صبر درويشصفحات مميزة

قراءة في خريطة الحرب حول دمشق وغوطتها/صبر درويش

 

تجري معارك عنيفة في محيط دمشق. وإذا كانت قوات النظام لم تكف عن قصف مدن وبلدات محيط العاصمة عبر كل الأشهر السابقة، فإن ما يميز المعارك الدائرة اليوم، التصميم الذي تبديه قوات الأسد في اقتحام بعض الجبهات الأكثر سخونة، في سياق محاولة تأمين العاصمة دمشق، وإحكام السيطرة على محيطها القريب.

سجلت قوات الأسد، في الأسابيع القليلة الماضية، تقدماً ملموساً على جبهة القلمون شمالي العاصمة، فبعد السيطرة على مدينة يبرود وبعض البلدات المحيطة بها، تمكن النظام من تأمين الطريق الدولي دمشق- حمص، كما تمكن من السيطرة على الشريط الحدودي الذي يفصل سوريا عن لبنان، وتحديدا من جهة عرسال.

وبذلك يكون امن مدخل العاصمة من جهة الشمال، ودفع قوات المعارضة خطوة إلى الوراء بعيداً عن حدود العاصمة دمشق.

على جبهة جنوب العاصمة اعتمد سياسة مختلفة، حيث أكدت مصادر عدة على قيام النظام بالتفاوض مع بعض الكتائب المقاتلة في الجنوب حول صفقة تقضي بانسحاب المقاتلين باتجاه درعا والقنيطرة، مقابل أن يقوم النظام بتأمين خروجهم من جنوب العاصمة.

وهذه الصفقة إذا ما صارت حقيقة على الأرض، فيعني تأمين الجبهة الجنوبية، من دون أي معارك أو خسائر بالنسبة لقوات النظام، وهو ما يعني أيضاً تفرغ قواته للجبهة الأهم في محيط العاصمة دمشق، أي جبهة الغوطة الشرقية، والتي تعد واحدة من أقوى الجبهات التي يسيطر عليها الثوار.

تشن قوات الأسد اليوم هجوماً عنيفاً على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، مكثفةً هجومها على ثلاثة محاور أساسية، وهي: جبهة مدينة المليحة، جنوب الغوطة الشرقية، وجبهة حي جوبر المحاذي للعاصمة من جهة الشرق، وجبهة دوما، وتحديداً من جهة مخيم الوافدين في مدينة عدرا، شمال شرق العاصمة دمشق.

تعني جبهة المليحة، إذا ما تمكنت قوات النظام من اقتحامها، سيطرة النظام على طريق المطار، الدولي بالكامل، فبعد أن كانت قوات الأسد قد تمكنت من السيطرة على بلدة العتيبة القريبة من المطار وعلى البلدات المحيطة بها شرقي الطريق الدولي، تأتي السيطرة على المليحة في سياق استكمال السيطرة على طريق المطار بالكامل، والأهم من ذلك عزل جبهتي الغوطة الشرقية والجبهة الجنوبية عن بعضهما البعض، بشكل كامل.

كما تعني السيطرة على المليحة، دفع قوات المعارضة خطوة إلى الخلف بعيداً عن محيط العاصمة دمشق القريب، هذا عدا عما يشكله ذلك من اختراق عمق الغوطة الشرقية من جهة الجنوب.

لا تقل أهمية جبهة حي جوبر عن جبهة المليحة، فهذه الجبهة تعد واحدة من أهم الجبهات المتقدمة تجاه العاصمة دمشق، فهي على تخوم أحياء العاصمة كالزبلطاني والعباسيين وغيرها، بينما نيران قوات المعارضة تصل حتى عمق مدينة دمشق.

في حي جوبر تتواجد العديد من التشكيلات العسكرية الكبرى، كلواء «تحرير الشام« وألوية «الحبيب المصطفى« وفيلق «الرحمن« وغيرها، والتي تمكنت من صد محاولات النظام للسيطرة على الحي، خلال السنة الفائتة.

نجح النظام، في الأشهر القليلة الماضية، في عزل حي جوبر عن محيطه الشمالي، فدك نقاط الاتصال بينه وبين حي القابون، بينما تتكثف العمليات اليوم على المحاور الجنوبية من الحي، والتي تصله ببلدات الغوطة الشرقية، وتحديداً مع مدينة زملكا وعين ترما الواقعتين على المتحلق الجنوبي.

يعني سيطرة قوات النظام على حي جوبر، إبعاد مقاتلي المعارضة خطوة إلى الوراء بعيداً عن نقاط التماس المباشرة مع مدينة دمشق، وهو ما يعني خسارة الثوار لأهم واجهة عسكرية تصلهم بالعاصمة دمشق. كما تعني تمكن قوات النظام من إعادة فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من المتحلق الجنوبي والذي استماتت قوات المعارضة عبر السنة الماضية في الدفاع عنه.

بالإضافة إلى كل ما ذكر أعلاه، فإن خسارة حي جوبر تؤدي إلى إحكام السيطرة على أحياء القابون وبرزة وعزلها بالكامل عن الغوطة الشرقية، وهو ما يندرج في سياق عزل الجبهات عن بعضها البعض، ومنع الثوار من التنقل بحرية فيما بينها، وهو ما يسهل لقوات النظام اقتحام هذه الجبهات والسيطرة عليها.

مدينة دوما وهي واحدة من أكبر مدن الغوطة الشرقية، والتي تعد عن حق قلعة الثوار في المنطقة، من المعروف عنها أنها تضم أقوى التشكيلات، العسكرية كلواء الاسلام بقيادة زهران علوش، ولواء شهداء دوما وغيرها العديد من التشكيلات المعروفة بقوة تنظيمها وامتلاكها للعدة والعتاد.

اكتفت قوات النظام عبر السنتين الماضيتين بدك مدينة دوما، بشكل شبه يومي، بكل أنواع الأسلحة الثقيلة، إلا أنه لم تذكر أي محاولة جادة لاقتحام المدينة.

اليوم تهاجم قوات النظام مدينة دوما من جهة الوافدين، وذلك تزامناً مع الهجوم الذي تشنه على اكثر من جبهة، وهو ما يشير إلى جدية النظام في إحكام سيطرته على المحاور الأساسية في الغوطة الشرقية، ومنها مدينة دوما بطبيعة الحال.

حتى هذه اللحظة لم نشهد ردود فعل تتناسب مع هذا الهجوم الأعنف من نوعه، الذي تشنه قوات النظام على المنطقة. فعلى محاور القتال، نرى بعض الكتائب المحلية، والتي ماتزال صامدة وتستميت في الدفاع عن مواقعها، إلا أننا لم نعلم حتى اللحظة بعمليات كبرى أو خطط عسكرية من قبل التشكيلات العسكرية الكبرى كجيش الاسلام أو الجبهة الاسلامية أو حتى جبهة النصرة، يمكن أن تواجه هذه الهجمة التي تشنها قوات الأسد، وكأننا أمام حرب استنزاف للكتائب المتواضعة، والتي رفضت سابقاً الانضواء تحت إمرة هذه التشكيلات الكبرى.

وفي الوقت الذي يتم فيه التضخيم من معركة الساحل باعتبارها «المعركة الحاسمة»، تجري المعركة الحاسمة الحقيقية على ضفاف مدينة دمشق. فهنا، في قلب العاصمة، يجري الحسم وليس في مكان آخر.

إذ من المعروف أن الثوار كي يتمكنوا من الوصول الى هذه النقاط القريبة من مدينة دمشق، في سياق خطة دخول المدينة وإسقاط نظامها، كانوا قد قدموا تضحيات لا يعلم سوى الله مقدار حجمها، وكلفت الحاضنة الشعبية للثورة كل ما تملك. خسارة هذه الجبهات تعني ضربة قاصمة لثورة السوريين، وتراجعاً خطيراً لا أحد يعلم حجم تداعياته.

الثورة السورية اليوم في خطر محدق، لا يقاس بمقاييس عسكرية، فخسارة الجبهات في محيط دمشق، لا تندرج في سياق الكر والفر والانسحابات التكتيكية، بل تندرج في مآلات الثورة في مجملها، وفي أفق تطورها اللاحق، والغوطة الشرقية الصامدة منذ أكثر من عام ونصف بوجه الحصار والجوع، ليست جبهة يمكن خسارتها، هي عصب الثورة، وهي القلب النابض للثورة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى