صفحات سوريةقصي غريب

قراءة في مضمون خطاب الرئيس بشارالأسد

 


د . قصي غريب

بعد اندلاع المظاهرات الاحتجاجية في العديد من المدن والمناطق السورية، ضد النظام الشمولي المستبد الذي يحكم البلاد والعباد بالقوة الغاشمة، والقهر المنظم والتي طالب فيها المحتجون بالحرية والحياة الكريمة للشعب السوري، ومواجهة قوات أمن النظام المحتجين العزل بالقوة المفرطة؛ حيث قتلت وجرحت واعتقلت الكثير منهم وبعد اسبوع من الغياب المتعمد الذي ينم عن فقدان حساسية فهم طبيعة الموقف وخصائصه خرج الرئيس بشار الأسد على الشعب السوري وألقى كلمته في 31 / 3 / 2011 أمام ما يسمى ب ( مجلس الشعب )، الذي استقبله بالردح : ( الله سورية بشار وبس )، وهذا الهتاف المبتذل الرث لا يمكن أبداً أن يصدر عن ممثلي شعب يحترمون أنفسهم ويغارون على كرامة شعبهم.

وقد عدت كلمة الرئيس من قبل الكثير من السوريين مخيبة للآمال ودون طموحات الشعب ومن هذا المنطلق سوف نتناول مضمونها بالقراءة الآتية :

قال الرئيس بشار الأسد في بداية كلمته : ” أنا أعرف أن هذه الكلمة ينتظرها الشعب السوري منذ الأسبوع الماضي وأنا تأخرت بإلقائها بشكل مقصود؛ ريثما تكتمل الصورة في ذهني أو على الأقل بعض العناوين الأساسية والرئيسة من هذه الصورة، ولكي يكون هذا الحديث اليوم بعيداً عن الإنشاء العاطفي الذي يريح الناس ولكنه لا يبدل ولا يؤثر في الوقت الذي يعمل فيه أعداؤنا كل يوم بشكل منظم وعلمي من أجل ضرب استقرار سورية “.

لا يليق أبداً بمكانة ومسئولية رئيس دولة يحترم ذاته ويحب شعبه الوقوف بشكل مقصود مكتوف الأيدي ولمدة اسبوع كامل وهو يرى شعبه يقتل ويذبح ويسفك دمه بدم بارد أمامه من قبل قوات هو قائدها الأعلى ولا يحرك ساكناً تحت ذريعة من أجل ان تكتمل الصورة والعنوان في ذهنه، على الرغم من انه كانت الصورة كاملة والعنوان كامل، فما جرى في العديد من المدن والمناطق السورية وخاصة في مدينة درعا ومنطقة الصنمين ومدينة اللاذقية جرائم ابادة ضد شعب أعزل الا من ايمانه بخيار الحرية والحياة الكريمة، فقد مارست قوات أمن النظام القتل الجماعي بدم بارد ضد مواطنين ينشدون الاصلاح. على الرغم من ان المستشارة الاعلامية والسياسية الرئاسية المتفيقهة بثينة شعبان قد أكدت أكثر من مرة أمام الاعلام على ان الرئيس قد أصدر أوامر صارمة بعدم اطلاق النار على المحتجين مهما كانت الأوضاع، والرئيس نفسه يقول في كلمته : ” كانت هناك تعليمات واضحة لمنع جرح أي مواطن سوري ” ولكن مع ذلك فقد اطلق النار عليهم وقتل وجرح العديد منهم وهذا ان دل على شيء فانه يدل على احدى الحالتين الآتيتين :

الحالة الأولى : ان الرئيس بشار الأسد يفتقد الى المصداقية ولا يحترم كلمته أمام شعبه؛ فيقول ما لا يفعل من منطلق غلاظة القلب والقسوة الوحشية، وهو وراء اصدار أوامر القتل والاعتقال ضد المحتجين، ومن ثم فانه حاكم مستبد جائر مثل نيرون، الذي كان قد حرق روما وأخذ بالعزف والغناء من فوق تلة تطل عليها، ففي الكلمة التي ألقاها أمام ما يسمى ب( مجلس الشعب) – مجاس الببغاوات – والتي انتظرها الشعب السوري وراهن عليها كثيراً وأتت مخيبة للآمال، فقد ظهر على الرئيس عدم الاكثراث واللامبالاة لما حصل في البلاد من اراقة دماء من قبل قوات أمن النظام، وكأن الأمر لا يعنيه مما جعله يكثر من توزيع الابتسامات والضحكات، وكان من المفترض والواجب والمسئولية الوطنية أن يكون في مستوى الحدث الجلل أو على الأقل أن يظهر شيء من احترام مشاعر أهالي الضحايا من شعبه الذين قتلوا بدم بارد. خاصة وان القيادة هي قيادة مواقف.

أما الحالة الآخرى : ان هناك جهات آخرى أقوى من الرئيس بشار الاسد في عملية اتخاذ القرار وهي تتجاوز أوامره وتأمر باطلاق النار على المحتجين وان الرئيس لا حول له ولا قوة؛ لانه لا يحكم ويقود سورية بالفعل، انما هو واجهة لمراكز قوى مغلقة متخلفة وفاسدة تسيره وهو واقع تحت ضغوطها ولا يستطيع الخروج من دائرة تأثيرها، وتتميز هذه القوى المغلقة بالقلق النفسي والميل الى الاهتمام بمصدر المعلومات أكثر من اهتمامها بمضمون المعلومات، وعدم استيعاب المعلومات الجديدة التي تتعارض مع النسق العقيدي، ومن صفاتها انها تنظر الى الاخر بعقلية تآمرية وميلها الى استخدام القوة المفرطة مع الآخرين والسرعة في اتخاذ القرار، والابتعاد عن قبول الحلول الوسطى؛ ولهذا ليس بامكانها صياغة سياسة وطنية رشيدة مما يغلق أمامها الكثير من البدائل، وهذه القوى المغلقة كانت دمى بيد الرئيس الراحل حافظ الأسد، في حين ان الرئيس بشار الأسد أصبح اليوم دمية بيد هذه الدمى – وهذه هي الحالة السائدة – والدليل على ذلك البطء وعدم السرعة في اتخاذ القرار الرشيد، والتأكيد على الوضع الراهن واقرار السياسات المتبعة للنظام، وحالة استمرار اطلاق النار على المحتجين وتجاوز ( أوامر الرئيس الصارمة ) – اطلاق النار على المتظاهرين في بلدة دوما قرب دمشق وغيرها من المدن والمناطق السورية وقتل وجرح العديد منهم والاستمرار على ذلك -، وأيضاً من تصريح نائب الرئيس فاروق الشرع أمام الاعلام قبل يومين من خطاب الرئيس في 31 / 3 / 2011 والذي أكد فيه ان الرئيس سوف يخطب ويصدر قرارات مهمة، ولكن عندما خطب الرئيس لم يأت بشيء جديد كما بشر الشرع، ويبدو ان الرئيس ليس هو القائد المسيطر والمهيمن في اتخاذ القرار والقادر على فرض ارادته على الآخرين؛ لأنه لم يلق موافقة القوى صاحبة اتخاذ القرار التي تقود البلاد بالفعل، وحول هذه الحالة قال الرئيس بشار في كلمته : ” أكثر من مسئول مروا بسورية مؤخراً من الأجانب يريد أن يطمئن بأن الرئيس إصلاحي ولكن من حوله يمنعونه وقلت له بالعكس هم يدفعونني بشكل كبير ” وقال : ” لا يوجد عقبات يوجد تأخير ولا يوجد أحد يعارض ومن يعارض فهم أصحاب المصالح والفساد ” ومن ثم فان الرئيس بشار الأسد بكلا الحالتين فاقد الشرعية لممارسة الدور القيادي، ومن ثم فانه لا يستحق أن يكون رئيساً وقائداً للشعب السوري، ويكون مسئولاً عنه في الحرب والسلام؛ لأنه ليس جديراً بالحكم والقيادة أبداً من منطلق عدم تفاعله مع الحدث لاثبات قدراته القيادية؛ لأنه لم يفهم طبيعة الموقف وخصائصه. والقيادة هي نوع من السلوك الذي يخرج عن السلوك المعتاد ولذلك هي أكثر قدرة على الخضوع للاستجابة بالموقف، خاصة وان الرياسة والقيادة هي مسئولية انسانية واجتماعية وسياسية وتاريخية غير اعتيادية تتطلب القدرة على مواجهة الاحداث بثقة واثبات عامل التأثير في الشعب من قبل الرئيس والقائد؛ وعليه فان الرياسة والقيادة هي ليست لباساً جاهزاً أو بدلة تستعمل عند الطلب يلبسها أي انسان بشكل ساذج ومجرد، بل هي من حيث الفهم والادراك أكثر بعداً بحيث ان عدة اعتبارات يمكن اعطاؤها أهمية لكونها ضرورية لاعتمادها لخلق الرئيس والقائد، فأخ العرب قال : ” لا يصلح القوم لا سراة لهم ولا سراة اذا جهالهم سادوا ”

ومن جانب آخر فان مواجهة الأعداء الذين يحاولون ضرب استقرار سورية وتفويت الفرصة عليهم لا يكون بالهروب الى الأمام من ادخال سورية في العصر، بممارسة سياسة التصلب الأمني واللجوء الى استخدام القوة المفرطة والقاتلة ضد أشواق الشعب السوري التواقة الى الحرية والحياة الكريمة، فالسياسة الأمنية السيئة الصيت جعلت سجل سورية في مجال حقوق الانسان الأسوأ ما بين الدول، ولكن تكون مواجهة الأعداء وتفويت الفرصة عليهم من خلال ارادة سياسية وطنية حرة راشدة ومسئولة تحترم ارادة الشعب السوري وخياراته الانسانية والعصرية وفي مقدمتها احترام حقوق الانسان والتعددية السياسية وتداول السلطة.

وتابع الرئيس بشار الأسد وقال ان : ” التحولات الكبرى التي تحصل في منطقتنا … ستترك تداعياتها على كل المنطقة من دون استثناء … إن ما حصل يعزز وجهة النظر السورية من زاوية هامة جداً … أن الحالة الشعبية العربية التي كانت مهمشة لعقود على الأقل ثلاثة أو أربعة وربما أكثر بقليل عادت الآن إلى قلب الأحداث في منطقتنا، وهذه الحالة العربية لم تتبدل حاولوا تدجينها ولكنها لم تدجن وسيكون لهذا الموضوع عدة تأثيرات … كنت دائماً أتحدث عن الشارع العربي وعن بوصلة الشارع وعن رأي المواطن، … ونعتقد ونتمنى أن يكون اعتقادنا صحيحاً بأن هذه التحولات ستؤدي إلى تغيير مسار القضية الفلسطينية الذي سارت عليه خلال أكثر من ثلاثة عقود تقريباً من مسار التنازلات إلى مسار التمسك بالحقوق وبكل الاتجاهات نعتقد أن ما يحصل إيجابي في مقدماته “.

في هذه الفقرات وللايحاء بالموضوعية والواقعية وخاصة امام انتصار ارادتي الشعب العربي التونسي في اجبار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على الفرار، والشعب العربي المصري في اجبار الرئيس المخلوع حسني مبارك على التنحي، وتصميم الشعوب العربية الاخرى الآن في أكثر من ساحة على فرض خيارها في تغيير أنظمتها المستبدة الفاسدة بارادتها الحرة والتحول الى عالم الحرية والحياة الكريمة، لم يستطع الرئيس بشار الا أن يعترف بهذه التحولات الكبرى المهمة التي تجري في الساحة العربية ويقر بها صاغراً، من خلال انها سوف تترك تداعياتها في كل المنطقة من دون استثناء، ولكنه في نفس الوقت يحاول استثناء نظامه المستبد الفاسد الذي يحكم سورية بالأساليب القسرية، واعطائه الحصانة من هذه التحولات والتداعيات ومن التغيير المحتوم الذي سوف يطاله عاجلاً أو آجلاً، بأن نأى به من خلال ادعاء المراهنة على الشارع العربي والاهتمام برأي المواطن السوري والاصرار الفج على المزايدة الرخيصة بالقضية الفلسطينية، فصور ما حصل في الساحة العربية من تغبيير بارادة شعبية على انه انتصار لخط نظامه الذي يزعم انه يمثل ( قلعة الممانعة وحاضنة المقاومة ) ضد أعداء الأمة، فقد ادعى انه كان دائماً يراهن على الشارع العربي ومهتم برأي المواطن، ومن ثم فان عودة الحالة الشعبية العربية التي كانت الأنظمة العربية المستبدة أوالمعتدلة لديه قد حاولت تدجينها وتهميشها لعقود عادت الآن إلى قلب الأحداث وان ذلك يعد انتصاراً له تحت زعم من أجل أن تؤدي هذه التحولات العربية تغيير في مسار القضية الفلسطينية من مسار التنازلات إلى مسار التمسك بالحقوق، ولكن هذا الكلام المستهلك يفتقر الى المصداقية كما انه عبث بالتاريخ، فمن ناحية انه يفتقر الى المصداقية، فالذي يراهن على الشارع العربي ويقف ضد تدجينه يجب أن يكون على مسافة واحدة منه من دون تمييز، والى جانب خياراته في الحياة الحرة الكريمة، ففي لبنان وقف النظام مع طرف ضد طرف آخر، ويدرك أو لا يدرك ان هذه السياسة الحمقاء لها تداعيات خطرة جداً على سورية والمنطقة، كما ان النظام الذي يدعي انه يمثل نبض الشارع العربي قد أعلن الوقوف على الحياد في معركة الحرية التي يقودها الشعب العربي الليبي الثائر ضد نظام أسرة القذافي المستبدة والفاسدة، في حين كان يحتم عليه الواجب القومي؛ لانه يدعي ويزعم انه وصي على الشعب العربي ان يقف مع الشعب الليبي، كما ان التبجح الفارغ بالحديث عن رفض التدجين وعن رأي المواطن السوري لا يستقيم مع اعلان حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ 1963، ووجود المادة 8 من دستور 1973 التي تنص على ان  : ” حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة “، ففي ضلالة هذه الفاشية لا رأي الا رأي النظام، ولا مجال للآراء المتعددة الآخرى في التوجه الفكري والسياسي؛ اذ انه يمنع وينفي وجودها، ويقوم بعرض قناعاته وتصوراته الفكرية والسياسية المتخلفة على انها الصواب المطلق الوحيد، ويقوم بفرضها على الشعب السوري بالأساليب القسرية، في حين ان وجهات نظر الاخرين الفكرية والسياسية تتهم بالعمالة للأجنبي، وبهذا فانه يصادر الحقوق، ويخنق الحريات، مما جعل حياة الشعب السوري جحيماً لا يطاق، ومن ناحية اخرى ان الرئيس يحاول العبث في التاريخ؛ اذ انه يصور ما حصل في الساحة العربية من تحولات قد أتى لصالح توجهات نظامه من أجل تغير مسار القضية الفلسطينية من مسار التنازلات إلى مسار التمسك بالحقوق، في حين ان نظامه هو من نفس فصيلة الأنظمة السائرة في مسار التنازلات؛ الا أن أسلوبه قد يختلف عنهم لأنه ليس بأسلوب الهرولة، انما بأسلوب الخبب، فنظام ( الصمود والتصدي في عهد الأب والمقاومة والممانعة في عهد الابن ) قد اعتراف ضمنياً بالكيان الصهيوني، ففي بداية السبعينات ومع تسلم الرئيس حافظ الأسد السلطة في سورية اعترف بالقرارين الأممين 242 و 338 تباعاً، وبعد حرب 6 تشرين 1973 مباشرة دخل النظام مع الكيان الصهيوني في مفاوضات انتهت بتوقيع اتفاقية فك الاشتباك في 30 أيار 1974، وقد تضمنت الاتفاقية وقف اطلاق النار والامتناع عن جميع الأعمال العسكرية، وفي مؤتمر فاس عام 1982 وافق النظام على مبادرة القمة التي تعترف ضمنياً بوجود الكيان الصهيوني، ولبى النظام دعوة الولايات المتحدة الاميركية، وحضر مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد في 30 تشرين الاول 1991، ووافق الرئيس حافظ الاسد على الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل، وكان شعاره ان خيار سورية الاستراتيجي هو السلام، وانطلقت المفاوضات السورية الاسرائيلية برعاية اميركية، وعندما توفي الرئيس الأب وورثه الابن بترقيع دستوري مفضوح، وعلى هامش التشييع التقت وزير الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت في اجتماع مغلق مع الوريث بشار؛ حيث أكدت على وجود بوادر مشجعة في شأن موقف النظام من عملية السلام، وفي آذار 2002 وافق النظام على مبادرة السلام العربية التي أطلقتها قمة بيروت التي تدعو لتطبيع العلاقات مع اسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ حرب 5 حزيران 1967، وأكد على انها السبيل لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وكان الرئيس بشار الاسد قد ناشد رئيسي وزراء اسرائيل شارون واولمرت بالعودة الى المفاوضات، وطلب وساطة تركية وقد استضافت تركية عدة جولات من هذه المفاوضات غير المباشرة، وحول هذه المفاوضات أكد الرئيس بشار على انه يعمل على محورين الأول : بناء الثقة والاقتناع بان اسرائيل جادة في عملية السلام، والثاني : الأرضية المشتركة التي تسمح باجراء مفاوضات مباشرة وان ما يهمه هو قرار الأمم المتحدة 242، وفي 27 تشرين الثاني 2007 حضر النظام مؤتمر انا بوليس للسلام في الشرق الاوسط الذي عقد في الولايات المتحدة الأميركية؛ والذي يهدف الى حث الدول العربية على التطبيع مع اسرائيل، وفضلاً عن ذلك ان الرئيس بشار الاسد يجدد كلما زار وفد رسمي اميركي حرص نظامه على السلام، وينوه على الدور الذي قام به نظامه مع الولايات المتحدة منذ انطلاقة عملية السلام في مدريد، وحتى تبنيه المبادرة العربية، والتي تثبت صدقية توجه نظامه السلمي كخيار استراتيجي، وقد سبق للرئيس بشار ان صرح غير مرة عن استعداد نظامه لاجراء محادثات سلام مع اسرائيل.

ولهذا فان رفع شعار خيار الصمود والتصدي في عهد الأب، ورفع شعار خيار المقاومة والممانعة في عهد الابن من قبل النظام؛ هو من قبيل ممارسة الغوغائية السياسية، والمزايدة الرخيصة باسلوب الهتافين الرعاع، في حين ان خيار النظام الاستراتيجي الأساس هو السلام مع اسرائيل، فالرئيس حافظ الأسد نادى بخيار السلام الاسترتيجي مع الكيان اسرائيل وتخلى عن التوازن الاستراتيجي العسكري معه، وكرر أكثر من مرة ان السلام مع اسرائيل خيار استراتيجي، وعلى المسار نفسه سار الرئيس بشار، فأكد على أهمية السلام وعلى اعتماده خياراً استراتيجياً وعلى استعجاله لتحقيق السلام، فالتمسك بالسلام خياراً استراتيجياً للنظام الذي يدعي المقاومة والممانعة بقي يحتل الأولوية  في الخطاب السياسي الرسمي، ولذلك فان الذي يدعي الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة لا يسالم ولا يعترف ولا يفاوض اسرائيل، والنظام من خلال المعطيات الآنفة الذكر قد سالم واعترف وفاوض، على الرغم من ان الجولان التي هي جزء من الاراضي السورية ما تزال محتلة من قبل اسرائيل منذ حرب 5 حزيران 1967، ولم تطلق طلقة واحدة من أجل تحريرها من قبل النظام، فجبهة ( الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة ) هادئة عسكرياً منذ ذلك الحين، على الرغم من تكرار التجاوزات الاسرائيلية على وقف اطلاق النار ومواجهتها من قبل النظام بارتفاع عقيرة الظاهرة الصوتية الفارغة له القائمة على الاحتفاظ بحق الرد على اسرائيل التي توجه الاهانات له، في حين يقوم باطلاق النار على المواطنين السوريين المطالبين بالحرية والحياة الكريمة، وبناء عليه فقد قام النظام باستخدام وتوظيف رديء لما يمكن ان يكون قضية نبيلة اذ استغل القضية الفلسطينية لمصلحته سياسياً.

وأضاف الرئيس الأسد في كلمته قائلاً : ” نحن لسنا نسخة عن الدول الأخرى ولا توجد دولة تشبه الأخرى لكن نحن في سورية لدينا خصائص ربما تكون مختلفة أكثر، … في الوضع الداخلي بنيت سياستنا على التطوير وعلى الانفتاح وعلى التواصل المباشر بيني وبين الشعب والمواطنين، … إن السياسة الخارجية بنيت على أساس التمسك بالحقوق الوطنية والتمسك بالحقوق القومية الاستقلالية ودعم المقاومات العربية، … هاتان السياستان أو محصلتهما كونت حالة من الوحدة الوطنية في سورية غير مسبوقة، وهذه الحالة الوطنية التي تكونت كانت السبب أو الطاقة أو الحامي الحقيقي لسورية ”

يبدو ان عقلية المستبدين واحدة في البلدان العربية التي تحكم بالاستبداد والقهر والفساد، فسيف الاسلام القذافي كان قد ادعى ان النظام الليبي مختلف ومتميز عن الانظمة التي سقطت، فأكد ان والده القذافي هو غير الرئيس زين العابدين، وغير الرئيس مبارك، ولكن الشعب العربي الليبي قد أكد لابن القذافي ان والده المستبد لا يختلف ويتميز عنهما، فثار على استبداده وقهره، واليوم في سورية يتبنى الرئيس المنطق نفسه ويحاول التميز عن الانظمة الاستبدادية الاخرى باعطاء نظامه الحصانة الشعبية والوطنية والقومية المزيفة من خلال الزعم والادعاء بان نجاح السياسة الداخلية القائمة على التطوير والانفتاح والتواصل مع الشعب السوري، والسياسة الخارجية القائمة على التمسك بالحقوق الوطنية، والحقوق القومية، ودعم المقاومات العربية، قد كونت حالة من الوحدة الوطنية في سورية غير مسبوقة كانت الحامي الحقيقي لسورية، ولكن هذه الغوغائية السياسية تجانب الواقع؛ لان الشعب السوري يعيش مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية يتجاهلها أو لا يعرف بها الرئيس كانت وراء انفجاره بمظاهرات احتجاجية ضد النظام، فالتطوير والانفتاح والتواصل مع الشعب، والتمسك بالحقوق الوطنية والقومية، ودعم المقاومات العربية ضد الاحتلال، هي واجبات وطنية وقومية وشرعية، وليس هي أدوات سياسية لاضفاء الشرعية على النظام، ولا يمكن أبداً ان تكون بديلاً عن احترام حقوق الانسان، والتعددية السياسية، وتداول السلطة، والتي بها تكون الحصانة الحقيقية للوطن والمواطن.

وقال الرئيس الأسد : ” أن سورية اليوم تتعرض لمؤامرة كبيرة، خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة، ولها بعض الخيوط داخل الوطن، وتعتمد هذه المؤامرة في توقيتها لا في شكلها على ما يحصل في الدول العربية،… إن ما نراه الآن … المرحلة الأخيرة هي أن تضعف سورية وتتفتت، هي أن تسقط وتزال آخر عقبة من وجه المخطط الإسرائيلي “.

ان القول بان سورية تتعرض الى مؤامرة خارجية كبيرة وبأدوات داخلية من أجل أن تسقط وتزال اخر عقبة من وجه المخطط الاسرائيلي كلام غير مسئول، ولا يمكن ان يصدر من قبل رئيس دولة يحترم شعبه؛ لانه اتهام للشعب السوري بالخيانة والعمالة الى العدو الصهيوني من قبل رئيسه، وهروب من مواجهة حقيقة ان الشعب السوري لا يريد النظام، فسورية لا تتعرض الى مؤامرة خارجية، انما اندلعت فيها انتفاضة شعبية تطالب بالحرية والحياة الكريمة، وكما قال الرئيس ان ” التحولات الكبرى التي تحصل في منطقتنا … ستترك تداعياتها على كل المنطقة من دون استثناء “. وبما ان سورية بلد عربي فقد انعكست عليها وطالتها هذه التداعيات، خاصة وان الوضع فيها مهيئ للانفجار؛ لانها ما تزال تعيش وترزح منذ انقلاب 8 آذار        1963 الأسود والى اليوم في مشكلات تتعلق في كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالشعب السوري يعاني حرماناً من أبسط حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ التي أدت الى انسداد الآفاق أمامه، مما خلق عدم مواكبة بين النظام وحركة المجتمع، وهذا أدى الى اختناق اجتماعي ومن ثم انفجار سياسي نتيجة الاحباط تمثل بمظاهرات احتجاجية تعم العديد من المدن السورية مطالبة بالحرية والحياة الكريمة للشعب السوري، ولهذا فان المحتجين الذي تطلق عليهم الجهات الرسمية تسمية ( العصابات ) زوراً وبهتاناً هم سوريون ومن صلب الشعب السوري، ولكنهم يحسون بمفارقة مذهلة غير انسانية بين كونهم مواطنين سوريين لديهم امكانات وكفاءات، وبين نصيبهم من السلطة والثروة والفرص، فهم لا يستطيعون ان يلبوا مطالبهم الاساسية في عيشة لائقة بالكرامة الانسانية؛ لانهم مهمشون وهامشيون في وطنهم، ولهذا السبب ثاروا على النظام المستبد الفاسد  المستحوذ عليها.

ومن جهة اخرى ان منصب رئيس جمهورية يجعل من يشغله يرى الاشياء بوضوح شديد، وخاصة اذا كانت أمامه مشكلة أو أزمة، وبحكم كونه رئيس دولة، فسوف يجد الحل لها واذا لم يستطع، فانه لا يستحق ان يشغل ويكون في هذا المنصب؛ لانه أكبر من مؤهلاته وامكاناته، الا أن عقلية النظام المستبد التي تسيطر على الرئيس بشار الأسد تجعله يتعامى وعن قصد من رؤية ومواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي يعاني منها الشعب السوري منذ انقلاب 8 آذار 1963الأسود؛ نتيجة عدم ايجاد حلولاً لها واهمالها، وتوجه اهتمامه واهتمام العناصر التي بيدها زمام الامور على الاحتفاظ والانفراد بالسلطة والثروة والفرصن والتمسك بها بالقوة المفرطة والقاتلة، وعلى حساب حياة الشعب السوري الى يوم قيام الساعة، اذ انه ومن يسيره لا يواجهون هذه المشكلات بعقلية وطنية من أجل حلها كي يندفعون مع الشعب السوري للسير إلى الأمام بثقة وتوازن، ولكنهم يهربون الى الأمام من تجنب مواجهتها وايجاد حلاً صحيحاً لها؛ من خلال وصف ما حدث بنظرية المؤامرة والتخوين؛ واتهام الشعب السوري الذي خرج بمظاهرات احتجاجية ضد الاستبداد والفساد بالتأمر على النظام الذي يدعي المقاومة والممانعة كذباً، فيسير الرئيس ونظامه المستبد الفاسد بتخبط، والنهاية سوف تكون السقوط حتماً، ولذلك فان العمل بنظرية المؤامرة، وتخوين الشعب السوري واتهامه بالعمالة للاجنبي؛ من أجل التمسك بالسلطة لن تكون الحل الناجع للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحت وطأتها الشعب السوري، انما يكمن الحل في مراجعة سريعة ووقفة وطنية مسئولة وواعية لمواجهتها، تتمثل بتحويل بوصلة البلاد بصدق وشفافية ومن دون لف ودوران باتجاه الحرية والحياة الكريمة، القائمة على احترام حقوق الانسانن والتعددية السياسية، وتداول السلطة، ويجب وعي وادراك ان فوائد الانتقال الى احترام حقوق الانسان، والتعددية السياسية، وتداول السلطة، تفوق المخاطر المحتملة على الأمن الوطني السوري؛ لأن اسرائيل هي الخاسر الأكبر من تحول سورية من دولة أمنية، الى دولة ديمقراطية.

وأضاف الرئيس الأسد فقال : ” بدؤوا أولا بالتحريض … ولم يحققوا شيئا… أخذوا المحور الآخر وهو المحور الطائفي “.

ان جلال الرئاسة ومسئوليات الرئيس تحتم عليه أن يرسخ ويعزز الوحدة الوطنية لا أن يوظف الطائفية ويتكلم بالطائفية ليصنع التوترات الطائفية ويقوم بزرع الفتنة وزعزعة الوحدة الوطنية، ولكن يبدو ان الطبع قد غلب التطبع، فتاريخ النظام في هذا الجانب يضع امامنا سجل مثير للاشمئزاز، وقد اكدته دراسات علمية محايدة غير سورية تجعل كل الوطنيين السوريين في محل خجل منه ومن ممارساته، خاصة وان الشعب السوري شعب متعايش ومتسامح؛ لأنه غير عنصري وغير طائفي، وهذا مشهود له فيها، ولكن الذي أدخل الطائفية الى سورية المغامرون والحاقدون على المجتمع السوري الذين قاموا بانقلاب 8 آذار 1963 الاسود، فتاريخ الصراع بينهم يدل على انه قد استخدم أغلبهم العامل الطائفي في التعبئة والتحشيد، ولهذا فان سلاح العامل الطائفي الفاسد ما يزال يستخدم من قبل الورثة لنفس الغرض، وأول من بدأ باستخدامه والتلويح به والتحريض عليه السلطة نفسها وليس المتظاهرين الذين يرفضون الطائفية أصلاً، فالمتفذلكة الرئاسية بثينة شعبان قالت : ” هناك مشروع فتنة واستهداف لنموذج العيش المشترك الذي تتميز به سورية، والشعب السوري واع، وسيتجاوز هذا الاستهداف ” وعاد الرئيس بشار الأسد وعزف على نفس الايقاع والوتر فقال عن المحتجين على استبداد وفساد نظامه انهم قد : ” أخذوا المحور الآخر وهو المحور الطائفي ” في حين رفع المحتجون المطالبون بالحرية والحياة الكريمة للشعب السوري شعارات وطنية مثل شعار : ” واحد واحد واحد الشعب السوري واحد “، وشعار : ” وحدة وحدة وطنية اسلام ومسيحية “، وشعار : ” سلمية سلمية لا للطائفية “، وهناك فرق شاسع بين المنطقين والعقليتين، وفي الحياة هناك فرق بين من يمارس الطائفية قولاً وفعلاً، وبين من يؤشر ويحتج عليها ويرفضها ويقف ضدها ولا يمارسها قولاً وفعلاً، ولذلك فان حصانة النظام في هذا الجانب فاسدة ورائحتها تزكم الأنوف، وتصل الى عنان السماء، في حين ان حصانة الشعب السوري من هذا الجانب قوية وقوية جداً، والدليل ان الناشطين ضد استبداد النظام والمعتقلين من قبله من كل ألوان الشعب السوري؛ لان المظاهرات الاحتجاجية تمتد من مديتة القامشلي الى مدينة السويداء، ولذلك ليس هناك فتنة طائفية في سورية، انما هناك تخويف منها وتحريض عليها من قبل النظام المستبد الفاسد من أجل استمرار بقائه في السلطة.

وتابع الرئيس بشار فقال : ” ابتدؤوا بمحافظة درعا … قاموا بنقل المخطط إلى مدن أخرى، وكما تعرفون انتقلوا إلى مدينة اللاذقية ومدن أخرى، وبنفس الآليات قتل وتخويف وتحريض إلى آخره، وكانت هناك تعليمات واضحة لمنع جرح أي مواطن سوري، مع كل أسف عندما تنزل الأمور إلى الشارع ويصبح الحوار في الشارع خارج المؤسسات تصبح الأمور بشكل طبيعي فوضى، ويصبح رد الفعل هو السائد وما نسميها أخطاء اللحظة تصبح هي السائدة، وتسيل الدماء وهذا ما حصل، وكلكم تعرفون هذا الشيء سقطت ضحايا “.

ان استخدام هذا المنطق الملتوي والمتعامي مثال واضح على سياسة الهروب الى الامام بدلاً من مواجهة الحقيقة، فما يجري في سورية ليس مؤامرة خارجية قام بها سوريون لخدمة اسرائيل، انما مظاهرات احتجاجية ضد استبداد وفساد النظام، مطالبة بالحرية والحياة الكريمة للشعب السوري، بدأت في مدينة درعا وانتقلت الى المدن السورية الاخرى، وخاصة بعد ان واجهت قوات أمن النظام المحتجين باستخدام القوة المفرطة والقاتلة، فارتكبت جرائم ضد الانسانية تحت ذريعة متهافتة تصور سورية بلد ديمقراطي، وتستند على انه كانت هناك تعليمات واضحة لمنع جرح أي مواطن سوري، ولكن عندما نزلت الأمور الى الشارع وأصبح الحوار خارج المؤسسات سادت الفوضى، فسقطت ضحايا وسالت دماء تحت مسمى أخطاء اللحظة – قتل الابرياء المسالمين عن طريق الخطأ -، وكانت هذه الذريعة المسوغ لاطلاق العنان لعصابات النظام المكونة من الأمن ومن ما يسمى ” بالشبيحة ” لقتل السوريين بدم بارد بتوجيه من النظام، وهذا دليل واضح على لا مبالاة الرئيس تجاه الحياة البشرية وحقوق الانسان اذ لا قيمة لديه لحياة أبناء شعبه، على الرغم من اننا الآن نعيش في عصر أصبح الدفاع فيه عن حصانة السيادة لجرائم الدولة لاغياً، خاصة بعد أن قضت أحكام المحكمة الدولية في لاهاي على الحماية التي كانت تخص الجرائم المرتكبة تحت ذريعة مصلحة البلاد، فالجرائم المرتكبة من قبل قوات النظام الرسمية وغير الرسمية تدخل في باب الجرائم ضد الانسانية، والتي سوف يقدم مرتكبيها الى المحكمة الوطنية أو الدولية لينالوا عقابهم عاجلاً أو آجلاً، ولقد غاب عن الرئيس وعلى من وراء الرئيس انه بقدر ما يقتل ويجرح ويعتقل من أبناء الشعب، فان النظام يفقد الشرعية ويضعف ومن ثم سوف يسقط.

وحول مجموعة القرارات المعاشية والخدمية والسياسية التي اتخذت باسم حزب النظام قال الرئيس بشار الأسد : ” ما طرح يوم الخميس هو ليس قرارات، فالقرار لا يصدر مرتين القرار يصدر مرة واحدة، وهذه هي قرارات المؤتمر القطري في عام 2005،… عندما طرحنا هذه النقاط … لم يكن هناك ضغوط على سورية،… في عام 2004 وفي قمة تونس … بعد غزو العراق … كان الأمريكي يريد أن يفرض علينا في القمة مشروع إصلاح وديمقراطية على الدول العربية وقاتلنا بشدة ضد هذا المشروع … وأفشلناه ورفضناه، … أتيت إلى هذا المجلس في عام 2000 في خطاب القسم وتحدثت عن إصلاح، … بدأت الانتفاضة بعد شهرين من ذلك الخطاب، بدأ التآمر على المقاومة بدأت الضغوطات أتت حادثة 11 أيلول … احتلال أفغانستان والعراق التآمر على سورية، أصبح المطلوب من سورية أن تدفع ثمن موقفها ضد الغزو تعرفون ما حصل في لبنان عام 2005 ولاحقاً حرب عام 2006 وتداعياتها حرب غزة في آخر 2008، يعني كانت مرحلة من الضغوط أضيف إليها أربع سنوات من الجفاف أضرت كثيراً بالبرنامج الاقتصادي الذي حصل، … إن الأحداث التي مررنا بها خلال عملية الإصلاح دفعتنا إلى تغيير الأولويات وهذا ليس مبرراً أنا لا أبرر، … أصبحت الأولوية الأهم هي استقرار سورية، … إصلاحنا اليوم يجب أن يعكس عشر سنوات للخلف وعشر سنوات للأمام، … أعتقد أنه من واجبنا أن نقدم للشعب السوري الأفضل وليس الأسرع نحن نريد أن نسرع لا أن نتسرع “.

ان عنجهية وعجرفة السلطة دفعت بالرئيس بشار الأسد الى استخدام هذا المنطق الفوقي في التعامل مع الشعب السوري، فهو يريد ان يرسل رسالة له مفادها انه لا يتعرض الى الضغط أبدا،ً وان مجموعة القرارات المعاشية والخدمية والسياسية الهزيلة التي اتخذت هي قرارات المؤتمر القطري عام 2005 ولم تأت نتيجة الضغط الشعبي عليه وعلى نظامه، فالولايات المتحدة الأميركية بقوتها وجبروتها وضغطها لم تستطع ان تفرض عليه وعلى نظامه ( المقاوم والممانع ) مشروع الاصلاح والديمقراطية الذي قاتله وأفشله ورفضه، وهنا لا يستقيم أبداً لرئيس دولة يحترم ذاته وشعبه أن يضع في سلة واحدة مطالب شعبه المشروعة في الحرية والحياة الكريمة مع ضغوط دولة أجنبية، على الرغم من ان الحل الناجع في مواجهة هذا الضغط الخارجي وتفويت الفرصة عليه كان من المفترض ان يكون في تمتين الجبهة الداخلية السورية، من خلال استخدام نفس الأدة التي يستخدمها الأجنبي في الضغط عليه لفرض الاصلاح والديمقراطية، من خلال التوجه على احترام حقوق الانسان، والتعددية السياسية، وتداول السلطة، ولكن كعادة النظام في الهروب الى الامام ومن عدم تحمل المسئولية الوطنية والتهرب منها، فان الرئيس قد حمل المسئولية عن وقف الاصلاح الذي تحدث عنه في خطاب القسم الى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، وأحداث 11 أيلول 2001، واحتلال افغانستان والعراق، والتأمر على سورية، وما حصل في لبنان عام 2005، ولاحقاً حرب عام 2006 وتداعياتها حرب غزة في آخر 2008، والجفاف الذي أضر بالبرنامج الاقتصادي، والذي حصل إن هذه الأحداث دفعت إلى تغيير الأولويات وأصبحت الأولوية الأهم هي استقرار سورية، وعلى الرغم من كل هذه الاحداث، فانها لاتعطي التبرير والمسوغ أبداً للرئيس ونظامه من عدم القيام بالاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يطالب بها الشعب السوري، من خلال الزعم والادعاء أنه من الواجب أن يقدم له الأفضل وليس الأسرع، والسؤال الذي يطرح على الرئيس لماذا كان وصوله الى السلطة ومن ثم استلام مقدرات شعب بشكل سريع وبمدة لا تتجاوز خمسة عشر دقيقة في حين ان الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحاجة الى جيل كامل ؟ والجواب انه منطق الاستبداد والتدليس، فليس عيباً ان يستجيب الرئيس لمطالب الشعب المشروعة في الحرية والحياة الكريمة، ولكن العيب والفشل في أن يقضي حوالي ثلاث فترات رئاسية أميركية من دون ان يقوم ولو بخطوة اصلاحية حقيقية، وفي ان لا يستجيب للشعب التواق الى الحرية والحياة الكريمة، ويقلب له ظهر المجن.

وأضاف الرئيس الأسد فقال : ” وأد الفتنة واجب وطني وأخلاقي وشرعي، وكل من يستطيع أن يسهم في وأدها ولا يفعل فهو جزء منها، والفتنة أشد من القتل كما جاء في القرآن الكريم، فكل من يتورط فيها عن قصد أو من غير قصد فهو يعمل على قتل وطنه، وبالتالي لا مكان لمن يقف في الوسط، فالقضية ليست الدولة بل الوطن المؤامرة كبيرة ونحن لا نسعى لمعارك، والشعب السوري شعب مسالم وودود، ولكننا لم نتردد يوماً في الدفاع عن قضايانا ومصالحنا ومبادئنا، وإذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها “.

ان استخدام هذه المفردات من قبل الرئيس بشار الأسد تذكر بخطاب المحافظين الجدد الذين قادوا الولايات المتحدة الاميركية الى الجحيم، فالرئيس جورج دبليو بوش وبعد هجمات 11 أيلول 2001 قال : ” من ليس معنا فهو ضدنا “، واليوم الرئيس بشار الأسد يكرر نفس الخطاب بالركون الى الدين ومن ليس معنا ومع النظام فهو ضدنا وضد الوطن، وهذا الابتزاز ليس صحيحاً أبدا؛ً لانه لا الرئيس ولا نظامه يمثلون سورية والسوريين والدليل المظاهرات الاحتجاجية التي تعم اليوم أغلب المدن السورية، فكيف يريد الرئيس من الشعب السوري وباسم الدين والوطن الوقوف الى جانب نظامه الذي يقوم على انتهاك حقوق الانسان، والحزب الواحد القائد في المجتمع والدولة، والمرشح الواحد الأبدي؟، فضلاً عن تهديده الشعب السوري انه لا يسعى لمعارك ولكن : ” إذا فرضت علينا المعركة اليوم فأهلاً وسهلاً بها “، فهذا التهديد والوعيد غير المسئول من قبله ليس موجه الى العدو الصهيوني المحتل الجولان وفلسطين، انما موجه بشكل مباشر الى الشعب السوري، والدليل تبني نظام الرئيس ( المقاوم والممانع ) السلام مع اسرائيل خيار استراتيجي، والمعنى البديهي لهذا ان النظام لا يفكر او يخطط لشن معركة أو حرب على اسرائيل لتسوية النزاع معها، ولكنه يفكر ويخطط ومستعد فقط لمعركة مع الشعب السوري، ولذلك فان هذا المنطق الشبيحي   القائم على استعراض العضلات الفارغة على الشعب وليس العدو الصهيوني مع الآسف، لا يمكن ان يكون منطق رئيس دولة، اذ يستعرض عضلاته أمام شعبه، في حين هو جبان أمام العدو الصهيوني، ولكن هذا هو منطق الشبيحة الذين كانوا دائماً يحتفظون بحق الرد على العدو الصهيوني، في حين ردهم مباشر على الشعب.

 

وبناء على ما تقدم فقد جاء خطاب الرئيس بشار الأسد متهافتاً ومخيب للآمال ودون طموحات الشعب السوري؛ لانه لا يلبي المطالب المشروعة له في حياة حرة كريمة قائمة على احترام حقوق الانسان، والتعددية السياسية، وتداول السلطة، ومن ثم فان الشعب السوري سوف يستمر بالمظاهرات الاحتجاجية حتى تتحقق أهدافه في اسقاط النظام الأمني، وبناء دولة المؤسسات القائمة على الحرية والعدالة والمساواة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى