راتب شعبوصفحات سورية

قطار رحيل النظام السوري


‎راتب شعبو

يضع قرار الجامعة العربية قطار رحيل النظام السوري على السكة التي تتضمن على الأرجح محطات دولية، ويتوقف على رد النظام السوري وطريقة تعاطيه مع القرار كيف سيكون الرحيل وبأي تكاليف على المجتمع السوري. توجب هذه المحطة السياسية الهامة التأمل قليلاً فيما هي عليه لوحة الوضع السوري.

لا يبدو أن “الأقليات” في سورية تسير، في وزنها الغالب، باتجاه الاندماج في الانتفاضة، والواقع أنه كلما تأخر اندماجها كلما برزت أكثر في الانتفاضة الجوانب التي تدفع الأقليات لعدم الاندماج فيها. ومن خلال مناقشة أفراد من شرائح تعليمية وثقافية وطبقية وعمرية مختلفة من هذه الأقليات يمكن تسجيل ما يلي:

1. انسجام جلي في الموقف بين الغالبية العظمى منهم

2. لا يدافع أحد عن النظام بذاته والجميع يقر بأن الفساد مستشر والحريات مصادرة .. الخ، ولكنهم يدافعون عن النظام في وجه حركة تغيير يصفونها بالإجرامية (القناعة راسخة وموحدة بأن هناك عصابات مسلحة لا تكتفي بالقتل بل وتقطع أوصال الجثث) والطائفية والعميلة و..الخ تطغى على الحركة السلمية ذات “المطالب المشروعة”.

3. اعتبار القمع الذي يمارسه النظام وظيفة طبيعية للدولة في وجه العصابات

4. رفض التظاهر الآن، وإن كان سلمياً، لأنه يشكل غطاء للعصابات المسلحة

5. التدليل على “رجعية” الحركة بأنها مدعومة من دول الخليج

6. التدليل على وجود مؤامرة بأن الحركة مدعومة من الغرب وأمريكا بالتحديد

7. التدليل على طائفية الحركة بأنها بقيادة الأخوان المسلمين (القناعة كبيرة بأن الأخوان المسلمين وربما جهات إسلامية أكثر تطرفاً هم على رأس الحركة ويتسترون بشخصيات غير إسلامية مقبولة من طرفهم)

وتبقى الملاحظة الأبرز برأيي هي أن الجميع يعبر عن رأيه هذا بقناعة كبيرة وحماسة والأهم براحة ضمير لم تكن ملحوظة من قبل. الدفاع عن النظام (مُعدَّلاً أو مُصلَحاَ لا بأس) بات اليوم قضية ونضال عند أبناء “الأقليات” حتى من كان منهم معارضاً ذات يوم أو دفع من عمره في سبيل تغيير هذا النظام. على هذا فإن النظام غير معزول داخلياً بقدر عزلته الخارجية التي ستزداد مع الوقت. صار يمكن رسم اللوحة السورية على الشكل التالي: النظام المعزز بآلة الدولة وبدعم جزء غير قليل من الشعب، مقابل المعارضة المعززة بقوة المجتمع الدولي، والدول العربية ضمناً، وبدعم أساسي من الجزء المنتفض من الشعب والجزء الرافض بصمت. الكفة في النهاية لن ترجح لصالح النظام لأن تماسك آلة الدولة لا يراهن عليه أمام عزلة خارجية وعقوبات وحراك داخلي سيزداد قوة مع الأيام، في هذه الحال يمكن أن يتكئ النظام إلى سنده الشعبي الأمر الذي قد يخلخل وحدة المجتمع والبلد أيضاً ويدفع نحو حرب أهلية عبثية تجر الويلات.

وفي الحق أن هذا الاستقطاب هو الميزة الأساسية لهذه المرحلة من التغيير في سورية. ومنه سوف تشتق ملامح المرحلة المقبلة. ذلك أن عملية تغيير النظام التي قطعت شوطاً مهماً بقرار الجامعة العربية تعليق عضوية دمشق فيها لن تتم برأب الشرخ الذي أحدثه هذا الاستقطاب الذي يبدو، للأسف، عصياً على الرأب ولاسيما بغياب جهة وطنية جامعة (حزب أو هيئة أو حتى شخصيات). ولا غرابة في غياب مثل هذه الجهة التي ما كان يمكن أن توجد في ظل قمع دائم وملازم لأي ظاهرة في المجتمع مستقلة عن الدولة أو بالأدق عن أجهزة الأمن. وعليه فإن الأمور تتجه في حدها الأسوأ إلى مواجهة “شعبية” بين القطبين بعد تضعضع الدولة السورية، مواجهة قد تنفتح على احتمال التقسيم على أسس مذهبية، وفي حدها الأقل سوءاً إلى دولة وليدة ضعيفة الاستقرار أو لا تقوم على مجتمع مندمج وطنياً وستبتعد الدولة المقبلة عن إنتاج اندماج وطني سليم بقدر اقترابها من النموذج الإسلامي للدولة وهو أمر وارد وربما مرجح بحسب المزاج السياسي العام وما تنبئ به الحال في تونس وليبيا.

في الأيام القادمة سيدفع السوريون، في سياق استرداد الشأن العام الى حيزه الطبيعي، ثمن سكوتهم الطويل على نظام تغلغل في كل تضاعيف المجتمع، واستكانتهم الطويلة أمام عملية نزع السياسة من المجتمع وتسييس كل شيء في الوقت نفسه في تشويه عجيب ومزمن لمستويات البنية الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى