صفحات سورية

قراءة نقدية في مقابلة الأستاذ ميشيل كيلو على قناة (روسيا اليوم )


غسّان النجّار

لا نشك أنّ مقابلة الأستاذ كيلو مع قناة روسيا اليوم تمتلك إيجابيات عديدة تصب في أهداف الثورة وهذه لا داعي للتفصيل والدخول فيها فقد تناولتها شخصيات معارضة عديدة وفنّدت مواقف النظام الهزيلة .

لكننا اليوم لا نستطيع أن نمرر جميع ما ورد في المقابلة بداعي عدم افتعال معارك أيديولوجية بين فرقاء المعارضة ، فالمعارضة الوطنية وأخص منها المحافظة والاسلامية وشباب الثورةعامة الّذي يقود الشارع وهو يهدر كالبركان قائلاً (هي لله ، هي لله ) ، فإنه يرفع في نفس الوقت شعار الوحدة الوطنية ويطالب بالحرية والديمقراطية ،

نحن ليس لدينا عقدة مع أي من طوائف المجتمع بينما يعبر الأستاذ كيلو عن قلقه من نتائج الثورة وانعكاساتها الفكرية على المجتمع ، ليس لدينا مشكلة مع الأستاذ كيلو بوصفه مسيحيا أرثودوكسيا فهذه محسومة لدينا ، لأننا نتعامل مع غير المسلمين بصفتهم مواطنين ( لهم مالنا وعليهم ما علينا )وبالقول ( لا نفرّق بين أحد من رسله )( لا إكراه في الدين )(لكم دينكم ولي دين )، هل وجد العالم كلّه بيانا واضحا أنصع من هذا التراث العظيم ،

إنّ أغلبية الشعب السوري يدين بالاسلام وتراثهم هو ثقافة غير المسلمين التي تقول ( من آذى ذميا فقد آذاني ) والذمي الّذي هو في ذمتنا نرعاه أكثر مما نرعى أنفسنا ، لا داعي للقلق ياسيد كيلو بعد ما عرفت ، وإذا عرفت فالزم !

لقد دعيت مرة إلى فرع التحقيق العسكري في حلب للتحقيق معي وجرى الحديث مع ضابط برتبة عقيد وهو يهاجم مقالة السيد كيلو (نعوات سورية ) وقد سمّاها الضابط بالطائفية فانبريت للضابط بكل حدّة وأنا أدافع عنه وعن حرية الرأي والتعبير المكفولة بالدستور فدهش الضابط وهو يعرفني كوني ذو فكر اسلامي والسيد كيلو مسيحيا ولم يكتف بذلك بل تعرض الى مقالاتي على الانترنت وأنا أكيل المديح للسيد كيلو في الوقت الّذي كنت أهاجم فيه مفتي الجمهورية لتصرفاته وتصريحاته المنافقة أمام الوفد الأمريكي القادم الى دمشق ،ولما خرج السيد كيلو من السجن عام 2009 ذهب وفد يمثل التيار الاسلامي الديمقراطي إلى منزله مصطحبين معنا الهدية الواجبة مباركين ومهنئين بسلامة الخروج .

لكن مربط الفرس في مقابلة الأستاذ كيلو على قناة روسيا اليوم حين يصرح بكلام خطير نربأ أن يصدر عن مفكر مثله ، إذ يقول:

(الشرق شرقنا لا يعرف مفهوم المجتمع ولا مفهوم الفرد ولا مفهوم الدولة وبالتالي ولا مفهوم الحرية،هؤلاء الناس القادمون من مجتمع الشرق يقولون لأول مرة “الحرية” يرفعون قيما هي من صنع المجتمع الحديث في العالم الحديث ).

ويتكلم الأستاذ كيلو عن العداء الراسخ بين الاسلام والمسيحية ، ونحن كمسلمين نقرر : أنّ المسيحية هي جزء من عقيدتنا وديننا وعليه ليس لدينا ما يخالجه في نفسه من هواجس العداء ، ولدينا سورة من كرائم سور القرآن الكريم سورة مريم وهي تتكلم عن السيدة مريم وعن ابنها عبسى عليهما الصلاة والسلام بأفضل عبارات التبجيل والقدسية مقابل الطعن بهما من بعض أتباع المسيحية في الشرق والغرب .

ويتكلم السيد كيلو عن فكرة المواطنة والحرية لمجتمعنا بالقول : ( أن هذه الفرصة لمساعدتهم للخلاص من استبداد الشرق الّذي عمره ألفي سنة من الاستبداد الديني والمجتمع المغلق )!! ؛ هذا الكلام العجيب الغريب المبطن المقصود به التاريخ والتراث الاسلامي كله من ضمن الاستبداد الديني والمجتمع المغلق !! وكأني بالأستاذ كيلو لم يقرأ عن عصر الأنوار والعلوم المزدهرة والتي كانت تشع من بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة ، والتي كان يوزن فيها مؤلفات العلماء ومنهم المسيحيون الشرقيون بالذهب الخالص ثمنا لمؤلفاتهم وانتاجهم ، الغريب أن الأستاذ كيلو نسي المقولة الشهيرة ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا “وقد نقلت عنها لائحة حقوق الانسان في الأمم المتحدة ” يولد الناس أحرارا متساوون في الحقوق..” قالها عمر ابن الخطاب وهو يطلب من القبطي المسيحي أن يجلد ظهر ابن الأكرمين ( والي مصر وفاتحها عمرو بن العاص )، أهذا هو الاستبداد الديني الّذي عناه الأستاذ كيلو في الشرق منذ ألفي عام.

نسي الأستاذ كيلو أن المسلمين هم الّذين حموا اليهود في القرون الوسطى من اضطهاد المسيحيين لهم ، أم نسي السيد كيلو جرائم محاكم التفتيش في اسبانيا بعد سقوط الأندلس والتي كان ينفّذ فيها حكم الاعدام على كل مسلم وذلك بقرينة وجود حمام في منزله للإغتسال !! جمعني مجلس مع الأستاذ كيلو وكنت أشرح فيه عظمة الاسلام وتسامحه إزاء الشرائع والأديان ، فأجابني لماذا لا تنشر ذلك على الملأ

وفي معرض حديث السيد كيلو عن الثورة أقول :نحن الّذين صنعنا الثورة ياسيد كيلو يوم اقتحمت المخابرات منزلي فجر يوم الجمعة الخامس من شباط واعتقلتني ووجهت لي تهمة تفجيرالثورة وأضربت حينها عن الطعام وقد أشرفت على الهلاك ، يومها كنتم تتبرأون أنتم منها أمام أجهزة الأمن والمخابرات .

أنا لا أفهم أن يترك الأستاذ كيلو الباب مواربا مع السلطة لإقامة الحوار وتنفيذ الاصلاح المزعوم وهو يدرك تماما أن السلطة عاجزة عن الاصلاح وأن النظام غير مستعد للقيام به لأن الاصلاح الحقيقي معناه زوال النظام برمته ويقول السيد كيلو :”إنّ الأهداف هي تغيير النظام ، إذا حقق هذا الشيء يبقى النظام “هل هذه هي معادلة مستقيمة ، أم أنّه يعبّر عن النظام بمجموعة القوانين والأنظمة ، أم هو كلام مسطّح كي تبقى القنوات مع النظام مفتوحة بلقاءات بثينة والشرع !!

ويكرر الأستاذ كيلو نفس المعنى بالقول “لو أنّ هناك حل جدّي فسيعطي الناس حقوقها في البلد، ويمكن أن يتم ذلك بدون إسقاط النظام!”

كيف يعطي النظام الناس حقوقهم وحقّهم الأساسي أن يولّى عليهم خيارهم باقتراع الشعب الحقيقي وليس بتعديل دستور خلال خمسة دقائق كي نلبس مقاسه وهو مقاس الرئيس وليس خيار الشعب .

أخيراً فإنني لا أريد أن أقف عند كلام السيّد كيلو عن مبالغات قناة الجزيرة حول أحداث الثورة وعن المسلحين في جسر الشغور وغيرها وهو منقول عن اعلام النظام بل أتركه لفطنة القارئ الناقد الفطن .

3/9/2011 غسّان النجّار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى