سو-57 إلى سوريا “لاختبارهم في معركة حقيقية”.

هناك سبب آخر لاستمرار التدخل الروسي في سوريا؛ فوفقا لبعض التقديرات، تبين أن أكثر من 5000 مقاتل مسلم من أصل روسي من آسيا الوسطى والقوقاز يقاتلون مع “داعش” في سوريا وبلدان أخرى. ويشعر الكرملين -لأسباب واضحة- بالقلق من احتمال عودة هذه العناصر المتطرفة ذات الخبرة القتالية إلى روسيا.

وتزيد الحجج الغربية حول تدخل روسيا في سوريا من احتمالات وقوع هجمات إرهابية على الأراضي الروسية، لكن بوتين يرفض ذلك. وإذا تمكنت الولايات المتحدة من تبرير غزوها لأفغانستان والعراق وسوريا تحت راية الأمن القومي، فيمكن لروسيا أن تفعل الشيء نفسه في سوريا.

وقد أعلن يونس بك يفكوروف (رئيس جمهورية أنغوشيا الروسية الصغيرة في شمال القوقاز) أن العملية في سوريا استعادت سمعة روسيا كقوة عالمية. إن بوتين لا يعترف بذلك، ولكنه كان سعيدا بثناء زعيم أنغوشيا التي -على غرار الشيشان المجاورة وداغستان- غالبا ما تكون مرتعا للتطرف الإسلامي.

وهو على حق؛ فقد أجبر التدخل الروسي في سوريا الجهاتِ الفاعلة الرئيسية -بما في ذلك مصر وإيران والسعودية وتركيا- على الاعتراف بأن روسيا يجب أن يكون لها رأي في تحديد مصير المنطقة.

وفي الوقت الذي تؤدي فيه العقوبات الدولية إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية القاتمة في روسيا؛ يتعين على الكرملين أن يضمن اعتراف الشعب الروسي -وكذلك العالم أجمع- بهذا الواقع.

وبطبيعة الحال، فإنه من الأفضل ألا يدرك الروس وغيرهم مدى ارتفاع تكلفة هذا التأثير حقا. فبدلا من الاعتراف بالخسائر التي تقاس بمئات الأشخاص؛ يحتاج الكرملين إلى تأكيد أهمية روسيا في سوريا، وموقفها كمنتصر على “داعش”، وقدرتها على حماية حلفائها.

والأهم من ذلك أنه قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 18 مارس/آذار المقبل، وسيفوز بها بوتين دون أي منازع؛ يحتاج الروس إلى فهم أن اختيارهم سيكون: إما بوتين أو الفوضى.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2018

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى