صفحات العالم

قراءة في فنجان الثورة السورية !!


عبد الصمد بن جودة

لم يتنبأ أحد قبيل مطلع هذه السنة بطوفان الغضب الذي غمر بلاد الشام فأغرق نظامها، إذ كان كثير منا يظن أن حزب البعث الحاكم اليوم قد يظل حزبا حاكما ليوم البعث، بل وحتى عندما انهار نظام بن علي وتداعى نظام مبارك طلع علينا بشار الأسد في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي في حديث مع وول ستريت جورنال قائلا:

‘لا مجال لحدوث تظاهرات في سورية، لأن سورية دولة مُستقرة، تقدم للشعب ما يُطالب به ولا يَسودها أي سخط على النظام الحاكم’ وأضاف مؤكدا أن ‘سورية محصنة ضد ما حدث في مصر وتونس’.

بيد أن الأيام التي تلت ذلك الكلام أثبتت أن أمر سورية أدهى وأمرّ، وأن الليل السوري هو الأشد حُلكة في ليالي العرب، كما كشفت وجود قانون جديد قديم يحكم البلاد وهو أسوأ من قانون الطوارئ، إنه قانون الغاب الذي جعل الأسد يصادر حياة كل من نبس ببنت شفة في شوارع البلاد.

لا ندري إلى متى سيستمر الناس في الخروج، ولا نعلم أي يوم سيراجع فيه النظام نفسه ويوقف شلال الدم الهادر. لقد صدم الأسد كل المراهنين العرب الذين كانوا يرون فيه نموذج طبيب العيون الشاب والمثقف والمختلف عن باقي الزعماء العرب، فكشف لنا عند أول مفترق طريق أنه فعلا مختلف لكن بطريقته الخاصة.

فحاكم سورية الذي اعتدنا منه الخطابات الحماسية المسهَبة والطويلة غاب صوته بشكل مثير للشبهة – في بداية التظاهرات، وليته استمر في صمته بل أطل علينا بخطابات يحير المرء في الضحك أو البكاء على ما جاء فيها. أما إعلامه المستحاثي فتارة صور لنا التظاهرات المناوئة على أنها مؤامرة غربية ضد حكمه، وتارة صور كل من صاح ضد حكمه كمندس وعميل.

أصبح يخيل لكل من يتابع هذه القنوات ‘السورية’ كأن السوريين شعب من المندسين والسلفية والمخربين.

وإذا كان وزير الدعاية الألماني السابق جوزيف غوبلز قد كرس عرفا مفاده أن اكذب ثم اكذب حتى تُصدّق، فنظام الأسد طبق نظام اقتل ثم اقتل حتى يعتاد الناس على الأمر.

لا أحد ينكر أن سورية تستحق الآن نظاما أحسن وأفضل من هذا الذي اختصرها عبثا في كلمة بعث.

وأخيرا، قد لا نبالغ إن قلنا إن النظام السوري أوهن من بيت عنكبوت وقد بات سقوطه مسألة وقت ليس إلا، وذلك بعد أن سقط أخلاقيا في عيون كل من كان يرى فيه نموذج النظام العربي المواطِن والملتزم، وفقد أصدقائه بل وفقد حياد كل من كانت لا تهمه القضية السورية من قريب أو بعيد.

وقديما، قال هيراقليطس: إذا اقتربتْ ساعة الوضع، لن تجد أحسن من الابتعاد والاختلاء .. لذلك عندما سيحين موعد سقوط النظام سيجد نفسه في مخاض عسير لن ينفعه فيه حليف ولا صديق ولن تنفعه فيه شفاعة الشافعين.

‘ إعلامي مغربي مقيم في بريطانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى