صفحات سوريةميشيل كيلو

ماذا ينتظر الجيش الحر؟/ ميشيل كيلو

   هناك نقمة هائلة في كل مكان من سوريا على رئاسة اركان الجيش السوري الحر عامة، وعلى شخص اللواء سليم ادريس خاصة. هذه حقيقة لا علاقة لها بمواقفنا الشخصية ومشاعرنا حيال الجهتين. إنها حقيقة مستقلة عن الاشخاص نجدها عند المدنيين والعسكريين على حد سواء ، الذين يتابعون ما يجري على الارض بدهشة وعدم تصديق، ويحارون بسبب ما يحدث ، ويعلمون انه لم يكن هناك في سوريا قبل الاركان واللواء ادريس تنظيم اسمه “دولة العراق والشام الاسلامية” ، وان هذه تبتلع اليوم الجيش الحر قطعة بعد قطعة وتحتل مناطقه المحررة منطقة بعد منطقة، وانها تضع يدها على محافظات باكملها ، وتحتل حقول النفط وتسيطر على صوامع الحبوب وتقطع طرق امداد وتموين محافظات الشمال ، وتقيم نظاما يجعل قطاعات واسعة من السوريات والسوريين على وشك ان يندموا على الثورة ضد نظام بشار الاسد ، دون ان يتخذ قادة الاركان اي اجراء لوقف هذا التطور، القاتل للثورة والمهدد للشعب ، في حين لا يجد المقاتلون الميدانيون مسوغا له ويستغربون وقوعه ويدينونه باشد العبارات قسوة ، ويحملون اللواء ادريس شخصيا المسؤولية عنه ، لكونه يبدو عاجزا امام مخطط يقلب انتصارات الشعب الى هزائم ، ويحول ثورة الحرية الى اقتتال اشد فوضوية وضراوة من الحرب التي يشنها النظام منذ ثلاثين شهرا ضد  السوريين .

  لم تخف “الدولة” مقاصدها يوما ، ولم تنكر لحظة ما صممت على تنفيذه من مخططات . واعلنت منذ ساعة ولادتها تكفير الجيش الحر وسائر المؤسسات والتنظيمات التي انتجتها ثورة الحرية ، بما في ذلك “الائتلاف الوطني” . وقالت : إنها ستعطي الأولوية في عملها للقضاء الجيش الذي حرر مناطق شاسعة من البلاد، فلم تقم الاركان ورئيسها بأي عمل حقيقي ، تكتيكيا كان ام استراتيجيا، استباقيا أم لحاقيا، لقطع الطريق على توطن وصعود خطر ينسف الخيارات العسكرية والسياسية التي يعتمدها الجيش، ويفرض عليه تأجيل الصراع ضد النظام والانخراط في قتال ضد قوة يفترض انها من المعارضة ، وإلا فالوقوع بين ناري النظام ونارها ، ومواجهة ما لا قبل له به ، خاصة وان “الدولة” تمارس سياسات هي الوجه الآخر لما يريده النظام ، وان لديها من الموارد ما يمكنها من قضم وشراء وترويع فصائل من الجيش او قريبة منه ، كما حدث في الرقة ، حيث لم تكن داعش – اسم الدولة المختصر- موجودة عند تحريرها ، ومع ذلك ، فقد نجحت خلال امد قصير نسبيا في اختراقها ثم السيطرة عليها ، بعد ان انتزعتها من احرار الشام واحفاد الرسول وجبهة النصرة، وقضت بصورة تكاد تكون تامة على وجود الجيش الحر فيها . بما ان “الدولة” توجد اليوم في كل مكان ، وبما ان هدفها الثابت الذي لا يتغير هو الجيش الحر والشباب الذي نظم الثورة وظل وفيا لقيمها المدنية، فإن السكوت على استمرار قضم الاول وعلى عزل الائتلاف عن الشعب يثير استغراب وادانة كل مخلص لثورة الحرية، ويستفز وطنيته وغيرته على شعب خرج مطالبا بالحرية وليس ب”الدولة” او بغيرها من التنظيمات الوافدة من الخارج ، ينظم اليوم مظاهرات حاشدة ضدها في كل مكان تحتله ، دون أن يواكب قادة الاركان حراكه او يحموه ويبذلوا جهودا جدية ومنظمة لمواجهة اخطار تتصدى لها بكل اقتدار قوى واسعة الانتشار بين السوريات والسوريين ، تعلن استعدادها للدفاع عن ثورة الحرية ضد ” الدولة” .

   واليوم ، وقد بات جليا أن “الدولة” لعبت دورا استراتيجيا في التمهيد للهجوم العام الذي يشنه النظام ضد المناطق المحررة ، ويكاد يعيده إلى معظمها عقب النجاحات التي حققها خلال الشهرين الماضيين ، تطرح نفسها الأسئلة المهمة التالية : إلى متى ستسمح الاركان “للدولة” باستفراد فصائل الجيش الحر واحدة بعد أخرى وفي كل موقع من مواقعه، بما في ذلك بادية تدمر والسخنة ؟. وإلى متى سيبقى الجيش الحر ساكتا على التحدي وقابلا بقضمه والتهامه جزءا بعد جزء ؟. ومتى ستتحرك قيادته وتضع خطة عامة تحمي وحداته ومنتسبيه وتنقلهم من الدفاع الى الهجوم ، تشرف الاركان عليها وتنفذها بما لديها من قوى فاعلة او معطلة ؟. وماذا ينتظر قادتها – ان كان هناك بالفعل قادة اركان للجيش الحر!- كي يخلصوا جيشهم من الانطحان اليومي بين حجري رحى ” الدولة” والنظام ؟. وماذا ينتظرون اخيرا كي يشنوا حملة علنية ضد ” الدولة ط ، ويقيموا تحالفات فاعلة مع بقية الفصائل والقوى الإسلامية وغير الاسلامية ، التي تهدد ” الدولة” بتدميرها اذا لم تنجح في احتوائها ؟.

   اعتقد شخصيا أن شلل الجيش الحر يرجع إلى بنيته المشتتة تنظيميا والى ما يسوده من فوضى وفلتان إداريين واعتباطية وانتقائية في التسليح والإمداد . إذا كان هذا الاعتقاد صحيحا ، ترتبت عليه نتيجتان مهمتان هما :

ليست بنية الجيش الحالية صالحة لحمايته او للدفاع عن منتسبيه او لتحقيق اهدافه السياسية والعسكرية . إنها بنية تليق بعصابات وامراء حرب اكثر ما تليق بجيش تحرير وطني . ليست مشكلة الجيش عند سليم ادريس ، إلا إذا كان يحول دون التخلص من هذه البنية ،ودون بناء جيش حر وطني موحد ومقاتل ، وكان يتمسك بمنصبه بطريقة تعطل قدرات وخبرات من انشقوا عن جيش الاسد من ضباط وصف ضباط وجنود .

لا حرية ولا انتصار دون بناء جيش تحرير وطني حقيقي ، يحررنا من البنية العسكرية القائمة :الشديدة التخلف والتي لا تستطيع خوض معارك كبيرة ، ويجعل وجودها وتبعثرها ونمط قياداتها المدنية غالبا من المحال وضع خطط سوقية واسعة النطاق وضاربة . إنها بنية لا ولن تنتج غير انتصارات عابرة وهزائم ونكسات قاتلة، بينما سيضع جيش التحرير الوطني بين ايدينا القوة القادرة على احتواء المخاطر الداهمة من اية جهة اتت في مرحلة اولى،وعلى مواصلة الحرب واحراز  الانتصارات فيها بعد ذلك ، واخيرا على اسقاط النظام بالقوة . هذا الجيش صار بناؤه مهمة يتوقف على تحقيها ما إذا كان سيبقى ثمة ثورة حرية في بلادنا ، وما اذا كنا نريد حقا احراز انتصار يلبي طموحات وتطلعات شعبنا ، الذي لم يبخل يوما بحياته وقدم ما لم يكن بشر يصدقون انه قادر على تقديمه من تضحيات ، كي ينال حريته.

       هل ستسهل الاركان وسليم ادريس شخصيا بناء هذا الجيش قبل فوات الأوان ، وخلال فترة قصيرة تقاس بأشهر إن لم يكن باسابيع ، فيستعيد الشعب ثقته بالانتصار، ام سيكونا حجر عثرة في طريقه، كما يعتقد كثيرون ، فيذهب كل شيء نحو الهاوية ، وتهزم الثورة ؟.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى