صفحات العالم

المرحلة الانتقالية في سوريا تثير القلق


التوتر يسود وأسئلة عن “محور  الممانعة”

    روزانا بومنصف

لا يختلف سيناريو المرحلة الانتقالية في سوريا على الورق عن سيناريوات المرحلة الانتقالية في الدول التي شهدت انتفاضات شعبية من ضمن ما سمي بـ”الربيع العربي”. فحين يقتنع النظام السوري بالتنحي وتنضج الفكرة لديه باعتبار ان اي حل آخر غير محتمل او غير وارد في المشهد السياسي حتى لو نجح الرئيس السوري  في البقاء في موقعه لبعض الوقت، لن يكون صعباً اخراج سيناريو المرحلة المقبلة الى العلن، وبعض أفكار هذا السيناريو وضعها المبعوث الأممي العربي الى سوريا كوفي أنان وبعضها الآخر تم تداوله في اجتماعات المعارضة السورية اعدادا لما بعد سقوط الرئيس السوري، أي ان تتسلم المسؤولية موقتا حكومة انتقالية تضم جميع القوى وتجري انتخابات تشريعية على أسس جديدة وتنتخب رئيساً جديداً بناء على نتائج الانتخابات.

الا ان سوريا ستختلف بقوة عن كل الدول الأخرى التي شهدت تغييرات انطلاقاً على الأقل من كلام حلفاء للنظام، وقد اصيبوا الاسبوع الماضي بصدمة تسبب بها التفجير الذي أدوى باركان امنيين اساسيين لدى النظام، لأن ذلك التفجير اعطى ملامح للمرة الاولى عن ان انهيار النظام قد يغدو على نحو مفاجىء امرا واقعا، خصوصاً ان مكاسب عسكرية للمعارضة واكبته ميدانياً بعدما امتدت الاشتباكات الى كل من دمشق وحلب اللتين بقيتا رمزاً داعماً للنظام بالنسبة الى حلفائه على الأقل. وكان عدم امتداد الثورة الى المدينتين المؤشر الأبرز الى ان الانتفاضة محصورة في قرى وارياف ولم تمتد الى قلب المدن. واختلاف سوريا عن بقية الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية يكمن في انها تقع من ضمن معادلة اقليمية للصراع في المنطقة على خلفية الصراع العربي الايراني وتالياً الايراني الدولي. واذ يعتبر حلفاء النظام ان ما يجري في سوريا هو حلقة من حلقات المؤامرة الدولية عليها لانها احد ابرز مواقع الممانعة والمقاومة في المنطقة، على ما اورد الامين العام لـ”حزب الله” أخيراً وسائر الحلفاء الآخرين، فان انهيار حكم الاسد ورحيله يفيدان بأن هذه الحملة نجحت وان كان ثمة اقتناع سعى الى ترويجه هؤلاء في اليومين الماضيين باعادة لملمة النظام نفسه واستمرار امتلاكه القدرة على الحسم. ويعني نجاح حملة المعارضة على افتراض اعتماد المنطق نفسه في ظل تغييب اي عامل داخلي سوري كما حصل في الانتفاضات العربية الأخرى ان محور الممانعة والمقاومة مني او سيمنى بهزيمة كبيرة متى رحل الاسد. وهذه التوقعات ليست جديدة بل برزت من اليوم الاول للثورة السورية، وقد أخذت في الاعتبار ان مآل الثورة في سوريا لن يختلف عن مأل الثورات في الدول العربية الأخرى وان كان اسلوب الوصول الى ذلك قد اختلف مع الحرب الداخلية التي اطلقها الرئيس السوري ضد معارضيه. لكن تحول هذه التوقعات واقعاً يعني ان تغييراً كبيراً ستشهده المعادلة السياسية القائمة في المنطقة  على وقع التراجع الحتمي لمفهوم الممانعة، لا بل لسقوطه في حال اعتبر الاسد رمزاً لهذه الممانعة، الأمر الذي سيترك ارتدادات كبيرة أقله في كل من لبنان والعراق وايران ويؤدي الى تغييرات بفعل ما يصفه حلفاء النظام السوري الحلقة الاساسية في هذا المحور، وما يعني سقوط هذه الحلقة بالنسبة اليهم من خسارة استراتيجية كبيرة ومصيرية.

لذلك تلاحظ مصادر معنية ان توترا كبيرا يسود دول المنطقة المجاورة للعاصمة السورية. وهو توتر مبرر ومفهوم للأسباب المذكورة، فضلاً عن تدفق عدد هائل من النازحين السوريين الى دول الجوار مما يلقي عليها أثقالاً كبيرة في ظل مخاوف من استمرار حال الحرب لأسابيع ان لم يكن لشهور، وذلك في انتظار خاتمة الحرب الداخلية في سوريا وعمليات الكر والفر بين النظام ومعارضيه مع علامات استفهام كبيرة يرسمها كثر حول احتمال ان يكون هناك قبول ولو اضطراري وقسري لهذه المحصلة في سوريا من جانب محور ما يسمى بالمقاومة والممانعة، او عدم قبول هذا المحور هذه المحصلة او الهزيمة اذا صح التعبير ووفق الوصف الذي يعطونه لما يجري في سوريا، وتاليا ما يمكن ان يكون ردود فعل هذا المحور على رحيل الاسد؟ وهل يمكن ان يترجمها بتقديم المزيد من الدعم الى النظام للتماسك وعدم الانهيار ومواصلة الحرب وعدم التراجع اياً كان الثمن، او استيعاب الخسارة التي سيمثلها رحيله المحتمل؟ كما ان التوتر هو رديف الغموض حول سبل الوصول الى المرحلة الانتقالية من دون المرور بمرحلة فوضى اجبارية عرفتها الدول العربية الأخرى. علماً أن الفوضى في سوريا قد تكون اكثر دموية نتيجة العدد الكبير من الضحايا التي خلفها قمع الانتفاضة خلال سنة ونصف السنة. وهذا ما يزيد من عناصر التوتر الذي يخشى تظهيره في شكل او في آخر بما يزيد الخشية على لبنان في الدرجة الاولى، أقله بالنسبة الى هذه المصادر. علماً ان الجميع يستشعرون الخشية نفسها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى