حسين عبد العزيزصفحات سورية

قراءة هادئة في دعوة معاذ الخطيب

 

حسين عبد العزيز *

ألقت دعوة رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» السورية معاذ الخطيب إلى محاورة مسؤولين في النظام السوري، حجراً في وحل السياسة السورية الراكد، بحيث أصبحت هذه الدعوة محور نقاش وتجاذبات محلية وإقليمية ودولية خلال الأيام السابقة.

من الأكيد أن دعوة الخطيب كانت ارتجالية ومن دون تخطيط وتشاور مسبق مع أركان الائتلاف، بدليل الهجمة الكبيرة التي شنت عليه من معارضين كثيرين بخاصة «المجلس الوطني» الذي وجد في الدعوة خروجاً على وثيقة تأسيس الائتلاف التي تنص على إسقاط النظام القائم برموزه وحل أجهزته الأمنية والعمل على محاسبة المسؤولين عن سفك دماء الشعب السوري.

ما أسباب ودوافع هذه الدعوة؟ أهو ضغط دولي على رئيس الائتلاف للتقدم بخطوة سياسية كما ألمح إلى ذلك بيان «المجلس الوطني»؟ أم هي رغبة الخطيب ذاته بوقف نهر الدماء الجاري في سورية؟ أو ربما الانتقام من الدول الغربية التي وعدت بالكثير ولم تفِ وتركت المعارضة في قارعة الطريق؟ أم هو ضغط من البرجوازية السورية لا سيما الدمشقية لإيجاد مخرج سياسي سريع للأزمة بحسب بعض المعلومات المسربة؟

ليس مهماً في السياسة معرفة أسباب القرارات الإستراتيجية، بقدر ما ينبغي الاهتمام بالنتائج والتداعيات التي تفرزها في المشهد السياسي والميداني اللاحق، على اعتبار أن السلوك السياسي هو فعل واع يهدف إلى إنتاج شروط ومناخات من شأنها أن تساعد على تحقيق الأهداف السياسية المرجوة، فهل أنتجت دعوة الخطيب هذه الشروط والمناخات؟

أولا: جاءت دعوة الخطيب فارغة من أي محتوى سياسي، فالمطالب التي عرضها تعكس براءة سياسية واضحة، وهو شخصياً لم ينكر ذلك بشكل ما، حين قال في صفحته على «الفايسبوك» في معرض رده على منتقديه أنه ثائر وليس سياسياً.

إطلاق سراح 160 ألف معتقل بمن فيهم النساء وحل مشكلة جوازات السفر للسوريين في الخارج هي مطالب أخلاقية وليست سياسية، وفيها اختزال للحركة الاحتجاجية التي انطلقت بهدف تغيير نظام الحكم. والأهم من ذلك أن مطالب الخطيب تأتي خارج إطار التفاوض بمعنى أنها شرط لبدء التفاوض وهذا ما لا يقبل به النظام لأنه سيظهر حينها في صورة المهزوم، خصوصاً أن لديه حجة تبدو معقولة عند حلفائه في الداخل والخارج وهي أنه غير قادر على إطلاق سراح من يسميهم قتلة السوريين.

كما أن دعوة الخطيب محاورة من لم تتلطخ أيديهم بالدماء كفاروق الشرع على سبيل المثال، فيها نوع من السذاجة السياسية، إذ ليس المهم في المفاوضات السياسية شخصية المفاوض، وإنما الأسس التي تقوم عليها المفاوضات وهدفها فضلاً عن سقفها السياسي والزمني.

ثانياً: جاءت دعوة الخطيب بعد محاولات كثيرة من الائتلاف وقبله «المجلس الوطني» لتوحيد صفوف الجماعات المسلحة في الداخل، كما جاءت الدعوة في ظل انكفاء المعارضة المسلحة على الأرض وتقدم للجيش لا سيما في المناطق المحيطة بدمشق خلال الأشهر الأخيرة، وما الاشتباكات العنيفة التي جرت في الفترة الأخيرة في القدم واليرموك والتضامن وجوبر والقابون والمتحلق الجنوبي وبعض أحياء الغوطة الشرقية، إلا محاولة لكسر الجمود الحاصل كما أعلن ضباط في الجيش الحر.

ووفقاً لمقولة أن الحرب امتداد للسياسة وإن بوسائل أخرى، فإن دعوة الخطيب التي جاءت في توقيت خاطئ قرئت في دمشق قراءة عسكرية لا قراءة سياسية، حيث اعتبرها النظام دليل ضعف، ولذلك ركلها بقدميه.

ثالثاً: أظهرت دعوة الخطيب عجز الائتلاف وقبله «المجلس الوطني» عن تقديم مبادرات سياسية كاملة تكون مقبولة في العواصم الإقليمية والدولية التي تنظر إلى الأزمة السورية من منظور المصالح وليس من المنظور البيوريتاني الطهراني، كما كشفت الدعوة هشاشة الائتلاف المعارض، وهناك خوف حقيقي أن ينفرط عقده، وما إعطاء الخطيب النظام السوري مهلة زمنية للرد على دعوته للحوار إلا محاولة لردم الهوة بين المعارضة وإخراج الائتلاف من عنق الزجاجة.

لقد كشفت مبادرة الخطيب رعونة المعارضة وتعبها السياسي على رغم الدعم السياسي والشرعي الكبير لها في الداخل والخارج، في حين استطاع النظام الذي يفتقر إلى المرجعية الشرعية بسبب اختياره الحل الأمني ـ العسكري، إخفاء كل مظاهر الضعف لديه وإظهار كل مكامن القوة، مستعيناً بسياسة تمرير المراحل وتهالك المعارضة.

بالمحصلة لم تفتح دعوة الخطيب أي بارقة أمل في إيجاد حل سياسي، بل على العكس ستساهم في تعنت النظام أكثر فأكثر، ويمكن القول إنها أعادت الأزمة إلى مربعها الأول وهيأت الشروط والمناخات للنظام للتشبث بمواقفه.

* إعلامي وكاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى