صفحات الثقافةماهر الجنيدي

قدّاس للخدّج والرضّع والحديثي الولادة/ ماهر الجنيدي

 

 

ثمة خلل فنيّ يؤرّقني. كان أحد كوابيسي أن أموت طفلاً تحت حائط يتهدّم فوقي.

ولخطأ فنيّ غامض لا أقيم اليوم في حلب. ولا في حيّ المرجة. وفي الأساس، ومنذ زمن، لم أعد طفلاً!

ثمة طفل آخر يعيش كابوسي الآن، رضيع، في هذه اللحظة، هناك.

 

* * *

 

بدأ الإسلام غريباً… وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء.

نص جميل. نشوة حياكة العبارات والصور تسود على العقل، وتمّحي مسافات الرياضيات.

فطوبى للغرباء.

ألغام هذه العبارة روعاً تفوق جمالياتها روعة: ألغام، وقنابل، وسكاكين، ودماء، وحرق، وقطع رؤوس.

كيف يمكننا نزع ذلك الفتيل القاتل فيها؟ كيف يمكننا المحافظة على عذوبة الصورة فيها؟

فالعاشق أيضاً يبدأ غريباً، ويعود غريباً. فطوبى للعشّاق!

* * *

 

* خديج؟

– وما الخديج سوى قطعة من حلم؟

* دريئة للتدريب على انقطاع الكهرباء؟

– يحمل من أبيه مورّثات الخبز ومن أمه طعم العجين!

* من بين الأنقاض؟

– مشروع هتاف!

* * *

 

آخر ما حرّر، أنهم في بعض بلادنا يطلقون على سوق الخردوات المستهلكة اسم رابش، بلفظ عربيّ سليم، بكسر الباء. ويقصدون بها طبعاً rubbish.

ثمة دلالة لغوية/ نفسية لحرف الشين في نهايات الكلمات أيضاً، جعلت “داعش” يحكم بالإعدام على من يرددها، وجعلت “حالش” يعمل على تجاهلها كي يطفئها، على رغم أنها مناسبة له.

نعم، ثمّة دلالة نفسية وراء أسماء الأفعال التي تنتهي بحرف الشين: داعش… طاحش… طافش (مع عدم المؤاخذة من نسرين). رادش. ناكش. باطش. داحش. وبالطبع: حالش.

كلهم رابش!

* * *

 

حمص… لا يجد باعتها غضاضة في الإعلان عن “ثلج بارد جداً”، أو أن حانوتهم يفتح “ليلاً نهاراً فقط”.

أهلها فطنون… يحاول بعضهم “التحذلق” محاكاةً لدهاء الآخرين لكن سرعان ما تكشف حسن طويّتهم ونقاء سريرتهم مع أول نفحة طيبة تفوح منهم.

يضحكون على كل طرفة بائخة ترويها عنهم، كأنهم يسمعونها للمرة الأولى، بل ويزوّدونك الجديد من الطرائف عنهم.

صادقون لكن رأسهم صلب. مرحون لكن عنيدون. أين من عنادهم أكراد سوريا.

لكن حذار. فالويل لك إذا لمسوا منك إهانة أو غدراً. فإنك لن تسلم حتى لو صلّيت الجمعة يوم الأربعاء!

 

* * *

 

ما بين “يا ألله” و”لبّيك اللهمّ” اختلاف كبير في موضع الهاتف الذي يطلق هاتين العبارتين، وفي تموضع الذات الإلهية اللتين تلتمسانها.

العبارة الأولى ابتهالٌ عاجز مذعن يطلقه المؤمن، في وحدته غالباً، طالباً المدد والفرج من الذات الإلهيّة. فيما الثانية صرخة كرنفالية احتفالية، تطلقها الحشود تلبيةً لدعوة/ حاجةٍ يفترضونها من الذات الإلهية التي خلقت الأنس والجان ليعبدوها.

وعلى الرغم من أنّ المأثور الشيعي يتّبع كلا الأسلوبين أيضاً في مناجاة الحسين أو زينب أو غيرهما من آل البيت، إلا أن الزمجرات في مواسم القتل والتقتيل تتوزّع على نحو جنساني، تفرّق بين الذكورة المعطية والأنوثة الآخذة، في إيحاءات نفسيّة تحاكي ذكوريّة العقليّة الشرقية وتحابيها.

إذ نجد النداء والمدد أسلوباً تخصّصَ بالذكور، فيما أسلوب المنح/ تلبية الحاجة المفترضة تخصّصَ بالإناث. فتغلب “يا حسين” و”لبيك يا زينب” على غيرها من توافيق وتراتيب العبارات المهدورة – مع الدم المهدور- فداءً لصرماية أحدهم.

 

* * *

 

هي دولة البسطار والرصاصة.

نسوا أن ينصبوا التماثيل للفراشات، وأن يرسموا للنسيم لوحةً من شمس وحمامات تحلّق.

البسطار اعتداء على التراب. والرصاصة وسيلة تمضي بالعصافير إلى أمّنا الأرض.

هي دولة البسطار والرصاصة.

يحلم الكثيرون بأن يعيشوا في كنفها. يتلمّظون بطعم الفطريّات العالقة في أحشائه. ويسكرون من رائحة البارود المكنون في غلافه.

هي دولة البسطار والرصاصة أيضاً، حتى لو أنشدت أناشيدك للسدارة والبيريه.

 

* * *

 

في دوما نابلس

ليس إلاكّ عليّ يا دوابشة.

نم قرير العين.

أترابك السوريون، من دوما دمشق، ينتظرونك.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى