صفحات سورية

قراءة في صمت أكراد سوريا

 


جمعة عكاش

في الوقت الذي بدأت فيه “ثورة” سورية تتشكل على غرار ثورات مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن، ارتفعت حدة الطلب على الكرد السوريين البالغ تعدادهم نحو 3.5 مليوناً من ثلاثة أطراف هي: الشباب الكردي، كما الشباب السوري الآخر”العربي”، المطالبان بإشتراك الكرد في “الثورة”. ومن طرف آخر هو الحكومة السورية التي “تبيح محظوراتها” مقابل ضمان صمت الأكراد.

لعل اختلاف الطلبات من الأطراف السورية على الكرد هو أحد أهم أسباب صمتهم الرسمي، إزاء ما يحدث في سوريا، وأرى أن تقديم قراءة وتفسير بهذا الصدد، في هذا الوقت بالتحديد أمر في غاية الأهمية.

خلال السنوات الأربعين الماضية من حكم حزب البعث لسوريا انقسمت الأحزاب الكردية السورية على نفسها فكانت المحصلة كما في الوقت الراهن نحو 13 حزباً غير مرخصة، وهي كيانات “مفلسة” شعبياً، كون أغلبها إمتدادات لأحزاب “كردية عراقية” أو “كردية تركية”، لا تمتلك برنامجاً سياسياً، تجاه سوريا وكردها، وأغلبها إن لم نقل كلها لا تمتلك أي تصور عما يحدث في سوريا اليوم، كما أنها لا تمتلك أي تصور عن دورها في سوريا المستقبل، وبالتالي حتى الآن لم تستطع هذه الأحزاب الكلاسيكية إتخاذ موقف حقيقي مما يجري في سوريا غير الإدانة، والإدانة التي تفتقر للحراك في زمن كهذا يبدو كالكفر والعهر، كما يصفه شباب أكراد.

صحيح أن هذه الأحزاب ليست لها قاعدة شعبية وبعضها عبارة عن عشيرة أو بضع أصدقاء خرجوا من بطن حزب ما، إلا أنها قادرة على تجييش عدد لا يستهان به من الكرد السوريين في حالة “الثورة” السورية التي نحن بصددها.

والسؤوال إذاً هو لماذا لا تقوم بذلك أليس الوقت مناسباً؟.

تقول شريحة من الأحزاب وحتى الكرد المستقلين بأن دور الأكراد لم يحن بعد، سيتحركون في مرحلة لاحقة، حتى لا يكتسب أي تغيير محتمل طابعاً “أقلوياً” أو “قومياً”.

طبعاً أي تغيير في سوريا يجب ألا يكون على أساس قومي”كردي عربي”، أو طائفي “سني علوي مسيحي…”، وهذه نقطة إتفاق، لكن من قال بالنظر إلى مقدمات “الثورة السورية” أن التغيير سيكون كذلك إذا كان سكان مدينة درعا “وأغلبهم بعثيون” و سكان “بانياس” ونصفهم “علويون” هم من بدأوا الحراك التغييري في سوريا، سبقهم شباب من دمشق “أعراق وأديان” مختلفة، ثم لحقهم شباب من القامشلي ” أكراد ومسيحيون”، وأبناء قبائل عربية.

أيضاً تبرر أحزاب كردية وأكراد صمتهم بأن القائمين على صفحات “الثورة السورية” غير معروفون لجهة إنتماءاتهم، كما أنهم لا يعلنون عن برنامج واضح نحو سورية ونحو كردها على وجه الخصوص، ولديهم الحق في ذلك طالما لا يعرفون قراءة رسائل هؤلاء الشباب، وأنا أعيدهم إلى الثورة المصرية آخر ثورة نجحت بالكامل، أن شباب الفيسبوك نجحوا بشكل هائل في إحداث التغيير المصري دون أي برنامج سياسي واضح ثم سلموا إدارة البلاد لمن يحفظ أمنه ويضمن انتقالها إلى الأيادي المدنية المناسبة.

هم يريدون دولة ديمقراطية غير طائفية، دولة تصون كرامة المواطن لا تسجنه في مستنقع من المراسيم الإستثنائية والقوانين الطارئة… يريدون الإصلاح ومكافحة الفساد وفتح الباب أمام الحريات، وتبييض السجون، وتحسين الوضع المعيشي للسوريين، وإلغاء قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، والمشاريع الإستثنائية. ألا يناسبكم ذلك!!.

هناك عامل مهم آخر للصمت الكردي يفهم من خلال تحرك الحكومة السورية على طريق “تحييد” الأكراد، حيث استغلت مناسبة عيد النوروز “رأس السنة الكردية” بإفساح المجال أمامهم للإحتفال كما يشاؤون، وهي التي كانت تحول مراكز التجمعات فيما سبق إلى استعراض للقوة “أمني،شرطي، عسكري”،بل لم يحتفل الكرد منذ آخرعامين بنوروزهم إلا وهم يشيعون فيه بعضاً من أبنائهم كل عام قتلوا برصاص الثلاثي المذكور.

“الحركة الأمنية الذكية” التي رافقها تغطية إعلامية رسمية للمرة الأولى في تاريخ حزب البعث للمناسبة الكردية كان لها تأثير إيجابي على شريحة كردية “طيبة ساذجة” رأت أن ذلك قد يمهد لإنفتاح حقيقي على ثقافة الكورد، وهو أمر استغلته “الأحزاب الكردية الكلاسيكية” لتبرر صمتها لمناصريها الذين تعيش الثورة في دواخلهم، بل أن بعض الأحزاب و”الشخصيات المدجنة والمشتراة” قالت إن الدولة في طريق إنفتاح أكيد على الكرد، لكن أصبروا.

بطبيعة الحال السلطات السورية ضربت كما يقال “عصفورين بحجر واحد” فمن جهة ربما ضمنت سير “الحصان الكردي الجامح” على طريق “الصمت” الذي تريده مقابل التلويح بالجزرة فقط، كما أنها من ناحية أخرى ضربت الرصيد الكردي الرجول الإيجابي لدى الشعب السوري، عبر تقديم صور وتقارير في وسائل إعلامها تظهر الكرد يحتفلون رقصاً، وشرباً، وأغنية وكأن لا دماء تسيل في درعا، ولا إكتراث كردي بذلك، رغم أن الكورد كما ذكرت طالما احتفلو بنوروزهم القومي وهم يحملون جثث أبنائهم.

في المحصلة ليست كل مدن سوريا “ثائرة”، لنلوم “تقاعس” مدن الأكراد، لكن حجم الرهان “السوري الجمعي” عليهم هو ما يزيد “الحنق الشعبي” على صمتهم الذي لن يدوم أبداً “بقرار حزبي كردي”.

جمعة عكاش

 

العربية نت

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى