صفحات العالم

الصقور


مصطفى زين

يعرف الساعون إلى تغيير النظام السوري أن الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانبهم. جربوا ذلك مرتين، وصوتت الغالبية لمصلحتهم. لكنهم لم يستطيعوا استصدار قرار من مجلس الأمن يتيح لهم التدخل العسكري، إذ كان الفيتو الروسي والصيني لهم بالمرصاد. فيتو أنقذ النظام وقدم خدمة إلى الولايات المتحدة فهي غير مستعدة لخوض حرب جديدة في الشرق الأوسط، وتفضل أن يضطلع السوريون أنفسهم بمهمة إبعاد بلادهم عن «محور الشر» وتحييدها في الصراع مع إسرائيل، وهم، معارضة وموالاة، يفعلون ذلك بجدارة منذ 18 شهراً.

منذ بداية الأزمة طرحت مشاريع كثيرة لإضعاف النظام وإطاحته، من المنطقة العازلة إلى منطقة الحظر الجوي، مروراً بمحاولات توحيد المعارضة، ودعم المسلحين وتدريبهم وتقديم معلومات إليهم وإتاحة المجال لـ «المجاهدين» للدخول إلى سورية، ومن الحصار الاقتصادي إلى إغراء داعمي النظام بالمال والاستثمار… جربت كل هذه الطروحات، لكنها اصطدمت بواقع على الأرض، وبواقع التحالفات ذاتها وإصرار النظام على الحل الأمني. وفشلت كل طروحاتها.

اليوم يعود الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ليجدد اقتراحه إقامة منطقة حظر للطيران وحماية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتحويلها إلى نقطة انطلاق للانقضاض على دمشق. ويعود أمير قطر ليطرح مشروعاً جديداً خلاصته تشكيل «قوات ردع عربية» على غرار تلك القوات التي «أنهت الحرب الأهلية» في لبنان وكانت القوات السورية عمودها الفقري.

يحتاج اقتراح هولاند إلى موافقة تركيا والحلف الأطلسي كي يطبق على أرض الواقع. والحلف، على ما أكد أكثر من مرة، غير مستعد لهذا الأمر لأنه يعني تحويل مسار الأحداث، ومزيداً من الدعم الروسي والإيراني للنظام والدخول في حرب تطاول شظاياها المنطقة كلها، بما فيها لبنان والعراق، وليس من دولة مستعدة لذلك، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل.

لم يصدر أي تأييد لاقتراح هولاند، عدا تصريحات رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم الذي دعا إلى «إقامة منطقة حظر للطيران وزيادة حجم المساعدات للشعب السوري»، وتمنى أن يكون بمقدوره «حل الأزمة بصورة سلمية» لكن ذلك غير ممكن بسبب خيارات النظام «المستمر في قتل شعبه». استبعاد الحل السلمي يعني، منطقياً، الدعوة إلى الحرب، وهي غير واردة الآن على الأقل.

أما اقتراح أمير قطر إرسال قوات ردع عربية إلى سورية فهو في غير موقعه، إذ كان عليه أن يقدمه إلى الجامعة العربية بدلاً من الأمم المتحدة. وهذا لم يحصل. فضلاً عن ذلك، الوضع في سورية اليوم مختلف تماماً عن الوضع في لبنان عندما دخلته قوات الردع. هذه القوات دخلت بموافقة السلطة اللبنانية، عندما تفككت الدولة وأصبح لكل منطقة جيشها الخاص. وإلى عدم واقعية الاقتراح فهو غير عملي، فما من دولة عربية مستعدة لمحاربة الجيش السوري فوق أرضه.

أبعد من ذلك، إن تنفيذ أي من الاقتراحين يحتاج إلى موافقة أميركية، وهذا لم يحصل علناً، على الأقل، فالرئيس باراك أوباما اكتفى، في خطابه أمام الجمعية العامة، بتكرار دعوته إلى رحيل الرئيس بشار الأسد من دون أن يقدم أي اقتراح لتحقيق ذلك.

الأزمة السورية أوصلت الجميع إلى حائط مسدود لذا يكرر الصقور اقتراحاتهم وهم يعرفون أنها من دون صدى.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى