صفحات مميزة

قمم سوتشي والتسوية السياسية في سورية – مقالات وتحليلات مختارة-

عن الغرام بالفخ الروسي/ عمر قدور

ربما هي محض مصادفة أن يتزامن مؤتمر المعارضة السورية في الرياض مع القمة الثلاثية التي تستضيفها مدينة سوتشي الروسية؛ القمة كما هو معلوم ستجمع الرئيس الروسي بوتين بالرئيسين التركي والإيراني، وستكون مكرسة للبحث في الملف السوري بعد تفاهمات أعلن وزير الخارجية لافروف عن إبرامها مع نظيريه التركي والإيراني في اجتماع أنطاليا. بينما يُفترض بمؤتمر المعارضة الخروج بتصور موحد لقوى ومنصات مختلفة المشارب والأهواء، بعد فشل محاولة سابقة استضافتها الرياض أيضاً، وقيل أن الفشل آنذاك يعود إلى موقف ما يُعرف بمنصة موسكو، وهي تحضر المؤتمر الحالي أيضاً من دون تغير في موقفها.

أمانة منصة موسكو لإسمها معروفة للجميع، فهي تمثّل الموقف الروسي بحذافيره، ووجه الخلاف بينها وبين الباقين في مؤتمر الرياض السابق أنها أصرت على عدم الإشارة مطلقاً إلى مصير بشار الأسد، وأصرت على اعتماد الدستور الذي وضعه بشار الأسد عام 2012. باختصار يمكن القول بأن منصة موسكو هي وديعة روسية في الرياض، وغايتها إما فرض التصور الروسي على مجمل المعارضة والبلد المضيف، أو إفشال المؤتمر وإعطاء ذريعة لموسكو وديمستورا للقول بأن تفكك المعارضة هو السبب بإفشال العملية السياسية.

وإذ نعلم أن المعارضة لا حول ولا قوة لها إزاء القوى الداعمة لها، وأنها تقبل الجلوس مع منصة موسكو إلى طاولة واحدة مرغمةً، فإن قبول هذا الوضع الشاذ يتعلق أولاً بالرياض التي أوكل إليها في مؤتمر فيينا تحضير المعارضة للمشاركة في جنيف. وستكون مغرية المقارنة بين لقائَيْ الرياض وسوتشي، إذ تحضر موسكو عملياً اللقاءين، بينما يغيب “أصدقاء” المعارضة عن سوتشي، ولا تجد إدارة بوتين حرجاً في المضي منفردة في تفاهمات إقليمية تضرب أساس عملية جنيف، بينما منصتها تقوم بالواجب نفسه في الرياض.

لقاء سوتشي ليس استكمالاً تقنياً لمسار أستانة، هو بالأحرى استكمال لمسار السياسة الروسية إزاء الملف السوري منذ بدء العمليات العسكرية الروسية. وفق هذا المسار تنسق موسكو مع العواصم الإقليمية الفاعلة، وتستبعد الأقل فاعلية أو أولئك الذين لا تتناسب مواقفهم مع سياساتها. للتذكير سنجد، بموازاة التنسيق مع طهران وأنقرة، تواصلاً لم ينقطع مع تل أبيب، ويمكن القول بأن غياب تل أبيب عن اجتماعات سوتشي تحكمه اعتبارات الحرج الإيراني “وبدرجة أقل التركي” أكثر مما تحكمه رغبة روسية، لأن الرغبة الروسية أصلاً هي لعب دور المايسترو مع القوى الثلاث التي تعتقد أنها الأهم في المنطقة، والأكثر تأثراً وتأثيراً في الملف السوري.

ما لا يحتاج فطنة عالية الانتباهُ إلى المقايضة بين موسكو والعواصم الثلاث، فهي سمحت لأنقرة بالتدخل المباشر مرتين، مرة لقطع إمكانية سيطرة الميليشيات الكردية على مجمل الشمال السوري، ومرة أخرى للإشراف على موقع تلك الميليشيات في عفرين من خلال المناطق المتاخمة لها في إدلب. وسبق لها أن أمنت الغطاء الجوي للميليشيات الإيرانية التي تقاتل مع النظام، فضلاً عن التنسيق بين البلدين في الملف النووي. أما تل أبيب فحصلت على ضمانات روسية بعدم اعتراضها إذا شاءت قصف مواقع تعتبرها خطراً على أمنها، مع ضمانات روسية بالحفاظ على هدوء الطرف السوري من الحدود مع إسرائيل، رغم وجود خلاف ينحصر في عرض الشريط الحدودي الذي تريد تل أبيب إبعاد الميليشيات الشيعية عنه.

بخلاف موقف طهران الداعم بشدة لبشار أتت هذه المقايضات بنتائجها، فتل أبيب أعلنت مرات عديدة أنها لا تتدخل في موضوع بقاء بشار، ما فُهم كل مرة أنها تحبذ بقاءه. حكومة أردوغان تراجعت نهائياً عن تصعيدها اللفظي إزاء تنظيم الأسد، واستعاضت عنه بتصعيد لفظي إزاء أكراد سوريا، وخلاله إزاء أكراد العراق في مناسبة استفتائهم على الاستقلال وما تلاه. أما التنسيق المتصاعد مع موسكو فتم التبرير له بموجات متلاحقة من التصعيد المتبادل مع الغرب، وحتى مع حلف الناتو كما حصل مؤخراً.

لعل قراءة هذه المعطيات تخفف من الاعتقاد السائد بقدرة الإدارة الأمريكية على إفشال موسكو متى تشاء، وهي قدرة تبقى موجودة إذا وصلت الأمور بين الدولتين إلى ما يشبه إعلان حرب، الأمر المستبعد حصوله بسبب سوريا، والمستبعد حصوله مع إدارة تحاصرها الاتهامات في شأن التواصل غير المشروع مع موسكو. لكنها أيضاً تعزز من الاعتقاد بأن موسكو لا ترى حاجة ماسة إلى شريك إقليمي عربي، وهي غير مستعدة لدفع أي ثمن لقاء مثل هذه الشراكة، ما يرسم علامات استفهام ضخمة حول زيارات العديد من المسؤولين العرب موسكو، أو حول العديد من الصفقات معها والتي يمكن اعتبارها هدية مجانية للاقتصاد الروسي المتعثر.

لن نعثر أيضاً على ملف آخر يجيز التكهن بأن حكومات عربية قبضت فيه الثمن لقاء التخلي عن الملف السوري، فالأوضاع الأخرى في الإقليم لا تخضع لنفوذ روسي. أي أن التنازلات المقدَّمة لموسكو في هذا الملف هي بمثابة رضوخ لها لا أقل، وعطفاً على وضوح السياسة الروسية وعدم تزحزحها يبدو كأن هناك غراماً بالوقوع في الفخ الروسي، أقله منذ مؤتمر فيينا حتى الآن. وربما يكفي للدلالة على الهوة بين المواقف أن تستطيع أنقرة حتى الآن استبعاد حزب الاتحاد الديموقراطي “الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني” من كافة مؤتمرات المعارضة بما فيها مؤتمر الرياض، على رغم ما يحظى به الحزب من حيثية تمثيلية في صفوف الأكراد، بينما تشير الأنباء إلى تمثيل منصة موسكو بأحد عشر مشاركاً في المؤتمر، وهو رقم لا يُعدّ كبيراً بالقياس إلى حجم المدعوين فحسب وإنما قد يدعو إلى الاستغراب أن يكون هذا حقاً عدد الأعضاء المنضوين فيها. لا يقلل من وجاهة المقارنة العلاقة التي تربط حزب الاتحاد الديموقراطي بتنظيم الأسد، فحال منصة موسكو وما تطرحه لا يضعها أبعد منه عن الأسد.

الحديث الشائع عن نجاح الدبلوماسية الروسية، أو عن دهاء صانعيها، يتفادى الإحراج فلا يلحظ الوقوع المتكرر في الفخ المكشوف ذاته، وبالطبع لا يلحظ سَوْق “الطريدة” للوقوع فيه.

المدن

 

 

 

 

متى ينقض بشار تعهداته لبوتين؟/ عمر قدور

يلزم أن نتغاضى عن صور لقاء بشار الأسد الأخير ببوتين في مدينة سوتشي، فالصور أُريد منها إيصال رسالة عن الطريقة المتعالية التي يتعاطى بها الروس مع حليفهم، وإفهام الآخرين بأنه تحت السيطرة التامة. يلزم أيضاً ترك التساؤلات عن تشدّق بشار الأسد بالسيادة الوطنية والحجم الذي ظهر به لدى استدعائه للقاء بوتين، فهذه التساؤلات تصلح للتسلية وتزجية الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، بما أن تنظيم الأسد يفهم السيادة على الوجه الذي يعني السيادة على السوريين والقدرة المستمرة على التنكيل بهم.

اللقاء الذي تم قبل قمة سوتشي الثلاثية، بين بوتين وأردوغان وروحاني، جرى إخراجه للقول أن الأسد تعهد «قيل بأنه وقع رسمياً هذا التعهد» بالمضي في العملية السياسية. ذلك التعهد نقله بوتين للعديد من الزعماء، قبل أن يدخل به القمة الثلاثية ليستخرج منها بياناً يؤيد فكرته حول عقد «مؤتمر وطني سوري» قريباً. ومع تأكيد موسكو أن المؤتمر لن يكون بديلاً عن جنيف إلا أنها تراهن على دعم أنقرة وإقناعها قسماً من المعارضة بالانضمام إليه، وربطاً بعملية آستانة تطمح إلى القول أنها استقطبت فعلياً غالبية القوى المسيطرة على الأرض، بما فيها على نحو خاص القوى الإسلامية الذاهبة بتشجيع من أردوغان.

نظرياً، يسهل الاعتقاد بأن الأسد سيَفي بتعهداته لبوتين، فهو قد حصل على صفقة القرن، ويصعب تخيّلُ أن يفوز متهم بجرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية… إلخ بمثل هذه المكافأة. العملية السلمية، بموجب الخطة الروسية التي تعهد بالالتزام بها، تنص على إصلاحات دستورية ومن ثم انتخابات عامة بمراقبة دولية، مع التنويه بأحقية بشار في الترشح للانتخابات المقررة. ذلك يتضمن تلقائياً عدم ملاحقته، وعدم خضوعه لأية مساءلة على الانتهاكات التي ارتكبها منذ آذار (مارس) 2011، وكما هو معلوم لم يُطرح ملف المحاسبة على جرائم الحرب على أجندة أي مؤتمر دولي حتى الآن.

سنتجاوز موقتاً فرضية استعداد موسكو لطي خطتها المعلنة بذريعة أو أخرى، ونفترض على سبيل التمرين الذهني أنها ستحترمها حتى النهاية. يبقى الجزم بنقض بشار تعهداته أمام بوتين، وهذا ليس بالتمرين الذهني مع وجود مبررات كافية للقول أنه لن يكتفي بالمكافأة الأثمن الموعود بها.

أيضاً، لا بأس في تجاوز وعود الإصلاح التي قدمها بشار للسوريين في مستهل عهده، ثم سرعان ما تخلى عنها، وتجاوز واقع تقديمه تلك الوعود للعديد من القوى الدولية من دون شعور بأدنى حرج أثناء التنصل العلني منها في ما بعد. يمكن البدء بما لا يخص السوريين، على اعتبار أنهم مستباحون سابقاً والآن، مثلاً، البدء من وعده الفرنسيين بالتوسط لإطلاق سراح صحافييْن اختطفا في العراق إثر الغزو الأميركي، ويومها ضجت الصحافة الفرنسية بخبر سربته الاستخبارات الفرنسية، مفاده اتصالات من دمشق تطلب من الخاطفين الاحتفاظ بالرهينتين.

قبيل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان بشار شخصياً قد وعد باريس والرياض بتشديد الحراسة المخصصة له ثم أوعز بسحب جزء منها. قبلها كان قد وعد باريس بتسهيل تنفيذ اتفاق باريس2، لكنه عاد فأوعز إلى رجالاته اللبنانيين بعرقلته. وقد يلزم التذكير بأنه بينما كانت أجهزة استخباراته ترسل قوائم بأسماء إســـلاميين إلى CIA، كانت أيضاً تدرب وترسل الإرهابيين إلى العراق. ولقاء مبالغ طائلة استـــضاف تنظيم الأسد سراً مسؤولين عراقيين هاربين من الحكم الجديد، ثم لم يتورع عن تسليمهم، وكان من قبل قد فتح خطاً شــبه رسمي لتهريب النفط العراقي في أواخر أيام صدام للالتفاف على الحظر الدولي.

قد يُقال أن الأسد لا بد أن يكون استفاد من درس الثورة القاسي، لكن إذا استرجعنا كمّ الكذب المستخدم منذ بداية الثورة لن نرى تغيراً يُذكر. مرة أخرى، نستبعد ذلك الكذب على السوريين المستباحين قبل وبعد الثورة. لم يطوِ النسيان بعد الأكاذيب على وفد مراقبي الجامعة العربية، إلى درجة وضع لوحات بأسماء مضلِّلة على مداخل بعض البلدات والمدن لإيهام المراقبين بأنهم موجودون في المكان المطلوب بينما هم في مدينة أخرى. لم يطوِ النسيان بعد موافقته على إدخال مواد إغاثية للمناطق التي يحاصرها، ثم التنصل أو السماح بدخول بعض الشحنات في حالات الضغط الدولي الشديد، بعد إفراغ تلك الشحنات خصوصاً من الأدوية الضرورية ومن أغذية الأطفال.

وأهم ما تذكّر به وقائع قريبة الكذب في إعلانه التخلص من مخزونه الكيماوي، وقد فنّدت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة قضية القصف بغاز السارين تحديداً، وهذا داخل في صفقة الكيماوي ولا يُعتبر تحايلاً عليها كالاستخدام المتكرر للكلور. في هذه تحديداً نقض بشار تعهداته بموجب الصفقة التي قيل الكثير في أنها تضمنت بقاءه، وإذا قيل حين عقدها أنها صفقة تترك المجرم لقاء تسليم أداة الجريمة فقد ثبت وجود كذب حتى في تسليم تلك الأداة، ويجوز القول أن غاية استخدام السارين مجدداً ليست فقط في قبول العالم وجوده، وإنما أيضاً قبول التنصل من الالتزامات الدولية بلا عقاب، لا فحسب قبول إبادة السوريين بلا عقاب.

إذاً، هل يجرؤ على فعلها ونقض تعهداته لبوتين؟ كانت الجملة الوحيدة ذات المغزى التي نقلها الإعلام الروسي عن بشار الأسد في سوتشي هي: قبوله بعملية سياسية سورية من دون تدخل خارجي. ربما تكفي هذه الجملة التي تنطوي على القبول والنفي في آن، وكما نعلم لم يحدث في العلاقات الدولية أن تفرّغ رئيس دولة لوقف تحايل رئيس آخر على تعهداته. وإذا أبقينا على افتراض نزاهة موسكو في تنفيذ تسوية الحد الأدنى، وهي نزاهة مشكوك فيها أيضاً، فمن الصعب أن تأخذ حتى هذه التسوية طريقها إلى التنفيذ مع وجود بشار في السلطة. رحيله بهذا المعنى ليس شرطاً تضعه المعارضة، ولا تحكمه اعتبارات أخلاقية وجيهة، هو شرط لعدم عرقلة أية تسوية مهما بلغ إجحافها في حق السوريين. لا يصعب على أي سوري الجزم بأن بنية هذه الزمرة تصبح عبئاً حتى على حُماتها، وربما تكون نهايتها على أيديهم، والأكيد أن أحداً باستثناء السوريين لن تكون خسارته فادحة في انتظار كسب الرهان.

الحياة

 

 

 

ليس من حلٍ روسيٍّ للمسألة السورية/ عمار ديوب

لم ينجح لقاء جنيف ولا أستانة ولا حميميم بشأن سورية؛ فاخترع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مساراً جديداً هو مؤتمر سوتشي. ويُراد من هذا المؤتمر أن يجمع المعارضة السورية بكل أطيافها، إضافة إلى ممثلي النظام. هذا ما يحلم به بوتين قبل تجديد ولايته في مارس/ آذار المقبل. أول فشل صادف سوتشي أنّه بديل عن مؤتمر حميميم الفاشل أيضاً، والثاني التراجع عن اسم مؤتمر شعوب سورية إلى مؤتمر الحوار الوطني، وثالث فشل هو رفض أقسام كبرى من المعارضة الذهاب إليه، والرابع رفض الأميريكيين والأوروبيين له. إذاً من حيث المبدأ هو مؤتمرٌ فاشلٌ، ويشكل تغيير الروس مواعيد انعقاده فشلاً إضافياً كذلك، وطبعاً يأتي تحديد موعده الجديد بالتزامن مع لقاء جنيف المقبل ليُفشله بالتأكيد.

لا يرغب الروس في قراءة الشرط العالمي جيداً، ويعتقدون بقدرتهم على صياغة العالم وفقاً لأوهامهم عن تراجع أميركا عالمياً، وعدم وجود طموح صيني للهيمنة العالمية البديلة. تخطئ روسيا الإمبريالية، والطامحة لنهب العالم بأساليب همجية واحتلالية، المرة تلو الأخرى، من إبخازيا إلى أوكرانيا إلى العلاقة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى تعاطيها الدولي الاستعلائي مع كل من تركيا وإيران وإسرائيل والدول العربية.

“المعارضة السورية، التي فرّطت كثيراً بأهداف الثورة، ربما ستسقط في مؤتمر الرياض، وتشكل هيئة تفاوض تأخذ بالرؤية الروسية للحل”

لم تتوقف الضغوط على المعارضة، لكنها أيضاً لم تتصاعد؛ فالعنجهية الروسية، ووهم الإشراف الوحيد على سورية تمنعان التسليم الإقليمي والدولي لها بذلك. الانتقام الروسي الذي يتكرّر على الغوطة، أخيرا، وفي كل مدينة سورية، كلما تشدّدت المعارضة، لا يفيد كثيراً في تغيير المعطيات التي يريد السوريون الوصول إليها. ففي أستانة، كذب الروس أخيراً بوعودهم عن إطلاق المعتقلين. وفي جنيف، رفضوا إجبار النظام على التفاوض. وفي مجلس الأمن الدولي، رفعوا تسعة فيتوات ضد مصالح الشعب السوري، وللحفاظ على النظام السوري.

لم يلتزم الروس باتفاقية خفض التوتر، ولا صانوا التوافقات مع الأميركان، وكذلك يتجاهلون المصالح الإسرائيلية؛ وبذلك يبتعد الروس عن بقية مصالح العالم في سورية. أيضاً لم يقرأ الروس استراتيجية أميركا في محاصرة إيران، وإعادتها إلى حدودها وإجبارها على وضع برنامجها الصاروخي الباليستي ضمن الاتفاقيات الدولية؛ تتلاعب روسيا بمصالحها في سورية أكثر مما يجب كما يبدو، ومحاولاتها حل المشكلات الدولية على حساب التوافق على الحل السياسي في سورية أمر خاطئ، حيث لا يوجد مبررٌ حقيقي لتأجيل الحل بنهاية تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتقييد جبهة النصرة وبوجود مناطق خفض التوتر.

لا يقبل الأميركان أن تفرض روسيا شروطها الدولية عليهم، لا في سورية، ولا في أي مكان في العالم. ولهذا، تتزايد العقوبات على روسيا وتفشل المساعي الروسية في إيجاد معارضة سورية، تتوافق مع رؤيتهم في التجديد للنظام والانخراط فيه.

يقع على المعارضة التي تتعرض لضغوطٍ مستمرة رفض أيّة تغييرات في مواقفها، وليس من مصلحتها قبول منصة موسكو بشكل رئيسي، أو قبول أفرادٍ مستقلين غير معروفين جيداً، وكذلك يقع عليها فك الاحتكار عن المعارضة، وإشراكها بتحديد السياسات وأولويات التفاوض؛ فليس منطقياً أن يُحتكر قرار الشعب السوري والمعارضة بأيدي ثلة أشخاصٍ، كما قال إدوارد حشوة في بيان استقالته من لجنة التفاوض العليا أخيرا.

وتقول التسريبات المتعلقة بمؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية إن المطلوب منه إيجاد معارضة “عميلة” لموسكو، والتجديد للنظام. إن وجود شخصيات انتهازية في المعارضة يمكن أن يسمح بذلك، لكنه بالتأكيد سَيُواجَه برفضٍ سوريٍّ واسع، ولن يمرّر بأي حال، وبالتالي إن نجاح أيّ حلٍّ سياسيٍّ متعلقٌ بإجراء تغييرات كبرى تسمح بالبدء فيه، وإلّا فإن المفاوضات ستفشل بالتأكيد. وطبعاً مؤتمر سوتشي فاشل سلفاً، ولا مجال للتفكير فيه؛ والقضية التي على المعارضة التركيز عليها هي مؤتمر جنيف مجدّداً، ووفقاً لبنود جنيف 1 بشكل خاص.

سيعي السعوديون لاحقا أن مصالحهم تكمن في معارضةٍ سوريّة قوية. وسيعي الأتراك أنفسهم الأمر ذاته. وما زال الروس الذين فُتِحت لهم كل المنافذ “من المعارضة والأميركان والخليج بل وجزء من النظام يرغب بذلك” للانفكاك عن إيران، يناورون لعقد صفقةٍ تتعلق بقضايا دولية، وليس بسورية فقط. رفض الروس للتفسير الأميركي بخصوص القوات الأجنبية، وأن

“لا يقبل الأميركان أن تفرض روسيا شروطها الدولية عليهم، لا في سورية، ولا في أي مكان في العالم”

المقصود بها المليشيات المرتبطة بإيران، وكذا الدفاع عن وجود إيران بأنه شرعي، يدفع بمواقف متشدّدة إزاء الروس بالتأكيد.

إذاً يشكل رفض الضغوط التي تمارسها الدول على المعارضة السورية الأساس الذي سيُغير المعادلات الإقليمية والدولية إزاء سورية. ولا يمكن الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ من دون سوريين معارضين فاعلين، وتحديدا من الأوساط التي تستطيع مد شبكة علاقات واسعة مع المناطق الخارجة عن سيطرة روسيا وأميركا والسعودية وتركيا.

ربما تميل أوساط من المعارضة إلى التفاهم مع الروس، لكنها بذلك ستخسر تحالفات دولية مستجدة مرتبطة باستراتيجية حصار إيران. المعارضة معنية بفهم ما يحدث في سورية والإقليم؛ فهناك مصالح كبرى للدول الإقليمية ولأميركا، ومن دون تحقيقها ليس من حلٍّ سياسيٍّ قريب. أميركا التي فرضت سيطرتها على شرق سورية وشمالها لن تخرج منها، كما يصرح قادتها، وتركيا بدورها أيضاً تتمدّد على أراضٍ سورية كثيرة. ويمكن للتحالفات التي تعقدها مع روسيا أن تنهار أيضاً، وأن تتجدّد العلاقات مع الأميركان؛ فروسيا وعلى الرغم من كل براغماتيتها، تريد فرض سياسات على أميركا والدول الإقليمية، وهذا أمر خاطئ كليا.

تخطئُ السعودية إن استمرت في توتير الأجواء الخليجية، وتخطئُ إن مارست ضغطاً على المعارضة في الالتحاق بروسيا؛ فهذا يقوي الموقف الإيراني، وليس العكس، في سورية وفي اليمن أيضاً. وتتزامن المواقف الروسية المستجدة، ومنها أن الوجود الإيراني شرعي في سورية، مع خلافات روسية أميركية متصاعدة، ليس آخرها أن روسيا تعتبر الوجود الأميركي في سورية غير شرعيٍّ. وتصعّد هذه المواقف من الخلاف الروسي الأميركي، وبالتالي تصبح كل الدعوات إلى حلٍّ سياسيٍّ في سورية عديمة القيمة والأهمية.

المعارضة السورية، التي فرّطت كثيراً بأهداف الثورة، ربما ستسقط في مؤتمر الرياض، وتشكل هيئة تفاوض تأخذ بالرؤية الروسية للحل، لكنها بذلك تسقط بشكل كامل. فليس من حل سياسي بغياب توافقٍ أميركيٍّ روسي جديّ، وأسّه الآن إخراج إيران من سورية، وتحجيم وجودها في كل البلاد العربية. فهل تعي روسيا شروط الحل السياسي في سورية لمصلحتها؟ ربما لا.

العربي الجديد

 

 

 

على روسيا الاعتراف بخطئها والاعتذار للسوريين/ برهان غليون

عندما دخل الروس إلى سورية، أثار تدخلهم الأمل عند قطاعات واسعة من الرأي العام السوري، بما في ذلك المؤيد للثورة، لأن سوريين كثيرين كانوا يعتقدون أن روسيا، بعكس الأسد وطهران، دولة بالمعنى الحرفي للكلمة، أي لديها، كأي دولة عريقة وراسخة، تقاليد تجعلها تستبطن في سلوكها الرسمي وعلاقاتها بغيرها، مهما كانت مواقف حكامها الظرفية، الحد الأدنى من المبادئ التي يفرضها الاشتراك في منظومة دولية واحدة، والتعامل مع دول ندّة وشعوب ذات حقوق معترف بها، وأحيانا بعض الاستقلال والسيادة، أو مفترض أنها كذلك. ومن هذه المبادئ احترام القوانين والالتزامات الدولية الأساسية التي لا يقوم من دونها أي نظام دولي، ويؤدي الاستهتار بها أو المبالغة في تجاوزها إلى تهديد الاستقرار وسيادة الدول والسلام العالمي. وهذا ما يدفع الدول إلى ضبط النفس، وتجنب ردود الأفعال العاطفية والانتقامية، ويعطي للدبلوماسية والبحث عن الحوار والمفاوضات والحلول العقلانية معنى. وهو أيضا ما يجنّبها التورط في أعمالٍ أو نشاطات ذات طبيعة إجرامية، ومخاطر الانجرار إلى سلوك العصابات أو العصبيات القبلية أو الطائفية اللاعقلانية وغير المحسوبة، ولا المقبولة سياسيا وأخلاقيا، من نوع أعمال الإبادة الجماعية أو استهداف المدنيين أو التضحية بشعب كامل من أجل تحقيق مصالح استراتيجية أو سياسية أو اقتصادية، مهما كان حجمها.

منطق الدولة ومنطق العشيرة

الدولة التي من صفاتها أن تحتكر العنف داخل حدودها، مسؤولةٌ، في المقابل، عن تقنين استخدامه داخل هذه الحدود، لكن أيضا خارجها، بعد أن أغلقت اتفاقية ويستفاليا في القرن

“ربما لم تخسر ولن تخسر روسيا الحرب في سورية عسكريا، أو ليس بعد، لكنها خسرتها سياسيا وأخلاقيا”

السابع عشر عصر الاعتراف بشرعية الفتح والغزو، وضم المناطق وإلحاقها بالقوة، أي بحق القوة في التمدد، على حسب ما تسمح لها طاقتها وحدها، كما بنيت، في الماضي، جميع الإمبراطوريات والسلطنات البائدة. وقد حاولت هذه الدول، منذ ذلك الوقت، أن تنظم نفسها، وتضبط علاقاتها بعضها ببعض، على أسس قانونية أو عقلانية، فبلورت تقاليد وأعرافا، وأقامت مؤسسة كبرى دولية هي الأمم المتحدة التي زودتها، خلال أكثر من سبعة عقود، باتفاقيات ومواثيق دولية عديدة ملزمة إلى هذا الحد أو ذاك، لكن الموجّهة دائما، وهي التي أسّست لمفهوم الشرعية الدولية، أي حدود استخدام العنف في العلاقات الدولية وخارج المجال الوطني الخاص بكل دولة. وهكذا تقارب حقل العلاقات الدولية من حقل العلاقات الوطنية الداخلية. ونشأ نتيجة ذلك مصدران للشرعية، داخلي ودولي. فكما يحوّل الاستخدام المتكرر أو المفرط للعنف خارج إطار القانون أي سلطة “وطنية” قائمة إلى سلطةٍ جائرة، وينتقص من شرعيتها، وربما ينزع هذه الأخيرة عنها فتصبح سلطة باغية، يحول استخدام العنف المفرط خارج حدودها، وفي تعاملها مع الشعوب والدول الأخرى، خارج إطار الأعراف والتقاليد والقوانين، أي الاتفاقات والمواثيق الدولية المرعية، إلى دولةٍ مارقة، ويفقدها مزايا انتمائها إلى المجموعة الدولية، فيقود إلى تقليص مجال سيادتها وممارسة حقوقها في الحماية والتعاون الدوليين، وربما أدى إلى طردها من المنظومة، ومحاصرتها وشن الحرب عليها.

لا يعني هذا أن “القانون الدولي” هو الذي ينظم في عصرنا العلاقات بين الدول أو يصنعها. فلا تزال القوة العامل الحاسم في رسم خريطة هذه العلاقات وهندستها. لكنه يضيّق من هامش مناورة الدول الكبرى، ويضع في وجهها عراقيل كي لا تفرط في استخدام القوة، ويقدم للدول الأضعف مرجعية تعتمد عليها لإيجاد الحلول المتفاوض عليها في ما بينها أساسا، ومع الدول الكبرى. لا يمنع هذا “النظام الدولي” الذي لا يزال بحاجة إلى قوة مستقلة تحميه وتطبقه الدول القوية، وروسيا منها، من أن تنزع إلى استخدام القوة، بشكل مباشر أو غير مباشر، لتعظيم مكاسبها وتعزيز موقعها ومكانتها ودورها في وضع أجندة السياسة الدولية، ولا يستطيع أحد أن يحول دون ذلك، ما لم يملك هو أيضا قوة مماثلة، إلا أنه يساهم في وضع معايير لمجازاة القوة، وفي رسم حدودٍ للسماح باستخدام العنف والمراهنة عليه، لتحقيق مكاسب أو مصالح مادية أو استراتيجية، كما يفرض ثمنا، ماديا ومعنويا، لمثل هذا التطرّف في استخدام العنف، حتى عندما يصدر عن قوى كبرى أو دول قوية. ونتيجة ذلك، وفي حالاتٍ كثيرة، بدل أن يعجّل العنف الأعمى، كما يعتقد أصحابه، في حسم النزاعات وربحها، تزيد المراهنة عليه من تأجيجها. إذ يكاد يكون من المستحيل، في عصرنا الراهن، حيث أصبح العالم قريةً صغيرة كما يقال عن حق، وزاد الاعتقاد بوحدة المصير الإنساني ومساواة الشعوب الأخلاقية، النجاح في تسوية أي نزاعٍ من خلال تكبيد الطرف الآخر هزيمةً كاملة أو سحقه وإعدامه، كما كان يحصل في ما قبل نشوء الدولة الحديثة ومفهومها وتعميمها، وعلى قاعدة تطبيق قانون الصراع القبلي والطائفي والعصبوي. ليس هناك شعبٌ أو حتى جماعة صغيرة تقبل اليوم أن تعامل حسب هذا القانون، وتتخلى بإرادتها عن قانون السياسة ومنطق المساواة والعدالة والتفاوض على مصالح مشتركة ومتبادلة. هذه هي أعراف العصر وتقاليده المستمدة من مفاهيم الدولة والسيادة وحقوق الشعوب والجماعات الطبيعية والثابتة.

“بدل أن تنهي الحرب، كما يدّعي صانعوها، مدت السياسة الروسية الكارثية في أمدها، وحولتها إلى حربٍ لا مخرج منها”

سلام المقابر الروسي

ما تقوم بها موسكو في مشاركتها الأسد في حملته الصليبية ضد الشعب السوري، ودفاعها عن بقائه حتى آخر سوري، وحمايته من المساءلة عن الجرائم الكبرى والمتواصلة التي يرتكبها هرباً من العدالة المحتملة، لا يقوّض صدقية الدولة الروسية، بوصفها دولةً تنتمي إلى الأمم المتحدة وقيم العصر وسياساته فحسب، وإنما يجعلها تخسر معركتها الكبيرة، من أجل استعادة دورها قوة عالمية وشريكاً إيجابياً وأساسياً في ترتيب الأوضاع الدولية، وضمان الاستقرار العالمي والأمن الدولي الجماعي.

موقف روسيا في سورية، واندفاعها الكبير والحماسي لكسر إرادة الشعب السوري والفت من عزيمته، وحرمانه من حقه في انتزاع حريته، في مواجهة نظام قاتل عزلته المجموعة الدولية برمتها، قد عرّاها تماما أمام نفسها والعالم، ولم يخدم قضيتها. وأنا متأكد من أنها ستخرج من المحرقة السورية، التي نظمها الأسد لشعبه ولشعوب المنطقة، انتقاما لمطالبته بالرحيل عن الحكم، والتي انخرطت موسكو فيها معه، انتقاما من الغرب وتهميشه لها، واستبعادها من مائدة تقاسم مناطق النفوذ في العراق وليبيا، أضعف مما كانت عندما دخلت فيها، وأكثر عزلةً وهزالا سياسيا وأخلاقيا. وبدل أن يخدمها استعراض القوة ضد الشعب السوري الأعزل، واختبار أسلحتها الجديدة وقوتها العسكرية والنارية المتزايدة، على جسد الأطفال السوريين الأبرياء، لإعادة موضعة نفسها قوة عظمى، وانتزاع تأييد الشعوب الضعيفة والفقيرة التي تتطلع إلى قطبٍ يعينها على مواجهة سياسة الغرب التسلطية، والجائرة أيضا، على مستوى العلاقات الدولية، سوف يزيد الدور السلبي واللاإنساني واللاأخلاقي الذي قامت به في سورية من عزلتها، ومن تشكيك الشعوب والدول بها وخوفها منها، وربما التطلع من جديد إلى الحماية الغربية والتمسّك بها كأهون الشرين.

ما تقوم به روسيا، منذ بداية الثورة السورية والأزمة التي ولدت منها، والرهان الوحيد الذي وضعته على الأسد سياسيا، وعلى العنف وسحق الطرف الآخر بكل الوسائل، واستخدام جميع المبرّرات وعدم الاعتبار لأي قيمة إنسانية أو قانونية، أو لأي مبدأ أو عاطفة، قد أفقدها أي شرعيةٍ لتمارس دور الوسيط في النزاعات الدولية، فما بالك بدور المخلص والمسهل والمنقذ، وحولها إلى قوة احتلال من النوع ذاته الذي يمثله احتلال الأسد وطهران مدن سورية ومناطقها المختلفة.

كيف يمكن لدولةٍ تستميت في الدفاع عن مجرمين متهمين علنا بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وتعطل القانون الدولي والإجماع العالمي من أجل حمايتهم، أن تكون وسيطا في مفاوضات الحل السياسي في سورية، أو أن تستفرد بصناعة هذا الحل؟ وكيف يمكن لها أن تساعد على إيصال الأطراف إلى حل ممكن ومقبول من الجميع، إذا كانت لا تترك فرصةً، ولا مناسبةً، من دون الإفصاح عن عدائها لأي حل يضمن للشعب السوري التمتع بالحد الأدنى من حقوقه الطبيعية، واصطفافها وراء نظامٍ أعلن الحرب على شعبه، وقوّض الدولة ودمر مؤسساتها، واستبدل بها مليشيات طائفية محلية وأجنبية لمحاربته؟

وكيف يمكن لدولةٍ استخدمت الفيتو عشر مراتٍ لتعطيل قرارات الأمم المتحدة في المسألة السورية، ورفضت أي قرارٍ لا يضمن بقاء الأسد ونظامه الدموي في السلطة، ووقفت ضد إرادة السوريين أو أغلبيتهم، وإرادة المجتمع الدولي ذاتها، أن تدّعي العمل من أجل سورية ومصلحة شعبها، ولصالح السلام والاستقرار والأمن الإقليمي والعالمي؟

بدل أن تنهي الحرب، كما يدّعي صانعوها، مدت السياسة الروسية الكارثية في أمدها، وحولتها إلى حربٍ لا مخرج منها. وبدل أن ترتقي بأسلوب معالجتها، كما كانت تحلم، إلى مصاف الدول الكبرى، الصانعة للسلام، وتحظى بالصدقية والمكانة الدولية التي تنشدها، وضعت نفسها، بدفاعها المستميت عن عصابة قتلة، وسعيها الدائب إلى التغطية على جريمة الإبادة الجماعية، في موقع المتهم، وتحولت إلى شريك رئيسي في المسؤولية عنها.

دبلوماسية لافروف المستعجلة

ربما لم تخسر ولن تخسر روسيا الحرب في سورية عسكريا، أو ليس بعد، لكنها خسرتها سياسيا وأخلاقيا. خسرت أولا معركتها للعودة الظافرة من الباب السوري إلى المجتمع الدولي دولة فاعلة وقادرة على تحقيق السلام، ومدعومةً بتعاطف قطاعاتٍ من الرأي العام، ومن الشعوب التي ملت سياسات التمييز الغربية. والسبب ببساطة أنها انساقت وراء أهواء الانتقام سياسة دولية إيجابية، واعتبرت أن مقارعة الغرب الذي أهانها واضطهدها منذ عقود طويلة، ولا يزال يسعى إلى محاصرتها، واستبعادها من دائرة النفوذ الدولي، وهذه حقيقة، يبرّر لها كل شيء، بما في ذلك تدمير أوطان شعوب أخرى، وإبادة ساكنتها، ويعفيها من أي مسؤولية. جرت وراء وهم السياسة ذاتها الذي دفع طهران من قبل، في سعيها إلى فكّ الحصار عنها، إلى اجتياح الدول المحيطة بها وتدميرها وتفكيك نسجها الوطنية، على سبيل استعراض القوة وإقناع الغرب الذي يحاصرها بمقدرتها على تهديد مصالحه الكبيرة الموجودة فيها، وبتحويل هذه الدول إلى أرضٍ خراب، وساحات مشرعة للفوضى والعنف والدمار والإرهاب.

ولو خفف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من غلوائه وعنجهية خطابه، وغلب منطق الحكمة على روح التحدّي والانتقام، وحاول أن يتفهم، بالحد الأدنى، قضية الأطراف السورية الأخرى، وينظر في مصالحها وتطلعاتها، ربما كانت روسيا قد حققت أهدافها، ونجحت في وضع حدٍّ للحرب، وتجنب الكارثة السورية منذ سنوات طويلة، وجنّبت أيضا السوريين والعالم نتائجها. ومهما كان الحال، ما كانت روسيا ستجد نفسها في المستنقع العسكري والسياسي والأخلاقي الذي تجد نفسها فيه الآن، رهينة الحسابات الشيطانية للبابوية الإيرانية ومشاريعها القروسطية المتجدّدة، ولا لهلوسات “رئيس” دموي ونظام أمني همجي.

ليس من المقبول لدولةٍ كبرى بحجم روسيا، وهي دولة قوية، وتقع عليها، بسبب هذه القوة بالذات، مسؤولياتٌ دوليةٌ جسيمة، أن تسمح لنفسها بأن تتورّط، مهما كانت الحسابات، في التضحية بشعبٍ كامل، وتدمير وطنه ومستقبله، ولا أن ترهن قوتها، مهما كان الثمن أيضا، للدفاع عن مجرم حربٍ صغير، وحماية عدو للإنسانية من أي مساءلةٍ قانونية أو محاسبة سياسية أو عدالة.

ليست سورية وحدها، بما فيها من حضارة وشعب، هي التي ذهبت ضحية جنون القوة وعرس الدم اللذيْن استبدا برئيسٍ أحمق، ومدّعي أبوية جديدة موهومة ومزيفة في طهران، اكتشف للتو سطوته السياسية، مسكون بهاجس الشهادة والموت والنصر الإلهي.

روسيا أيضا وقعت في الفخ. وهذه هي لعنة سورية التي ستلاحق الجميع، من شارك ومن أيد ومن صمت أو اختار الهرب من المسؤولية والنأي بالنفس.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

حل سوري بلا سوريين/ بشير البكر

بات في حكم المؤكد أن الحل الذي يجري طبخه لسورية اليوم بين موسكو وبعض العواصم الإقليمية، مثل طهران وأنقرة والرياض، لا دور فيه ولا كلمة للسوريين. وأصبح كل ما يتعلق بمصير الشعب السوري ومستقبله رهينة إرادات أطراف خارجية. يحاول الجميع أن يفصل للسوريين حلولا، ليس على مقاس الهموم والمطالب والقضايا التي خرجوا، منذ أكثر من ست سنوات، من أجلها، ودفعوا قرابة مليون شهيد ومليوني معاق، كما بات نصف الشعب مهجّرا وقرابة 60 في المائة من البلد مدمرا، بما في ذلك البنى التحتية ووسائل الإنتاج.

يريد الذين يتحكّمون بقرار الشعب السوري تسويق حلٍّ يلبي مصالح الأطراف الدولية والإقليمية، على شكل تفاهمات بين هذه الأطراف، وتلعب روسيا في ذلك دور المايسترو الذي يتميز عن الجميع بدوره في منع سقوط النظام بعد عامين من العمليات العسكرية ضد قوى الثورة. ولذلك باتت الطرف الأساسي الذي يتولى توزيع الأدوار.

نجاح روسيا في منع سقوط النظام أمر مؤقت، ولا يمكن أن يتحول معطىً ثابتا يتم على أساسه تحديد مستقبل سورية وشعبها، وهي تدرك أن إنجازها العسكري لا يعني أنها غيرت مجرى الأحداث في هذا البلد من غير رجعة. وتبقى هناك مسألتان أساسيتان: الأولى أنها لن تتمكّن من تحقيق إجماع سوري على الحل الذي تطرحه، ما دامت متمسّكة ببشار الأسد. وفي شتى الظروف، لن تجد من المعارضة طرفا وازنا يسير معها على أساس استمرار الأسد في الحكم. والمسألة الثانية أنه لن يتحقق الاستقرار أبدا من دون أن يكون هناك رضى شعبي، ففي اليوم الذي تتوقف فيه الحرب، سوف ينزل السوريون مرة أخرى إلى الشوارع، من أجل الخلاص من نظام الأسد، والحصول على الحرية واستعادة الكرامة.

إصرار الروس على بقاء الأسد في المشهد السياسي يضع حجر عثرة على طريق الحل، ومهما حصل من تطوراتٍ وتسويات، يبقى الأسد نقطة الخلاف الرئيسية، ويعتبر الشعب السوري رحيل هذا الرجل الخطوة الأولى على طريق الحل.

لا يستطيع أحد إجبار السوريين على قبول بشار الأسد، والعالم كله يجمع على أن من غير المنطقي إعادة إنتاج بشار الأسد، وأن شرط أي حل دائم هو وضع الأسد خارج أي عملية سياسية، والعمل على إحقاق العدالة للضحايا، بإحالته، هو وعصابته، إلى المحاكم الدولية المتخصصة بالجرائم ضد الإنسانية. وإذا تغاضى المجتمع الدولي عن هذه النقطة سوف تتقوّض مصداقية العدالة الدولية ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.

تكمن العقدة الرئيسية منذ بيان جنيف 1 في يونيو/ حزيران 2012 في محاولات القفز على إرادة الشعب السوري. وقد تورّط الروس، في حينه، بالموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالية، وكل ما قاموا به، منذ ذلك الحين، سواء في مجلس الأمن أو الميدان العسكري، هو الانقلاب على “هيئة الحكم الانتقالية”، واستبدالها بحكومة وحدة وطنية بين المعارضة والنظام، تحت رئاسة الأسد.

أن تضع السعودية قائمة المدعوين، وجدول أعمال اجتماع المعارضة (الرياض 2) على أرضها، أمر في غاية الوقاحة، لكنه ليس بالشأن الغريب، بل يأتي، في جميع الأحوال، ضمن سياق الدور المسند لها، وهو تخريب الثورة السورية. ينطبق الأمر نفسه على الاجتماع الثلاثي الذي دعا إليه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سوتشي، نظيريه الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء الماضي، من أجل الانتقال إلى عملية سياسية لإعادة تدوير الأسد في وقتٍ كان يجب تقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية، بوصفه أخطر مجرم ضد الإنسانية عرفه تاريخ البشرية.

العربي الجديد

 

 

 

بوتين ــ الأسد… لقاء الوصاية/ بشير البكر

لا يمكن اعتبار لقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد مع نظيرة الروسي فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، مجرد اجتماع عادي. وكما أسس اللقاء السابق بينهما في موسكو في 21 أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 لمرحلة منع النظام من السقوط، فإن اجتماع أمس يعلن عن تقسيم العمل بين الطرفين في المرحلة المقبلة تحت الوصاية الروسية.

ما بين اللقاءين حصلت تطورات كثيرة يمكن تلخيصها بجملة واحدة وهي أن بوتين انتشل الأسد من الموت، وسبق لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن قال ذلك بصريح العبارة في مطلع العام الحالي: “إن العاصمة دمشق كانت ستسقط أثناء أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين لولا هذا التدخل”.

صحيح أن إيران لم تترك وسيلة منذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011 إلا واستخدمتها من أجل منع نظام الأسد من السقوط، إلا أن صاحب الفضل على الأسد هي روسيا التي خاضت معركة النظام بكل الأسلحة، عسكرياً ودبلوماسياً وحتى اقتصادياً، ولذلك ليس غريبا أن تكون اليوم صاحبة اليد الطولى في هذا البلد.

حين ذهب الأسد إلى موسكو قبل عامين كان الرأي السائد هو أن الروس استدعوه كي يبلغوه بضرورة أن يستعد للرحيل، ذلك أن وضع نظامه لم يكن يسمح بأكثر من ذلك، ولكن حصل العكس، وسار الروس باتجاه هدف واحد وهو إيقاف النظام على قدميه.

اليوم يريد البعض أن يوهم السوريين بأن الروس استدعوا الأسد من أجل فتح صفحة جديدة، عنوانها “العملية السياسية” التي تقوم على مشاركة النظام والمعارضة في فتح صفحة جديدة، ولكن في حقيقة الأمر كان اللقاء مكرسا ليشرحوا له دوره كحاكم مفوض من قبل نظام الوصاية والاحتلال الروسي.

هذا الواقع يؤكده تصريح لافروف صباح اليوم، حين أعلن ابتهاجه باستقالة منسق الهيئة العليا للمفاوضات الدكتور رياض حجاب مع مجموعة من قيادة الهيئة قبل يومين من مؤتمر الرياض2 للمعارضة السورية من أجل انتخاب هيئة جديدة، وتشكيل وفد جديد لمفاوضات جنيف.

ورحب لافروف باستقالة حجاب وزملائه الذين وصفهم بـ”المتشددين”، واعتبر انسحابهم يسهل توحيد المعارضة في الداخل والخارج. والمقصود من ذلك أمران لا أكثر، الأول، دمج ما يعرف بـ”منصة موسكو” في وفد المعارضة، وبالتالي إسقاط مطلب المعارضة بضرورة رحيل النظام ورئيسه كشرط لأي تسوية سياسية. والثاني فتح الطريق نحو مفاوضات على أساس تشكيل حكومة وحدة وطنية، بدل هيئة الحكم الانتقالية التي نص عليها بيان جنيف1 عام 2012. وهذا يعني إسقاط جنيف1 وتثبيت النظام بموافقة المعارضة، وتمهيد الطريق نحو انتخابات تشريعية ورئاسية يترشح فيها بشار الأسد.

من يراقب صور لقاءي بوتين الأسد سيجد الكثير من العلامات التي تصلح لتركيب مشهد يلخص العلاقة المستقبلية بينهما، ولكنه سيقف عند نظرة بوتين التي بقيت واحدة في اللقاءين، رغم اختلاف الزمان والمكان.

هي نظرة ثاقبة لا تحمل غير معنى واحد، نظرة من هو في القمة إلى من هو في الحضيض، عدا عن أن الأسد ظهر في جميع الصور وحيدا، في حين شارك إلى جانب بوتين وزير دفاعه ورئيس أركانه وضباطه الذين صنعوا انتصار تثبيت النظام.

لن يتغير الحال كثيرا بالنسبة للسوريين الذين لا يرون في بوتين والأسد سوى مجرمَي حرب، ورغم فداحة الخسارة على شعب قدّم تضحيات لا حصر لها من أجل حريته، فإن إعادة إنتاج الأسد أمر مستحيل، فالغوطة التي هي على بعد 10 كيلومترات من قصر الأسد، لا تزال عصية عليه بعد ست سنوات من الحصار والحرب التي استخدم فيها أقذر الأسلحة لاسيما، الكيميائي والتجويع.

يعرف الروس قبل غيرهم أن إعادة بشار الأسد إلى حكم سورية مستحيلة، ولذلك لن يكون أكثر من واجهة لهم، يحكمون من خلاله سورية التي باتت مقاديرها بيد الاحتلال الروسي الذي يتحكم بكل شيء، بما في ذلك ضبط إيقاع الأدوار الأخرى، الأميركي والإيراني والتركي.

العربي الجديد

 

 

الشرع مطروح لترؤس حوار سوتشي… والأولوية لـ «الإصلاح الدستوري»/ إبراهيم حميدي

مقترحات لـ«التكامل» بين «الحوار السوري» ومفاوضات جنيف

يدرس الكرملين اقتراحاً قدمه معارضون سوريون بدعوة نائب الرئيس السابق فاروق الشرع لترؤس «مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي بداية الشهر المقبل، في وقت تجرى اتصالات لتحقيق «تكامل» بين الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف بدءاً من 28 الشهر الجاري ومؤتمر سوتشي في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل خصوصاً ما يتعلق بمنصة إطلاق الإصلاح الدستوري تمهيداً للانتخابات المقبلة.

وبدأت موسكو إعداد قوائم من نحو ألف شخص يمثلون كتلا سياسية معارضة وفصائل مقاتلة وقعت اتفاقات «خفض التصعيد» وممثلي مجالس محلية وأطرافا في «المصالحات» إضافة إلى ممثلي المؤسسات الرسمية من مجلس الشعب (البرلمان) والأحزاب المرخصة للمشاركة في مؤتمر سوتشي في الثاني من الشهر المقبل. ومن المقرر نقل هؤلاء من قاعدة حميميم إلى سوتشي، في وقت وعدت وزارة الدفاع الروسية بتوفير ثلاث طائرات خاصة لنقل المدعوين من إسطنبول والقاهرة وجنيف بموجب تفاهمات يُتوقع أن تحصل بعد اتصالات دولية وإقليمية بينها قمة الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني في سوتشي غداً.

والهدف من مؤتمر سوتشي، بحسب موسكو، أن يخرج المؤتمرون بأمرين ملموسين: الأول، تشكيل لجنة للإصلاحات الدستورية سواء كان ذلك لتعديل الدستور الحالي للعام 2012 أو صوغ دستور جديد. الثاني، إعلان قيادة أو مجلس لـ«مؤتمر الحوار الوطني».

وبحسب المعلومات، فإن شخصيات معارضة طلبت من مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين دعوة نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع لـ«ترؤس مؤتمر سوتشي باعتباره شخصية وطنية مقبولة من شريحة واسعة من المعارضين والعاملين في الدولة». وبدا المسؤولون الروس «متحمسين لهذا الاقتراح على أن يبحثوا فيه على مستوى القيادة في موسكو واحتمال طرحه مع دمشق تحت بند الحلول الوسط والإصلاح الدستوري والسياسي ضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة»، بحسب قيادي معارض.

ولم يجدد الرئيس بشار الأسد للشرع نائباً للرئيس لدى إعادته تكليف نجاح العطار نائبا للرئيس للشؤون الثقافية. كما أن الشرع خسر جميع مناصبه السياسية والحزبية بما في ذلك عضوية القيادة القطرية أو المركزية لـ«البعث» الحاكم وترؤس اللجنة السياسية التي تجتمع أسبوعياً للبحث في قضايا سياسية وأمنية.

وكان الشرع ترأس مؤتمر الحوار الوطني في منتجع صحارى قرب دمشق وأسفر عن جملة من التوصيات والقرارات بحثاً عن حل الأزمة السورية بأساليب سياسية. كما تداول مسؤولون عرب وغربيون اسم الشرع، الذي لا يزال في دمشق، رئيسا لـ«الهيئة الانتقالية بعد نقل قسم من صلاحيات رئيس الجمهورية»، بموجب اقتراحات سابقة.

ولم يعد المطروح حالياً تشكيل «هيئة انتقالية»، بل إن تفاهم الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين يتحدث في جانبه السياسي عن «إصلاحات دستورية». ونص التفاهم المعلن في فيتنام في 11 الشهر الجاري أن الرئيسين ترمب وبوتين «أخذا علماً بالتزام الرئيس الأسد عملية جنيف والإصلاح الدستوري والانتخابات على النحو المطلوب بموجب قرار مجلس الأمن 2254». وتابع أن الرئيسين «يعتبران أن هذه الخطوات يجب أن تشمل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254. بما في ذلك الإصلاح الدستوري والانتخابات الحرة والنزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقاً لأعلى معايير الشفافية الدولية، بمشاركة جميع السوريين، بمن فيهم أعضاء الشتات، المؤهلون للمشاركة».

وفسرت واشنطن التفاهم بأنه يتضمن «صوغ دستور جديد» والإعداد لـ«انتخابات برلمانية ورئاسية»، في حين وجدت موسكو أن الخيار بين تعديل الدستور الحالي أو صوغ دستور جديد منوط بنتائج الحوار السوري. وتتمسك دمشق بأن يكون الإصلاح الدستوري ضمن آلية مجلس الشعب (البرلمان) الحالي وترفض تقديم موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 2021.

وبحسب المعلومات، فإن «الإصلاح الدستوري» سيكون بندا مهيمناً في المشاورات المقبلة. وتتمسك موسكو بالحصول على دعم الأمم المتحدة وأميركا ودول إقليمية لمؤتمر سوتشي، لكن الدول الأخرى قلقة من أن يكون «مسار سوتشي» بديلاً من مفاوضات جنيف خصوصاً إذا تضمن إطلاق عملية الإصلاح الدستوري، في وقت أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا أن الجولة المقبلة ستتناول ملفي «الدستور والانتخابات».

وهنا جرى تداول اقتراح، بأن تبدأ مفاوضات جنيف في 28 الشهر الجاري وتتضمن مفاوضات مباشرة بين وفدي الحكومة من جهة والمعارضة المنبثقة من المؤتمر الموسع في الرياض من جهة ثانية لإطلاق الإصلاح الدستوري على أن يعقد مؤتمر سوتشي بين 2 و4 الشهر المقبل، ثم يتم استئناف مفاوضات جنيف في 8 من نفس الشهر لإجراء مفاوضات معمقة إزاء الدستور والانتخابات.

واشنطن، من جهتها، تراقب هذه العملية، لكن الأولوية هي مفاوضات جنيف وقررت إيفاد مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد إلى جنيف لإجراء مشاورات مع نظيره الروسي غينادي غاتيلوف توفر مظلة بين القوتين الكبريين لأول تفاهم رئاسي أميركي – روسي حول مبادئ الحل السوري وفق بيان ترمب – بوتين الأخير.

أما باريس، فهي لا تزال تعول على أن يوفر هذا الحراك مجالا لعودة تداول اقتراحها بتشكيل «مجموعة اتصال» دولية – إقليمية لسوريا بعد برودة روسية واعتراض أميركي – إقليمي على الدور الإيراني، في وقت تضع أنقرة أولوية لموضوع دور أكراد سوريا وخصوصاً «الاتحاد الوطني الديمقراطي» الكردي في مستقبل العملية السياسية. إذ أصر المسؤولون الأتراك خلال الاجتماع الوزاري والعسكري الثلاثي الروسي – التركي – الإيراني في أنطاليا أول من أمس على عدم دعوة «الاتحاد الكردي» والقلق من إصرار واشنطن على دور للأكراد في مستقبل سوريا.

كما تتمسك أنقرة ببدء عملية عسكرية لعزل إقليم عفرين الكردي شمال حلب عن البحر المتوسط ومنع ربط هذا الإقليم بإقليمي الجزيرة والفرات شرق نهر الفرات. وبدا أن هناك تفاهماً بأن يوسع الجيش التركي نشر مراقبيه في إدلب ومحاربة المتطرفين، مقابل ضوء أخضر روسي لـ«ضبط دور» أكراد شمال سوريا بعدما كانت موسكو منزعجة من نشر الجيش التركي ثلاث نقاط مراقبة قرب عفرين وتأجيل نشر عشر نقاط في إدلب.

وتتمسك أنقرة أيضا بضم بند يتعلق بـ«وحدة سوريا» إلى البيان الختامي الذي سيصدر في القمة الثلاثية في سوتشي لدعم «مؤتمر الحوار السوري» في المدينة ذاتها بعد أسبوع، مقابل موافقتها على دعم ثلاثي لـ«مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي، الأمر الذي سيزيد من شرعية «مسار سوتشي» على حساب مفاوضات جنيف وإن كانت موسكو لا تزال تقول رسميا إنها «متمسكة بمفاوضات جنيف» والقرار 2254.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

روسيا تحت الضغط/ ميشيل كيلو

تتعرّض روسيا لضغوط متنوعة، يرجع بعضها إلى ما أصابها من غرور، بعد نجاح حملتها الجوية في رفع الضغوط عن الأسد، وإعادة جزء كبير من الجغرافيا السورية إليه، واستدراج فصائل إلى مسار إرادته موازياً ثم بديلاً لمسار جنيف، هو مسار أستانة الذي أقنعهم بأنه يضع جميع خيوط الأطراف السورية في أيديهم، ويهمش الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التفاوض العليا، ويقيد صلاحياتهما بفضل “منصّاتٍ” يمكن أن تخترقهما وتقدم تمثيلاً موازياً، ثم بديلاً لهما، يتبنى خطاً في الحرب والسلم قريباً من خط روسيا. وقد بلغ الغرور الروسي حداً تسبب في توريط ساستها بما واجه مقترحها هذا من مصاعب أحبطت عقد مؤتمر”شعوب” سورية في قاعدة حميميم التي تقصف السوريين بدوام كامل نهاري/ ليلي، ثم في مطار دمشق الدولي، وأخيراً في سوتشي على البحر الأسود، حيث غدا المؤتمر “وطنياً سورياً”، سيدعى إليه نحو 1500 شخص. وحين قاطعه الائتلاف والهيئة العليا وحزب الشعب، وانضمت إليهم هيئة التنسيق، ومجموعات أخرى بينها اتحاد القبائل والعشائر السورية وفصائل عسكرية أستانية وشخصيات وطنية عديدة، أعلنوا أنهم لم يحدّدوا موعده الذي كان مقرّراً يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في نص دعوتهم الموجهة إلى 33 فصيلاً ومنظمة حزبية وسياسية.

يبدو أن نجاحات موسكو أقنعتها بأنه لن يوجد في سورية من يرفض أو يستطيع أن يرفض لها طلباً، وأن خيوط اللعبة التي في أيديها همشت خصومها وشلتهم، ما يفسر دعوة “شعوب” سورية إلى مؤتمرٍ يعقد في قاعدة عسكرية تحتل الساحل السوري، لبلورة تصورٍ يعتمده مجلس الأمن الدولي حلاً نهائياً، فلا يبقى جنيف ولا من يتفاوضون، ولا قرارات دولية ولا من يقرّرون. فشلت هذه الخطوة، لكن فشلها لم يقنعهم بأنهم ليسوا في مستوىً يمكنهم من ممارسة سياسة: نحن نقرّر وأنتم تنصاعون، نحن ننفرد بالحل وأنتم تقبلون.

ليس هذا الفشل الذي يعتبره كثيرون عابراً أهم ما واجهته موسكو من تطوراتٍ في الأسابيع الماضية، فقد أعلنت واشنطن خطوتين، يحول التزامها بهما دون انفراد الكرملين بالحل: الامتناع عن إعادة إعمار سورية بوجود الأسد، وبقاء وحداتها العسكرية في سورية إلى أن يتحقق حل سياسي، يتفق مع فهمها للسلام، في إشارة صريحة إلى أنها قرّرت منح نفسها صلاحياتٍ تضع حدوداً للدور الروسي في سورية، من خلال رفض تمويل إعادة الإعمار، وإبقاء وجودها العسكري في سورية، فالامتناع يرمي إلى منع إعادة إعمار سورية ما دام بشار الأسد رئيسها. لذلك، تريد واشنطن وضع روسيا أمام مهمةٍ تتخطى قدراتها الاقتصادية، ودفعها إلى التفاهم معها على حلٍّ يحد من وجود إيران العسكري/ الأمني في سورية، بدءاً من الجنوب، حيث توصلت الدولتان إلى اتفاقٍ يقول بـ “خفض”، وفي نهاية المطاف “سحب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب” من منطقة درعا والسويداء والجولان، لكن موسكو وجدت نفسها أمام عجزها عن مطالبة إيران بسحب قواتها ومرتزقتها من المنطقة. لذلك زعمت أن هذه القوات دخلت البلاد بطلبٍ من حكومتها الشرعية.

ليس صحيحاً، كما تؤكد بعض الأقوال، أن “الشغلة خالصة” بين واشنطن وموسكو في سورية. الصحيح أنه بقدر ما نقترب من الحل السياسي سيكون هناك تراجع في أدوار الأطراف الداخلية والإقليمية لصالح الجبارين، وبروز مشكلات روسية/ إيرانية بشأن الجهة التي ستفوز بالموقع الأول في سورية، وخلافات أميركية/ روسية تشير إلى هويتها، العقبتان اللتان تضعهما أميركا في طريق الجهود الروسية التي تكثف نشاطها ردّاً على تزايد الانخراط الأميركي المتسارع والمباشر في قضايا السلام، لتتفادى ما قد يجبرها على البحث عن حلٍّ يغلب مصالح أميركا وأهدافها.

ليس وضع روسيا مريحاً، بما أن مواجهة واشنطن سترغمها على مراضاة إيران وتركيا، لكسبهما إلى جانبها في تجاذباتها مع واشنطن، بينما يعقد الأسد اتفاقية عسكرية مع طهران، يأمل أن تساعده على الحد من ضعفه حيال الكرملين، ويعلن ولايتي مستشار المرشد الإيراني، من دمشق، أن قواتهما ستحتل الرقة، المحمية أميركياً، وإدلب منطقة تركية بامتياز، تأكيداً لرفضهما تسهيل الحل السياسي الذي لن ينجز من دون تنازلات روسية متصاعدة لهما.

لسنا أمام حل دولي توفرت مقوماته، نحن أمام وهم روسي يتصور أن الحل قرار يتخذه بوتين، وينصاع له الآخرون.

العربي الجديد

 

 

 

ممانعة روسية لأي تسوية سياسية لا تمر من موسكو/ علي العائد

يكفي النظر إلى عدد مرات استخدام روسيا لحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي حماية لحليفه نظام الأسد للتأكد من أن حل المسألة السورية ليس في الأمم المتحدة.

قبل يومين رفعت روسيا الفيتو للمرة الحادية عشرة منذ 2011، وهذه المرة في وجه مشروع ياباني لتمديد عمل لجنة دولية تحقق في استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي في خان شيخون في أبريل الماضي.

وعلى ما يبدو، هنالك إصرار روسي أن الحرب انتهت في سوريا، ولم يبق سوى سوق المعارضة السورية صاغرة للقبول بالحل الذي تريد روسيا فرضه منفردة، بغض النظر عن مسار مفاوضات جنيف الأممية، وبالاستناد إلى نتائج مسار أستانة ومناطق “تخفيف التوتر” التي تزايدت من أربع في بداية هذا العام إلى سبع مناطق حاليا، على الرغم من أن هذه المناطق فارغة المضمون، ولا تلتزم بها سوى المعارضة التي خلع أصدقاء سوريا أسنانها، بالتضامن مع روسيا، على خلاف ما يدَّعي هؤلاء الأصدقاء.

بدأ السقوط بعد سقوط حلب في يد النظام في ديسمبر الماضي، ليجفف الأصدقاء موارد الدعم العسكري والمالي عن فصائل المعارضة، ربما في محاولة لإعطاء روسيا فرصة فرض الحل، وربما لتعجيز روسيا في هذا المسعى، مع الحرص على تجنب الاصطدام العسكري من كلا الطرفين الروسي والأميركي عسكريا في سوريا.

لكن تجفيف الدعم المادي والعسكري، مع استمرار فشل روسيا في فرض حل سياسي، والتواطؤ غير المعلن مع روسيا من قبل “أصدقاء الشعب السوري”، والخلاف بين أبرز داعميْن عربيين للثورة السورية، السعودية وقطر، يرشح المسألة للمزيد من التعقيدات.

في الأثناء، عقد وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران اجتماعا تحضيريا لمؤتمر سوتشي في أنطاليا التركية في 19 نوفمبر، قبل ثلاثة أيام من التاريخ المعلن لانعقاده في المنتجع الروسي. وهذا التاريخ “يصادف” تماما الموعد المعلن لانعقاد مؤتمر الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض، أو الرياض2، الذي قد يكون الأخير حسب توقعات بعض المحللين، نظرا للغموض المحيط به، والتأجيلات المتعددة له.

لكن، قبل ظهور نتائج الرياض2، لا قيمة لاجتماع أنطاليا، وبالتالي لا شيء يؤكد التئام مؤتمر سوتشي في 22 نوفمبر الجاري، حيث من الممكن انفراط عقد الهيئة العليا للمفاوضات، أو استبدال أعضائها، أو معظمهم، ممن يتمسكون بمبدأ إسقاط بشار الأسد وأعوانه كشرط للحل السياسي في سوريا.

وبناء على ذلك، قد تجتمع وفود الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، في سوتشي وحدها، بسبب تزامن الموعد المعلن مع موعد الرياض2 في اليوم نفسه، دون حاجة لانتظار وفد المعارضة السورية الرافض لفكرة سوتشي. وقد لا يتم هذان الاجتماعان في الموعد المتزامن، ليستمر غموض تزاحم هذه المؤتمرات التي تعكس تخبط الدبلوماسية الدولية حول المسألة السورية.

ستسبق هذه الاجتماعات المرجح انعقادها مؤتمر جنيف المقرر في 28 نوفمبر الجاري، والحامل لبذور فشله سلفا، وخاصة إذا تمخض عن الرياض2 فرط عقد الهيئة العليا للمفاوضات وإزاحة رياض حجاب رئاستها أو توسعتها، أو استبدالها كليا بـ“من حضر”.

فالهيئة التي تضم الصف الأول من وجوه المعارضة فشلت في تحقيق أي تقدم، ومن أي نوع، باتجاه إجبار النظام وروسيا وإيران على تقديم أي تنازل. وبالتالي، لن تكون في مقدور هيئة بديلة إلا محاولة الامتناع عن تقديم تنازلات لروسيا والنظام، منعا لإعادة تعويم النظام الأسدي، أو المجازفة بإعلان نعي الثورة الحالية رسميا.

وعليه، كان الفيتو الروسي الحادي عشر أكثر من مجرد مؤشر على “الممانعة الروسية”، دبلوماسيا، لأي حل سياسي لا يمر من موسكو، مع اعتداد الأخيرة بجهدها العسكري الذي أطاح بتوازن القوى الذي كان محل جدل قبل سقوط حلب.

وقد يتم تفسير ذلك باتجاهين، الأول هو مجازفة روسيا بإجبار المعارضة المسلحة على انتهاج أحد طريقين إما التسليم برغبة موسكو سياسيا، أو الاستسلام لها عسكريا؛ الخيار الثاني فيه مجازفة روسية أيضا، لكونه يتضمن استعداءها أوروبا والمعارضة السياسية السورية، ما قد يعني استئناف الدعم العسكري للمعارضة المسلحة لخلط الأوراق من جديد، والانتقال إلى مرحلة متقدمة من التحدي.

وفي قلب الخيار الثاني إن داعش يعيش أيامه الأخيرة في سوريا، بعد إنهاء وجوده في مدن العراق، بشكل شبه نهائي.

وهذا يعني وجود توجه أميركي لسحب ذريعة محاربة الإرهاب المتمثلة في داعش، تحديدا، من يد روسيا وإيران والنظام الأسدي، على الرغم من وجود ما يشبه الهدنة بين الطرفين، إضافة إلى وجود مظاهر جهد متسايرة في محاربة فلول داعش في الميادين والبوكمال وشرق ديرالزور، ما بين قوات النظام والميليشيات الشيعية وروسيا من جهة، وبين الولايات المتحدة وحليفتها قوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، الأمر الذي لا يمكن تفسيره فقط بوجود تنسيق روسي أميركي للحؤول دون اصطدام القوتين الكبيرتين في ديرالزور، بل بسباق عسكري صريح لتثبيت أمر واقع لمصلحة روسيا والنظام، كمقدمة للتفاوض مع أي جهة تعارض حلهما السياسي الذي لا يخرج عن إطار الاستسلام الكامل، دون تقديم جوائز ترضية لحفظ ماء الوجه.

هذا التهادن الأميركي الروسي في ديرالزور يذهب به بعض المحللين إلى وجهة نظر رغبوية تستمر في التحدث عن الاستراتيجية الأميركية التي تفضل نصب فخ لروسيا تراعي فيه شهرة المخططين الروس في “لعبة الشطرنج الكبرى” في أوراسيا، بالاعتماد على مهارة وصبر المخطط الأميركي في تنفيذ حالة تموقع لاعب “الضاما”، دون أن يقلل من أهمية هذا التحليل مسار العلاقة الروسية الأميركية بعد آخر لقاء بين بوتين وترامب على هامش قمة “آيبيك” في فييتنام.

وتموقع لاعب الضاما الأميركي هذا مثالي بالنسبة للاقتصاد الأميركي الذي بدأ يعود إلى مستويات يقين ما قبل الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2007. لكن مع الالتزام بالمحافظة على مبدأ عدم المجازفة عسكريا بعد تقليص الوجود الأميركي في كل من أفغانستان والعراق. بينما لا تهتم روسيا بمسألة الاقتصاد كثيرا، من خلال اعتمادها على النفط والغاز كمورد رئيس لدعم موازناتها، وتعزيز موقعها كبائع للسلاح الذي لا تزال تجاربه مستمرة في سوريا.

وفي الواقع، خيارات روسيا وأميركا في شأن المسألة السورية تخضع لخيارات مصفوفة معقدة تحتفظ ببعض ملامح الحرب الباردة، لكن ليس بينها على ما يبدو مسألة سباق التسلح، في اتفاق صريح على تجنب الاصطدام عسكريا. أما الخيار الأوضح لكليهما فيعتمد على كسب الوقت، وعدم الاستعجال، على الرغم من محاولة روسيا تسريع إدخال المزيد من التعقيدات في سوريا لإرباك الخيارات الأميركية في ما يتقدم من الأيام، والشهور، وربما السنوات.

كاتب سوري

العرب

 

 

 

 

 

سورية في مهب الاتفاقيات/ فاطمة ياسين

أضحت الأخبار القادمة من شرق سورية قليلة جداً، فالجيوب المتناثرة التي بات تنظيم الدولة الإسلامية ينكمش فيها لا تحمل أسماء مدن شهيرة. وبدلاً عن ذلك، قفزت إلى صدر نشرات الأخبار صورةُ الرازحين تحت نيران القنابل في ريف إدلب، وأخبار الجوعى بسبب الحصار المفروض في ريف دمشق.

أما الخبر الأبرز فهو الاتفاق الروسي الأميركي الذي يوحي بأن الجانبين تأكّدا بصورة قاطعة أنهما أصبحا على مسافة أمان كافية من تنظيم الدولة الإسلامية، ويحق لهما التمتع بترف الانتصار، وتوقيع اتفاق يحسم المرحلة التالية. وهذه هي سيطرة لجيش النظام على جزء كبير من سورية، برعاية روسية في بعض الأماكن، وإيرانية في أماكن أخرى، مع وجود أميركي جدير بالاعتبار في مناطق كردية، تشمل الرقة وجزءاً كبيراً من ريف دير الزور الشمالي والشرقي. ومن جانب آخر، تمكّنت مليشات حزب الله والحشد الشعبي من الالتقاء والمصافحة في مدينة البوكمال الحدودية. في ظل هذا المشهد، وُقِّعَ اتفاق من ثلاث نقاط، يلخص الخطوات القادمة ويرسم ملامح سورية. وليس هذا الاتفاق هو الأول، فقد تم التوافق فيما سبق بين أطراف أخرى على بنود مختلفة، لكن هذا الاتفاق يأتي نهاية مرحلة، تتوج بتوقيع وثيقة نصرٍ على التنظيم الإسلامي المتطرّف.

نقاط الاتفاق الثلاث تقول بعدم وجود حل عسكري، وتؤكد على وحدة سورية وسيادتها، وتشير إلى متابعة عملية جنيف، وهي عناوين عريضة جداً تستوعب متغيراتٍ لا تُحصى، وبحاجة إلى الدخول في تفصيلات كل بند، وخصوصا قرار مجلس الأمن 2254 الذي يحمل أكثر من شيطان في داخله، ويمكن أن يأخذه أي طرفٍ رهينةً معه، ومهما كان تفسير هذا القرار فمعطيات الأرض الحالية لا بد أن تؤخذ بالاعتبار مع كل المتغيرات المصاحبة لها، وما تركه تنظيم الدولة الإسلامية وراءه من بقاع خالية، بإمكان الحكومة العراقية ونظام الأسد أن يملأا هذا الفراغ، وهو فراغ أمني بحاجة إلى عدد كبير من العناصر والمعدات العسكرية، ويشكل تحدياً ينذر بعودة التنظيم مرة أخرى للظهور وبطريقة أكثر تطوراً.

والسؤال: أين سيتكرس الحل المفترض؟ في جنيف حيث دعا المسؤول الأممي عن الملف السوري، ستيفان دي مستورا، إلى جولة جديدة هناك؟ أم في سوتشي، حيث تصر روسيا على عقد مؤتمر موازٍ، وترغب أن يكون موسعاً جداً؟ قد يبدو المكان تفصيلاً غير مهم، لكنه في الواقع بيت القصيد الذي يرغب الجانب الروسي أن ينشده، ليخرج الحل المنشود حسب الرؤية الروسية، وقد أنفق هذا الجانب حتى الآن من رصيده السياسي أحد عشر “فيتو” في فترة قصيرة، وهو ثمنٌ سياسي باهظ، فضلاً عن حملات القصف الجوي الطويلة وعشرات الجنود الروس القتلى في ساحات المعارك.

لم تستطع روسيا حتى الآن إحكام قبضتها على الجغرافيا السورية، فهي تأخذ ما يسمح لها الجانب الأميركي بأخذه. والملاحظ أن أميركا لا تبدو راغبةً بأكثر من حليف محلي صغير (يمثله الكرد) يمكنها أن تكبح طموحه، ويؤمن لها مطاراً تستطيع أن تقلع منه طائراتها، ويعوّضها عن قاعدة جوية في “إنجرليك”، يمكن لتركيا أن تغلقها في أي وقت، وعن الحاجة إلى قوات الناتو التي تشاركها فيها.

“حفلة الهجوم على المكاسب” هي عنوان المؤتمر المقبل، ما يعني أنه سيشهد توزيع جوائز ترضية، ولا توجد جائزة كبرى لأي طرف، وهذا سيؤمن تسويةً مؤقتةً قد تطول وقد تقصر، وليس قاعدة مستقرةً يمكن الانطلاق منها إلى ملف الإعمار، وهو طموح من نوع آخر، يجب أن نتحدث قبله عن تفريغ سجون الأسد من المعارضين ومعتقلي الرأي، وهي ورقة يحتفظ بها النظام. لذلك، المؤتمر كله، وبغض النظر عن مكان انعقاده، سيشكل محطة انتظار حتى ظهور متغيرات جديدة، قد يكون تَشَكُّل تنظيم متطرف جديد وانتشاره أحدها.

العربي الجديد

 

 

 

 

موسكو تسعى في سوتشي إلى تجاوز مسار جنيف/ سميرة المسالمة

تنتهج روسيا سياسة الخطوات التراكمية في تثبيت امتلاكها للملف السوري، أمام حلفائها من جهة، وأمام المجتمع الدولي من جهة ثانية، وهي لا تنتظر من السوريين، نظاماً ومعارضة، موافقات معلنة على سلوكها، بقدر ما تريد أن تؤكد للمتصارعين على سورية أن تقاسم الغنائم يمر من خلال جملة تفاهماتها وخصوماتها مع الولايات المتحدة الأميركية، فهي تحصد خضوع النظام أكثر لإملاءاتها عندما تشتد لهجة الخطاب الأميركي ضده.

كذلك الأمر من ناحية إيران الحليفة الأولى والأكثر أهمية للنظام، وعلى رغم امتلاكها القوة الضاربة على الأرض السورية (مساحة النظام)، إلا أنها تعاني التضييق الدولي عليها، نتيجة ممارساتها العدوانية في المحيط العربي المجاور لها، وتدخلاتها في قلب أولويات الدول العربية من المواجهة مع إسرائيل، إلى مواجهة مشروعها الطائفي في كل من العراق واليمن ولبنان وسورية، مما جعلها اليوم تحتمي بالعباءة الروسية لضمان وجودها في سورية، واستمرارها من خلال موقعها في التلاعب بالشأن المحلي في الدول المحيطة بها.

والأهم من ذلك أن موسكو استطاعت أن تضم أنقرة إليها، كحليف يساندها في خصوماتها مع واشنطن، التي تراها تركيا حليفة لخصومها المحليين (الانقلابيين)، ولخصومها غير الأتراك من الكرد السوريين المرتبطين بحسب زعمها بالمعارض (المعتقل عبدالله أوجلان) قائد حزب العمال الكردستاني، وفي توافقاتها مع إيران تحت مسمى الحرب على المشروع الانفصالي الكردي شمال سورية، وبذلك توافرت لروسيا ركيزتان أساسيتان واحدة تدعم النظام، والأخرى تدعم المعارضة السورية وتحتضن أهم قياداتها المسلحة.

وعلى ما تقدم تبني روسيا خطواتها في عملية إعادة صياغة مشروع الحل في سورية، بدءاً من تغيير مواقع الخصوم والأصدقاء في المعادلة الروسية، في محاولة منها لمقايضة ذلك بتخفيف الضغط الدولي عليها ورفع العقوبات التكنولوجية والاقتصادية عنها، واستعادة دورها كقطب مواز للقطب الأميركي عالمياً، وتماشياً مع استثمار حالة الانسحاب الأميركي من الصراع المباشر في سورية، إلى مجرد رعاية المصالح الأميركية عبر وكلاء لها في الشمال والجنوب، وعبر الرغبة الروسية الجامحة في تقديم نفسها راعية للحرب والسلام في سورية، مما يهيئ اليوم فرص نجاحها في تجاوز العقبة الأممية التي تحصر حل الصراع في سورية عبر مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، ويدعمه المجتمع الدولي، ويتطلع إليه معارضو النظام كمخلص لهم من نظام الأسد، بينما يجهد النظام بعرقلته وتوفير حجج الخلاص من مساره، وبين رغبة موسكو في الحفاظ على شعرة ارتباطها بالمجتمع الدولي ومساره جنيف، لحل الصراع في سورية، ورغبتها في حرف طريق المفاوضات لتمر عبر موسكو، كان مسار آستانة المعبر السالك إلى ما بعده في قمة سوتشي.

وضمن ذلك يمكن وضع التساؤل أمام روسيا وإيران وتركيا عن نجاحات آستانة المزعومة، ومدى صحة ما يطلق من تصريحات حول ذلك، فهل فعلياً استطاعت الدول الضامنة فرض خفض التصعيد على النظام ضمن مساحات اتفاقات آستانة؟ إذا كان التبرير بأن حجم العنف المرتكب من النظام وحلفائه روسيا وإيران قد تقلص، فإن واقع الحال في الغوطة وإدلب ووسط البلاد وشمالها يبدد هذا الادعاء، باستثناء الجنوب وهو الخاضع لاتفاق خارج آستانة وأحد ضامنيه هو الولايات المتحدة الأميركية، ما يجعل مسار آستانة- الذي تجاهله عن عمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقاءاته، وحديثه المقتضب مع الرئيس الروسي، وبالتالي في بيانهما المشترك من فيتنام- تحت تهديد الانهيار عندما تقرر أميركا ذلك، أو عندما تنهي لعبة إغراق الجميع في وحل الحرب الدامية، وتستعد لإطلاق مشروعها الشرق أوسطي في نسخته النهائية، التي تحدد فيها حدود إيران المذهبية، وتلزمها التقوقع بعيداً من حدود إسرائيل من جانب، وداخل مشروعها الطائفي المهيمن على مقدرات الشعب الإيراني من جانب آخر، وهو ما تبدو ملامحه واضحة اليوم من خلال التضييق على ذراعها «حزب الله» في لبنان، وفرض مزيد من العقوبات عليها، وتهيئة الأجواء الدولية لعودة الحصار كوسيلة ردع لمخططاتها الاستعمارية في المنطقة العربية.

ومن هنا يمكن الحديث عن المخاوف المتصاعدة من المسارات الجانبية التي تختلقها روسيا، لخلط الأوراق الدولية وانتزاع صفة الشرعية عن القرارات الأممية ذات الصلة بالصراع السوري، بدءاً من بيان جنيف 1، ووصولاً إلى القرارين 2118 و2254، والتعامل مع الصراع على أنه خلاف على تقاسم السلطة، وليس على تغيير النظام، وبناء نظام ديموقراطي يحقق العدالة بين المواطنين والقوميات، لتوفير حياة آمنة وكريمة للجميع.

ولهذا كان مبرراً الاصطفاف ضد مسار سياسي جديد في سوتشي أو الحوار الوطني، أو تحت أي تسمية جديدة أو تبريرات لوجود هذا المسار أصلاً، في ظل دعوة الأمم المتحدة لإطلاق جولة محادثات جديدة في جنيف.

إن السعي لخلق التفاهمات بين السوريين في صورته المشهدية يمكن أن يكون عملاً له جوانبه الإيجابية، لكن عندما تكون دروبه معبدة بمصالح غير السوريين، وهدفها إراقة القرارات الدولية التي دفع السوريون أرواحهم وأملاكهم ثمناً لانتزاعها من المجتمع الدولي، فإن إيجابيات المسار المقبل (سوتشي) هي مجرد استعراض روسيا لتحالفاتها الجديدة، التي انقلبت من عداوة إلى صداقة (العلاقات الروسية- التركية)، ومن تنافس إلى تكامل في الأدوار والتوظيفات (العلاقات الروسية- الإيرانية)، كما أنها في الآن نفسه استعراض لكل من هذه الدول وقدرته على فرض المشاركة على الكيانات المعارضة والموالية في الآن ذاته.

وعلى ذلك أمام قوى المعارضة اختبارات صعبة، فهي التي صرحت بمقاطعة مؤتمر سوتشي وأجنداته «المشبوهة»، وهي التي تقف اليوم أمام مرآة آستانة التي منحت الروس فرصة التمادي على المسار الأممي في جنيف، وسمحت لها بالتعاطي مع الدول الصديقة للمعارضة من باب توزيع الغنائم أو حجبها، مما يحمل هذه القوى مسؤولية مضاعفة، وهي تتلقى دعوة حضور مؤتمر سوتشي والدخول بلعبة «الدوبلة» بحسب التعبير الشعبي على جولات جنيف وما يستند إليه من قرارات دولية ذات صلة.

في حقيقة الأمر إذا اعترفنا أننا حتى اللحظة لم ندخل إلى مفاوضات حقيقية بين السوريين معارضة ونظاماً، فإن هذا الاعتراف يضعنا أمام سؤال الرماديين في قرارهم من مسألة المشاركة في حوار سوتشي أو أي اسم آخر تبتدعه موسكو: ما الذي يجعلهم يرفضون الخوض في تجربة مباشرة، ليست جديدة بشكلها، فآستانة جمعت الطرفين في لقاء مواجهة، لكنها جديدة في حضورها وتنوعها، وربما في حجم الانكسارات التي ستواجهها العملية التفاوضية برمتها، لتنتقل من مفاوضات سلام تحت رعاية دولية، إلى تسويات بين «مكونات»، بالأصل لم تكن هي موضوع الخلاف ولا أصله، لأن الأساسي والثابت في أسباب الثورة هو ما تعرض له السوريون من ظلم، وصل حتى أظافر أولادهم في جنوب بلادهم كما في شماله وشرقه وغربه. هي سوتشي أو غيرها، من متممات الحل الروسي، وصولاً إلى الجلسة النهائية مع صاحبة الكلمة العليا الولايات المتحدة الأميركية حتى عندما تكون صامتة.

* كاتبة سورية

الحياة

 

 

 

 

الصراع الروسي – الأميركي يمدّد للصراع السوري/ عبدالوهاب بدرخان

بين الولايات المتحدة وإيران لا تبدو روسيا في حيرة الاختيار. وما دامت الاحتمالات ضعيفة أو معدومة لتحقيق مكاسب من توافق مع واشنطن، تفضّل موسكو التمسّك بشراكتها مع طهران، حتى لو اضطرّتها المواجهة بين الطرفين للانحياز تكتيكياً الى إيران. هذا ما تبدّى أخيراً في سورية، إذ إن «بيان دانانغ» الأميركي- الروسي لم يعش سوى ساعات قبل أن تعلن موسكو موته الفعلي، وقد يكون السبب في أن واشنطن تعجّلت وتوسّعت في شرحه حتى ظهر كأن الدولتين الكبريين حسمتا خيارهما بتقليص أو إنهاء الوجود الإيراني في سورية.

لم يبقَ لهذا البيان أي أثر أو تأثير، لأن فلاديمير بوتين بادر الى سلسلة إجراءات استخلصها من إحجام دونالد ترامب عن عقد اجتماع عمل معه، والاكتفاء ببيان مشترك يُفترض أن يبقى مجرّد عناوين عامة متوافق عليها، لكن الجانب الأميركي أخذه بعيداً كما لو أنه تعمّد ضرب اتفاقات كان بوتين توصّل اليها لتوّه في زيارته الأخيرة طهران. يُذكر أن موسكو قررت تأجيلاً بمثابة إلغاء لمؤتمر «حوار سوري» في سوتشي كبديل من مفاوضات جنيف لكنها جدّدت الإصرار عليه، كما أن الرئيس الروسي دعا نظيريه التركي والإيراني الى قمة في سوتشي لتعزيز الشراكة الثلاثية، ثم أنه صعّد الأداء العسكري ليس فقط بدعم الميليشيات الإيرانية لطرد «داعش» من البوكمال والاستيلاء عليها بل أيضاً في مساندة قوات النظام والميليشيات الإيرانية في هجمات على ريفَي حلب وإدلب، وكذلك على الغوطة الشرقية التي قصفها طيران النظام (التابع رسمياً للقيادة الروسية) بغاز الكلور، علماً بأن الغوطة من «مناطق خفض التصعيد» وفقاً لاتفاق مبرم مع الروس.

وهكذا، فإن موسكو لا تربط بقاء سورية دولة موحّدة بخروج القوات الأجنبية (تحديداً الإيرانية) منها، وعلى رغم حفاظها على تنسيق مع واشنطن في الحرب على الإرهاب لا تلتزم حرفية التفاهمات معها. بل إنها تدافع عن «شرعية» الوجود الميليشياتي الإيراني بمعاودة طرح «لا شرعية» الوجود الأميركي في الشمال والجنوب السوريين. ولعل جدل الشرعيات يطرح نفسه بقوّة الآن لأن الجميع، بمن فيهم نظام بشار الأسد، استمدّ «شرعية» من محاربة «داعش». وبما أن انتشار هذا التنظيم وسيطرته انتهيا عملياً، فإن مرحلة «ما بعد داعش» تبدأ من جهة بتصفية الحسابات وتبادل الروس والأميركيين والإيرانيين اتهامات بمساعدة «الدواعش» وتسهيل انسحاباتهم، وتُطلق من جهة أخرى صراعاً دولياً – إقليمياً في شأن الاستحقاق السياسي للتعامل مع الأزمة السورية الداخلية، وهي الأزمة الحقيقية التي ارتكب الأسد والإيرانيون والروس كل جرائم القتل والتهجير والتدمير من أجل طمسها وتهريبها.

استئناف القتال في الغوطة وريفَي حلب وإدلب معطوفاً على تذبذب صيغة «خفض التصعيد» في إدلب، وعلى أشكال جديدة من الحرب الباردة الروسية – الأميركية، ليست سوى مؤشّرات الى تقاطع مصالح اللاعبين عند التمديد للصراع في سورية وعليها. ولا شك في أن روسيا يهمّها أن تنهي الصراع لتتبيّن كيف ستستثمر تدخّلها في سورية بعدما كان منحها أداةً لابتزاز العالم، وإنْ فشلت حتى الآن في جني ثمار هذا الابتزاز مع الطرف الذي يستهدفه، أي الولايات المتحدة، لكنه مكّنها فقط من إشهار «الفيتو» في مجلس الأمن لحماية جرائم النظام و «شرعنة» استخدام السلاح الكيماوي. والمؤكّد أن إيران هي الأكثر استفادة من هذا التمديد، لأنها تراهن أساساً على الوقت وتقاوم الاقتراب من أي تسوية سياسية ما لم تضمن مسبقاً مصالح افتعلتها أو بالأحرى اخترعتها في بلد عربي ليس لها فيه أي روابط اجتماعية وعقائدية قادرة على استيعاب وجودها وتبريره، ولم تبنِ فيه سوى تراث إجرامي قوامه القتل والتخريب والتدمير والسرقة المنظّمة للمساكن والأراضي سعياً الى التغيير الديموغرافي، بل ليس لها فيه سوى تحالف سياسي مع نظام باع رئيسه البلد من أجل سلطته وطائفته، ولم يكن لها أي تواصل جغرافي معه وإن كانت ميليشياتها حقّقت أخيراً ربطاً حدودياً بين القائم والبوكمال. أما نظام الأسد فهو مستفيدٌ طالما أن إطالة الصراع تمدّد له في حكم سورية التي دمّرها ويريد أيضاً مصادرة مستقبلها.

ما يدعم التمديد للصراع أن الطرف الآخر، الأميركي، أبلغ حلفاءه أخيراً أن العدو الآن هو إيران وأن ساحة المعركة المقبلة هي سورية. أي معركة؟ نظام الأسد أبلغ الأميركيين أنه لا يستطيع الاستغناء عن الإيرانيين أو إخراجهم، كونهم لا يصنعون «انتصاراته» فحسب بل لا يزالون مصدره الرئيسي لتمويل أجهزته وعملياته، أي أنه مع حليفيه ليس مخيّراً في قراراته. ومع أنه يرفض أي مشاريع إسرائيلية لضرب الإيرانيين وأتباعهم إلا أنه لا يملك إمكانات لصدّها وإفشالها. وعلى رغم أن الجانبين الروسي والأميركي التقيا في النقاش على تقييم مشترك للخطر الإيراني ودوره في تعطيل أي وقف لإطلاق النار وأي بداية نجاح للتفاوض السياسي، إلا أن الأميركيين لم يسمعوا من الروس سوى وعود وتعهّدات ولم يروا على الأرض سوى ما يحقق للإيرانيين أهدافهم كما حدّدوها. لذلك، خلصت واشنطن الى ما بات العديد من مصادرها يعتبره «لامصداقية روسية» سواء في تنفيذ الوعود أو احترام التفاهمات. والأرجح أن هذا التوصيف الأميركي يُسقِط أو يتجاهل عمداً ما يطلبه الروس مقابل ضبط الإيرانيين أو تحجيم وجودهم في سورية.

كان الجانب الأميركي تبنّى كلّ «الخطوط الحمر» الإسرائيلية التي أبلغت الى موسكو وطهران عبر قنوات عدة، وهي تتعلّق بـ: معمل مصياف للأسلحة بما فيها الكيماوية، ومصنع صواريخ لـ «حزب الله» في لبنان، وتغطية روسية وأسدية لقوافل «سلاح نوعي» لـ «حزب الله» يُعتقد أنها نقلت معدات مصنع للصواريخ، وإطلاق صاروخ «سام 5» على إحدى الطائرات الإسرائيلية، فضلاً عن تهديد «الحشد الشعبي» العراقي مصالح إسرائيلية نفطية واستثمارية في كردستان العراق. لكن واشنطن أضافت مآخذ أخرى على موسكو جعلتها تستنتج أن الروس يتعهّدون ولا يلتزمون أو أنهم غير قادرين على تنفيذ ما يتعهّدونه. ومن ذلك مثلاً، وفقاً للمصادر الأميركية، 1) أن ثمة «اتفاقاً» (غير معلن) مع روسيا على منع اتصال الميليشيات عبر الحدود السورية – العراقية لكنه حصل، و2) أن الاتفاق (المعلن) على منع أي وجود إيراني في جنوب غربي سورية لم يُحترم لكن الروس حاججوا بالعكس الى أن أبرز الأميركيون صوراً تُظهر عناصر إيرانية وميليشياتية تلبس زيّ قوات النظام، و3) أن تفاهماً حصل غداة قصف خان شيخون (4 نيسان/ ابريل الماضي) على منع نظام الأسد أو أي جهة من تكرار استخدام السلاح الكيماوي لكن الروس لم يلتزموه بل لجأوا أخيراً ثلاث مرّات متتالية الى «الفيتو» لإنهاء عمل لجنة التحقيق الدولي بغية إغلاق الملف وتعطيل الاتهامات الموجّهة الى النظام…

كان بين ما أفصح عنه وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران، بعد اجتماعهم في أنطاليا تحضيراً لقمّة سوتشي، أنهم أجروا تقويماً للوضع الميداني في ظل خطة «خفض التصعيد» وتداولوا في الهيكل السياسي المستقبلي لسورية. اللافت أنهم لم يدعوا زميلهم وزير النظام على رغم أن اثنين منهم حليفان له، أما ثالثهم التركي فقطع شوطاً مهمّاً في التقارب معهما والابتعاد من حليفه الأكبر الأميركي وكلّ ما يهمه الآن أن يكون الى طاولة المساومات. لم يسبق أن دعي الأسد الى «قمة» مع حليفيه، ودلالة ذلك أنهما بدورهما يعرفان أن سورية لم تعد سوى ملعب لهما وأن «شرعية» الأسد مجرّد كرة يتقاذفانها. وهذا ما تطمح روسيا الى تحقيقه في تركيبة المعارضة ووفدها المفاوض في جنيف، لكن احتمالات نجاحها تبقى ضئيلة، فـ «معارضو منصة موسكو» أقلية بين المدعوين الى اجتماع الرياض، كما أن المنافسة والصراع مع واشنطن لا بد أن ينعكسا على أعماله ونتائجه.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

لافروف:الأسد ضمانة اسرائيل/ حسين عبد الحسين

حسب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أكبر ضمانة لأمن اسرائيل وحدودها الشمالية تكمن في السماح لقوات الرئيس السوري بشار الأسد والميليشيات الايرانية المتحالفة معه باستعادة الجنوب السوري والانتشار فيه. وحسب لافروف أيضاً، الخطر الأكبر على اسرائيل يكمن في الولايات المتحدة والميليشيات التي تدعمها داخل سوريا.

تصريح لافروف يظهر مدى العبثية التي وصلتها الأزمة السورية، وعبثية عواصم العالم واستخفاف مسؤوليها بعقول البشر، إذ يريد وزير خارجية روسيا من العالم تصديق أن الولايات المتحدة، التي رفعت من قيمة المساعدات العسكرية والمالية السنوية لاسرائيل في عهد باراك أوباما، الرئيس الأميركي صاحب اكثر علاقة متوترة مع الاسرائيليين، هي التي تشكل خطراً على اسرائيل.

على رغم العبث، قد يكون السيد لافروف محقاً، فواشنطن ربما تشكل خطراً على الاسرائيليين، وهو ليس من نوع المخاطر المقصودة، بل ربما غير المقصودة، وهو ما بدأ ينعكس في التصريحات الاسرائيلية، التي أصبحت تحمّل الاميركيين مسؤولية تحوّل الأسد الى دمية ايرانية بالكامل، وتحمّل أميركا المسؤولية لتقاعسها في السيطرة على شرق سوريا بطريقة تقطع اتصال الهلال الممتد من طهران الى بيروت، عبر العراق وسوريا.

بل إن واشنطن ساعدت طهران وميليشياتها على استعادة اجزاء الهلال الايراني غرب العراق، بتقديمها غطاء جوياً يوازي بأهميته الغطاء الجوي الذي منحته موسكو لتمكين الميليشيات الايرانية في سوريا.

وكما تسببت سياسة أميركا في سوريا بمتاعب للاسرائيليين، وهي سياسة ساهم في صناعتها الاسرائيليون الذين اعتقدوا ان الحرب الاهلية بين اعدائها السنة والشيعة ستستمر الى الأبد وتشغلهم عنها، كذلك تسببت السياسة الاميركية بمصاعب لحلفاء واشنطن في عمّان، ممن وجدوا الميليشيات الايرانية تحيط بأجزاء مملكتهم شمالاً، ومن الشرق وبعض الغرب.

وكما زار المسؤولون الاردنيون موسكو ودمشق وساهموا في التوصل الى انشاء “غرفة عمان” لمراقبة “خفض التصعيد” في الجنوب السوري، كذلك طار المسؤولون الاتراك الى طهران وموسكو لتدارك أزمة اعتماد الولايات المتحدة على مقاتلين أكراد أصبح محسوماً أنهم سيستخدمون خبراتهم القتالية التي جنوها من الحرب ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”، والسلاح الذي جمعوه في الحرب نفسها، من اجل اعادة اطلاق حربهم ضد القوات التركية داخل اراضي تركيا.

هذه الايام، يبدو التحالف مع أميركا بمثابة عبء على اصحابه أكثر منه مكسب، من إسرائيل الى الأردن فتركيا، الكل يعاني، فيما ايران، عدوة أميركا اللدودة، هي الجهة الوحيد السعيدة بتطورات الاحداث، وهو ما يعني ان في سياسة أميركا الخارجية مشكلة كبيرة لواشنطن وحلفائها.

ربما على عكس ما يصرّح به الاسرائيليون، لا تمثل استعادة الأسد السيطرة على الجنوب السوري ذاك الخطر على اسرائيل، وقد يكون لافروف محقاً بقوله إن أمن اسرائيل يكمن في سيطرة الأسد وايران على الجنوب السوري، إذ على مدى اربعة عقود من سيطرة الأسد على هذا الجنوب، عاشت اسرائيل في نعمة الأمن والأمان، ولا تزال إلى اليوم تنعم بها في جنوب لبنان كذلك، تحت أنظار إيران، التي وصل عدد ضحاياها العرب، ممن تعلن طهران نيتها تحريرهم واستعادة اراضيهم في فلسطين، الى عدد اكبر بكثير من عدد ضحاياها الاسرائيليين، الذين تعلن طهران العداء لهم.

تصريحات لافروف حول الأزمة السورية والعلاقات المتداخلة بين أميركا واسرائيل وايران قد تكون تصريحات عبثية، ولكنها عبثية قد لا تكون بعيدة كثيراً عن الواقع.

في الاسابيع الاولى للثورة السورية، دبّرت اجهزة استخبارات الأسد مقابلة لصحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية مع ابن خال الأسد وأمين خزينته رامي مخلوف، حذّر فيها رجل الاعمال السوري اسرائيل من عواقب انهيار نظام الأسد على أمن حدودها الشمالية.

اليوم، وبعد مرور أكثر من ست سنوات على اندلاع الثورة، مازال معسكر الأسد يسعى لتذكير الاسرائيليين بالموضوع نفسه: إن أكبر ضمانة لأمن حدود اسرائيل الشمالية هو الأسد، ولا بأس ان كان الى جانبه قواته الميليشيات الموالية لايران. رسالة مخلوف في الأمس البعيد كانت هي نفسها رسالة لافروف في الأمس القريب: الأسد ضمانة اسرائيل في سوريا.

المدن

 

 

 

قمة سوتشي وفرصها الضئيلة/ علي العبدالله

اختلفت تقديرات المحللين والمعلقين حول الهدف من دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى عقد قمة تجمعه إلى نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني في مدينة سوتشي على البحر الأسود يوم الأربعاء في 22 الجاري. ففي حين ذهبت تقديرات إلى القول إن الهدف من عقدها هو تطمين تركيا وإيران بعد صدور البيان الرئاسي الأميركي الروسي الذي لم يأت على ذكر دوريهما على الساحة السورية، ما يعني أن وجودهما هناك غير مرغوب فيه، عبر مناقشة الملف السوري معهما على الصعيدين الميداني والسياسي، واعتبار ذلك خير دليل على الاعتراف بدورهما ومتانة التنسيق الثلاثي ورسوخه، ذهبت تقديرات أخرى إلى أن الهدف من عقدها تعزيز الموقف الروسي في مواجهة التوجهات الأميركية الجديدة على الساحة السورية، التي عكستها إشارات عدة عبرت عن رغبة واشنطن في لعب دور وازن على الساحة السورية، عبر حصر الحل بمسار جنيف للمفاوضات، والإعلان عن بقاء قواتها هناك حتى يتحقق السلام، واقتراح آلية للحل تبدأ بنزع السلاح منطقة فمنطقة كي يسود الأمن والاستقرار، وفق إعلان وزير الدفاع الأميركي، عبر الاستقواء بهذه القمة ونتائجها.

لكن، وبغض النظر عن الهدف الحقيقي للدعوة إلى عقد هذه القمة، فإن مشكلتها ونقطة ضعفها ليست في طبيعة الهدف الكامن وراء الدعوة إلى عقدها بل في ضعف فرص الاتفاق على نتائج قوية وصلبة في ضوء الخلافات العميقة التي تخترق التفاهم الظاهر وتجوفه، والتي عكستها المواقف المعلنة للأطراف الثلاثة. موسكو، صاحبة الدعوة، القوة الرئيسة في الميدان، والموجه الفعلي لمسار آستانة، تناقش الوضع على الساحة السورية مع شريكيها وعينها على واشنطن، حيث الهدف الإستراتيجي إقناع الأخيرة بالقبول بروسيا دولة عظمى شريكة في إدارة الملفات الإقليمية والدولية، وهذا يدفعها إلى التعاطي مع شريكتيها بذرائعية وانتهازية فجة، تستخدمهما في ساحة المساومة مع واشنطن وتعمل على تحجيم دوريهما وتقليص حصتيهما من الكعكة السورية، إن لم يكن إخراجهما خاليي اليدين منها، لذا اتفقت مع واشنطن على إبعاد القوات الأجنبية، الإيرانية تحديداً، عن جنوب غربي سورية، وأنكرت ذلك عندما أعلنت واشنطن فحوى الاتفاق. اتفقت مع تركيا على خطة خفض التصعيد في محافظة إدلب وتصرّ على دعوة حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، يوم 2 كانون الأول (ديسمبر) المقبل وفق وكالة سبوتنيك، وهي تعلم أنها خطوة مرفوضة تركياً، وإن تركيا قد ارتضت تحمّل تبعات الانتشار في محافظة إدلب لأنها تمنحها فرصة تطويق قوات حماية الشعب في عفرين. تريد منهما موقفاً قوياً ضد الانتشار العسكري الأميركي على الساحة السورية، وهذا مغزى مشاركة رؤساء الأركان في الدول الثلاث في القمة، كي تصبح القوة الرئيسة والمقرر فيها.

تركيا بدورها تريد استثمار مسايرة شريكيها، وبخاصة روسيا، ولعب دور في موازنة الحضور والدور الأميركي في سورية في الحصول على ضوء أخضر روسي- إيراني في مهاجمة قوات حماية الشعب في عفرين ومنبج، وفق تصريحات الرئيس التركي والناطق باسمه إبراهيم كالين، والضغط عليهما في آن، لذا أشهرت في وجهيهما أوراقاً قوية بالدعوة إلى خروج كل القوات الأجنبية من سورية، وتحفظها على طبيعة دوريهما على الساحة السورية، قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين: «إن كلاً من موسكو وطهران تحاربان «داعش» بهدف ضمان بقاء نظام الأسد في الحكم»، و«إنه لا يعد شخصاً قادراً على منح السوريين حكومة ديموقراطية تمثل الجميع»، هذا إضافة إلى عملها على تقليص الهامش أمام روسيا في استثمار القمة عبر الإعلان عن «أنها امتداد لمحادثات آستانة، وليست بديلاً عن محادثات جنيف، ويجب تقييمها بوصفها عنصراً مكملاً لها»، وفق تصريح كالين، وذلك رداً على تلميحات روسية ببحث اعتماد مسار سياسي خاص بالدول الثلاث.

أما إيران، المتوجسة من تفاهم أميركي روسي يحد من دورها على الساحة السورية، تمهيداً لإخراجها منها، فتريد استمرار تنسيقها الميداني مع روسيا للحفاظ على زخم عملياتها العسكرية الذي يوفره الغطاء الجوي الروسي، من جهة، وتريد إضعاف مفاعيل اتفاقات خفض التصعيد، لأنها تضرب توجهها نحو حسم عسكري للصراع، بإطلاق عمليات عسكرية في تخومها أو عمقها، العملية العسكرية الواسعة في المثلث شرق سكة حديد الحجاز والغوطة الشرقية، أو الالتفاف على بنودها عبر تشكيل قوات مقاتلة تعمل تحت إمرتها في هذه المناطق مثل اللواء 313 في درعا، من جهة ثانية، وضرب فرص التفاهم الأميركي الروسي عبر التلويح بشن عملية عسكرية ضد قوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً في الرقة، من جهة ثالثة، توافق على تحرك تركيا ضد حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) لأن مشروعه يحد من هيمنتها على سورية، وتلوّح بالقيام بعملية عسكرية في محافظة إدلب وتسابقها على منطقة سنجار، من جهة رابعة، وهذا سيجعل الاتفاق مع شريكي القمة سطحياً وهشاً.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

ماذا قيل للأسد في سوتشي؟/ إياد الجعفري

إذا كنا نريد أن نعرف ماذا ينتظر سوريا في الأفق القريب، علينا أن نعرف بشكل دقيق، لماذا تم جلب الأسد إلى سوتشي؟، وماذا قِيل له هناك؟

التصريحات الرسمية الروسية غير كافية للوقوف بشكل دقيق على ما دار بين بوتين والأسد في سوتشي. لكن تلك التصريحات، تُوحي في الوقت نفسه، بوجود مبادرة جادة للحل السياسي في سوريا، تحظى بتوافق إقليمي – دولي موسع، يتولى الروس دور المخرج لها.

فالإعلام الرسمي الروسي أشار إلى قضية لافتة، بعيد زيارة الأسد لسوتشي، وهي أن بوتين أطلع قادة إقليميين ودوليين، على نتائج لقائه بالأسد. قائمة أولئك القادة شملت كلاً من، الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، والعاهل السعودي، عبر مكالمات هاتفية. وشملت أيضاً، كلاً من الرئيس الإيراني، والرئيس التركي، أثناء لقائهما الأخير ببوتين في سوتشي.

أي أن بوتين، ناقش نتائج لقائه بالأسد، مع القوى الخارجية الفاعلة في الميدان السوري، جميعاً. مما يُوحي بأن اللقاء مع الأسد تضمن معطيات نوعية. وهو ما ألهب بعض وسائل الإعلام لتمرير الشائعات، أو محاولات جس النبض المخابراتية، أو الرسائل السياسية بين الدول. على غرار ما أشارت إليه وسائل إعلام إسرائيلية، بأن بوتين أخبر الأسد، أنه سيكون آخر رئيس علوي لسوريا. وما أشارت إليه وسيلة إعلام سعودية، عن نيّة الكرملين إخراج فاروق الشرع من إقامته الجبرية، ليترأس مؤتمر الحوار الوطني السوري، المزمع في سوتشي، بعد أسبوع.

وبعيداً عن شائعات وسائل الإعلام، يُوحي بيان المعارضة السورية في مؤتمر “الرياض 2″، بوجود نيّة دولية – إقليمية حقيقية لتلمس إمكانيات الحل السياسي في سوريا. فوجود بند يتحدث عن المفاوضات بلا شروط، يعني أن المعارضة، وافقت فعلياً، على التخلي عن شرط رحيل الأسد. لكنها، في الوقت نفسه، لم تتخلَ عن السعي للوصول إلى هذه الغاية، عبر الإشارة إلى أن نجاح العملية الانتقالية لا يتم إلا بمغادرة الأسد وزمرته.

تلك الصيغة الوسط، في نص بيان المعارضة السورية، تفتح آفاق المفاوضات المرتقبة في “جنيف 8″، على سيناريوهات عدة، من المستبعد أن يكون أحدها، رحيل الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية. إلا أن ذلك الرحيل سيبقى مطروحاً بقوة، خلال المرحلة الانتقالية، أو في نهايتها.

أي أن جلب الأسد إلى سوتشي، كان بهدف إبلاغه بضرورة تقبل استحقاقات بدء الحل السياسي في سوريا. وأن عليه أن يشارك في إدارة وترتيب المرحلة الانتقالية، بشكل آمن، يضمن سلامة مؤسسات الدولة السورية. على أن يكون رحيله مطروحاً بقوة، خلالها أو في نهايتها، حسبما تُفضي إليه المفاوضات المرتقبة، وتطورات المرحلة الانتقالية. وهو ما تؤكده تصريحات بوتين أثناء لقائه بنظيريه، الإيراني والتركي، بأن الأسد ملتزم بالحل السلمي للأزمة السورية، ومستعد لعملية الإصلاح الدستوري، والقبول بانتخابات حرة بإشراف من قبل الأمم المتحدة.

لا شك، فإن نظام الأسد يتمتع بخبرة في المماطلة والتهرب من الاستحقاقات المترتبة عليه. فالتزام الأسد أمام بوتين بكل ما سبق، لا يعني أنه ينوي فعلاً التخلي عن كرسي الحكم، في نهاية المطاف. لكن رغم ذلك، يعني ما سبق، أن القوى الإقليمية والدولية تسعى بشكل جاد لوقف صراعها الميداني في سوريا، ونقل ذلك الصراع إلى مربع السياسة.

قد يكون ذلك أبرز ما ينتظر سوريا في المدى القريب. أما كيف سيتطور الصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في سوريا، بنسخته السياسية هذه المرة؟، فذلك مفتوح على سيناريوهات كثيرة، قد تحددها بشكل دقيق، الإجابة على مجموعة تساؤلات، من أبرزها، كيف سيتم حل معضلة الوجود الميداني الإيراني، على الأراضي السورية، والقلق الإسرائيلي حياله؟

لكن، هل بالضرورة أن القراءة آنفة التفصيل، هي الوحيدة لما حدث في سوتشي، بين بوتين والأسد؟ لا، بالتأكيد. هناك قراءات أخرى، تستند إلى مؤشرات مختلفة، تقلل بصورة كبيرة من نوعية ما حدث في سوتشي. من قبيل، أن استدعاء الأسد بهذه الطريقة، إلى روسيا، وتقديمه لقادة الجيش الروسي، كان بهدف الإيحاء بأن روسيا هي من صنعت “الانتصار” على “داعش” في سوريا، وذلك رداً على إعلان دمشق وطهران للنصر على “داعش”، بشكل منفصل عن الحليف الروسي.

ووفق القراءة الأخيرة، تحاول روسيا، عبثاً، الإيحاء بأنها هي من يقود المحور الإيراني في المنطقة. وأنها قادرة على ضبط اللاعب الإيراني. محاولات الإيحاء تلك، تستهدف إقناع الأمريكيين والإسرائيليين، بجدارة الاعتماد على الشريك الروسي. لكنها، في نهاية المطاف، لا تقدم جديداً على الأرض. فالإيرانيون هم الأقوى في تركيبة التحالف تلك.

إذا صحت هذه القراءة الثانية، لما حدث بين بوتين والأسد في سوتشي، فهذا يعني، أن لا جديد نوعياً في أفق سوريا القريب. وأن جولات جنيف وسوتشي التفاوضية المرتقبة، ستكون محض عبث، لا يعكس الواقع على الأرض عملياً. وأن الصراع الميداني بين القوى الإقليمية والدولية في سوريا، تنتظره جولات جديدة.

قراءتان مختلفتان تماماً، لما قيل للأسد في سوتشي. كل منهما تعتمد مؤشرات بعينها. وتفضي كل منهما، إلى نتائج مختلفة تماماً. ويبقى حسم أي القراءتين هو ما حدث بالفعل، وقفاً على مدى الجديّة المطروحة في أداء النظام التفاوضي، تحديداً، في الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف. ومقدار جديّة الروس في الضغط عليه، خلال سير تلك المفاوضات.

المدن

 

 

 

سوتشي وعقدة الأكراد/ خورشيد دلي

في الشكل تبدو تركيا وروسيا وإيران في تحالف واحد، لعل الهدف منه هو كيفية إبعاد الولايات المتحدة عن الأزمة السورية عبر مسار إقليمي، انطلق من آستانة على أن يتوج في سوتشي، لكن في الجوهر ثمة تناقضات عميقة في رؤية كل طرف إزاء مستقبل الصراع في سورية، ولعل هذا التناقض استدعى قمة سوتشي ومن ثم مؤتمر سوتشي (للحوار الوطني السوري) لتحديد أدوار كل طرف في مرحلة ما بعد «داعش» وشكل الحل السياسي.

في تطلع موسكو إلى هندسة الحل السياسي تواجه عقبة كبيرة بعد دعوتها حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي لحضور مؤتمر سوتشي، إذ أظهرت هذه الدعوة خلافاً روسياً – تركياً، على شكل اختبار حقيقي للعلاقة بينهما، وقد كان لافتاً قبل فترة قول ميخائيل بوغدانوف إن هؤلاء الأكراد مواطنون سوريون وليسوا إتراكاً، وذلك رداً على إعلان تركيا رفضها حضور حزب الاتحاد الذي تصنفه تركيا إرهابياً بوصفه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، وهو ما فجر جدلاً بين البلدين على شكل تصريحات متبادلة، بين تأكيد تركيا رفضها مشاركة الحزب المذكور في أي مؤتمر دولي وبين تأكيد موسكو على ضرورة أوسع مشاركة في مؤتمر سوتشي بما في ذلك هذا الحزب، ولعل تمسك تركيا بموقفها هذا له علاقة بقدرتها على إفشال هذا المؤتمر أو على الأقل إفراغه من تحقيق هدفه مسبقاً، نظراً إلى تأثيرها القوي على فصائل المعارضة السياسية (الائتلاف) والعسكرية (فصائل الجيش الحر) حيث يشكل حضور هذه الفصائل قيمة أساسية للمؤتمر، وقد أعلنت رفضها حضور المؤتمر بوصفه يعيد إحياء النظام ويجري خارج رعاية الأمم المتحدة ومرجعية جنيف والقرار الدولي رقم 2254.

الجدل الروسي – التركي بشأن مشاركة الأكراد أدى حتى الآن إلى تأجيل مؤتمر سوتشي أكثر من مرة، واللافت هنا هو أن إعلان التأجيل يأتي غالباً من أنقرة وليس من موسكو صاحبة الدعوة إلى عقده، وهو ما يجعل من مشاركة الأكراد عقدة سوتشي خلال القمة الروسية التركية الإيرانية، وبالتالي السؤال عن كيفية حل هذه العقدة.

الثابت أن روسيا وتركيا تشعران بلحظة ذهبية في علاقاتهما، فالأولى تشعر بأهمية استثمار التوتر في العلاقات الأميركية- التركية لإبعاد تركيا عن المنظومة الغربية وجلبها إلى حضن الدب الروسي أولا، وثانياً لأسباب اقتصادية لها علاقة بصفقات النفط والغاز والسلاح وبناء مفاعلات نووية، فيما تركيا المنزعجة جدا من الدعم الأميركي للأكراد في شمال شرق سورية تريد من وراء التقارب مع موسكو توجيه رسالة للغرب بشقيه الأميركي والأوروبي أن لديها خيارات أخرى، وأنها لن تقبل بتهديد أمنها القومي حتى لو اقتضى الأمر انقلاباً على خياراتها التقليدية. في الواقع، إذا كان الدعم الأميركي لأكراد سورية أصبح مساراً صدامياً مع تركيا، فإن الأمر مختلف بالنسبة إلى العامل الروسي، إذ تدرك تركيا ومنذ انقلابها على شعار إسقاط النظام صعوبة أي تحرك من دون أخذ هذا العامل بعين الاعتبار، فعلى الأقل جرت عملية «درع الفرات» في 24 آب (أغسطس) من العام الماضي في هذا الإطار، كما أن العملية التركية المستمرة في إدلب جاءت في إطار تفاهمات آستانة، ولعل هذا المسار يضع نفسه على طاولة سوتشي لحل العقدة الكردية، والسؤال هنا: هل سيكون ثمن موافقة تركيا على مشاركة الأكراد في سوتشي موافقة روسيا على عملية تركية في عفرين لضرب نفوذ حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب؟ أم أن «القيصر» الروسي يعرف كيف ينزع صولجان السلطان المرفوع في وجه الأكراد؟ ربما لدى «القيصر» الكثير من الحجج لإقناع «السلطان» بذلك، ولعل أهمها أن فك التحالف بين الأكراد والإدارة الأميركية يمر عبر احتضانهم ودفعهم إلى الحوار مع النظام الذي لم تعد أنقرة تطالب بإسقاطه، بل ربما يكون ثمن قفز روسيا فوق مشاركة الأكراد في سوتشي عبر إلغائه مقابل قبول تركيا التعايش مع النظام شرط تهميش الأكراد وربما التحرك معاً ضدهم على غرار ما حصل في كركوك عقب الاستفتاء الكردي.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

الأسد في روسيا.. بين زيارتين/ حسين عبد العزيز

محطة موسكو

محطة سوتشي

عقبات أميركية

على غرار زيارته الأولى لموسكو عام 2015؛ شكّلت زيارة بشار الأسد الأخيرة لمدينة سوتشي الروسية مفاجأة لمتابعي الشأن السوري. وإذا كانت الزيارتان تتماهيان في الشكل والإخراج، فإنهما تتباينان في التوقيت والحمولات السياسية والعسكرية، بحيث يمكن القول إن كل زيارة حملت عنوانا واضحا لمرحلتها الزمنية.

محطة موسكو

جاءت زيارة الأسد الأولى لموسكو يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أي بعد نحو عشرين يوما من التدخل العسكري الروسي في سوريا. وكان الهدف الرئيسي لهذه الزيارة هو إعطاء الشرعية لهذا التدخل العسكري، وتحقيق بروباغندا إعلامية يحتاجها الروس على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وذلك بإبراز نجاحات الآلة العسكرية الروسية في مدة زمنية قصيرة، والقول إن موسكو وحدها القادرة على الإمساك بالملف السوري المعقّد وامتلاك مفاتيح الحل، أو على الأقل امتلاك أدوات تغيير الدفة العسكرية والسياسية.

فخلال العشرين يوما الفاصلة بين بدء التدخل الروسي وزيارة الأسد لموسكو؛ استطاع النظام السوري -مع حلفائه على الأرض- فتح جبهات عسكرية عدة، كان غير قادر على فتح جزء بسيط منها:

– جبهة ريف حلب الجنوبي والغربي.

– جبهة ريف حلب الشرقي: محور السفيرة/كويرس.

– جبهة ريف اللاذقية الشرقي.

– جبهة ريف حماة الشمالي: محور مورك/كفرزيتا/كفرنبودة.

– جبهة حمص.

– جبهة الغوطة الشرقية.

– جبهة درعا.

– جبهة القنيطرة.

– جبهة دير الزور.

وجدت موسكو في الإنجازات العسكرية السريعة فرصة لتعويم نفسها على الساحة الدولية من البوابة السورية، في ظل عزلة دولية بسبب الأزمة الأوكرانية ومشكلة شبه جزيرة القرم.

لكن كانت للزيارة أهداف أعمق، إذ كانت روسيا بحاجة لوضع إستراتيجية متكاملة بسوريا لا تقف عن الحدود العسكرية، في ظل تحركات دبلوماسية أميركية لإطلاق مبادرة سياسية لبحث سبل تسوية الأزمة السورية، ترجمت -بعد عشرة أيام من زيارة الأسد لموسكو- باجتماع فيينا الأول للمجموعة الدولية الخاصة بسوريا.

وأمام هذا الوضع، تضمن لقاء الرئيس الروسي فلادمير بوتين مع الأسد مناقشةً للإستراتيجية الروسية بشقيْها العسكري والسياسي، وقد جاء بيان الكرملين آنذاك واضحا حين أعلن “أن بوتين ونظيره السوري أكدا أن العمليات العسكرية يجب أن تتبعها خطوات سياسية تساهم في إنهاء النزاع المتواصل في سوريا”.

لكن النظرة الروسية سرعان ما تحطمت على صخرة الواقع السوري العصي على الفهم، فاضطرت موسكو إلى تطوير إستراتيجيتها بعد إدراكها أن احتفاظ فصائل المعارضة بقوتها وبقاء تنظيم الدولة الإسلامية، لن يخدما المشروع الروسي.

وعليه فقد تضافرت الجهود الروسية/الأميركية خلال العامين الماضيين لتغيير الوقائع الميدانية، عبر تحجيم فصائل المعارضة المسلحة والمنظمات الإرهابية، ليقترب المشهد من ثنائية النظام/المعارضة، وهو مشهد يتطلب أدوات ومفاهيم ولغة مختلفة.

وباختصار، جاءت زيارة الأسد إلى موسكو قبل عامين عنوانا لبداية مرحلة عسكرية بأدوات روسية لا تخلو من تأييد دولي وإن كان مضمرا، فيما جاءت زيارته الأخيرة عنوانا لمرحلة مغايرة في شكلها ومضمونها.

محطة سوتشي

يُجمع المراقبون للشأن السوري على أن زيارة الأسد الأخيرة لمدينة سوتشي غير عادية، وليست لأجل تحقيق ضربة إعلامية، وإنما هي زيارة تعكس بداية مرحلة سياسية بعدما أنجِزت المهام العسكرية الإستراتيجية.

كان توقيت الزيارة واضحا وحاسما؛ فقد جاءت قُبيل انطلاق القمة الثلاثية بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، وانطلاق مؤتمر “الرياض 2” للمعارضة السورية، وقبل أيام من انطلاق مؤتمر “الحوار الوطني السوري”، وجولة “جنيف8”.

من الواضح أن بوتين كان بحاجة ضروية إلى مثل هذا اللقاء للتفاهم مع الأسد أو تبليغه بحقيقة المرحلة المقبلة، وضرورة التزام دمشق بالمبادئ الأساسية للحل السياسي التي تنوي روسيا طرحها، ذلك أن موسكو ليست في وارد حصول خلل ما، وهي تستعد لتخطي العتبة العسكرية ودخول الحلبة السياسية بقوة وثبات.

وقد شعر الكرملين -خلال الفترة الماضية- بفتور من النظام السوري تجاه انعقاد مؤتمر “الحوار الوطني السوري” الذي تنوي روسيا استضافته، إذ أعلن النظام -عبر وسائل إعلامية مقربة منه- أن المؤتمر يجب أن يركز على المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار، بدلا من التركيز على الدستور والانتخابات.

ومع أن مطالب النظام هذه غير مستبعدة من مؤتمر الحوار، إلا أنها وحدها غير كافية لنجاح مؤتمر ترجو منه موسكو أن يكون بمثابة خريطة طريق أو إطار ناظم لأي تفاهم مستقبلي، دون أن يكون بديلا عن مسار جنيف ومرجعياته. ولذلك لا بد -بحسب الرؤية الروسية- من انخراط جدّي للنظام السوري في العملية السياسية، وتقديم تنازلات فعلية.

ومن هنا يبدو أن لقاء بوتين/الأسد نُظّم بشكل مستعجل كي يسبق قمة سوتشي الثلاثية، التي تهدف إلى تثبيت المشتركات السياسية والعسكرية للدول الثلاث بسوريا، ودورها في مواجهة المخططات الأميركية فيها.

وخلال قمتيْ سوتشي صرح بوتين بعبارات في غاية الأهمية؛ فأثناء لقائه الأسد ذكر العملية السياسية مرات عدة، وركز على مرجعية جنيف ومرجعية الأمم المتحدة، في رسالة واضحة للأسد بأن الحل السياسي لن يكون على طريقته، رغم أن الحل الروسي يلبي معظم احتياجاته.

وفي القمة الثلاثية؛ قال بوتين “إنه تم بلوغ مرحلة جديدة في الأزمة السورية، لكن الوصول إلى حل سلمي يتطلب تنازلات من كل الأطراف بمن فيهم الحكومة السورية”، وتلك رسالة موجهة إلى الطرفين التركي والإيراني:

فبالنسبة لأنقرة؛ فإن تقديم النظام السوري لتنازلات سياسية سيعزز ثباتها في المحور الروسي، وهي حاجة لا غنى لموسكو عنها في المرحلة المقبلة. وبالنسبة لطهران؛ فإن تصريح بوتين يضع قواعد للعمل على إيران الالتزام بها.

لكن هذه العبارة لم يكن ليقولها بوتين لولا حصوله على تنازل ما من الأسد، فهي أول مرة يتحدث فيها الرئيس الروسي بهذا الوضوح، ولعل اتصالاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأمير قطر تميم بن حمد والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز -عقب اللقاء- دليل على أن في جعبته جديدا.

عقبات أميركية

من نافلة القول إن زيارة الأسد لسوتشي وما نتج عنها من تصريحات سياسية، ستكون لها تداعيات إقليمية ودولية؛ فمثل هذا اللقاء سيصل صداه إلى العواصم المعنية بالشأن السوري، لا سيما واشنطن والرياض.

حتى الآن لا تزال طبيعة المبادرة الروسية غير معروفة، وكذلك حجم التنازل الذي تحدث عنه بوتين؛ لكن مخرجات قمة سوتشي الثلاثية وضحت الإطار العام للمبادرة:

1ـ الأسد سيكون جزءا من عملية التغيير السياسي من دون سقوف زمنية، أي من دون مرحلة انتقالية.

2ـ إصلاح سياسي يتضمن مشاركة المعارضة بعد تهجينها في الحكم، ودستور جديد، ومن ثم انتخابات حرة.

3ـ شرعنة الوجود الإيراني لضرورات مكافحة الإرهاب.

4ـ منح تركيا فرصة إضافية لتأمين مصالحها القومية في سوريا، وهو ما عبر عنه رئيسها رجب طيب أردوغان، دون أن يُفصح عن ذلك صراحة.

ورغم أنه لم يصدر موقف أميركي من هذه القمة؛ فإن نتائج مؤتمر “الرياض 2” جاءت بمثابة الرد على قمتيْ سوتشي. فعلى خلاف المناخ الذي كان سائدا قُبيل انعقاد المؤتمر؛ جاءت مسوّدة البيان الختامي للمؤتمر مطابقة -بشكل كبير- لمخرجات مؤتمر “الرياض 1”.

ويتمثل هذا التطابق في مطالبتها بدولة ديمقراطية لامركزية إداريا، وبالحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة المؤسستين الأمنية والعسكرية، وتأكيد التمسك ببيان “جنيف 1″ وبنوده، وبضرورة مغادرة الأسد في بداية المرحلة الانتقالية. وهذه المخرجات -التي تم التوافق عليها بين اللجنة التحضيرية للمؤتمر- كانت سببا في عدم مشاركة مجموعة المعارضة المعروفة بـ”منصة موسكو”.

لكن، ما الذي تغير؟ إذ إن تصريحات المعارضة السورية قُبيل المؤتمر، وكلمة رياض حجاب بمناسبة تقديم استقالته قبل أيام، كلها توحي بأن مؤتمر “الرياض 2” سيشكل انعطافة فارقة في مصر المعارضة.

فهل أقدمت السعودية وحدها على اتخاذ قرار الحفاظ على المبادئ الأساسية للثورة السورية؟ أم إن هناك توجيها من واشنطن بذلك بعدما استشعرت المخطط الروسي؟

أغلب الظن أن هناك قرارا أميركياً برفع مستوى السقف السياسي، وهي رسالة واضحة منها لموسكو بأن قواعد اللعبة السياسية في سوريا لن تكون أبدا في يدها وحدها.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2017

 

 

 

هل تركت روسيا شيئا للسوريين كي يقرروه بأنفسهم؟/ د. فيصل القاسم

هل تعلمون أن كل دول أوروبا الشرقية التي كانت تنضوي تحت لواء الاتحاد السوفياتي انتقلت فعلياً من المرحلة الشيوعية إلى المرحلة الديمقراطية، باستثناء روسيا نفسها التي لم يتغير فيها سوى الاقتصاد من الاشتراكي إلى الرأسمالي المتوحش، بينما ظل النظام السياسي ديكتاتورياً؟ بعبارة أخرى، فإن وكر الشيوعية الأصلي الذي كان يتمثل بالاتحاد السوفياتي لم يفارق عهد الطغيان إلا شكلياً.

على عكس كل الدول الأوربية الشرقية التي كانت تدور في الفلك الروسي، انتقلت روسيا بعد ثورتها، أو لنقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، انتقلت من الديكتاتورية الشيوعية إلى عصر المافيا، حيث حكمت المافيا هناك لفترة من الزمن ريثما يتشكل نظام جديد يحكم البلاد بعد سقوط النظام الشيوعي. وبعد طول انتظار، لم يحظ الشعب الروسي بحكم ديمقراطي على غرار بقية دول أوروبا الشرقية التي انتقلت فعلياً إلى النظام الديمقراطي الحقيقي. لا شك أن النظام الروسي الجديد راح ينافس الرأسمالية المتوحشة اقتصادياً، حيث تحولت موسكو إلى واحدة من أغلى العواصم في العالم، لكن النظام السياسي الجديد ظل نظاماً سوفياتياً بواجهة ديمقراطية زائفة. صحيح أن الدولة الروسية الجديدة تظاهرت باتباع النظام الديمقراطي والانتخابات والتعددية الحزبية وغيرها من مظاهر الديمقراطية، إلا أنها في الواقع كانت وما زالت بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية بعد الأرض عن الشمس.

انظروا فقط إلى لعبة التداول على السلطة المزعومة في روسيا منذ سنوات طوال. لقد تحولت روسيا إلى لعبة في أيدي الثنائي الشهير ميدفيديف ـ بوتين. مرة يكون ميدفيديف رئيساً للجمهورية وبوتين رئيساً للوزراء، ومرة يكون العكس، مع الانتباه طبعاً إلى أن الحاكم الحقيقي الوحيد في روسيا هو بوتين، بينما يلعب مدفيديف دور الكومبارس الديمقراطي. ولسنا بحاجة أبداً لأي برهان كي نرى كيف أصبحت روسيا العظمى كلها مرتبطة باسم بوتين، بينما ينظر حتى الروس أنفسهم إلى ميدفيديف، شريك بوتين في السلطة، على أنه مجرد ديكور ديمقراطي، بينما السلطة الحقيقية للقيصر بوتين، وهو الاسم الذي تطلقه عليه وسائل الإعلام الغربية، لأنه الحاكم بأمره بقوة الجيش وأجهزة الأمن الروسية الشهيرة التي ورثت أساليب الكي جي بي من ألفها إلى يائها.

وبما أن روسيا أصبحت صاحبة الكلمة العليا في سوريا بعد احتلالها المباشر للبلاد بغطاء شرعي زائف اسمه بشار الأسد، فهي لا شك ستنقل للسوريين تجربتها «الديموخراطية» الكوميدية، بحيث ستعمل على إجراء انتخابات يفوز فيها عميلها في دمشق سواء كان بشار أم عميل آخر من الطينة نفسها. ويجب أن ننوه هنا إلى أن روسيا تغلغلت عميقاً داخل المؤسستين العسكرية والأمنية السورية، وتعرف أيضاً كيف تتلاعب بأتباعها داخل المؤسستين. وبالتالي، فيما لو حصل تغيير في سوريا، فلا شك أنه سيكون على الطريقة الروسية، بحيث سيبقى الأمن والعسكر مسيطرين على البلاد بالطريقة نفسها التي يدير بها بوتين روسيا «الجديدة». بعبارة أخرى، فإن الثورة السورية ستفرز واقعاً مشابهاً للواقع الذي أفرزته الثورة الروسية المسكينة التي انتقلت ظاهرياً من العهد السوفياتي الشيوعي إلى العهد الديمقراطي الزائف، بينما ظلت اليد العليا فيها عملياً للجيش والاستخبارات. ولا ننسى طبعاً أن الرئيس الروسي بوتين نفسه هو أحد رجالات المخابرات الروسية «الأشاوس». وهذا يؤكد أن روسيا شذت عن باقي ثورات أوروبا الشرقية.

وفي أحسن الأحوال، إذا ظلت روسيا ممسكة، بزمام الأمور في سوريا، فلن يحصل السوريون إلا على نسخة مشوهة من «الديموخراطية» الروسية، بحيث سيكون لدينا رئيس من فصيلة المخابرات والعسكر حاكم بأمره يتناوب على السلطة مع شخصية أخرى من وزن «الطرطور» كي يقنع العالم بأن سوريا تغيرت وأصبحت ديمقراطية، بينما هي في الواقع انتقلت من سيء إلى أسوأ. ولا شك أن «الديموخراطية» السورية ذات النكهة الروسية ستكون مناسبة جداً لإسرائيل، لأنها تطمئنها بأن الشعب السوري سيبقى تحت ربقة العسكر والمخابرات الذين حموا إسرائيل من الشعب السوري على مدى نصف قرن من الزمان.

ولعل أكثر ما يثير الضحك في التصريحات الروسية حيال الوضع السوري أن الكرملين يكرر باستمرار أن السوريين وحدهم سيقررون مصير النظام والرئيس، مع العلم أن من يقرر كل شيء في سوريا الآن هم الروس بآلتهم العسكرية الجبارة. لا أدري لماذا يستحمر الروس السوريين وبقية العالم بهذه التصريحات الهزلية القميئة. قال شو قال: مصير الأسد بيد السوريين. طيب، ألا تقدم روسيا كل أنواع الدعم للنظام السوري؟ ألا تستخدم كل أنواع أسلحتها الجديدة للقضاء على معارضي النظام بالحديد والنار؟ هل تركت فصيلاً معارضاً على الأرض إلا واستهدفته طائراتها؟ ألم تتدخل في سوريا بحجة محاربة تنظيم «الدولة» (داعش) ثم اكتشفنا أنها جاءت حصراً لمحاربة كل من يعارض النظام؟ ألم تستخدم الفيتو في مجلس الأمن إحدى عشرة مرة لحماية النظام؟ ثم يخرج علينا الكرملين بكل صفاقة ليقول إن الشعب السوري سيقرر مصير النظام؟ وماذا كان جيشكم الروسي وطائراتكم وقواتكم تفعل في سوريا على مدى سنتين؟ هل كنتم توزعون الأزهار والحلوى على أطفال سوريا، أم كنتم تقتلون وتشردون الأكثرية في سوريا، بينما تعملون على إعادة تأهيل النظام والطوائف المتحالفة معه لتفرضوه على ما تبقى من السوريين المكلومين وعلى العالم مرة أخرى ككلاب حراسة لمصالحكم واستثماراتكم وقواعدكم الجديدة في سوريا؟ حتى الدستور السوري وضعته موسكو!

قال شو قال: مصير الأسد يقرره الشعب السوري….

ليش خليتو دور لحدا منشان يقرر شي في سوريا؟

٭ كاتب واعلامي سوري

القدس العربي

 

 

 

 

زيارة الأسد والمرحلة الجديدة/ رائد جبر

الأسد في روسيا مرة أخرى. وبلاده أمام منعطف حاسم جديد. لم تختلف ترتيبات الزيارة كثيراً عن سابقتها قبل عامين. إذ نقل الرئيس السوري في شكل مفاجئ ليلاً ومن دون مرافقين، إلى سوتشي على متن طائرة عسكرية روسية. وأدخل وحيداً إلى قاعة لم يرفع فيها علم دولة الضيف. على رغم ذلك، وبعيداً من الشكليات البروتوكولية التي لم تعد موسكو توليها أهتماماً وهي تتعامل مع الرئيس السوري، فإن توقيت الزيارة ومجرياتها عكست توجهاً روسياً لوضع اللمسات الأخيرة على الجهود المبذولة حالياً لطي صفحة العملية العسكرية في سورية وإطلاق المسار السياسي.

في زيارته السابقة قبل عامين وضع الأسد أمام خيار صعب. التدخل الروسي لإنقاذ «السلطة الشرعية» ثمنه ترتيبات واسعة لوجود عسكري روسي دائم في سورية.

إضافة إلى أن موسكو أرادت فرض رؤيتها الخاصة لمسار الصراع الميداني. حتى لو تعارض أحياناً، كما ظهر لاحقاً في أكثر من موقع، مع خطط النظام والحليف الإيراني.

وعلى رغم أن العملية العسكرية الروسية أنجزت «غالبية أهدافها» في سورية وفق الكرملين، فإن الأسد بدا في زيارته الثانية أمام خيارات صعبة أيضاً. وعبارات الشكر التي ردّدها خلال لقائه «الجنرالات الذين أنقذوا سورية» لا تغطّي حقيقة انحسار نفوذه ودرجة تأثيره في تطورات الأحداث إلى أضيق مساحة منذ اندلاع الأزمة في سورية، إلى درجة أن تعليقات الخبراء ووسائل الإعلام الروسية قلما تذكر اسم الرئيس السوري عند الإشارة إلى «المنتصرين».

وتوقيت ترتيب الزيارة عشية القمة الحاسمة لرؤساء البلدان الضامنة وقف النار في سورية، عكس استعجال موسكو رسم ملامح المرحلة المقبلة التي سيكون عنوانها الأساسي الإعلان عن انتهاء الجزء النشط من العمليات العسكرية في سورية والانتقال إلى مسار سياسي.

المطلوب من الأسد إعلان موقف واضح يؤيد الترتيبات الروسية لعقد مؤتمر الحوار السوري، ويؤكد الاستعداد للتعامل في شكل إيجابي مع نتائجه. وهذا يوفر لموسكو مساحة أوسع للتأثير في إيران باعتبارها الطرف القادر على وضع عراقيل أمام التوجه الروسي.

في المقابل، لا تمانع موسكو في تقديم ضمانات بتقليص تأثير «اللاعبين الخارجيين» في مسار المفاوضات السورية- السورية. كما أنها ستواصل الضغط لتأجيل طرح ملف مصير الأسد خلال المرحلة الانتقالية.

والاستعجال الروسي لدفع الترتيبات المقبلة على رغم التعقيدات الكبرى التي تواجهها له أسباب داخلية ضاغطة. إذ يحتاج الكرملين بشدة وهو يستعد لإطلاق حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى الإعلان قبل حلول نهاية العام عن نصر حاسم على الاٍرهاب، وتقديم إنجازات كبرى تبرّر للناخب الروسي قرار التدخل في سورية.

لكن العقبات التي تسعى موسكو إلى تجاوزها وهي تضع ترتيبات المرحلة المقبلة، لا تقتصر على ضمان انخراط النظام في المسار المرسوم، إذ تبدو المهمة الأصعب الحفاظ على توازن العلاقات مع الشريكين التركي والإيراني. كما أن غياب التنسيق مع واشنطن يزيد من تعقيدات المسار الروسي للتسوية. ناهيك بغموض الفكرة التي تسعى موسكو إلى تثبيتها حول «تكامل» مسارَي جنيف وسوتشي. بهذا المعنى، فإن الطرف السوري بمكوّنَيه الموالي والمعارض بات الحلقة الأسهل في المعادلة الروسية مهما بدت هذه العبارة غريبة. إذ لم تخفِ روسيا وهي تستقبل الأسد بهذه الطريقة وهذا التوقيت، ارتياحها لما وصفته: ابتعاد «العناصر المتشدّدة» في المعارضة السورية عن تشكيلة الوفد المفاوض. المعضلة التي تواجه موسكو باتت تقتصر وفقاً لقناعة نخب روسية على آليات إدارة توازنات المرحلة المقبلة مع الأطراف الإقليمية والدولية.

الحياة

 

 

 

التفويض السياسي بعد العسكري في لقاء بوتين ـ الأسد

رأي القدس

في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، حين كانت القاذفات الروسية تستكمل هبوطها وانتشارها على مدارج مطار حميميم العسكري، جنوب شرق اللاذقية، شاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد لقاء مباشر مع الرئيس السوري بشار الأسد، لإبلاغه بأغراض موسكو من التدخل العسكري لصالح النظام. وكان اللقاء بمثابة تعاقد حول المستقبل المنظور والبعيد معاً، واقتضى أن يقدم الأسد بموجبه تعهداً أقرب إلى تفويض شامل لوزارة الدفاع الروسية، برهنت على حسن الالتزام به سنتان ونيف من العمليات العسكرية الروسية على أرض سوريا وفي أجوائها.

ومساء الإثنين الماضي شاء بوتين تكرار اللقاء المباشر مع الأسد في سوتشي، ليشدد على ما كان وزير خارجيته سيرغي لافروف قد صرّح به سابقاً، من أن التدخل الروسي هو الذي أنقذ النظام حين كانت دمشق على وشك السقوط، ولكي يُسمع جنرالات الجيش الروسي آيات المديح والامتنان من فم الأسد شخصياً. ومن جانب آخر أراد بوتين الإعلان عن أنّ «مهمة» مكافحة الإرهاب قد أوشكت على الانتهاء، و«حان الوقت للانتقال إلى العملية السياسية» في سوريا.

الزيارة استغرقت أربع ساعات ولم يُعلن عنها إلا على الموقع الرسمي للكرملين، صبيحة اليوم التالي. ولكن تلك الساعات اليتيمة كانت كافية لكي يتلقى الأسد الرسالة واضحة صريحة، حول المرحلة المقبلة من استحقاقات روسيا في سوريا، أي حيازة تفويض شامل سياسي هذه المرة، يحمله بوتين إلى قمة سوتشي الثلاثية التي ستجمعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني. وهو كذلك تفويض للكرملين ببحث «التسوية السياسية والسلمية على الأمد الطويل» مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقادة قطر والعراق والسعودية ومصر والإمارات والأردن، كما أعلن بوتين نفسه.

لكن واقع الحال على الأرض لا يطابق احتفاء بوتين بمهمة عسكرية توشك على الانتهاء، إلا إذا كان الرئيس الروسي يقصد التلميح إلى أن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» كان هو الهدف الاستراتيجي وراء التدخل الروسي في سوريا. وهذا افتراض خاطئ ومضلل، لأن عمليات الجيش الروسي استهدفت فصائل المعارضة في المقام الأول، وساندت ما تبقى من وحدات جيش النظام التي لم تقاتل التنظيم إلا خلال الأسابيع القليلة الماضية.

كذلك جربت موسكو الشروع في تسويات سياسية وتفاوضية، سواء من خلال ما سمي «مناطق خفض التصعيد» في حمص وإدلب والغوطة الشرقية والسويداء، أو على امتداد سبعة مؤتمرات شهدتها أستانة تحت إشراف روسي مباشر، وانتهت جميعها إلى نتائج عجفاء أو معاكسة. هذا بافتراض أن الأسد ما يزال يقبض على أعنة السلطة كاملة في سوريا، بما يمكنه من فرض أية تسوية على مراكز القوى داخل نظامه. أو بافتراض أن الأطراف الأخرى، من التنظيمات الجهادية والفصائل والميليشيات المختلفة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، سوف تتلاقى مع أي «عملية سياسية» يتوصل إليها الكرملين في قمة سوتشي الثلاثية.

والأصل في المسألة هو ثورة الشعب السوري ضد نظام استبداد وفساد عائلي وراثي يواصل حكم سوريا منذ 47 سنة، وأي مقاربة لتسوية سياسية لا تبدأ من هذا المعطى الجوهري سوف تنتهي إلى وضع عالق، وفشل ذريع.

 

 

 

 

عن الدور الروسي في التسوية/ ماجد الشيخ

وإذا كان هناك من توافق روسي– أميركي حول الأزمة السورية، فبالتأكيد هو توافق غير كامل، بل هناك توافقات جزئية، تتفهم واشنطن بعضها، لكن حليفها الاستراتيجي الإسرائيلي لا يستطيع إغماض العين عن العديد منها، لا سيما تلك التي تتعلق بتواجد القوات الإيرانية وقوات حزب الله والميليشيات الطائفية الأخرى، القريبة قليلاً أو بعيداً من حدود الجولان.

فكل ما تسعى إليه روسيا اليوم سواء عبر استراتيجيتها العسكرية أو عبر تسويتها السياسية، أو بناء توافقات وتوازنات جديدة إقليمياً ودولياً، لا يتعدى تلك المحاولة المحمومة لإعادة إنتاج نظام الأسد مرة أخرى، والاحتفاظ به ذخراً لروسيا البوتينية وهي تستعيد بعض مجد غابر، في زمن يغادر فيه الأميركيون مواقع عظمتهم الامبراطورية فعلياً، مستبدلين إياها بنوع من جنون العظمة.

على أن غياب الثقة المتبادلة بين روسيا والمعارضة السورية، ستبقى تطرح العديد من علامات الاستفهام، وتعمق من شروخ التسوية الممكنة، المتنقلة بين استانة وسوتشي وجنيف، حتى أن مؤتمر الحوار الوطني الذي سوف يكون بديلا لـ «مؤتمر الشعوب السورية» الذي طرحته موسكو وتراجعت عنه قبلاً، لن يكون من اليسير انعقاده في ظل الخلافات والتباينات القائمة بين أطراف المعارضة نفسها، وبين الأطراف الراعية الإقليمية والدولية، طالما أن مهمة التسوية الروسية تناور في اتجاهات تعيد انتاج وترسيخ سلطة النظام الأسدي، وكأن شيئا لم يكن منذ سنوات الأزمة الأولى، سوى القتل المجاني من دون حساب أو عقاب.

من جنيف إلى سوتشي، تستمر المعارضات على حالها، ويستمر النظام في ظل حماته وداعميه على حال التواكل من قبل حلفائه لضمان استمراره وتواصل استبداده، وذلك خدمة لمصالحهم ولمصالحه في النهاية، فيما يستمر حال الانقسام الإقليمي والدولي، بانحياز كل طرف لمصالحه الخاصة، بعيداً من مصالح الآخرين، بينما التسوية الروسية تحاول التوصل إلى منطقة في الوسط تتيح لكل الأطراف الاجتماع تحت الخيمة الروسية، فهل تستطيع موسكو جمع الأكراد وتركيا والنظام وبعض المعارضة، وهل يمكن للإسرائيليين بلوغ الرضا عما يسعى إليه الروس من إبقاء شراكتهم مع الإيرانيين وميليشياتهم الطائفية قريباً من الجولان وفي سورية عموماً؟ وإلى أي حد يستمر التنسيق الروسي – الأميركي في تجاهل المطالب الإسرائيلية؟ وما مدى تأثير كل ذلك على تسوية الأزمة السورية بترتيباتها الروسية؟

هذا هو مربط الفرس، فهل يستطيع اجتماع قمة سوتشي أن ينجح في تفعيل مفاوضات مباشرة وفعلية بين النظام والمعارضة السورية، وبالتالي تقديم العون اللازم للتسوية الروسية التي تحاولها موسكو، في غياب العديد من قوى المعارضة السياسية، فهل تنجح؟

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

 

بوليتكو”: بوتين ربح سوريا وترامب يراها فشلاً لأوباما ولا تهمه/ إبراهيم درويش

ناقش مايكل كراولي، مراسل الشؤون الخارجية في مجلة “بوليتكو” الأمريكية آخر مستجدات الأزمة السورية وقمة سوتشي التي عقدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع قادة تركيا وإيران والزيارة السرية التي أعلنت موسكو عنها للرئيس السوري بشار الأسد وقال إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلم بالمستجدات عبر الهاتف سلم مفاتيح التخطيط لسوريا ما بعد الحرب للرئيس الروسي.  وقال إن المسؤولين الأمريكيين والخبراء يعتقدون أن القتال الحقيقي تحول لصراع إقليمي على سوريا. وأشار للغارات الصاروخية التي أمر بها ترامب قبل ستة أشهر على قاعدة جوية وسط سوريا بعد الهجوم الكيماوي على بلدة خان شيخون فيما نظر إليها كمحاولة لتعزيز النفوذ الأمريكي في سوريا ورفع مستوى الرهانات هناك. ولكن الواقع يشير إلى أن واشنطن هي “متفرج” على الأحداث في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس فلاديمير بوتين بقيادة الجهود لتشكيل سوريا ما بعد الحرب. وأشار الكاتب إلى غياب الولايات المتحدة عن قمة سوتشي وحالة المعارضة السورية التي هزمت في معظمها وطرد مقاتلي تنظيم الدولة من معظم أنحاء سوريا بشكل تحولت فيه لعبة الحرب السورية من صراع بين النظام وجماعات المعارضة والمتشددين الإسلاميين إلى صراع إقليمي لتقاسم الحصص. وجاءت القمة بعد زيارة الأسد السرية الذي نجا من حرب مضى عليها ستة أعوام ونصف.

خطأ وخطأ

وعلق إيلان غولدينبرغ الذي عمل في الخارجية والبنتاغون في ظل إدارة باراك أوباما قائلا: “ربح بويتن” في سوريا و” هذا في جزء منه خطأ لأوباما وخطأ ترامب”. ولن يهتم ترامب بالخسارة لأنه يعتبر سوريا فشلا لإدارة أوباما ولا تستطيع الولايات المتحدة عمل أي شيء إزاء هذا الوضع، بحسب شخص مطلع على الحوار. وانعكس هذا الموقف بقرار الرئيس الأمريكي هذا العام وقف برامج دعم وتدريب وتسليح جماعات المعارضة التي توصف بالمعتدلة وتقاتل نظام الأسد. لكن ترامب لم يحقق هدفا واحدا على الأقل في سوريا وهو وقف تأثير إيران التي عملت مع روسيا للدفاع عن الأسد. ويشير كروالي هنا لما قالته في إيلول (سبتمبر) السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي: ” لن تكون إيران المسيطرة ولن يكون لإيران أية قيادة على ذلك الوضع بحيث تعمل المزيد من الأضرار”. ولم يستطع ترامب فك العلاقة بين روسيا وإيران. وفي النص الذي نشره البيت الأبيض للمكالمة التي جرت بينه وبوتين يوم الثلاثاء لم تشر إلى إيران أما البيان الروسي عن المكالمة فقد أكد دعم موسكو للإتفاقية النووية التي وقعت عام 2015 والتي هدد ترامب بتخريبها. وبنفس السياق لم يشر بيان أكثر تفصيلا عن لقاء تم بين ترامب وبوتين  في  قمة التعاون الإقتصادي الأسيوي- الباسيفكي والتي عقدت في فيتنام في  11 تشرين الثاني (نوفمبر) ولم تشر إلى التاثير الإيراني. ونظرا لعدم قدرة لولايات المتحدة على تشكيل الساحة السورية فإن المسؤولين الامريكيين يعملون مع الروس لتحقيق أهداف ضيقة من مثل التوصل لاتفاقيات إطلاق وقف النار المحلية بحيث تؤدي إلى خفض العنف في البلاد. إلا ان الوجود العسكري الروسي على أرض سوريا وضع بوتين في مقعد القيادة  الدبلوماسية عندما يتعلق الأمر بالتخطيط لمستقبل سوريا بعد توقف القتال. وكان الرئيس الروسي قد أمر طائراته بالتدخل في إيلول (سبتمبر) 2015. ومن هنا جاءت مكالمات الرئيس بوتين مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية القطري لتعطي صورة أنه يملك زمام المبادرة الدبلوماسية. ويرى بول سالم من معهد الشرق الأوسط  إنه “أصبح من الواضح أن مقامرة  الأسد- بوتين- إيران قد ربحت وبشكل كامل في سوريا” وأضاف أن “الروس يريدون إظهار تأثيرهم وأهميتهم أبعد من المرحلة العسكرية”. وبنفس السياق لم يظهر أي احتجاج من إدارة ترامب أو مسؤوليها حول الأسد والذي كان واضحا بعد الهجوم الكيماوي في نيسان (إبريل). ففي تلك الفترة قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون للصحافيين: “نعتقد أن على الروس التفكير وبعمق حول دعمهم المستمر لنظام الأسد” إلا ان إدارة ترامب توقفت عن هذا الخطاب. وكمرشح للرئاسة لم يشر إلى أنه سيتدخل في سوريا حيث حذر من أن هزيمة نظام الأسد تعني انتصارا لتنظيم الدولة والقاعدة الإرهابيين. إلا أن الهجوم الصاروخي في نيسان (إبريل) زاد من توقعات المراقبين عن دور أكبرفي النزاع السوري أكثر من أوباما الذي خشي من التورط في الحرب وقرر عدم توجيه ضربة للنظام السوري عام 2013 بعد هجوم كيماوي مماثل ولكن على الغوطة الشرقية.

أمريكا مهمة

ويظل بوتين رغم سيطرته على الدبلوماسية السورية بعد الحرب بحاجة  لشراء دعم الولايات المتحدة، فالرئيس الروسي لا يريد تحمل مسؤولية اقتصادية وسياسية وأمنية للحفاظ على البلد. وقد تمثل هذه فرصة لترامب  الذي سيكشف عن استراتيجية للحصول على تنازلات من بوتين مقابل الدعم الأمريكي. ويعلق غولدنبيرغ الذي يعمل الأن في المركز الأمن الأمريكي الجديد:” لو كان هناك اتفاق لوقف الحرب الأهلية السورية ومباركة انتصاره فهذا ما يريده بوتين”. و”السؤال فيما إن كان ترامب ذكي لكي يحصل على الثمن أم سيعطيه هذا مجانا”.

“واشنطن بوست”: روسيا تعهد بضمان الأسد ورضيت بالوجود الأمريكي شرقي سوريا

في تقرير أعدته ليز سلاي ولويزا لافلاك وديفيد فيليبوي لصحيفة “واشنطن بوست” قالوا فيه إن بوتين أعلن يوم الثلاثاء عن حملة لإنهاء الحربفي سوريا بعد زيارة غير معلنة قام بها الرئيس السوري بسار الأسد إلى روسيا بشكل أكد دورا له في أي تسوية مستقبلية. وترى الصحيفة أن المبادرة الروسية تقوم على اتفاق تم مع الرئيس دونالد ترامب بداية الشهر الحالي والذي اعترفت فيه الولايات المتحدة بدور مهم في الدبلوماسية السورية مقابل اعتراف موسكو بدور أمريكي بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. ويعتقد الكتاب أن سلسلة المالكمات التي أجراها الرئيس بوتين مع قادة المنطقة تبني على النصر العسكري بعد تدخله في الحرب السورية عام 2015 حيث يأمل من خلاله تحقيق انتصار دبلوماسي يؤكد الدور الروسي كلاعب مهم على الساحة الدولية. وبحسب البيانات الصحافية من موسكو عن لقاء بوتين -الأسد في منتجع سوتشي فقد أبلغ الرئيس السوري أن الحرب تقترب من نهايتها وعليه التركيز على مرحلة التسوية السياسية.

بوتين وتعهدات الأسد

وعلى ما يبدو فقد حصل بوتين على تعهدات من الأسد بشأن الإصلاحات الدستورية والإنتخابات البرلمانية والرئاسية. وأكدا على أهمية المعايير التي وضعتها مؤتمرات جنيف والعملية السلمية والتأكد من أن سوريا بعيدة عن “التدخلات الخبيثة” في إشارة للدور الإيراني. وقال  ترامب لاحقا للصحافيين في واشنطن “إننا نتحدث وبقوة عن تحقيق السلام في سوريا”. وتبدو سوتشي كمركز لحل الازمة السورية حيث عقد فيها بوتين قمته الثلاثية مع رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي وحسن روحاني، الرئيس الإيراني يوم أمس. وكلا الدولتين قوة إقليمية مؤثرة في سوريا. وتعد سوتشي مقدمة لسلسلة من التحركات الدبلوماسية التي تشمل أيضا مؤتمر المعارضة في الرياضة تحضيرا لمؤتمر جنيف برعاية الأمم المتحدة المقرر عقده في 28 تشرين الثاني (يناير). واللافت  في مكالمة ترامب – بوتين أنها لم تشر لعملية “الإنتقال” السياسي وركزت بدلا من ذلك على عملية كتابة دستور جديد للبلاد تقود إلى انتخابات عامة.

خطط موسكو

وتخطط موسكو  في 2 كانون الأول (ديسمبر) لاستضافة حوالي 1.300 من ممثلي فصائل المعارضة والحكومة وعدد من الجماعات لمناقشة شروط كتابة دستور جديد للبلاد. وبعد الإنتهاء من صياغة المسودة الأولى سيتم تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية يسمح فيها للأسد بالمشاركة فيها. وتعتقد الصحيفة أن الإتفاق بين ترامب وبوتين فتح المجال أمام الدبلوماسية وبناء عليه فستحتفظ الولايات المتحدة بقواتها في شمال- شرق سوريا حيث ساعدت المقاتلين الأكراد وجماعات عربية لمحاربة تنظيم الدولة ولكنها ستساعد على تحقيق الإستقرار حسبما قال وزير الدفاع جيمس ماتيس.

وستظل هناك أسئلة قائمة حول رغبة الأسد باستعادة ما خسره خلال الحرب الأهلية  إلا أن الروس وإن ضمنوا بقاءه في السلطة إلا أنهم سيقومون بتخفيف سلطاته ويعطون دورا  للمعارضة في الحكومة. وكان الأسد قد عبر في تصريحات نقلتها الصحافة الروسية عن استعداد لدعم العملية السلمية وطلب مساعدة روسية مضيفا “لا ننظر للوراء ونقبل ونتحدث مع أي طرف مهتم بتسوية سلمية”. وليس من الواضح إن كانت إيران، حليفة الأسد القريبة ستقبل بصفقة دولية والتي ستشمل ضغوطا عليها كي تخفف من تأثيرها الذي حققته عبر سنوات الحرب الأهلية معتمدة على الميليشيات الموالية لها خاصة وكيلها اللبناني، حزب الله. وستجد روسيا صعوبة في إقناع المعارضة بالتخلي عن شرط رحيل الأسد مع أن مولود جاويش أوغلو ، وزير الخارجية التركي قد أشار الأسبوع الماضي إلى أن الدعم الدولي لرحيله يتلاشى. وقال “ليس فقط روسيا والولايات المتحدة بل السعودية وفرنسا أبديتا مواقف مرنة بشأن الاسد” مضيفا أنه علينا أن لا “نكون عاطفيين بل وواقعيين، ونحن بحاجة لتوحيد كل الجماعات المختلفة وليس من السهل توحيد كل طرف بشأن الأسد وبعد سبعة أعوام من الحرب وقتل هذا النظام مليون سوري”. ويقدر عدد الذين ماتوا بسبب الحرب ما بين 300- 500 ألف شخص فيما شرد اكثر من 4 ملايين باتوا في أماكن الشتات.

القدس العربي”

 

 

 

 

نصر بوتين في سوريا وبراعة الماكيافيلية الروسية/ جلبير الأشقر

بقياس تأثير الأحداث في سياسة الشرق الأوسط، فإن أقلها أهمية هذا الأربعاء في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، المصادف ذكرى ما سمي بمبالغة أصلية «استقلال» لبنان، إنما هو عودة سعد الحريري إلى بيروت. فهذه العودة بمثابة «لا حدث» أي أنها مجرد مشهد في مسرحية كُتبت حبكتها في الرياض وهي قائمة على تصعيد المواجهة السعودية لإيران. والحال أن يوم الأربعاء هذا ذاته يشهد اجتماعين أكثر أهمية ليس للمنطقة بأسرها فحسب بل حتى للبنان ذاته إذ يندرجان في المساعي إلى تحرير وإخراج السيناريو الختامي للحرب الدائرة في سوريا منذ ستة أعوام.

الحدث الأول هو قمة سوتشي التي من المقرر أن تجمع في روسيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الرسمي الإيراني حسن روحاني تحت رعاية ووصاية قيصر الإمبراطورية الروسية الجديد فلاديمير بوتين. وقد حرص هذا الأخير على أن يُشرِك في قمة سوتشي بصورة غير مباشرة الرئيس السوري بشّار الأسد، الذي كادت سيادته الحقيقية تقتصر على مساحة ما سمّي (من باب السخرية بالتأكيد) «قصر الشعب»، على قمة جبل المزة في دمشق.

فأتى به الرئيس الروسي إلى موسكو يوم الإثنين، قبل القمة بيومين، ولهذا الغرض بالتحديد، مبيّناً هكذا تمسّكه باستمرار الأسد في منصب الرئاسة. وفي هذا الاستمرار خير رمز لانتصار العملية الروسية وخير برهان على قدرة موسكو على تعويم أنظمة الاستبداد، خلافاً لواشنطن التي أسهمت تاريخياً في زعزعة استقرار النظام الإقليمي سعياً وراء مصالحها وبأغبى الطرق. وفي هذا الفارق الفاقع بين دور العاصمتين ما حدا كافة الحكام السلطويين والاستبداديين في المنطقة على مغازلة موسكو، وعقد صفقة أسلحة معها بعد أخرى، حتى لو كانت ترساناتهم متّخمة بالعتاد الأمريكي.

أما الحدث الثاني فهو مؤتمر المعارضة السورية (بما فيها «المعارضة الموالية») في الرياض وتحت رعاية المملكة السعودية ووصايتها، والغاية الجليّة منه تركيب هيئة سورية عليا جديدة إلى المفاوضات الدولية حول مصير سوريا، تكون قابلةً باستمرار تربّع آل الأسد على قمة هرم الدولة السورية. وهو ما أدّى إلى استقالة رياض حجاب وآخرين من الهيئة العليا الحالية، استباقاً لإقالتهم من قِبَل الرياض.

والحدثان يقعان على خلفية حدث أهم منهما بكثير، ألا وهو الاتفاق حول سوريا بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ التي انعقدت في فيتنام. وقد صدر عن الرئيسين بيان جاء فيه أنهما اتفقا «على أن الصراع في سوريا ليس له حل عسكري.

وأكدا أن التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع يجب أن تكون في إطار عملية جنيف، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254… بما في ذلك إصلاح دستوري وانتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية، تشمل جميع السوريين المؤهلين للمشاركة، بمن فيهم سوريو الشتات». وتأكيداً لاتفاق الرئيسين على مشاركة بشّار الأسد في هذا السيناريو «أشارا أيضاً إلى إعلان الرئيس الأسد مؤخراً عن التزامه بعملية جنيف، والإصلاح الدستوري والانتخابات».

هذا وقد «أكد الرئيسان التزامهما بسيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها غير الطائفي، كما هو محدد في القرار 2254، وحثّا جميع الأطراف السورية على المشاركة بنشاط في العملية السياسية في جنيف ودعم الجهود الرامية إلى ضمان نجاحها». وهذه الإشارة إلى وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة السورية عليها إنما هي تطمين لأنقرة، حليفة واشنطن وموسكو المشتركة، بأن الدولتين العظميين لن تسمحا باستقلال «الكانتونات» الكردية الواقعة على الحدود التركية، مثلما أسهمت واشنطن مؤخراً في إحباط مساعي مسعود البارزاني إلى تكريس استقلال إقليم كردستان العراق الموسّع.

أما الدولة التي لم تجد تطميناً لها في بيان الرئيسين، فهي إيران بالطبع، ولا يُعقل أن تنَل طهران تطميناً من جراء اتفاق بين واشنطن وموسكو عندما يكاد يكون الإجماع الوحيد على السياسة الخارجية في إدارة ترامب هو على تصعيد المواجهة إزاءها. وهو ما أدّى بواشنطن إلى دفع الرياض إلى تصعيد يتناسب مع نهجها الجديد، وينسجم مع رغبات بنيامين نتنياهو الذي كان قد خاصم إدارة باراك أوباما لتفضيلها المهادنة مع إيران. وقد أصبح السؤال الآن: ما الذي ينتظر طهران في سيناريو واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب في سوريا. ربّما كمن الجواب في جدول أعمال مؤتمر «الحوار الوطني» المزمع عقده في سوتشي يوم الثاني من كانون الأول/ديسمبر القادم والذي تشير بعض الأنباء إلى أنه يتضمن ثلاث نقاط رئيسية هي بترتيبها الزمني: المصالحة الوطنية، وخروج القوات الأجنبية من سوريا، وإعادة الإعمار.

وربّما اندرج إعلان «حزب الله» اللبناني عن الانسحاب القادم لقواته من سوريا في هذا الإطار (ناهيكم عن تحقيق الشرط الرئيسي لإعادة تشكيل حكومة وفاق في لبنان)، بحيث يتم الإعداد لسحب كافة القوات التي دخلت سوريا بعد عام 2011، القوات الإيرانية وشتى حليفاتها والتركية والأمريكية، وتبقى وحدها سيدة الموقف القوات الروسية التي تربطها بالدولة السورية معاهدات قديمة. ويكون ترامب قد حقق بذلك نظرته لحلّ النزاع السوري التي أعرب عنها خلال حملته الانتخابية، وهي قائمة على الاتكال على روسيا وإبقاء بشَار الأسد الذي بات «أهون الشرور» (في نظر واشنطن وسائر العواصم الغربية)، على أن تنسحب أدوات إيران العسكرية بما يطمئن شتى أعدائها.

٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

 

 

هل صحيح أن روسيا تسعى إلى تحجيم الدور التركي في سوريا؟

بينما يجري الحديث عن تغيّر جوهري في سياسة أنقرة تجاه الأسد

دفع التقارب التركي الروسي الإيراني مؤخراً بمحللين إلى تقديم تفسيرات عدة حول الارتدادات المحتملة له على الملف السوري، بما في ذلك الحديث عن تغيّر جوهري في سياسة أنقرة في سوريا.

وبينما ذهب بعض المحللين إلى توصيف ما يجري من تنسيق بين أنقرة وطهران وموسكو، على أنه محاولة من حكومات هذه العواصم الثلاث لإفشال المخطط الأمريكي التقسيمي في سوريا الذي يمس بأمن المنطقة برمتها، بينما اعتبر آخرون أن موسكو تسعى بالاتفاق والتواطؤ مع واشنطن إلى اضعاف الدور التركي والإيراني في سوريا، لافساح المجال أمام تطبيق التفاهمات غير المعلنة بين الولايات المتحدة وروسيا.

الكاتب والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو رأى في حديثه «القدس العربي»، أن أموراً عدة فرضت التقارب التركي الروسي، من بينها عوامل اقتصادية وسياسية وجيوبوليتيكية. واعتبر أن هذا التقارب خارج عن التفاهمات الروسية الأمريكية في سوريا، وهو بديل عن مخططات الأخيرة في المنطقة، وذلك بعد خذلان الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو لتركيا.

ولفت إلى أن من حق تركيا أن يكون لها البديل عن الخذلان، أي التقارب مع روسيا وإيران من جانب آخر، كونها دولة فاعلة في المنطقة. وأضاف أن «المخطط الأمريكي يقضي بإبعاد تركيا عن روسيا، ورأينا كيف تآمرت جماعة فتح الله غولن مع واشنطن، وأسقطت الطائرة الروسية في العام 2015، وكذلك اغتالت السفير الروسي في تركيا العام الماضي».

وتابع، «لقد تجاوزت تركيا وروسيا أزمة دبلوماسية خطيرة، وهذه العلاقات بمنأى عن الولايات المتحدة»، مشدداً على أن تركيا ليست لعبة أحد وأداة كما يحاول البعض تصويرها، وإنما روسيا تحتاج تركيا والعكس. وأضاف، أما القول بأن روسيا تحاول خديعة تركيا فهذا القول يحتاج إلى وقائع على الأرض، ولا اعتقد أن تنطلي هذه الحيل على تركيا.

لكن كاتب أوغلو قال في الوقت ذاته، «لكل من البلدين رؤيته ومصالحه، وتركيا لا زال لديها علاقاتها مع الولايات المتحدة، لديها شعرة معاوية التي لم تقطع بعد، وما تزال في حلف الناتو».

وفي تعليقه على نتائج اجتماع وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في مدينة أنطاليا، قال «لقد كان اللقاء ناجحاً بكل المقاييس، والأطراف الثلاثة تعطي أولوية لتفعيل مخرجات أستانة».

وعن القلق التركي من مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في مؤتمر سوتشي، أوضح أنه «إذا تم التقيد بما تريده أنقرة من عدم مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في الاجتماعات المقبلة، فإن تفعيل نتائج القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية المزمعة غداً في مدينة سوتشي سيكون تفعيلاً سريعاً، الأمر الذي يؤدي إلى عرقلة المخططات الأمريكية في سوريا». واستدرك «لكن لم تؤكد روسيا تأكيداً مطلقاً بأنها لن توجه الدعوات للأحزاب الكردية المسلحة».

لا تغيير بل مرونة

ولدى سؤال كاتب أوغلو، عن احتمال تغيير أنقرة في سياستها في سوريا نزولا عند الرغبة الروسية أو تماشيا معها على الأقل، رد بقوله «السياسة التركية الخارجية أصبحت سياسة مرنة بعد محاولة الانقلاب الفاشل العام الماضي، بالتالي ما نراه هو إعادة من أنقرة لترتيب الأولويات، والتي على رأسها الأمن القومي التركي». وتابع، «بالتالي صار التعامل مع الملف السوري وفق هذه الأولويات، ومن هنا انعكست هذه المرونة في محادثات أستانة، حيث تركيا فعلت علاقاتها مع ما يسمى بأعداء الأمس، أصدقاء اليوم روسيا وإيران، وضغطت على المعارضة السورية للقبول بنتائج أستانة».

أما عن الموقف التركي من التسوية ومستقبل رئيس النظام السوري، فقال كاتب أوغلو «تركيا ترى أنه من السابق لأوانه الحديث عن قضايا العمق، وهذه النقاط العالقة اليوم في حكم المؤجلة»، مشدداً على أن «لا تغيير في الموقف التركي تجاه النظام المجرم الذي قتل شعبه». بدوره، اعتبر المحلل السياسي التركي باكير أتاجان، أن التقارب التركي الروسي «ليس على حساب الثورة السورية والمعارضة»، معتبراً أنه «من الطبيعي أن تسعى روسيا إلى تحقيق مكاسب للنظام على حساب المعارضة من خلال علاقتها بتركيا». ولكن بالمقابل قال لـ»القدس العربي»، «لا تستطيع تركيا أن تتخلى عن سياستها في سوريا، لربما لن تكون صارمة كما كانت سابقاً، لأن مصلحتها في سوريا مصلحة للشعب التركي». وأضاف أتاجان، «بمعنى آخر، أي اتفاق يضر بالشعب السوري الذي يناضل من أجل حريته وكرامته، هو اتفاق يضر بالشعب التركي أيضاً، والتاريخ والجغرافيا لا يسمحان لتركيا أو لأي دولة بالعالم بحماية مصالحها فقط، بدون مراعاة مصالح الشعب الجار».

القدس العربي

 

 

 

 

قائد “الفيلق السوري” في الجيش الروسي/ نذير رضا

حصر الرئيس السوري بشار الأسد الفوارق، بين زيارته الأولى الى روسيا قبل عامين، في المجريات الميدانية، لكنه لم يتطرق الى صورته التي بدت في أكتوبر/تشرين الاول2015، صورة الرئيس المستجدي، بينما أظهرته الآن عسكرياً بما يتخطى كونه رئيساً يتمتع بقوة ونفوذ، كما يحاول مناصروه الترويج، وكرسته تابعاً للمنظومة السياسية والعسكرية الروسية.

في المرة الأولى، خرج الأسد لاستجداء دعم عسكري ينتشله من ورطة الانكسار الميداني. واليوم، يخرج لوضعه في صورة الحل السياسي الذي سيتبلور غداً في قمة سوتشي التي تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس التركي رجب طيب اردوغان. في الحالتين، لم يقرر الأسد، وتقود روسيا مجريات المعركة العسكرية والسياسية، وتضعه في صورة التدخل والحلول.

هذه الوقائع لا تنفيها صورة الأسد الأولى، في زيارته المعلن عنها اليوم الى روسيا، حيث التقى بوتين في سوتشي. فصورة احتضان بوتين له، تتخطى بدلالاتها مفهوم الشكر، والامتنان للبقاء في الحكم. وهي ليست مؤثرة الى حد أن تُبنى عليها سرديات من قبيل “عمق العلاقة” و”الاحتضان الأبوي”. ذلك ان الدلالات تكشفها الصورة الثانية، في اجتماع عسكري، وتبرز حقائق لا ينكرها السوريون، وهي أن العلاقة بين الطرفين الآن مبنية على اعتبارات عسكرية، تؤكدها الوثائق المسربة عن اتفاقيات طويلة الأمد مع موسكو.

فالأسد، الذي يحمل لقب القائد الأعلى للقوات المسلحة السورية، لم يظهر في الصورة الا قائداً عسكرياً تابعاً، وجزءاً من منظومة عسكرية روسية، يصح وصفه فيها بقائد “الفيلق السوري” في الجيش الروسي. فالأسد الذي حضر وحيداً الى موسكو،  لم يحتفِ بقدرته على “دحر الإرهاب” بنفسه. قدم الشكر لسلاح الجو الروسي، وللحلفاء الذين تؤكد الوقائع أنه من دونهم، ما كان ليتحقق أي انجاز.

بهذا المعنى، فإن السردية القائمة على “الانتصار السوري” النظامي، تدحضها مخرجات الأزمة وتبعاتها. فهو انتصار للحلفاء، كل الحلفاء، باستثناء النظام الذي أحيط بداية بتواجد عسكري “حليف”، وبات هذا التواجد ثابتاً، ومتغلغلاً في دفتر السيادة السورية، ويلف أوراقه من دمشق الى شرق البلاد وجنوبها وشمالها، وصولاً الى قواعد الوجود العسكري الروسي الطويل الأمد في المياه الدافئة السورية!

وإذا كان البعض، من الحلفاء، قرأ في الزيارة “رسالة انتصار”، فإن بوتين أحال الانتصار الى قياداته العسكرية، حين توجه الأسد قائلاً له: “أعرّفك الى الاشخاص الذين لعبوا دوراً أساسياً في حماية سوريا”، بحسب ما ذكرت مراسلة “اسوشييتد برس” في روسيا، فيما رد الأسد متوجهاً بالشكر لروسيا وجيشها الذين “قدموا شهداء وبذلوا جهوداً في سوريا” معرباً عن سعادته بالتعرف الى العسكريين الذين انخرطوا مباشرة في المعركة السورية.

والحرب السورية التي شارفت فصولها الأولى على الانتهاء، فرضت واقعاً عسكرياً جديداً، كشفته صورة الأسد وعباراته، بوصفه تابعاً وجزءاً من المنظومة التي حققت الانتصار. بهذا المعنى، لم يخرج الأسد من صورة المهزوم بعد، بالمعنى الوطني السيادويّ السوري، ولو أن خطابات الحلفاء أوحت بعكس ذلك. فإذا كان الانتصار مجيّراً للحلفاء، يصبح الإيحاء بانتصاره، مزوراً، ومرهوناً لسواعد الحلفاء. ولن تنفع عشرات الصور التي خرجت من اللقاء في منحه لقب المنتصر!

المدن

 

 

 

 

موسكو: الأسد بين زيارتين/ بسام مقداد

من الصعب فهم ما أغدقه الساسة والمعلقون الروس من أوصاف على زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى سوتشي ولقائه الرئيس بوتين، من دون النظر إلى المقاربتين الروسية والإيرانية المختلفتين للمقتلة السورية في مرحلتها الراهنة. لم يُطنب الروس في مديح الأسد نفسه، بل استرسلوا في تفسير معنى الزيارة وما تعنيه بالنسبة لروسيا، التي يكرر مسؤولوها منذ اسابيع التأكيد على قرب إنجاز القوات الروسية مهمتها في سوريا، وتحديدهم نهاية العام 2017 موعداً مفترضاً لانسحابها من سوريا.

زيارة الأسد السابقة إلى موسكو، في تشرين الأول/أوكتوبر2015، كانت ليشهد حينها على انطلاق العملية العسكرية الروسية في سوريا، ويمنحها “الشرعية” التي تسلحت بها موسكو لاحقاً امام العالم أجمع. وتأتي زيارته الاخيرة ليشهد، وبحضور العسكريين الروس، على نهاية هذه العملية، ويمنح العملية السياسية الروسية في سوريا “الشرعية” التي ستتسلح بها موسكو أمام جميع الفرقاء المنخرطين في المقتلة السورية. ولم يتأخر بوتين في استخدام هذه “الشرعية” في كافة اتصالاته التي أجراها مع عدد من قادة العالم وأطلعهم خلالها على ما توصل إليه مع الأسد.

واعتبر الروس أن موافقة الأسد على الإنتقال إلى العملية السياسية قد شكلت “خرقاً هائلاً” في عملية استقرار الوضع العسكري-السياسي في سوريا، بحسب نائب رئيس لجنة الإتحاد للأمن والدفاع فرانتس كلينتسيفتش، الذي قال بأن عملية التقدم التي يحرزها الأسد “جدية جداً”، وهو يدرك ضرورة التنازلات في التعامل مع مختلف القوى الداخلية في سوريا، وإلا “فقد يخسر كل شيء”. ويؤكد كلينتسيفتش لوكالة “نوفوستي”، أن الصراع ضد “الدولة الإسلامية” سينتهي نهاية السنة الحالية، وخلال هذا الوقت ستنسحب القوات الجوية الروسية من سوريا.

وفي تعليق لها على لقاء سوتشي، تُذكّر صحيفة “البرافدا” بما كانت قد كتبته سابقاً من أن الكرملين قد أفهم دمشق والعالم أجمع أكثر من مرة، خلال الشهر الأخير، أن ثمة تغييرات قادمة على السياسة الروسية في سوريا. فقد صرح الرئيس الروسي نفسه، وكذلك وزير الدفاع، أن الأراضي السورية قد تم تحريرها بالكامل، تقريباً، وأن المهمات، التي كانت ملقاة على عاتق القوات الجوية الروسية قد نُفذت، وأن الحرب ضد الإرهابيين هي في طور النهاية.

وتقول “البرافدا” إنه من المنطقي أن نستنتج من كل ما تقدم، أنه قد آن أوان التسوية السياسية للنزاع الداخلي السوري. و”طالما أن جميع الإرهابيين قد تم القضاء عليهم، وبالتالي لم يبق لدى نظام بشار الأسد أي أساس لتأجيل انطلاق هذه العملية وحماية نفسه من أي من المشاركين فيها، فمن بقي على الساحة هي تلك القوى، التي ينبغي إقامة حوار معها”.

وتنقل صحيفة الكرملين “vzgliad” عن المستشارة في معهد الأبحاث الإستراتيجية يلينا سابونينا قولها، إنه ليس من العبث ترديد بوتين أكثر من مرة، خلال الحديث مع الأسد، عبارة “العملية السياسية” و”التسوية السياسية”. فهذا يشير، برأيها، إلى الحاجة الملحة لتحريك هذه العملية، والحاجة إلى الإصلاحات السياسية في سوريا.

ونقلت الصحيفة عينها، عن عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الإتحاد الروسي أوليغ ماروزوف، قوله، إن اللقاء بين بوتين والأسد قد “ثبّت، مرة جديدة، موافقة الأسد والإتفاق معه على العملية السياسية”. ويقول ماروزوف إنه كان قد تردد في السابق، حتى من الجانب السوري، فكرة أن كل شيء سيكون جيداً بإحراز النصر عسكرياً، والقضاء على المعارضة وعلى الإرهابيين. “لكننا نحن”، يقول ماروزوف “من أنصار العملية السياسية، التي ينبغي أن تجري لاحقاً تحت إشراف دولي، على أساس اتفاقات جنيف المعنية”. وهذا يعني، أن ثمة انتخابات قادمة بمشاركة الأسد، الذي ينبغي أن يوافق، بالطبع، على هذه العملية السياسية. ويقول ماروزوف إن اللقاء مع الأسد، عشية زيارة كل من إردوغان وروحاني إلى سوتشي، لم يكن صدفة. فالتسوية السورية هي عملية متعددة الجوانب، “ونحن منذ البداية انطلقنا من أن المشكلة مستحيلة الحل، من دون أخذ مواقف تركيا وإيران بالإعتبار”.

لكن إيران، التي يعتبرها ماروزوف “حليفنا منذ البداية” في قتال “الدولة الإسلامية”، لا ترى ما تراه روسيا في ضرورة الإنتقال إلى العملية السياسية في سوريا. فقد كتب موقع “IRAN.RU” الناطق بالروسية في 15 تشرين الثاني مقالة بعنوان “المنتصرون يستعدون لتقاسم سوريا”. يقول هذا الموقع، إن الأحداث الحالية في سوريا تشير إلى أن “طهران كانت محقة، حين اقترحت القضاء على المجموعات الإرهابية والمتطرفة في سوريا بالوسائل العسكرية، بدل الإنخراط معهم في مفاوضات سلمية”. فاللقاءات الأخيرة في أستانة، وقبلها عملية جنيف، لم تفضِ إلى إقامة السلام وبدء إعادة إعمار البلد، بل منحت المعارضة المناهضة للأسد استراحة لإعادة تجميع قواها، وإلى تقسيم البلد في الواقع. كما سمحت أيضاً للأكراد من “اتحاد القوى الديموقراطية”بإحتلال حقول النفط والغاز السورية مع الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى ذلك، تستمر العمليات العسكرية ضد “الدولة الإسلامية”، وليس من المعروف متى ستنتهي الحرب في سوريا، كما يرى الموقع المذكور.

ويقول هذا الموقع إن سوريا مقسّمة، في الواقع، إلى مناطق احتلال، يمكن تقسيمها، افتراضياً، إلى قسمين كبيرين: قسم أميركي في شرق البلاد وجنوبها، وقسم روسي-تركي-إيراني أكثر تفتتاً من القسم الأميركي، ما يجعل الأمور أكثر صعوبة من حيث تسوية العلاقات بين البلدان المحتلة وحلفائها.

ويؤكد الموقع، أن الوضع في سوريا يتطور على نحو تصبح معه مشكلة “الدولة الإسلامية” هي المشكلة الأصغر من بين المشاكل الأخرى. فقد بدأت تطفو على السطح التناقضات بين “المنتصرين”، وكلما تقدم الوقت، كلما بدت هذه التناقضات أشد قساوة. فالأسد بدأ يروج علناً “لأم معارك” أخرى، وهي الرقة هذه المرة، وبالطريق يستعد لاحتلال تشرين والطبقة. والسؤال كله هو فيما إذا كان العسكريون والمرتزقة الروس سيشاركون في هذه الخطة أم لا. وإذا ما اتخذت طهران قراراً بدعم عمليات الأسد، فمن المستبعد، عندئذٍ، أن تقدم الولايات المتحدة على الصراع مع روسيا وإيران معاً.

وبعد أن يؤكد الموقع، أنه لولا وجود إيران على الأرض لكان الأسد قد سقط منذ زمن بعيد، يدخل في تفاصيل محاولات إخراج إيران من سوريا واستبدال رجالاتها بآخرين موالين لموسكو، يقول إنه من المبكر الحديث عن نهاية قريبة للحرب في سوريا. بل هي ستستمر، إنما بشكل آخر وبين مشاركين آخرين.

المدن

 

 

روسيا تسوّق رؤيتها للتسوية السورية بموافقة أميركية

موسكو تتكتم على مصير الأسد، وبوتين يراهن على دور سعودي مؤثر لتوحيد المعارضة.

موسكو – جاء لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره السوري بشار الأسد في مدينة سوتشي، ليؤكد أن روسيا تتصرّف حاليا بصفة كونها المرجع الأوّل والأخير في شأن كلّ ما له علاقة بالوضع السوري، وأن الرئيس الروسي يجري اتصالات واجتماعات على مستوى عال للتسويق لرؤيته للتسوية السورية، وأن ذلك بموافقة أميركية.

وقالت مصادر سياسية أميركية إن ذلك ما كان ممكنا أن يحدث لولا موافقة إدارة الرئيس دونالد ترامب، مع ما يعنيه ذلك من إدارة روسية للوضع السوري على أن تتولى موسكو توفير كلّ الضمانات المطلوبة إسرائيليا في الجنوب السوري على وجه التحديد.

وعزت المصادر السياسية الأميركية الموقف الأميركي، الذي يعني استسلاما للرغبات الروسية في سوريا، إلى أن وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس ليس متحمسا لأي عمليات عسكرية في سوريا، بل يدعو على العكس من ذلك إلى تعاون عسكري مع الروس على أن تحافظ الولايات المتحدة على المواقع العسكرية التي باتت تشغلها في الشمال السوري. وهذا يعني أن لا تمدد أميركيا إلى الضفّة الأخرى من الفرات الذي سيبقى الحد الفاصل بين الأميركيين والروس في الداخل السوري.

وأوضحت أن موقف ماتيس، الذي سبق له وعمل كضابط كبير على الأرض في العراق وفي منطقة الحدود مع سوريا، يفسّر إلى حد كبير امتناع سلاح الجوّ الأميركي عن التدخل قبل أيام قليلة عندما استعادت قوات نظامية سورية بدعم من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله نقطة البوكمال عند الحدود السورية العراقية.

وتعتبر هذه النقطة في غاية الأهمية بالنسبة إلى إيران إذ تفتح لها الخط الممتد من طهران إلى بيروت عبر الأراضي العراقية والسورية.

ولاحظت المصادر أنّه بعد اعتراض الأميركيين وتدخلهم في البداية لمنع السيطرة الإيرانية على البوكمال، بعثت موسكو برسائل طمأنة إلى واشنطن تؤكد فيها أن نقطة البوكمال ستبقى تحت السيطرة الروسية وأنّه لن يكون مسموحا بحرية التحرّك الإيرانية في منطقة الحدود العراقية السورية، حتّى لو كان الإيرانيون يستخدمون الحشد الشعبي غطاء عراقيا لهم.

وشككت مصادر أميركية أخرى بأيّ ضمانات يمكن أن توفرّها روسيا لأميركا في شأن كلّ ما يتعلّق بتصرفات إيران في سوريا. وقالت هذه المصادر إن حقيقة الأمر هي أنّ لا استراتيجية أميركية تجاه سوريا حتّى الآن في غياب قرار واضح في مواجهة المخططات الإيرانية على الصعيد الإقليمي.

ازدار كورتوف: روسيا استدعت الأسد لتبلغه بتفاصيل التسوية السياسية

وبالتوازي مع التوافق على الحد الأدنى مع واشنطن، تراهن روسيا على دور سعودي محوري في إنجاح الحل السياسي المستقبلي في سوريا، وهذا ما يفسر الاتصال الهاتفي للرئيس الروسي بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي أطلعه من خلالها على تفاصيل لقائه بالرئيس السوري، والخطط التي تتم مناقشتها لضبط أسس الحل، فضلا عن اللقاء التوحيدي للمعارضة السورية والذي تحتضنه الرياض اليوم (الأربعاء)، والذي تلعب فيه السعودية دورا مهما في توحيد المعارضة على قاعدة إنجاح الحوار السوري.

وأعلنت شخصيات بارزة من الهيئة العليا للمفاوضات المعروفة بمنصة الرياض استقالتها بما يسمح بإعادة تشكيل الهيئة لتكون مفاوضا رسميا باسم المعارضة بمختلف منصاتها.

واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن تراجع شخصيات المعارضة ذات الفكر المتشدد عن لعب الدور الرئيسي سيجعل من الممكن توحيد هذه المعارضة غير المتجانسة، في الداخل والخارج، حول برنامج معقول وواقعي وبناء بشكل أكبر.

وقالت مصادر مقربة من المعارضة السورية إن روسيا تتكتم على مصير الأسد ودوره المستقبلي سلبا أو إيجابا حتى لا يربك موقفها الحوارات والاجتماعات التي تجري استعدادا للقاء جديد في أستانة أو جنيف، ولتوفير أكثر ما يمكن من ضمانات النجاح لمؤتمر الشعوب السوري الذي سيتولى صياغة الدستور المستقبلي لسوريا ويحدد شكل سوريا الجديدة بتوافق أوسع لمختلف المنصات.

وأكدت الرئاسة الروسية الثلاثاء أن الشعب السوري وحده هو الذي يمكنه أن يقرر الدور المستقبلي للأسد.

ووفقا لوكالة “تاس″ الروسية فقد رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الإجابة في مؤتمر صحافي الثلاثاء على سؤال حول دور الأسد في مستقبل سوريا، وقال إن “الشعب السوري وحده هو الذي يمكنه أن يحدد مستقبل الأسد”.

ورفض الإجابة على تساؤل حول كيف يرى الأسد نفسه مستقبله، وقال “لا يمكنني أن أقول أي شيء في هذه المرحلة”.

ورأى الخبير الروسي أزدار كورتوف أن زيارة بشار الأسد إلى روسيا تدل على “أهمية إبلاغ الكرملين بموقف السلطات السورية في ما يتعلق بالتسوية المستقبلية للنزاع في سوريا وأنه (الأسد) مهتم بالقمة المقبلة لبوتين مع الرئيسين الإيراني والتركي”، والمقررة لليوم.

وأضاف “من غير المرجح أن يكون ذلك تعبيرا عن الدعم السياسي من قبل الكرملين للأسد، فذلك يمكن أن يتم بوسائل أخرى”، مشيرا إلى أن “مرحلة الحرب المفتوحة في النزاع السوري ستنتهي قريبا وستصبح مسألة الحل السياسي ممكنة أكثر من أي وقت مضى”.

وتابع أن “الأمر يتعلق قبل كل شيء بمناقشة المواقف لا سيما أن قضايا عدة تراكمت لا يمكن حلها في العلن”. وذكر خصوصا الأكراد الذين يسيطرون على جزء من شمال سوريا على الرغم من استياء أنقرة.

من جهته، قال تيمور أحمدوف الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية الذي يوجد مقره في أنقرة أنه بالنسبة لتركيا فإن “الاحتفاظ بدور لها في مفاوضات سياسية مستقبلية مسألة أهم من مغادرة الأسد السلطة”.

 

 

ثلاثية سوتشي وشرعنة احتلال سوريا/ مصطفى فحص

تستعد موسكو لفرض إرادتها على الشعب السوري وتخييره ما بين القبول برؤيتها للحل، أو استمرار استخدام العمل العسكري ضد مَن تبقى من فصائل «الجيش الحر»، كما يحدث الآن في الغوطة الشرقية والأتارب، وكأن الروس يُطبقون في هجماتهم الأخيرة الشعار الذي أطلقه شبيحة النظام وميليشياته الطائفية بداية الثورة (الأسد أو نحرق البلد) بهدف إركاع الشعب السوري ومن تبقى من معارضة سياسية وعسكرية تحاول مقاومة الإرادة الروسية.

يحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى خروج سريع من المستنقع السوري، وهو يرى أمامه فرصة تاريخية لا تتكرر تحققت، نتيجة ضبابية الموقف الأميركي العالق بين التردد والتلكؤ، يضاف إليه غياب أوروبي وعربي وصل لدرجة الاستسلام في سوريا، مواقف سمحت للروس بطرح رؤيتهم للحل، وفقاً لمصلحتهم ومصلحة حلفائهم وفي مقدمتهم إيران، فقد استطاعت طهران بفضل موسكو تكريس وجودها السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي في سوريا، وتمكنت نتيجة العنف المفرط ضد المدنيين السوريين، من إفراغ المدن الكبرى من سكانها، ما ساعدها على القيام بأكبر عملية إفراغ ديموغرافي منذ الحرب العالمية الثانية، فقد شهدت سوريا في السنوات الأخيرة عملية إفراغ ممنهج حولت 11 مليون سوري إلى نازح أو لاجئ، وهي عملية باركها رأس النظام، ووصفها بأنها أوجدت مجتمعاً سورياً متجانساً.

ففي الطريق إلى سوتشي، يستعد الأطراف الثلاثة روسيا وإيران وتركيا إلى تثبيت الوقائع التي نشأت على الأرض، جرّاء الأعمال العسكرية، والتي تم التأكيد عليها خلال جولات آستانة التفاوضية، والتي سمحت للأتراك بالتوغل داخل الأراضي السورية، بهدف إبعاد الخطر الكردي المتصاعد على حدودها مع سوريا، الذي يشكل خطراً فعلياً على أمنها القوي، حيث ظهرت حاجة أنقرة لموسكو وطهران في تحجيم دور الفصائل الكردية المسلحة التي تقاتل بغطاء أميركي، ما تسبب في انقلاب أنقرة على ثوابتها الجيوسياسية التقليدية، وأدى فعلياً إلى أن تُقدم أنقرة لجوءً سياسياً في موسكو، وجعل موقفها ضعيفاً في التسوية الثلاثية، وبرز ذلك أكثر بعد موافقتها على إرسال مراقبين من روسيا وإيران إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب، وإلى عدم التطرق لشكل المرحلة الانتقالية، وهو ليس دليلاً فقط على تماهيها مع الرؤية الروسية، بل إنها أسقطت تحفظاتها السابقة على الوجود الإيراني في شمال سوريا، وخصوصاً في منطقة إدلب، حيث يوجد أغلب الفصائل العسكرية السورية الموالية لها.

في المقلب الآخر يمكن القول إن روسيا سمحت لإيران أن تتصرف كدولة محاذية لسوريا، واعتبار الحدود اللبنانية السورية بداية، والسورية العراقية لاحقاً، حدوداً طبيعية لها مع سوريا، فتمكنت من خلال ميليشياتها التي لعبت دور رأس الحربة في قتال الشعب السوري من جعل سوريا ضمن مجالها الحيوي، بحيث تقود طهران اليوم أغلب العمليات الميدانية في كافة الأراضي السورية، وتساعد نظام الأسد على بسط سيطرته على مزيد من الأراضي، وتوجت عملياتها العسكرية الأخيرة في دخول البوكمال على الحدود مع العراق، التي ظهر فيها قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني يقود العمليات العسكرية فيها، وهي تُعتبر رسالة روسية إيرانية مزدوجة لكل المطالبين بتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، بأن مطالبكم غير واقعية وتجاوزتها الأحداث، حيث يصبح كلام وزير الخارجية الروسي الأخير سيرغي لافروف عن الدور الإيراني في سوريا، وحتى على حدودها الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، الثابت الأكثر وضوحاً في المشهد السوري، الذي تحاول موسكو شرعنته في قمة سوتشي الثلاثية.

نجحت موسكو في تحويل خصوم الأمس إلى شركاء اليوم، واستفادت من تقاطع المصالح بينها وبين أنقرة وطهران في سوريا، وحولت العداء التاريخي بينها إلى علاقة مستقرة تحكمها المنافع المتبادلة، لكن هذه المنافع تبقى محدودة المكان والصلاحية، لذلك لن يتمكنوا من تجاوز خمسة قرون من التنافس الجاهز للتشكل، في أي لحظة يدخل فيها عامل إضافي على الخريطة السياسية أو العسكرية السورية يربك التحالف المُركب المبني على معادلة 2+1 أي (إيران وروسيا) إضافة إلى تركيا، التي تجمعها المصلحة وتفرقها النوايا.

في سوتشي قمة ثلاثية الأبعاد، تتوافق على قاسم مشترك واحد هو شرعنة تدخلهم في سوريا، ولكنهم يختلفون على كثير من التفاصيل التي تسكنها الشياطين، حيث المناعة التركية ضعيفة في تجنب شياطين طهران، بينما خيارات موسكو بعيدة حتى الآن عن فكرة احتوائها، لذلك من الممكن أن تحصل طهران في سوتشي على ما عجزت لقرون عن تحقيقه.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

بوتين للأسد عشية قمة سوتشي: حان وقت التسوية السياسية

أكد أهمية الرعاية الدولية للحل… وقال إن الجيش الروسي «أنقذ الدولة السورية»

موسكو: طه عبد الواحد

يرى الكرملين أن العملية ضد الإرهاب في سوريا على وشك أن تنتهي، ولذلك آن الأوان لإطلاق عملية التسوية السياسية للأزمة السورية، على أن تجري برعاية خلال كل مراحلها من جانب الأمم المتحدة، وبمشاركة القوى الإقليمية والدولية المنخرظة بشكل أو بآخر في الأزمة السورية، وأن الفضل يعود للقوات الروسية في خلق ظروف للحل السياسي.

هذه هي المواقف التي أكد عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال محادثات أجراها أول من أمس مع الرئيس بشار الأسد في مدينة سوتشي. وأشار بوتين في مستهل محادثاته مع الأسد إلى «اقتراب القضاء الحتمي الذي لا مفر منه على الإرهاب»، وشدد على أن «المسألة الأكثر أهمية هي بالطبع التسوية السلمية السياسية؛ التسوية طويلة الأمد للأزمة السورية التي تلي القضاء على الإرهاب».

ثم حدد بوتين للأسد الأطراف التي ستشارك في العملية السياسية السورية، والأطر التي ستجري برعايتها، وذكَّر بداية بأن قمة ثلاثية ستجمعه مع نظيريه التركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني في مدينة سوتشي اليوم، لافتاً إلى شركاء آخرين على صلة بالوضع في سوريا تجري روسيا اتصالات حثيثة معهم، وهم الأردن والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والعراق ومصر.

ومن جانبه، قال الأسد إن اللقاء فرصة رائعة لبحث مؤتمر الحوار السوري وتنسيق الخطوات اللاحقة، ما دفع بوتين لتذكيره مجدداً: «على أساس محادثاتنا اليوم، سأجري المشاورات مع رؤساء تركيا وإيران. واليوم (الاثنين)، من المخطط أن أجرى محادثات هاتفية مع أمير قطر. ويوم غد (الثلاثاء)، مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومن ثم مع قادة دول المنطقة».

وحدد بوتين بعد ذلك الهدف من المحادثات، قائلاً: «أود أن أبحث معكم المبادئ الأساسية لتنظيم العملية السياسية، وعقد مؤتمر الحوار السوري الذي أعربتم عن دعمكم له. وأود أن أسمع تقييمكم للمرحلة الراهنة، وآفاق تطور الوضع، بما في ذلك رؤيتكم للعملية السياسية». كما حدد الأمم المتحدة راعياً أساسياً لتلك العملية في كل مراحلها، وأكد أن هذا أمر يعكس الرؤية الروسية، وقال: «نرى أنه في نهاية المطاف، يجب أن تجري العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة. ونأمل بمشاركة حثيثة من جانبها خلال سير العملية، وخلال مرحلتها النهائية».

وفي السياق ذاته، أشار بوتين إلى لقاء المعارضة في الرياض الذي يرمي إلى تشكيل وفد موحد للمعارضة السورية إلى المفاوضات، وأكد على الدور الروسي في اللقاء، وقال إن ألكسندر لافرينتيف المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى الأزمة السورية سيشارك في افتتاح وختام مؤتمر المعارضة، وسيشارك كذلك في المؤتمر الصحافي عقب اللقاء، وعاد بعد ذلك ليؤكد للأسد: «كما ترون، فإن لقائنا اليوم مهم للغاية لضبط المواقف معكم حيال كل مسائل التسوية السورية».

وفي تعقيبه على كلام بوتين، أكد الأسد: «نحن مهتمون بالمضي في العملية السياسية»، ورأى أن الوضع الراهن «يسمح بتعليق الآمال على تحقيق تقدم في هذه العملية»، وعبر عن أمله بدعم روسيا لضمان «عدم تدخل اللاعبين الخارجيين في العملية السياسية، وأن يقتصر دورهم على دعم العمليات التي سيقوم بها السوريون أنفسهم». وأكد على استعداده للتعامل مع جميع القوى الراغبة بحل سياسي للأزمة السورية، وقال: «لا نريد النظر إلى الوراء، ونرحب بكل المهتمين حقيقة بالتسوية السياسية، ونحن مستعدون للحوار معهم». وثمّن بوتين موقف الأسد واستعداده للحوار مع تلك القوى.

وعقب المحادثات السياسية، قدم بوتين للأسد القادة العسكريين الذين شاركوا في العملية الروسية في سوريا، وفي مقدمتهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وقائد الأركان فاليري غيراسيموف، وقال: «أريد أن أقدم لكم الأشخاص الذين لعبوا دوراً حاسماً في إنقاذ سوريا»، وأضاف مخاطباً الضباط: «قد يعرف (الأسد) بعضكم شخصياً، ولا يعرف البعض الآخر، لكنه يعرف – وقد قال لي هذا خلال محادثاتنا اليوم – أنه بفضل جهود القوات الروسية تم إنقاذ سوريا كدولة، وإنجاز الكثير لاستقرار الوضع في البلاد»، وأشار إلى الحرب على الإرهاب، وأكد أن «المهمة الرئيسية قريبة من نهايتها». ثم عرض القضايا التي تناولها خلال المحادثات مع الأسد المتصلة بالعملية السياسية، وقال بهدوء لكن بحزم: «أود القول إنه دون جهود القوات المسلحة، ودون جهودكم وجهود جنودكم وبطولاتهم، ما كان بالإمكان تحقيق أي شيء، وما كانت لتتهيأ أي إمكانيات لدفع العملية السياسية». وقال دميتري بيسكوف الناطق الصحافي باسم الرئاسة الروسي، في حديث للصحافيين أمس، إن الرئيس بوتين سيجري اتصالات مع قادة عرب والرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورفض الإجابة عن سؤال حول رؤية روسيا لدور الأسد في المرحلة المقبلة، وقال إنه لا أحد سوى الشعب السوري يقرر مستقبل الأسد.

وفي إجابته عن سؤال «كيف يرى الأسد نفسه مستقبله؟»، قال بيسكوف: «لا يمكنني قول هذا لكم الآن». وفي إجابته عن سؤال حول ما إذا كانت محادثات بوتين – الأسد قد تناولت مصير الثاني، قال: «تناولت المحادثات الاحتمالات الممكنة للتسوية السياسية»، وأشار إلى أن المحادثات استمرت نحو 4 ساعات.

وأتي لقاء بوتين مع رأس النظام السوري في وقت تستعد فيه سوتشي لاستقبال قمة ثلاثية تركية – روسية – إيرانية، بينما تستعد الرياض لمؤتمر المعارضة السورية. وكان لافتاً أن أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن ارتياحه لاستقالة شخصيات من «الهيئة التفاوضية العليا»، ووصفه المستقيلين بـ«المتشددين»، قائلاً: «نأمل أن يساعد رحيل المعارضين المتشددين في توحيد المعارضة السورية». وتتهم موسكو الهيئة العليا للمفاوضات بأنها تعرقل المفاوضات السياسية بسبب تمسكها برحيل الأسد. وفي شأن آخر، تواصلت أمس التحضيرات في مدينة سوتشي للقمة الثلاثية الروسية – التركية – الإيرانية المرتقبة اليوم. وعقد قادة أركان القوات الروسية فاليري غيراسيموف، والتركية أكرم خلوصي، والإيرانية محمد باقري، اجتماعاً أمس في مدينة سوتشي، اتفقوا خلاله على تدابير رفع مستوى التنسيق في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وقالت وكالة «تاس» إن المجتمعين وضعوا خطوات محددة للقضاء على بقايا «داعش» و«جبهة النصرة» في سوريا.

 

 

 

 

هل تحدد قمة سوتشي قواعد الحل بسوريا؟/ زهير حمداني

تتزامن قمة سوتشي بين زعماء روسيا وإيران وتركيا حول الأزمة السورية مع مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية وقبل استحقاق جنيف 5 وبُعيد تحولات ميدانية مهمة على الأرض السورية، بما يشي بتحريك الملف السياسي نحو فصله الأخير.

وتعد البلدان الثلاثة الأكثر فاعلية في الملف السوري على الصعيد الميداني والسياسي، وقد ارتبطت منذ نحو عام باتفاقات ضمن مسار أستانا لـ حل الأزمة السورية والتي أفرزت الاتفاق على مناطق خفض التصعيد الخمس، بما ساهم في التهدئة الميدانية النسبية التي عرفتها البلاد.

وتملك هذه الدول المفاتيح الرئيسية للحل والحرب في سوريا بحكم وجودها الميداني على الأراضي السورية أو تأثيرها الكبير على الأطراف الرئيسية في الصراع سواء من جانب النظام (إيران وروسيا)أو تركيا (المعارضة) وهي البلدان الضامنة لعملية التسوية السورية وفق اتفاق أستانا.

وفي حديث عن أهداف المؤتمرين، أشار كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى إمكانية الانتقال من مناقشة الملف العسكري والميداني -كما كان جرى في أستانا- إلى بحث الملف السياسي والحل النهائي.

وتركز أجندة المحادثات على ملفات إدلب وعفرين واتفاقيات مناطق خفض التصعيد وتنسيق الجهود العسكرية في مكافحة الإرهاب، وصولا لبحث إمكانية الانتقال للمسار السياسي. ومنح الرئيس التركي بعدا أكبر للقمة، معتبرا أنها “ستكون مهمة جدا في مستقبل المنطقة”.

ترتيبات جديدة

ويقول متابعون إن القمة من الممكن أن تبلور حلا لمستقبل سوريا سياسيا رغم الاختلافات بين المشاركين فيها في بعض التفاصيل، وقد استبق بوتين القمة باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في الكرملين، في رسالة متعددة الأوجه، بعضها إلى القمة الثلاثية نفسها.

وتختلف هذه القمة عن سابقاتها في ظروفها وملابساتها، فتأتي مع انتهاء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في كل معاقله الرئيسية في سوريا -كما في العراق-، وهو ما يجعل الحديث عن حل سياسي في سوريا وبلورة خطوطه العريضة واقعيا وفق ما يقول المحلل السياسي الروسي ألكسي مالاشينكو.

ويضيف مالاشينكو أن روسيا تريد من خلال القمة إيجاد حلفاء في مؤتمر جنيف المقبل، والاتفاق حول عقد “مؤتمر للحوار الوطني السوري” في سوتشي يجمع الحكومة والمعارضة السوريتين والذي تتحفظ عليه أنقرة، في وقت تتمسك المعارضة بعملية جنيف وترفض هذا المؤتمر.

وستدفع تركيا في اتجاه قبول طرفي التفاوض لترتيبات عسكرية تتعلق بـ وحدات حماية الشعب الكردية (الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري) خاصة في عفرين، وهو الآن المطلب الأساسي لها لما يشكله من تهديد للأمن القومي التركي، مقابل التخلي عن بعض الشروط والمطالب.

ويرى الباحث في المجلس الروسي للشؤون الخارجية تيمور أحمدوف أن هذا الهدف -إضافة إلى احتفاظ تركيا بدور في المفاوضات السياسية المستقبلية- أهم بالنسبة لها من رحيل الأسد عن السلطة.

ورغم أن الدول الثلاث تصرح بأن مسار أستانا أو اجتماع سوتشي لا يعتبران بديلا عن مفاوضات جنيف، فإن مخرجات هذا المؤتمر سيكون لها دور كبير في إعادة إخراج مفاوضات الحل في سوريا، خصوصا بعد التوافقات الأميركية الروسية الجديدة.

جانب من إحدى جلسات مؤتمر الرياض للمعارضة السورية

محطات أخيرة

وتؤشر المحطات المتقاربة والحراك السياسي الكبير خلال الأيام الماضية على أن الحل السياسي في سوريا بدأ يتبلور بناء على المعطيات الميدانية، أهمها هزيمة تنظيم الدولة والمواقف التي تبعته، خصوصا التفاهمات الأميركية الروسية التي أعلنت قبل أيام وأكدت على أولوية الحل السياسي.

وقبيل القمة الثلاثية في سوتشي واستقباله الأسد في الكرملين، أجرى بوتين مكالمات هاتفية مكثفة حول الملف السوري مع كل من نظيريه الأميركي دونالد ترمب والمصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز.

وهذه التحركات المكثفة مع الدول الفاعلة في الأزمة تشي بأن الكرملين يسعى لإنضاج الحل السياسي في أقرب وقت، بعد أن انتهت المعركة الرئيسية مع تنظيم الدولة، وهو ما أشار إليه بوتين خلال لقائه الأسد.

كما يأتي اجتماع الرياض المقرر من 22 إلى 24 من الشهر الجاري، واستقالات عشرة من أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات بينهم رئيسها والناطق الرسمي باسمها، ضمن سياق التجاذبات حول مجريات الحل السياسي وخطوطه العريضة التي تتبلور.

ووفقا لمتابعين، فإنه من المنتظر أن يعيد مؤتمر “الرياض 2” هيكلة الهيئة العليا للمفاوضات بشكل جديد ليضم منصتي القاهرة وموسكو ومستقلين، ولتكون هذه الهيئة الطرف المفاوض الوحيد بمؤتمر جنيف المقرر يوم 28 من نفس الشهر.

ويرى الكاتب الصحفي السوري محمد العبد الله أن ذلك سيؤدي إلى شكل آخر جديد ومختلف عن سابقه للمعارضة السورية المتمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات وائتلاف قوى الثورة والمعارضة، بدخول منصة موسكو التي تعد بمثابة حصان طروادة روسي إلى داخل المعارضة لتتبنى الرؤية الروسية بالكامل، على حد قوله.

وتسعى روسيا إلى إعادة ترتيب بيت المعارضة السورية بمؤتمر جنيف في اتجاه قبول طروحاتها التي تصب في مصلحة الأسد باعتباره -وفق الروس- قد حقق مكاسب ميدانية مهمة إضافة إلى التغيرات في مواقف الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، بما يجعل التفاوض على الحل أقرب إلى رؤية موسكو.

ويتوقع محللون ألا يحقق مؤتمر جنيف المقبل اختراقا كبيرا في مسألة الحل السياسي، لكنه سيضع الخطوط العريضة، تحت ضغط مخرجات مؤتمر سوتشي والمسارات السياسية الأخرى كأستانا أو “مؤتمر شعوب سوريا” وكلها أوراق روسية بديلة.

المصدر : الجزيرة

 

 

 

التراجيدية السورية: نصوص الكبار/ محمد قواص

يقود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قطار التسوية السورية إلى مكان ما لا نعرفه، وربما هو نفسه لا يعرفه. مهمة سيّد الكرملين أن يُخرج العزف من خنادق العسكر ويسير به نحو مسرح الدبلوماسية والتسويات. والتمرين في هذا الصدد قطع أشواطا كبيرة منذ ارتفاع أسوار مناطق خفض التوتر والإعلان المتعدد الهويات عن انتهاء داعش.

يقود بوتين ذلك القطار على سكة التفاهم الأخير الذي أفصح عنه البيان الأميركي- الروسي برعاية الزعيمين، الأميركي والروسي. والظاهر أن دينامية الحل تغرف من خطة واشنطن وموسكو كقاعدة صلبة يفترض لكافة أطراف الصراع التموضع حولها، وليس بالضرورة اتّباع حذافير ما أملته سطور بيان بوتين- ترامب الشهير المعلن من فيتنام. على هذا ينشط ركاب قطار تسوية على الإدلاء بدلوهم أملاً في التأثير على المآلات المجهولة التي يندفع نحوها قطار بوتين السريع.

يستدعي رجل روسيا القوي رأس النظام السوري على عجل، وحيداً، يجالسه لثلاث ساعات في سوتشي ليملي عليه قواعد السلوك التي يفرضها قطار التسوية. بدا أن توقيت ذلك الاستدعاء كان مقصوداً عشية اجتماع المعارضة في الرياض وقمة بوتين- أردوغان- روحاني في سوتشي. لا يملك رجل دمشق هامشا عريضا للمناورة، فلولا التدخل العسكري الروسي منذ سبتمبر 2015 لسقط النظام وزعيمه، وعليه فإن من أنقذ بشار الأسد يمتلك فرض تحديد مصيره.

تترعرع التسوية السورية على قاعدة الهيمنة العسكرية الروسية وغزارة نيرانها التي قلبت الوضع الميداني رأسا على عقب. كانت لحضور جنرالات الجيش الروسي في لقاء بوتين- الأسد رسالة لمن يهمه الأمر ومناسبة لتذكير من سهى عنهم بهذا الأمر. لا يبدو أن الأسد نسي ذلك، ولا يبدو أيضا أن طهران وأنقرة غافلتان عن تلك الحقيقة.

يودع بوتين رئيس النظام في دمشق، ليلتقي في اليوم التالي وفي نفس المدينة رئيسي تركيا وإيران. يعرف الرئيس الإيراني حسن روحاني أن رجل إيران “الأسطورة”، قاسم سليماني، هو من ذهب يستجدي بوتين تدخلا ينقذ الأسد من السقوط. كان في ذلك اعتراف من قلب نظام ولاية الفقيه بأن “مستشاري” إيران والميليشيات الشيعية التي جُمعت من أفغانستان والعراق ولبنان أخفقوا في رد الخطر عن نظام سوريا الحليف، وأن ما كان الأسد أعلنه عن “إعادة انتشار” وعن “سوريا المفيدة” ما هو إلا أعراض موت معلن.

ويدرك رجب طيب أردوغان أن نيران وغضب بوتين كانا أقوى من مغامرته في إسقاط طائرة روسية قيل إنها تجاوزت حدود بلاده، فكان أن أسمع بوتين حينها نظيره التركي أنه هذه المرة قد تجاوز كل الحدود.

غير أن بوتين المنتشي بانتصاراته والمزهوّ بإمساكه الكامل بزمام الأمور، يعرف تماما ما قد يغيب عن بال المتعجلين. أدرك الرجل منذ الأسابيع الأولى لحملته السورية أن انتصاراته الساحقة لا ترجع إلى تفوّقه كمهاجم شرس فقط، بل تعود بالأصل والأساس إلى غياب أي دفاع شرس.

صبّت روسيا نيرانها بصفتها دولة عظمى اشتغلت على إعداد قوتها لمنازلة الكبار، فما بالك حين تسقط الحمم على رؤوس الصغار. بالمقابل عملت الولايات المتحدة على منع أي ردّ نوعي حقيقي يواجه آلة الحرب التي تقودها موسكو. سبق للروس أن غزوا أفغانستان بغطرسة الجبابرة، وحين أرادت واشنطن غير ذلك لملم المتغطرسون خيبتهم وانسحبوا لتنهار دولتهم التي أعاد بوتين انتشالها قبل سنوات.

على هذا، يضع بوتين نصب عينيه تلك الذاكرة الكئيبة حين يقف وحيدا في مقصورة قيادة قطار التسوية الميمون. بارك الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعقيدته همة الرئيس الروسي فواكبها وحماها وهيأ لها ظروف النجاح، فيما يأتي دونالد ترامب بحساباته ليبارك ورشة نظيره الروسي، لعل في ما زرعه منذ خريف 2015 ما يمكن قطف ثماره في مواسم الحصاد.

التزمت كافة الدول المعنية بالنزاع السوري بخريطة الطريق التي رسمت بين واشنطن وموسكو منذ اللقاء الشهير الذي جمع بوتين بأوباما على هامش قمة الأمم المتحدة في نيويورك قبل ساعات من انطلاق الطائرات القاذفة الروسية صوب سوريا. التزمت دول المنطقة الداعمة لفصائل المعارضة بمواصفات الأسلحة المسموح تمريرها للمقاتلين. غابت صواريخ أرض جو التي تسلى حاملوها في أفغانستان في تصيّد الطائرات السوفياتية عن “الصيادين” السوريين. تعددت المحرّمات التي شلّت أيدي المعارضة عن تهديد مركز البقاء للنظام السوري. أضحى ممنوعاً الاقتراب من دمشق، كما بات ممنوعاً الاقتراب من الساحل السوري. وعلى نحو عجائبي التزم الجميع بقواعد اللعبة الجديدة فغابت خطوط تماس وتعدّلت أشكال الاصطفافات.

يقود بوتين قطاره مع شركاء منهكين. إيران تراقب حصارها الذي يشتد عربيا بعد أن اشتد أميركيا، فيما تركيا التي هزّتها محاولة الانقلاب صيف عام 2016 وجدت حراكاً كرديا سوريا- عراقيا يهدد حصونها وثوابت أمنها الاستراتيجي. التقى بوتين بنظيريه التركي والإيراني متحصنا بفتوى من تلك الولايات المتحدة التي تزمجر ضد طهران ولا تبتسم لأنقرة. بدا أن تواطؤًا خبيثا يدور بين بوتين وترامب لنصب سقف مشترك فوق المنطقة يعيد تحجيم الانفلات الذي خيّل للولي الفقيه وسلطان تركيا أن باستطاعتهما المضي به.

تعمل الرياض على إعداد المعارضة لتكون ندّا اليوم لنظام دمشق اليوم وفق ظروف العالم اليوم. ستبقى المعارضة متمسكة بحل سياسي يستند على بيان جنيف لعام 2012، والقرارين 2118 و2254، لكن أحلاما كثيرة سقطت وانهارت طموحات. لن يكون بالإمكان إبعاد بشار الأسد، أقله وفق خريطة الطريق السابقة للمعارضة.

بات مصير الأسد مؤجلاً وبات مصير سوريا أهم للعواصم من مصير رجل دمشق. كانت ثورة السوريين سورية المنشأ والأصل، لكن حربهم هي مثل حرب اللبنانيين في ما بينهم على مدى 15 عاما (1975 – 1990)، هي حرب الآخرين على أرضهم. فأما وقد قرر الآخرون وقف حرب لبنان واخترعوا لذلك “طائفا”، فإن عواصم القرار، لا السوريين، تعد لسوريا طائفها.

يعرف بوتين أن قطاره ليس سوريا فقط. من داخل تلك المقصورات يتقرر مصير إيران المقبل. لم يكن الأمر كذلك حين نزل الوحي الدولي فأرخى سكينة على نيران الحرب في لبنان.

في خرائط بوتين وصفات لوقـف التمدد الإيراني في المنطقة. هذه شروط الرياض وشروط العرب التي نفخ بها بيانهم الأخير. وفي نفس تلك الخرائط إعادة قراءة لبرنامج طهران النووي والآخر المتعلق بالصاروخي الباليستي. هذه مطالب واشنطن وتل أبيب وبعض أوروبا. وفي هذه الخرائط ما هو مطلوب لإزالة الميليشيات التي نبتت كالفطر في العراق وتنتصب علّة على سِلم لبنان واستقراره. ورغم جسامة السعي الروسي يبدو بوتين واثق الخطوة يمشي ملكا.

قبل قرن من الزمن جلس مارك سايكس البريطاني وجورج بيكو الفرنسي بهدوء في غياب أي جلبة محلية فرسموا العالم الذي تعيشه المنطقة مذاك. داخل خرائط الرجلين كشفت ثورة البولشفيين عن تواطؤ لروسيا القيصرية أخفته وثائق ذلك الزمان. يبدو أن قيصر هذا الزمن يفخر بأنه يحتكر الرسم والحفر، فيما تتشارك عواصم المنطقة في تزويده بكل متطلبات تلك الجراحة.

سيستفيق السوريون، كل السوريين، يوماً على حقيقة أنهم، حين أراد الكبار، دفنوا قتلاهم ومدنهم وأحلامهم ليستعيدوا أشلاء وطن.

صحافي وكاتب سياسي لبناني

العرب

 

 

 

 

 

 

ألغام مبكرة في “الصفقة السورية”… والمعارضة تتصدّى للضغوط السعودية

خرجت المعارضة السورية من مؤتمر الرياض 2 بوثيقة سياسية مشابهة لورقة الرياض 1 الصادرة قبل عامين، وبتمسك في مبدأ الإطاحة بالنظام ورأسه بشار الأسد في بداية أي مرحلة انتقالية سياسية سورية، لكن بخسارة الشخصيات التي عرفت بتماسكها في وجه محور روسيا ــ إيران ــ النظام السوري خلال المفاوضات السياسية، وفي مقدمتهم رياض حجاب. وفي حين استمرت مفاوضات تشكيل “هيئة مفاوضات عليا” جديدة يتم من خلالها تشكيل الوفد المفاوض في الجولة القادمة من مفاوضات جنيف حتى وقت متأخر من مساء الخميس، علم “العربي الجديد” أن الطيف الأوسع من المعارضة السورية المجتمعة في الرياض، تمكّن من التصدي للضغوط السعودية التي بدأت منذ أغسطس/آب الماضي، تحت عنوان “الواقعية” ومسايرة الرؤية الروسية للتنازل حول مصير بشار الأسد. وكانت هذه الضغوط قد نجحت في الإطاحة بأبرز الوجوه العليا للتفاوض، لكن ذلك لم يكن كافياً على ما يبدو، فأبدى عدد كبير من المعارضين الـ140 ممن شاركوا في اجتماع الرياض 2 طيلة اليومين الماضيين، مقاومة للرغبة السعودية بالتنازل في ما يتعلق ببند مصير الأسد والمرحلة الانتقالية في البيان الختامي الصادر أمس، باسم قوى الثورة والمعارضة السورية، والذي جزم بالتمسك برحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية. وكان الموقف السعودي قد تبنى الرأي الروسي حيال سورية، منذ أشهر، وهو ما اعترف به حكام موسكو والرياض، ربما على خلفية تعويل سعودي ما على أن يؤدي ذلك بالروس إلى التخلي عن تحالفهم مع الإيرانيين في سورية، وهو ما يظهر عكسه فعلياً، إلى درجة أن موسكو اعتبرت الوجود الإيراني في سورية “شرعيّاً بالكامل” بحسب مصطلحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل أسبوعين، عندما كذّب الإعلان الأميركي عن اتفاق روسي ــ أميركي حول إخلاء المقاتلين الإيرانيين وحلفاء إيران وإبعادهم 50 كيلومتراً عن الحدود المحتلة من قبل إسرائيل في الجولان المحتل.

لكن رغم تمكن هؤلاء المعارضين من التصدي للضغوط السعودية في مؤتمر الرياض 2، لا يزال كثيرون يخشون أن يكون قد فات الأوان أمام المعارضة التي تستعد للمشاركة في جولة جديدة من محادثات جنيف، بما أن الصفقة الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران، والتي ولدت في منتجع سوتشي مساء الأربعاء، تضع عملياً مسار جنيف جانباً، على حساب تجديد دماء النظام السوري من خلال حصر الحل السياسي بانتخابات جديدة في بلد نصف سكانه هجروا أو قتلوا أو نزوحوا من مدنهم وقراهم، وإعداد دستور جديد، وإشراك معارضين في الحكومة السورية، وهو ما لا علاقة له بمفهوم القرارات الدولية للمرحلة الانتقالية القائمة على العدالة الانتقالية وإخراج النظام ورأسه من مستقبل سورية. من هنا، لم يحظَ خبر انتقال المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، اليوم إلى موسكو، لتحضير الجولة الثامنة لمحادثات جنيف التي كانت مقررة في 28 من الشهر الحالي، لكن شكوكاً كبيرة تحيط بهذا الموعد.

لكن في المقابل، بدت صفقة سوتشي، أمس الخميس، غير مضمونة بالنسبة للأتراك، الذين بدا، في قمة فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني، أنهم “نالوا” حق إزالة “الخطر الكردي” عن حدودهم في مقابل الموافقة على الحل الروسي ــ الإيراني. غير أن تصريحات صدرت أمس، من أنقرة ومن موسكو ومن دمشق، أظهرت أن ظروف التسوية ليست جاهزة بعد، وأن انقلاباً سريعاً من قبل روسيا ربما يكون قد حصل على التفاهمات مع الأتراك، من بوابة إشراك قوى كردية تصنفهم أنقرة بالإرهابيين في مؤتمر سوتشي، والمقصود بهؤلاء حزب الاتحاد الديمقراطي وأجنحته من “سورية الديمقراطية” ووحدات حماية الشعب والإدارة الذاتية الكردية. وكشف الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أمس الخميس، أن مؤتمر الحوار السوري (سوتشي) المقرر عقده ليكون بداية “الحل” على الطريقة الروسية الإيرانية التركية، سيعقد “رغم تحفظات أنقرة” في إشارة إلى رفض تركيا مشاركة فصائل كردية مقاتلة تصنفهم كإرهابيين. وأعلن بيسكوف للصحافيين: “نعلم أن شركاءنا الأتراك لديهم تحفظات حيال موضوع بعض القوى التي يعتبرون أنها تشكل تهديدا لأمنهم، لكن هذا لا يعني أن العمل لن يجري. يقوم خبراؤنا بعمل مكثف لكي يقرروا ويتفقوا على لوائح (المشاركين)”. ومثلما كان متوقعاً، أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الروسية، فاليري غيراسيموف، أنه سيتقرر على الأرجح تقليص حجم القوة العسكرية الروسية في سورية. أما مستشارة الأسد، بثينة شعبان، فقالت إن مؤتمر سوتشي المقرر من دون تحديد موعد له، “لن ينجح إلا إذا أنهت جماعات المعارضة حربها ضد الحكومة وألقت سلاحها، بحسب ما نقلت عنها وسائل إعلام روسية وسورية حكومية.

ولم يشذّ الكلام التركي عن أجواء عدم نضوج ظروف الصفقة، فأعلن المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ماهر أونال، أن أنقرة تؤيد بالفعل الحل السياسي في سورية “لكنها تحتفظ بخطوطها الحمراء في قضية بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة”. وقال أونال إن “تركيا أوضحت تحفظاتها على أن يكون للأسد أي دور مستقبلي في سورية” خلال قمة سوتشي. وأوضح أونال أن أردوغان أكد في الاجتماع الثلاثي على أنه “ليس من منطق المفاوضات ان يكون لها موقف محدد اليوم بشأن الحل السياسي وما إذا كانت عملية الانتقال ستكون مع الأسد أو بدونه”، موضحاً أن تركيا وروسيا وإيران “ستلعب دور الوساطة في المفاوضات”.

وتوحي مجمل التطورات والمواقف والتصريحات التي تلت “احتفال” الثلاثي الروسي ــ التركي ــ الإيراني بوصفة سوتشي للحل السوري، على قاعدة انتخابات جديدة وحوار سوري ــ سوري خارج مرجعيات جنيف وإعداد دستور جديد وإعادة إعمار من غير المعروف من سيتكفل به، بأن ألغاماً كثيرة ربما تعيق تنفيذ تلك الصفقة التي لم تعلق الإدارة الأميركية عليها حتى مساء الخميس، والتي لم يعرف بعد كيف ستكون ردة فعل السوريين عليها، رأياً عاماً وفصائل ومعارضة ونظاماً.

أما في الرياض، فكان 140 معارضاً يخرجون ببيان ختامي لاجتماع توسيع صفوف المعارضة، تمسّك بالخطوط العريضة لبيان الرياض 1 لناحية الإصرار على رحيل الأسد ونظامه في بداية المرحلة الانتقالية، ورفض بقاء أي مقاتلين أجانب إلى أي معسكر انتموا، مع التمسك بوحدة سورية مستقبلاً وبنظام مدني تعددي ديمقراطي، مع تفادي استخدام مصطلح “علماني” مثلما جرت العادة منذ طرحت إشكالية شكل النظام السياسي بالنسبة للمعارضة السورية. وتبنى الرياض 2، على غرار الرياض 1، مشروع سورية كدولة ذات “نظام حكم ديموقراطي على مبدأ اللامركزية الإدارية، غنية بتنوعها القومي والديني والطائفي، تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وتعتمد مبدأ المواطنة المتساوية، ونظام حكم يمثل كافة أطياف الشعب السوري دون تمييز أو إقصاء على أساس طائفي أو عرقي، ويرتكز على مبادئ المواطنة، وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة والمحاسبة وسيادة القانون على الجميع”.

وحمل المعارضون النظام مسؤولية فشل المفاوضات حتى الآن، واضعين شرط إجراءات بناء الثقة كأساس لاستئناف المفاوضات التي يرغبون بأن تكون مباشرة مع النظام وغير مشروطة. ولطالما رفض النظام في جولات جنيف السبع أي تفاوض مباشر مع المعارضة. والتفاوض مع النظام، بحسب بيان الرياض 2 هو “من أجل التوصل لحل سياسي ينهي سلطة بشار الأسد مع بدء مرحلة انتقالية تقودها هيئة حكم كاملة الصلاحيات تضع دستورا جديدا تجرى على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية”، وهو ما يتناقض بالكامل مع ما تتبناه روسيا وإيران والنظام السوري، إذ هذه الأطراف تحصر تفسيرها للحل السياسي بإجراء انتخابات جديدة وبإشراك بعض المعارضين في حكومة سورية معروف أن لا صلاحيات لديها في ظل وجود الأسد، وبإعداد دستور جديد تتنوع التقديرات حول عناوينه الرئيسية. وتمسكت المعارضة مرة أخرى بثوابت الثورة السورية، إثر مخاوف سادت في الشارع السوري المعارض عن تنازلات من قبل قوى الثورة والمعارضة استجابة لضغوط إقليمية ودولية.

وأكد البيان الصادر عن اجتماع المعارضة الرسمي الثاني في الرياض، والذي اعتبر بمثابة “وثيقة الرياض2” على ضرورة “محافظة قوى الثورة والمعارضة على السقف التفاوضي الذي حددته تضحيات الشعب السوري التي لا يمكن التفريط بها على الإطلاق، وذلك وفق ما نص عليه بيان جنيف-1 بخصوص إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيىء بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون مغادرة بشار الأسد، وزمرته، وأركانه سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية”. كما أكد البيان على “رؤية مشتركة يتفق عليها السوريون لحل سياسي بناءً على بيان جنيف-1 لعام 2012، والقرارات الدولية 2118 و2254”. كما تبنوا التعريف السابق للإرهاب في سورية، وهو يشمل الإرهاب التكفيري وذلك الذي يمارسه النظام والمليشيات الإيرانية والتدخلات الخارجية، ربما لتفادي تسمية “الإرهاب الروسي” في قتل السوريين وتدمير بلدهم.

واستبعد الناطق باسم هيئة التفاوض، المستقيل، رياض نعسان آغا، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن تلتحق كل المعارضة السورية بمسار سوتشي، مشيراً إلى أنه “لا مانع من الانخراط في هذه العملية إذا كانت تلبي مطالب الشعب السوري”.

العربي الجديد

 

 

 

 

من الرياض إلى سوتشي: الجغرافيا تطحن السياسة؟

رأي القدس

بغض النظر عن قرارات «الاجتماع الموسع الثاني للمعارضة السورية» الذي اختتم اجتماعاته في الرياض أمس، وكذلك عن المعنى الاعتراضي لاستقالات رئيس الهيئة العليا للمفاوضات والكثير من أعضائها، فالواضح أن الاجتماع عُقد ضمن إطار التفاهمات الدولية والإقليمية التي تتّجه بوصلتها، كما هو واضح، نحو مدينة سوتشي الروسية التي سيعقد فيها مؤتمر ضخم لـ»شعوب سوريا» بين 2 و4 الشهر المقبل، أما مفاوضات جنيف، التي ستجري قبلها بأيام، فستكون، كما قال بوتين لـ»إضفاء اللمسات الأخيرة» على التسوية السياسية في سوريا.

مؤتمر سوتشي المقبل المخصص لـ»الحوار الوطني السوري» سيكون إعلانا كاشفاً من موسكو عن إمساكها بالأوراق الإقليمية الكبرى فيما يخص الوضع السوري، وهو ما جسّده وجود الرئيسين، التركي رجب طيب إردوغان، والإيراني، حسن روحاني، وقبلهما بيوم، الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما تناظر، ببلاغة، مع لقاء فصائل المعارضة السورية، في الوقت نفسه، في العاصمة السعودية الرياض.

أما ما يقال عن التفاهم الأمريكي ـ الروسي الأخير الذي جرت آخر فصوله خلال لقاء الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في فييتنام في 11 من الشهر الجاري، فهو إعلان آخر عن محدودية الأثر الأمريكي على مستقبل سوريا، والذي يقوم على عمودين رئيسيين، الأول هو موقف ترامب الأصلي الداعم لبقاء نظام الأسد، والثاني هو التراجع المنتظم لإرادة التدخّل الأمريكية في المنطقة العربية بعد وضوح فشلها الذريع في أفغانستان والعراق، وانحسار تأييدها للثورات العربية بعد التدخّل في ليبيا، وانتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، بحيث أصبحت الحرب على التنظيمات الجهادية، وخصوصاً بالطائرات من دون طيار، هي استراتيجيتها الوحيدة للمنطقة.

يضاف إلى كل ذلك، بالطبع، مسألة الجغرافيا، فباستثناء علاقة واشنطن الخاصة مع إسرائيل، واهتمامها بالنفط وأموال دول الخليج وصفقات التسلح العربية، فإن كل المنطقة العربية لا تشكّل خطراً قريباً عليها.

أما بالنسبة لسوريا نفسها، ولروسيا وإيران وتركيا، فإن الجغرافيا هي أهمّ العوامل التي تفرض أثرها الهائل على العلاقات بين الأطراف المتصارعة، وبالتالي فإنها ستكون العامل الحاسم الذي سيحدّد معالم «التسوية السياسية» المقبلة.

لقد كانت مسألة من سيكون سيد آسيا الوسطى عامل النزاع الكبير بين إيران وتركيا قبل الإسلام، وهو أمر لم يتغيّر كثيراً بعد ظهور الدول الإسلامية، فسقوط الخلافة الأموية كان على يد أبو مسلم الخراساني الفارسي، كما جاء سقوط الدولة العباسية على يد السلاجقة الأتراك، وما يجري في سوريا حاليّاً، يظهر أثر المطحنة الجغرافية على السياسة.

لكن الجديد في المعادلة القديمة هو العملاق الروسيّ، الذي أثّر وزنه العسكري الكبير وبطاقة «الفيتو» الأممية بحوزته، على طرفي الصراع، أما حضور الإسلام، بأشكاله الأيديولوجية عبر فصائل المعارضة، وبالنظم السياسية التي ورثت جزءا من رمزيته، كالسعودية ودول الخليج، كما بالصراع السنّي ـ الشيعي المحتدم، فلا يستطيع أن يموّه أثر الجغرافيا السياسية الكاسح إلا عبر كشفه ضعف السياسات وانحناءاتها الشديدة عندما تواجه هذه المعادلة وتضطر، صاغرة، للخضوع لها.

يفسّر هذا المنظور، إلى حد كبير، الانخراط الروسيّ الكبير في الشأن السوري، والنجاحات التي حققها الكرملين، كما سيكشف لاحقاً، حدود التنازلات التي اقترح بوتين على الأطراف المتصارعة، بما فيها النظام السوري، القبول بها، لكن الأهم طبعاً، هو ما سيكشفه عن مدى رغبة الكرملين نفسه بالتنازل.

القدس العربي

 

 

 

 

قطار بوتين والعربة التركية – الإيرانية/ زهير قصيباتي

للمرة الأولى منذ اندلاع حروب التدمير الشامل على خريطة سايكس – بيكو العربية، يتبلور توافق روسي – أميركي – غربي على تقاسم أعباء التسويات.

تسويات لن تكون بحجم تطلعات كل أطراف الصراعات الإقليمية والدولية، بل ستُجرّع بعضهم كأس حلولٍ مُرّة… بعد مآسي الجحيم التي كادت أن تبتلع دولاً عربية أو تمحوها.

وإن بدا مفارقة إعلان روسيا وإيران الانتصار على «داعش» في سورية والعراق، تتجمع خيوط كثيرة حول إطلاق قطار التسويات المُرّة. تقاسم الأعباء والأدوار يطلق يد القيصر الروسي الرئيس فلاديمير بوتين ليحرّك قطار الحل «السوري»، ويمنح الرئيس دونالد ترامب شِيكاً على بياض لينجز «صفقة القرن» الإسرائيلية – الفلسطينية، فيما يكلّف الأوروبيين تبريد المواجهة مع إيران، واحتواء تداعيات الأزمة اللبنانية.

ولأن الاتحاد الأوروبي تتبدل أحواله بأزمات كبرى («طلاق» بريطانيا وانكفاء ألمانيا – مركل، واستيعاب المهاجرين)، تتقدم فرنسا لتجميد معضلة الاتفاق النووي الإيراني لدى إدارة ترامب، وإخماد شرارات مواجهة بين واشنطن وطهران. يفوّض الغرب والإدارة الرئيس إيمانويل ماكرون تجميد أزمة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، لأن اضطراب لبنان يخلّ بالأولويات الأميركية – الروسية.

«حان وقت التسوية» لإخماد البركان السوري. يدشن بوتين «المرحلة الجديدة» باستدعاء الرئيس بشار الأسد عشية القمة الروسية – الإيرانية – التركية في سوتشي، ليبلغه أن سلة «التنازلات» الملحّة لا تستثني نظامه الذي مدّدت عمره القاذفات الروسية.

يطلب القيصر تفويضاً أميركياً كاملاً لتمرير الحل في سورية، بعد هزيمة «داعش» الإرهابي. يطلب سيد البيت الأبيض تدخل الكرملين لكبح جموح كوريا الشمالية وضبط إيقاعها النووي، بعدما هددت المبارزة الساخنة بين ترامب وكيم جونغ أون بحرب ذرية. وفيما يندفع بوتين لاستثمار «الانتصار على الإرهاب» في سورية، مبرراً النهاية الوشيكة للعمليات العسكرية الروسية هناك بنضوج ملامح التسوية، يختار ترامب «الصفقة» الشرق الأوسطية، بنسخة إسرائيلية.

فصائل المعارضة السورية منهكة، وغبار معارك «داعش» وغازات السلاح الكيماوي أجهزت على ما بقي من الثورة. يختار القيصر لحظةً لخنق الحلم السوري بمحاكمة النظام، ويقايضه بـ «تنازلات» وإصلاحات، لا بد أن ينصاع لها مسرح الضعفاء. أما ترامب الذي قفز عن سنة في البيت الأبيض من دون كشف مبادرته «السرية» لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فيختار أيضاً الضغط على الضحية، لتمرير صفقة لن ترضي سوى الجلّاد. صحيح أن السلطة الفلسطينية ليست في موقع القادر على مقاومة الضغوط الأميركية، لكن الصحيح أيضاً أن لا الرئيس محمود عباس ولا أي زعيم فلسطيني يمكنه التنازل في ملفي القدس واللاجئين، في مقابل حدود موقتة لدولة لا تداني حكماً ذاتياً.

لا الحلم السوري في متناول المعارضة، ولا الحلم الفلسطيني على أبواب الفصل الأخير في المعركة مع العنصرية الإسرائيلية ورعاتها الأميركيين في الكونغرس وإدارة ترامب. لا سيد البيت الأبيض قادراً وحده على جرّ الفلسطيني إلى فخ «صفقة القرن»، ولا القيصر يستطيع إرغام كل فصائل المعارضة السورية على التعايش مع بقاء الأسد على رأس النظام ولو لسنة، قبل تنظيم انتخابات.

ولكن، على مسرح الضعفاء، وحين يراهن الأقوياء على شراء غطاء من الأمم المتحدة للتسويات المرّة، تتضخم هواجس الخوف من ارتدادات التخوين والمبارزات الغبية بين الضحايا. إذّاك تصبح المصالحة بين «فتح» و «حماس» مرشحة لانهيار سريع قبل أن تكتمل، ويتحول قطاع غزة مجدداً إلى مسرحٍ لفصل آخر دموي، باقتتال الفلسطينيين.

… ويتضخم القلق من ميل بعض المعارضين السوريين إلى الالتحاق بقطار القيصر بأي ثمن، ولو في عربة تركية – إيرانية، قد تميل إلى الانحراف وفق أهواء أنقرة وطهران ومصالحهما.

الحياة

 

 

 

ماذا تريد تركيا من سوتشي/ محمد زاهد غول

عندما دعت روسيا إلى مؤتمر دولي حول سوريا تحضره ثلاثة وثلاثين جماعة أو حزبا سياسيا أو فصيلا معارضا من السوريين في سوتشي، وحددت له تاريخ 18 نوفمبر 2017، قلنا إن هذه الدعوة الروسية متسرعة وتعبر عن حالة أزمة في الرؤية الروسية للخروج من الأزمة السورية بأقل الخسائر وبأقل المكاسب أيضاً، وإنها إما تعبر عن سيطرة روسيا كاملة على سوريا، أو تعبر عن أزمة روسية كبيرة في سوريا.

وعدم نجاح ذلك المؤتمر ولجوء روسيا إلى مؤتمر قمة مع تركيا وإيران للتحضير لذلك المؤتمر، دليل على ضياع روسيا في سوريا، وإن كانت لا تزال تكابر انها انتصرت على طريقة حسن نصرالله وقاسم سليماني وخامنئي، الذين أعلنوا تباعاً انتصارهم بالقضاء على «داعش»، وهم يتجاهلون أن الثورة السورية بدأت قبل ظهور «داعش» بأربع سنوات، وان المعارك في سوريا كانت ولا تزال بين الشعب السوري ونظام البعث السوري السابق، فحرب دامت سبع سنوات لن تستطيع قمة سياسية إنهاءها ما لم يكن الشعب الذي قاتل سبع سنوات من أجل الحرية والاستقلال والكرامة حاضرا فيها.

الحقيقة الكبرى وراء هذه القمة هي أن روسيا لا تستطيع الاستمرار بالمستنقع السوري أكثر، وبوتين يريد أن يسدل الستار على التورط الروسي في سوريا بأية طريقة كانت، وقد حاول ذلك مرار بالتفاهمات الفاشلة السابقة بين وزيري خارجية أمريكا جون كيري ونظيره الروسي لابروف، حتى قال بوتين شخصياً لقد فقدنا الثقة بالشريك الأمريكي لإيجاد حل سياسي في سوريا، ولذلك اضطرت أمريكا البحث عن الحل السياسي الذي يرضي أكبر طرفي التأثير على الصراع في سوريا، وهما الطرف الإيراني المتورط أيضاً في سوريا قبل روسيا بسنوات، وقد فشل قبلها بالقضاء على الثورة السورية، وهو أي الطرف الإيراني كان شريكاً لأمريكا بتوريط روسيا في الأزمة السورية، بتشجيعها على التدخل العسكري بحجة إمكانية حسم الصراع عسكرياً، إذا توفرت القوة الجوية، كما وعد قاسم سليماني بوتين من قبل، دون نجاح، وقد تبين لبوتين أن إيران ورطت روسيا في الحرب في سوريا حتى لا تكون إيران وحدها حاملة وزر الفشل في سوريا، ولا وحدها حاملة لوزر قتل الشعب السوري أيضاً.

أما الطرف الثاني الذي أدركت روسيا أنه يمسك بحدود وقدرات تأثير على الصراع في سوريا فهو الطرف التركي، ولذلك عمل بوتين على إرضائه بالمشاريع الاقتصادية أولاً، والتخويف من التدخل العسكري في سوريا ثانياً، ولكن بوتين صُدم باسقاط الطائرة الروسية سوخوي بتاريخ 24/11/2015 من قبل سلاح الجو التركي فوق الأراضي التركية، وهذا ما دفعه إلى استخدام العاملين السابقين لكسب الموقف التركي لجانبه، وهما الاقتصادي والعسكري، فوقع مزيداً من الاتفاقيات الاقتصادية الكبيرة مع تركيا، وكذلك الاتفاقيات العسكرية ثانياً، وزاد على ذلك موافقة بوتين على الشروط التركية لتوفير أسباب الأمن القومن التركي في المنطقة، وليس في سوريا فقط، والشأن الأخير، أي توفير أسباب الأمن القومي التركي تجاهلته أمريكا عمدا وقصداً، بتحالفاتها الخاصة مع الأحزاب الكردية الانفصالية في سوريا والعراق وربما في تركيا أيضا، ولذلك كانت السياسة التركية أمام خيار واحد فقط، وهو التفاهم مع روسيا وإيران على حفظ أسباب الأمن القومي التركي الذي تهدده المشاريع الامريكية، سواء كانت في سوريا أو في العراق، فضلا عن منعهما من التورط بأعمال عدائية ضد تركيا، ولو كانت من باب الحملات الاعلامية أيضا.

لذلك يمكن القول بأن الرئيس الروسي استعمل ذكاءه السياسي بضرورة الاتفاق مع أقوى الأطراف المؤثرة في الوضع العسكري والاجتماعي والسياسي في سوريا، وهما تركيا وإيران، بدون تجاهل أطراف أخرى لها مصلحة بوقف الحرب في سوريا حقيقة، مثل السعودية وقطر والاردن ومصر وغيرها، فبعضها لعب أدوارا كبيرة بدعم المعارضة السورية سابقاً، وبالأخص في مرحلة تشكيل القوالب السياسية للمعارضة السورية العربية السنية، التي تمثل أكثر من 80% من الشعب السوري، فتركيا لن تستطيع كسب كل المعارضة السورية إلى جانبها، وبالأخص منذ أن عملت السعودية على قيادة طرف مهم وكبير من المعارضة السورية، على حساب إبعاد دور قطر في هذا المجال، مع بقاء هيئات وفصائل معارضة لها ارتباطات مع قطر، ومن هنا فإن بوتين وبعد ان دعا إلى مؤتمر سوتشي الأول بتاريخ 18/11/2017 ، وبعد أن جاءه الرد الأول من هيئات المعارضة السورية العليا رافضة حضور ذلك المؤتمر، بل تهكمت منه بقولها إنه سيكون مؤتمرا لروسيا وعملاء الأسد في السلطة والمعارضة المزيفة، ليحاوروا أنفسهم وبعضهم بعضاً، وبعد أن طالبت تركيا توضيحا روسيا لمجريات ذلك المؤتمر، وامتنعت عن حضوره قبل الاتفاق على إجراءاته، أدرك بوتين أنه تسرع بالدعوة للمؤتمر السابق قبل مشاورة الأطراف المهمة والقادرة على ضمان أكبر عناصر المعارضة السورية، وإلا فإنه سيواجه جدياً المعارضة السورية، برفض الحضور إلى سوتشي سيجعله يواصل أزماته السياسية بعد العسكرية فيها.

لذلك جاءت دعوة الرئيس بوتين إلى مؤتمر قمة سوتشي بحضور الرئيس أردوغان والرئيس الايراني روحاني في سوتشي بتاريخ 22/11/2017 لمعالجة نقاط الضعف التي أخطأ بها بوتين، عندما دعا للمؤتمر الأول بتاريخ 18/11، فبوتين أدرك انه لن يستطيع وحده جلب المعارضة السورية المؤثرة في الحل السياسي بقدراته السياسية ولا العسكرية، فأمريكا التي أُبعدت عن أستانا وعن سوتشي يمكنها أن تعرقل جهود موسكو في سوتشي، بالضغط على بعض أطراف المعارضة السورية بعدم الحضور، وهم بطبيعة الحال يرفضون المساهمة بحل سياسي تقوده روسيا وإيران في سوريا أصلاً، بينما روسيا تسعى لإبعاد الضغوط الأمريكية المباشرة وغير المباشرة عن سوتشي، حتى يتم إسدال الستار على الصراع في سوريا أولاً، وينجو بوتين وجنرالاته من المحاسبة الداخلية في روسيا ثانياً، وحتى ينجو من المحاسبة الدولية ثالثاً، ولذلك أسرع بإعلان الانتصار وادعائه بنجاح جيشه بالقضاء على «داعش»، وكأنه انهى أسباب الصراع في سوريا بعد القضاء على «داعش» فيها، أي أن بوتين يريد أن يستبق الأمور ويعلن انتهاء القتال والصراع في سوريا، طالما ان أزلام إيران اعلنوا نهاية «داعش» في سوريا والعراق، وهي الحجة التي جاءت بالجيش الروسي منذ سنتين، وهي الإرهاب الداعشي، فلا معنى لبقاء الجيش الروسي في سوريا بعد القضاء على «داعش»، ولذلك جلب بوتين بشار الأسد إلى سوتشي، قبل القمة مع رؤساء ايران وتركيا، وأوقفه امام جنرالات الجيش الروسي ليشكرهم على مشاركتهم بالقضاء على «داعش»، وكأن مهمتهم قد انتهت، وفي الحقيقة كأن بوتين أمام ورطة كبرى أمام جنرالاته العسكريين، الذين أنهوا مناوراتهم وتدريباتهم العسكرية في سوريا ولا يريدون البقاء فيها أكثر، ولذلك أخذ تعهداً من بشار الأسد الذي لا يملك حيلة بتنفيذ الأوامر الروسية لحل الصراع في سوريا، حسب وجهة نظر الدول الثلاث الروسية والايرانية والتركية، وقد ضمنت تركيا سكوتا رسميا روسيا وإيرانيا ومن جيش بشار الأسد بعدم التعرض للوجود العسكري التركي في سوريا.

إن ما أرادته السياسة التركية من مؤتمر سوتشي، هو ان تضمن تركيا من روسيا وإيران الحفاظ على وحدة الأراضي السورية أولاً، ومنع التقسيم ثانياً، وعدم دعم التنظيمات الارهابية التي تسعى لبناء دول داخل الدولة السورية ثالثاً، سواء كانت دولة «داعش» السابقة، أو دويلة الأكراد الانفصاليين لاحقاً، التي تسعى أمريكا لجعلها دويلة كردية شكلياً ورسمياً وقاعدة عسكرية أمريكية كبيرة فعلياً، وهذا هدف مرفوض لدى تركيا من ناحية مخاوفها من إثارة المشاكل القومية على أراضيها، ولكنها أي تركيا ضد تأسيس قاعدة عسكرية أمريكية كبرى على حدودها الجنوبية أيضاً، وهو ما يشاركها فيه كل من روسيا وإيران بدرجة أكبر، فروسيا على تفاهمات مع أمريكا منذ الحرب الباردة على الاحتفاظ بقاعدة عسكرية روسية في طرطوس. ويمثل إقامة قاعدة عسكرية أمريكية كبرى شمال سوريا خطرا على الأمن الروسي والإيراني أيضاً، ولذلك فإن الرؤية التركية تجد آذانا صاغية من بوتين وروحاني وقادة اركانهم العسكريين.

إن هذا الموقف التركي ليس قبولاً للموقفين الروسي والإيراني في سوريا، وبالأخص حول مستقبل الحل في سوريا، وبصورة أكثر خصوصية حول مستقبل الأسد، فلا يمكن لتركيا أن تقبل حلاً سياسياً تفرضه على الشعب السوري، أو على المعارضة السورية اطلاقاً، ولذلك بقي اسم بشار الأسد مغيباً عن المؤتمر العلني في سوتشي في كلمات الرؤساء الثلاثة، كما أن اسم امريكا لم يذكر أيضاً، وهي التي تملك أكثر من عشر قواعد عسكرية لها في سوريا، ولها اكثر من خمسة آلاف جندي امريكي فيها، فهل تستطيع روسيا وإيران وتركيا فرض حل سياسي مع وجود هذا التدخل العسكري الأمريكي الكبير في سوريا، علما بان امريكا اعلنت أنها لا تفكر بمغادرة سوريا الآن ولا بعد إيجاد حل سياسي فيها؟ كما أن بيان مؤتمر المعارضة السورية في الرياض 2 ركز على مؤتمر جنيف1، وبالأخص قراره بتشكيل هيئة حكم انتقالي تتولى صلاحياتها كاملة.

كاتب تركي

القدس العربي

 

 

 

بوتين ملك سوريا… في ظل استسلام أميركي!/ خيرالله خيرالله

لا يمكن لروسيا ولا لغير روسيا إبقاء بشّار الأسد في السلطة. هناك شعب سوري يرفض النظام القائم ولا يمكن أن يقبل به بغض النظر عن القوى الدولية والإقليمية التي تحاول تغيير مجرى التاريخ والتحكّم به وفق تمنياتها.

لو كان ذلك ممكنا، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق ولكانت أحزاب شيوعية مجوّفة، ما زالت تحكم دولا مثلا بولندا والمجر وبلغاريا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا (صارت دولتين) وألمانيا الشرقية التي عادت جزءا من المانيا. لو كان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا، لكانت “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” في جنوب البلاد ما زالت قائمة…

استقبل الرئيس فلاديمير بوتين رئيس النظام السوري في سوتشي أم لم يستقبله، عقد قمّة مع حسن روحاني ورجب طيب أردوغان أم لا، لن يتغيّر الكثير… حتّى لو سلمت الإدارة الأميركية كلّ أوراقها لموسكو. وهذا ما لم يحصل على الرغم من نتيجة معركة البوكمال الأخيرة. في تلك المعركة، استطاعت قوات “التحالف الدولي”، على رأسها سلاح الجوّ الأميركي، إلحاق الهزيمة بـ”داعش”. تقدمت قوات تابعة للنظام السوري مدعومة من “الحرس الثوري” الإيراني وميليشيات مذهبية متنوّعة من بينها “حزب الله” وسيطرت على البوكمال.

انضمت إلى هذه القوات وحدات من “الحشد الشعبي” متمركزة في الجانب العراقي من الحدود. بقدرة قادر، استعاد “داعش” البوكمال ليخليها مجددا ولتعلن إيران مباشرة وعبر أدواتها أنها ربطت طهران ببيروت.

إلى أي حد سيذهب بوتين في لعبته

ثمّة من يؤكّد أنّه جرت اتصالات أميركية- روسية تشير إلى وجود تفاهمات معيّنة بين الجانبين في شأن توفير ضمانات روسية معيّنة في ما يتعلّق بوضع نقطة استراتيجية مهمّة مثل البوكمال. لكنّ هناك من يعتقد أن الأميركيين يعتبرون أن الروس أخلّوا بوعود محدّدة كانوا قطعوها لهم. هذه الوعود مرتبطة بعدم تمكين إيران وأدواتها من السيطرة على البوكمال.

من يرى أنّ لا تفاهم أميركيا – روسيا في سوريا يقول إن الإدارة الأميركية تعتبر أن روسيا، منذ دخولها إلى سوريا عسكريا، أخلت بكلّ التفاهمات مع الولايات المتحدة. فعلت ذلك، إمّا عن قصد، أو لسبب عائد إلى أنّها “عاجزة” عن احترام ما تلتزمه.

من بين ما أخلّت به تكرار استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي ضد الشعب السوري واستمرار نقل السلاح عبر الأراضي السورية إلى “حزب الله” في لبنان. أكثر من ذلك، وصل الحزب، من وجهة نظر الأميركيين، إلى مرحلة تصنيع صواريخ في لبنان وذلك في ظلّ الوجود العسكري الروسي في سوريا.

من المآخذ الأميركية على روسيا أيضا، وصول إيران وأدواتها إلى مناطق خطّ وقف النار بين سوريا وإسرائيل. وفي معظم الأحيان، كانت العناصر التابعة لإيران تصل إلى مشارف خطّ وقف النار مع إسرائيل بزي الجيش النظامي السوري وتحت علمه.

يشكو الأميركيون أيضا من وصول غواصة إيرانية إلى ميناء اللاذقية أخيرا والربط بين الأراضي العراقية والأراضي السورية بواسطة ميليشيات تابعة لإيران وليس عن طريق الجيش التابع للنظام السوري، كما وعدت بذلك موسكو غير مرّة.

بعد اللقاء بين بوتين والأسد الابن في سوتشي، وبعد القمة الثلاثية الروسية- الإيرانية- التركية، وبعد معركة البوكمال والظروف التي أحاطت بها، يصحّ التساؤل هل استسلمت إدارة دونالد ترامب لبوتين نهائيا وباتت تكتفي بوجود عسكري في إحدى ضفّتي الفرات، أم تحضر لمعركة مقبلة، خصوصا أن لدى الأميركيين أربع عشرة قاعدة على الضفة الشرقية للفرات، فضلا عن قواعد أخرى في أنحاء مختلفة من الشمال السوري.

قبل سنتين، زار بشّار الأسد موسكو بعد استدعائه إليها من أجل إفهامه ما يستطيع عمله وما لا يستطيع عمله. أفهمه بوتين بلغة الآمر أنّه بات هناك وصيّ عليه. كان ذلك في العشرين من تشرين الأوّل- أكتوبر 2015. ما الذي تغيّر منذ ذلك التاريخ؟

ما تغيّر أن التدخل العسكري الروسي، الذي بدأ قبل شهر من مجيء رئيس النظام السوري إلى موسكو، مكّن بشّار من البقاء في دمشق وحمى الساحل السوري وقرى العلويين.

بكلام أوضح، إن النظام يدين ببقائه لروسيا وليس لأحد آخر غيرها. ليس سرّا أن إيران نفسها اعترفت بأن لا بدّ من الاستعانة بروسيا في حال كان مطلوبا عدم سقوط دمشق، أي تحريرها من بقايا النظام السوري والمحيطين به.

ما الثمن الذي ستطلبه روسيا في سوريا التي بات بوتين يعتبر نفسه ملكها؟ الأهمّ من ذلك، هل في استطاعتها أن تطلب ثمنا قد لا تكون إدارة ترامب مستعدة لتوفيره لها؟

واضح أن القيصر الروسي اعتمد خيار المحافظة على ورقة بشّار الأسد في الوقت الراهن، علما أنّ ثمة خيارا آخر تفضله إيران يتمثّل في إدخال إصلاحات شكلية على النظام السوري وإبقاء السلطة في يد الأسد الابن، أي في العائلة والدائرين في فلكها الذين يدينون بالولاء الكامل لطهران.

أيّا يكن الخيار الروسي، وأيّا تكن درجة الاستسلام الأميركية لفلاديمير بوتين، هذا في حال صحّ أن هناك استسلاما، يظل أن ليس في الإمكان تجاهل أنّ ليس في استطاعة أيّ قوّة على الأرض المحافظة على نظام أقلّوي لم يمتلك أيّ شرعية من أيّ نوع في أيّ يوم من الأيّام.

لو كان ذلك ممكنا، لما كانت الثورة السورية مستمرّة منذ آذار – مارس من العام 2011. هذه الثورة التي عمل النظام، ومعه روسيا وإيران، على شيطنتها، مستمرّة وإن بأشكال مختلفة على الرغم من كلّ الدمار الذي لحق بالمدن والقرى والبلدات والبنى التحتية.

سيكون أمام روسيا نوع جديد من التحدّيات في المرحلة الانتقالية التي تظنّ أنها ستشرف عليها، بموافقة أميركية وأوروبية وحتّى عربية. من بين هذه التحديات الطموحات الإيرانية التي لا حدود لها، وهي قائمة على فكرة ربط أراض سورية بأراض لبنانية معيّنة تقع تحت السلطة المباشرة لـ”حزب الله” الذي يعتبر بقاؤه مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى إيران.

هناك تحدّ آخر يتمثل في أنّ الولايات المتحدة لم تقل، في رأي كثيرين، كلمتها الأخيرة بعد وهي في انتظار الوقت المناسب لتؤكد للروسي أن ليس في استطاعته إعلان نفسه ملك سوريا في ظلّ تمدّد إيراني لا يرضي بالأكيد إسرائيل التي لديها هواجسها الأمنية والتي صارت تعتبر الجولان مهددا.

أثبت فلاديمير بوتين من دون شكّ أنّه قادر على تغيير المعادلات في سوريا. الدليل على ذلك أن الأسد الابن ما زال في دمشق. إلى أي حدّ سيذهب في لعبته، خصوصا إذا تبيّن أن الأميركيين غير راضين عنها وهم ينظرون بريبة إلى الحلف الروسي- الإيراني- التركي؟

سيتوقّف الكثير على ما إذا كان في الإمكان الحديث عن استسلام أميركي أمام روسيا أم لا؟

يبدو أنّ الحرب في سوريا ما زالت في بدايتها، على الرغم من أن سيطرة إيران على البوكمال تطورت في غاية الأهمّية. الأمر الوحيد الثابت أن من الباكر الحديث عن إعداد روسي لمرحلة انتقالية يُبحث فيها جدّيا في حلول سياسية.

لن يكون هناك انتقال فعلي إلى الجدّية، إلّا في اليوم الذي يصبح فيه الكلام واضحا عن أنّ الأسد الابن ونظامه لا يصلحان سوى لتمرير مرحلة يتركز البحث فيها على إعادة تشكيل بلد كان اسمه “الجمهورية العربية السورية”. من المجنون في هذا العالم الذي يتصوّر أن بشّار الأسد يمكن أن يحكم سوريا في مرحلة عودة السلام إليها… هذا إذا عاد السلام يوما؟

إعلامي لبناني

العرب

 

 

 

تفاهمات مع أعداء الثورة السورية!/ وائل عصام

تبدو الحكومات التي دعمت الثورة السورية، وعلى رأسها السعودية، وكأنها سعيدة بتورطها، كجزء من المشكلة في سوريا، بعد أن فشلت في أن تكون جزءا من الحل، فبينما اصطفت إلى جانب الثورة السورية عند انطلاقتها، ودعمت بعض فصائلها، وطالبت بإسقاط الأسد سواء بـ«المفاوضات أو الحرب» كما قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في تصريحاته التي أصبحت محلا للتندر، استدارت هذه السياسات 180 درجة، لتصبح اليوم ضاغطا أساسيا على المعارضة السورية للقبول ببقاء الأسد.

صحيح أن بقاء الأسد ونظامه، بات أمرا واقعا أنتجه الحسم العسكري المتواصل منذ عامين، لدمشق وحلفائها، والصحيح أيضا، أن جزءا غير يسير من الإخفاق لفصائل الثورة عسكريا ومدنيا، يتحمله فريق الداعمين وعلى رأسهم الرياض، ولسنا في صدد ذكر الأسباب التي تم التطرق لها كثيرا في السابق، لكن التساؤل هنا، حول هذا الحماس المتصاعد لبعض الحكومات التي دعمت الثورة السورية يوما، قبل أن تنخرط أكثر فاكثر في تفاهمات مع أعداء الثورة، وتصبح مرتكزا لعملية تأهيل النظام، وتدخل في هذا الإطار، إضافة للرياض، سياسات أنقرة أيضا، بينما واصل حلفاء النظام في طهران وموسكو، بثبات، منذ سنوات، جهودهم بإصرار وعمل دؤوب، محكم التخطيط، للدفاع عن النظام، عسكريا وسياسيا، ولم تتحول أو تتبدل مواقفهم، في أصعب المراحل، مراعاة للضغوطات الدولية والواقع المعزول لدمشق في بدايات الحراك السوري، إلى أن نجحوا بعد سنوات، في تثبيت حليفهم الأسد، ولكن الأكثر من ذلك أنهم نجحوا في ضم أعدائه، لصفهم، واستخدموهم لشرعنة رؤيتهم ومشروعهم في سوريا، من دون أن يحقق حلفاء الثورة أيا من وعودهم ومصالح حلفائهم الثوار .

وليس الغريب والمستهجن فقط، أن تتراجع سياسات دولة ما، وتتبدل للتخلي عن حلفائها ورؤيتها السياسية في بلد ما كسوريا، ولكن الأغرب أن تتحول لداعم لأعداء حلفائها الثوار، فهم كمن يريد الاستثمار في السوق، سواء صعدت الأسهم أو هبطت، يريد ربحا، بائعا كان أو مشتريا، وهذه النظرة الضيقة، لا تمنح سياسات الدول، قدرة على تحقيق حتى مصالحها الخاصة، من دون أن تكون مرتبطة بمصالح اعدائها في أغلب الأحيان، وما تفعله أنقرة في سوتشي، والرياض من ضغط على المعارضة، للإعلان بقبول النظام، هو شرعنة بلا مقابل، فلن تحصل هذه الدول على مكاسب ذات قيمة، لأن ايران وروسيا تدركان انه وبفضل دعمهما هما، بقي الأسد، لا بفضل تعاون الدول التي دعمت المعارضة. وهكذا فإن الأسد عمليا لم يعد بحاجة لموافقة المعارضة بعد حسمه العسكري، وكان من الممكن وببساطة، أن تأخذ هذه الدول التي دعمت الثورة، موقفا محايدا، وتستقيل من المواجهة، وتنسحب، من دون أن ترتكب هذه الخطيئة المضاعفة والخدمة المجانية.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

خروج الأسد ووقف الخطط الإيرانية؟/ راجح الخوري

بداية الأسبوع تدحرجت المؤشرات الإيجابية في شكل مثير ومتلاحق، من استدعاء بشار الأسد فجأة إلى موسكو، إلى تصريحات دونالد ترمب عن «محادثات رائعة ومتينة» مع فلاديمير بوتين تناولت مجمل القضايا الساخنة، من سوريا إلى كوريا الشمالية مروراً بالشراكة في الحرب على الإرهاب وبالنوويات الإيرانية، وصولاً إلى الأزمة الأوكرانية.

بيان الكرملين عن المحادثات عكس معنى «روعة المحادثات ومتانتها»، وأوحى بأن الاتصال بين الرئيسين استمر ساعة ونصف الساعة، وجاء امتداداً للبيان المشترك بينهما في منتدى التعاون الاقتصادي في فيتنام قبل أسبوعين، الذي يقول الكرملين إنه أثار ردود فعل إيجابية في الشرق الأوسط، على قاعدة التفاهم المتزايد على دخول سريع إلى الحل السياسي، بعد هزيمة «داعش» و«النصرة» والإرهابيين في العراق وسوريا.

بدت هذه الإعلانات المتفائلة من ترمب وبوتين، وكأنها من جهة أولى تعد تتويجا لسلسلة من المباحثات الموسّعة تجريها موسكو مع شريكتيها في آستانة، تركيا وإيران، وكذلك مع دول إقليمية فاعلة في المنطقة، وكذلك للمؤتمر الذي رعته الرياض لتوحيد المعارضة السورية، وتشكيل وفد موحّد إلى مفاوضات التسوية السياسية في سوتشي، ومن جهة ثانية تعد تمهيداً للذهاب إلى جنيف للاتفاق على مسار التسوية التي ستنعكس على مستوى إقليمي.

بيان البيت الأبيض كان مثيراً، ليس لأنه أكّد في وضوح تلزيم ترمب مسألة الحل في سوريا لبوتين، بل لأنه أكد الذهاب إلى جنيف «من أجل التسوية السلمية للحرب الأهلية في سوريا وإنهاء الأزمة اللبنانية، وتمكين النازحين السوريين من العودة إلى وطنهم وضمان الاستقرار في سوريا، موحدة خالية من تدخلات المخربين وإيواء الإرهابيين».

من الضروري هنا التوقف عند الإشارة إلى «إنهاء الأزمة اللبنانية» ليس من خلال ربط هذا الأمر بالحل في سوريا فحسب، بل من خلال الإشارة إلى «تدخلات المخربين»، التي تعني في القاموس الأميركي إيران وميليشياتها في سوريا، ولعل في هذا ما يوفّر شيئا من الإضاءة على خلفيات إعلان سعد الحريري في الوقت عينه الاستمهال في المضي باستقالته، بما يوحي أن الاتصالات الروسية المنسقة مع الأميركيين، بمصر والسعودية وإيران تناولت أيضا حل الأزمة الحكومية في لبنان، من منطلق الحل السوري، الذي لا يُراد له أن يشكّل مدخلاً لوقف المطامع الإيرانية الممتدة من مشهد في شمالها الشرقي إلى الناقورة في جنوب لبنان عبر العراق وسوريا.

بيان الكرملين كان أكثر وضوحاً في إشارته إلى أن محادثات الرئيسين جرت وفقاً لاتفاق سابق، بما يؤكد وجود آليات لمشاورات متواصلة بين البلدين، تنظر بشمولية إلى الحل على مستوى إقليمي من خلال سوريا، وذلك عبر تسوية سياسية طويلة الأمد بناء على القرار 2254 ومبادئ البيان المشترك بين ترمب وبوتين، الذي صادقا عليه بفيتنام في 11 من الشهر الحالي.

وفي السياق الشمولي للمحادثات بينهما، أوضح بوتين أن هناك تفاهماً على ترتيب عمل مشترك في مجال محاربة الإرهاب، واتجاها لتنسيق الجهود الاستخبارية بين البلدين، والأهم من كل هذا أكّد بوتين أن البحث تناول البرنامج النووي الإيراني، وأن موسكو تلتزم قواعد التطبيق الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، الأمر الذي يمثّل عاملاً ملموساً في شأن ضمان الاستقرار الإقليمي وحل قضية انتشار أسلحة الدمار الشامل.

قبل ساعات قليلة من صدور بيانات التفاهم بين ترمب وبوتين، كانت التحركات ناشطة جداً عند الرئيس الروسي، الذي يبدو أن ترمب لزّمه ترتيب الحل في سوريا كمدخل محوري لترتيبات إقليمية، وهكذا استدعى بشار الأسد فجأة إلى موسكو، حيث استقبله مدة أربع ساعات ساخنة وخانقة، انتهت بعناق اعتبره البعض وداعياً، لكنه كان إضافة إلى ذلك، تسليماً من الأسد بلغة الجسد أن الأمور انتهت في سوريا، وأن عليه أن يستعد لحزم حقائبه، وهكذا لم يتمالك نفسه على ما بدا، عندما ألقى برأسه على كتف بوتين، في تلك الصورة التاريخية وبدا مستسلماً، في حين كان بوتين يرسم «ابتسامة القدر المحتوم» إذا صح التعبير.

كان واضحاً أن بوتين على غضب مكنون، أولا لم يظهر العلم السوري في خلفية اجتماعه مع الأسد، ولأن الإيرانيين وقادة ميليشياتهم كرروا أخيراً التصريحات عن أن «محور المقاومة» هو الذي حقق الانتصار وهزم الإرهاب، ولأن من المعروف أنه سبق أن ذهب قاسم سليماني مرتين إلى موسكو في بداية أغسطس (آب) ومنتصف سبتمبر (أيلول) من عام 2015، طالباً النجدة في سوريا، وهو ما جعل سيرغي لافروف يقول مؤخراً في 17 يناير (كانون الثاني) الماضي: «دمشق كانت تسقط لولا تدخّلنا»، تعمّد بوتين فجأة إدخال وزير دفاعه سيرغي شويغر، وعدد من جنرالاته إلى الاجتماع، وقال في رسالة موجّهة مباشرة إلى الإيرانيين: «بطبيعة الحال (السيد) الأسد يعرف كثيرا منكم، لقد قال لي خلال محادثاتنا إنه بفضل الجيش الروسي أنقذت سوريا بوصفها دولة، وأقول من دون جهودكم وجهود مرؤوسيكم، وكذلك بطولاتكم لن يكون من دونها شيء… إن التضحيات التي قدمتها القوات الروسية المسلحة هي التي حققت الهدف».

الأكثر إثارة أن بوتين تعمّد أن يقول للأسد إنه ذاهب للقاء رجب طيب إردوغان وحسن روحاني في سوتشي، لبحث مسألة الحل السياسي في سوريا والتسوية بعيدة الأمد، وإن موسكو – إضافة إلى الشركاء تركيا وإيران – تعمل بتواصل دائم مع دول أخرى أميركا والسعودية ومصر والعراق والأردن.

وعند هذا قال الأسد إنه يعوّل على روسيا لضمان عدم تدخل اللاعبين الخارجيين في العملية، وأن يدعموا فقط المسار السياسي الذي سيقوده السوريون، ولكنه استدرك الموقف بقوله، ولكننا سنقبل أي شخص مهتم فعلاً بالتسوية السياسية ونتحدث معه.

وفي النهاية ذكرت الأنباء أن بوتين أطلعه على بعض تفاصيل عملية الانتقال السياسي، التي يتوقف عليها احتمال إقصائه عن الحكم، والإعلان عن تشكيل حكومة مدنية انتقالية، والذهاب إلى انتخابات عامة بإشراف الأمم المتحدة، يشارك فيها السوريون في الداخل والخارج.

في غضون ذلك كانت السعودية ترعى اجتماع توحيد المعارضة السورية، وتشكيل وفد موحّد إلى المفاوضات في سوتشي ثم جنيف، وذلك بحضور ستيفان دي ميستورا وألكسندر لافرينتيف مبعوث بوتين الخاص للأزمة السورية، وذهب المجتمعون إلى الإصرار على أن رحيل الأسد بداية عملية الانتقال السياسي.

عشية اللقاء في سوتشي حرص بوتين على إجراء اتصال هاتفي مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مباشرة بعد اتصاله مع دونالد ترمب، وتركزت المحادثات على المبادئ الأساسية لإطلاق العملية السياسية، التي حرص فيها بوتين بعد اجتماع سوتشي على القول إن إضفاء اللمسات الأخيرة على التسوية السياسية في سوريا، سيكون في إطار عملية جنيف، وإنها تتطلب توافقاً وتنازلات من كل المشاركين بمن فيهم النظام السوري!

الشرق الأوسط

 

 

 

 

قمة سوتشي.. تغليب المصالح الخارجية وتغييب السوريين/ سامر إلياس

بين يالطا ودايتون

مصالح القوى الإقليمية

تغييب دور السوريين

رسمت قمة سوتشي ملامح سوريا الجديدة بعد مرور نحو سبع سنوات على بداية الثورة وسنتين على التدخل الروسي. وكشفت القمة بوضوح تحول سوريا من لاعب إقليمي مهم إلى ساحة لتقاسم النفوذ والمصالح بين اللاعبين الإقليميين والدوليين؛ بعد أن نجحت روسيا في حشد دعم إقليمي وازن لرؤيتها بشأن مستقبل سوريا مع اقتراب دحر تنظيم الدولة الإسلامية.

فقد توّج الرئيس فلاديمير بوتين حراكا دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا مكثفا -بإشراف مباشر منه- بعقد قمة سوتشي الثلاثية، التي حصل فيها على دعم من الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني لعقد “مؤتمر الحوار السوري”، ليكون أساسا لتسوية سياسية بين السوريين (موالاة ومعارضة) بحضور ممثلين عن مختلف الطوائف والأعراق.

تكشف هذه القمة عن بعض ملامح الحل السياسي في سوريا؛ فرغم تركيز الرؤساء الثلاثة على الجوانب الإيجابية، والاتفاق على ضرورة إيجاد تسوية سياسية تضمن وحدة الأراضي السوري وإعادة إعمار البلاد وعودة اللاجئين، فإن بوتين حذر من أن “المرحلة المقبلة لن تكون سهلة”، وحث كل الأطراف المعنية على تقديم تنازلات، مشددا على أنه “سيتعين على جميع الأطراف القبول بمواءمات وتنازلات.. بمن فيهم الحكومة السورية”.

بين يالطا ودايتون

ذهب بعض المحللين الروس إلى تشبيه قمة سوتشي بمؤتمر يالطا الذي جمع جوزيف ستالين وونستون تشرشل وفرانكلين روزفلت، لتقاسم أوروبا بعدما ظهر رجحان كفة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. فيما رأى آخرون أن القمة تؤسس لـ”اتفاق طائف” أو “اتفاق دايتون” سوري لإنهاء الحرب في البلاد.

وفي الشهر الأخير؛ بدا أن روسيا تستعجل حلا سياسيا يضمن لها دورا محوريا في سوريا، مع تأكيدها على “تحرير” أغلبية الأراضي السورية من “الإرهاب”، وعودتها إلى سيطرة الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها.

وبعيدا عن مقارنة حجم وطبيعة الحرب في سوريا بالحرب العالمية الثانية، وعامل الكاريزما للقادة الذين اجتمعوا في منتجعيْ يالطا وسوتشي على البحر الأسود؛ فإن القمة قد ترقى إلى “مؤتمر يالطا سوري” بين البلدان الإقليمية المؤثرة بقيادة روسية (دون اعتراض أمريكي واضح حتى الآن) وغياب عربي.

وعلى الأرض تسيطر إيران ومليشياتها على مساحات واسعة من سوريا بغطاء من نظام بشار الأسد، فيما استطاعت تركيا بتفاهمات مع روسيا -منذ نهاية العام الماضي- فرض سيطرتها على مناطق إستراتيجية في سوريا، وتلعب موسكو دور الحاكم والحَكَم لهندسة الأوضاع على الأرض ومنع الاحتكاك المباشر بين قوات الطرفين (تركيا ونظام الأسد).

ومع تراجع حدة الأعمال القتالية في سوريا؛ ترغب روسيا في أن تؤسس لمؤتمر “الحوار الوطني السوري” في صيغة تحاكي مؤتمر “الطائف اللبناني” الذي أنهى نحو 15 عاما من الحرب الأهلية بين مختلف المكونات اللبنانية.

ولكن مخاطر تقسيم سوريا بسبب تضارب المصالح الإقليمية، وفظاعة المجازر المرتكبة على أساس طائفي منذ قرر نظام الأسد قمع الثورة التي انطلقت سلمية في منتصف مارس/آذار 2011، والتي تصعّب التعايش بين المكونات؛ تُنذر بأن أي حل يمكن أن يفضي إلى اتفاق على غرار” اتفاق دايتون” الذي أنهى الحرب في يوغسلافيا السابقة بتقسيمها إلى دويلات.

ويشي الانخراط المباشر والقوي لبوتين في رسم ملامح الحل السياسي بسوريا برغبة قوية في تسجيل انتصار كبير، قبل أيام من توقعات بأن يُعلِن ترشحه في انتخابات رئاسية مقررة في مارس/آذار 2018 ويُتوقع أن تكون الأخيرة في حياته السياسية.

ويرغب بوتين في تسجيل إنجاز في الملف السوري رغم عدم وجود أي منافس حقيقي له، وتوقعات بأن يفوز بسهولة مع انحسار الأزمة الاقتصادية بعد تحسن أسعار النفط في السنة الحالية، مما خفف تأثير العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ ضمها شبه جزيرة القروم عام 2014.

وواضح أن بوتين يريد المحافظة على المكتسبات التي حققها بعد نحو عامين من التدخل العسكري المباشر لدعم الأسد، وسبع سنوات من الحماية الدبلوماسية والسياسية التي عطلت محاسبة المسؤولين عن القتل والدمار في سوريا. وقد استطاع الكرملين أن يعود إلى الساحة الدولية بقوة من البوابة السورية، وتمكن من ترسيخ وجوده في البحار الدافئة بقواعد بحرية وبرية، واتفاقات عسكرية واقتصادية مدتها عشرات السنين.

كما وطدت روسيا علاقتها مع البلدان المحيطة بسوريا رغم تضارب مخططات هذه الدول ونظرتها لمستقبل سوريا. واستغل الكرملين الأزمة الخليجية، وانشغال السعودية بقضية حسم توريث محمد بن سلمان للحكم، من أجل خفض سقف المطالب العربية، وتقديم تنازلات تضمن لروسيا الاستمرار في مخططاتها، وإبرازها بصورة الدولة العظمى القادرة على فرض الحلول التي تريدها.

مصالح القوى الإقليمية

بعد ساعات من انتهاء قمة سوتشي؛ نقل التلفزيون التركي عن أردوغان قوله إن “استبعاد العناصر الإرهابية التي تهدد الوحدة السياسية والترابية لسوريا وأمننا القومي، سيبقى من أولويات تركيا”، وشدد على أنه “يجب ألا يتوقع أحد أن يرانا نوافق على أن نكون في المكان ذاته مع منظمة إرهابية”. ويشير حديث أردوغان إلى أولى الصعوبات التي تواجه تنفيذ رؤية بوتين بجمع كل المكونات السورية في مؤتمر واحد.

وتؤكد تصريحات أردوغان مخاوف الجانب التركي -التي لم يُخْفِها يوما- من قيام كيان كردي على حدود بلاده الجنوبية. فمنذ الأيام الأولى للثورة في سوريا؛ تعاملت تركيا مع الموضوع على أنه قضية تمسّ أمنها القومي الداخلي نظرا لوجود حدود مشتركة مع سوريا تتجاوز 900 كيلومترا، ويغلب على مناطق واسعة منها وجود كردي في ثلاث مناطق سورية، وفي 19 ولاية جنوب شرقي تركيا.

وقد دفعت أنقرة فاتورة كبيرة باستضافتها أكثر من ثلاثة ملايين سوري، كما ضربتها عمليات إرهابية خلّفت كلفة بشرية واقتصادية باهظة. واستطاعت روسيا وتركيا إنهاء قطيعة شاملة بينهما سبّبها إسقاط أنقرة مقاتلة روسية 2015. وتسارع التنسيق بين الطرفين على خلفية الموقف الروسي من محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان 2016، لتعود العلاقات أخيرا إلى طبيعتها حسب تصريحات رئيسيْ البلدين منذ نحو أسبوعين.

وسمحت التفاهمات بين الروس والأتراك -إثر السيطرة على حلب- بتحرك الجيش التركي، ومنع التواصل الجغرافي بين المناطق الكردية شرق الفرات وغربه. ورغم زوال خطوط أردوغان الحمر بشأن بقاء الأسد؛ فإن أنقرة لا تستطيع السماح بفدرالية كردية في الشمال السوري، وما زالت مصرّة على رفض تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي في “مؤتمر الحوار السوري”.

ويشكل هذا الموضوع نقطة خلافية مع موسكو، لكنها لا ترقى إلى حجم خلافات أنقرة مع واشنطن الداعمة لمليشيات “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية، والمسيطرة فعليا على ربع مساحة سوريا الغنية بمواردها النفطية والمائية والزراعية. ومؤكد أن تركيا ستواصل العمل من أجل إنهاء الخطر الكردي في سوريا، وهو ما دفعها للتعاون مع روسيا وإيران، ولا يُستبعَد أن يدفعها ذلك إلى تنسيق مباشر مع النظام.

ومن جهته؛ انتهز الرئيس روحاني القمة للتنديد بالقوات الأجنبية الموجودة في سوريا، وقال إنه “لم تعد هناك ذريعة للإبقاء على وجود عسكري أجنبي على أراضي سوريا دون موافقة الحكومة الشرعية لهذا البلد”.

ورغم اتفاق إيران وتركيا في العمل على منع بروز كيان كردي في سوريا أو العراق، وانتهاجهما البراغماتية وفصل الملفات في العلاقات الثنائية؛ فإن استمرار وجود قوي ودائم لإيران في سوريا يثير مخاوف تركيا، ويشكل اختراقا إيرانيا مهمًّا عجزت عن تحقيقه منذ خمسة قرون.

وتسعى إيران إلى المحافظة على سوريا كـ”ضلع” مهم في “محور الممانعة” الممتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق، مع تشعبات تصل إلى فلسطين. ومنذ بداية الثورة دعمت طهران نظام بشار اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وجذبت مليشياتها -من لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها- للدفاع عنه بحجج مختلفة، بعضها ذو طابع مذهبي بحت.

وترى طهران أن خسارة سوريا أصعب من خسارة الأهواز، لأنها تعني انحسار المد الفارسي في المنطقة، مما دفع رجال دين إيرانيين إلى وصفها بالمحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين.

ومؤكد أن طهران ترغب في أن يفضي “مؤتمر الحوار السوري” المزمع إلى استمرار حكم عائلة الأسد، التي وطدت علاقاتها معها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ووقفت معها في الحرب مع العراق زمن الرئيس الراحل صدام حسين. كما تسعى إيران إلى عدم خسارة استثماراتها الكبيرة (سياسيا واقتصاديا) بعد دعمها اللامحدود للنظام.

ورغم عدم بروز مواقف في القمة بشأن سحب مقاتليها والمليشيات الموالية لها من جنوب غرب سوريا؛ فإن الجانب الروسي قادر على تأمين التوازن المطلوب بين مصالح كل من طهران وتل أبيب لمنع الانجرار إلى مواجهة كبيرة بينهما.

تغييب دور السوريين

تُكرِّس قمة سوتشي تغييب دور السوريين -نظاما ومعارضة- في رسم مستقبل بلادهم، وتكشف عن حجم الضغوط على الطرفين لتبني حلول الأطراف الرابحة في الحرب السورية.

ولا يعدو تأكيد القمة أن السوريين هم من يحدد مستقبل بلادهم إلا تكرارا مملا للمواقف الروسية والدولية المعلنة منذ سنوات. ويثير تصريح روحاني السخرية عندما أكد أن “الأمة السورية لن تسمح بأي تدخل للأجانب في شؤونها، وستتصدى لأي تحرك يمس كرامة سوريا واستقلالها ووحدتها”.

ومن الناحية الشكلية؛ يبدو لقاء بوتين مع الأسد في سوتشي قُبيل القمة وكأنه تنسيق في المواقف مع الرئيس الشرعي للبلاد. وعمليا؛ فإن طريقة استدعاء الأسد -من دون وفد مرافق- للمرة الثانية خلال عامين، واجتماعه مع جنرالات روسيا الذين يُنسب إليهم القضاء على “الإرهاب”؛ يبعث برسالة مفادها أن بوتين هو الحاكم الفعلي في دمشق.

كما يعني أن التنسيق بشأن مستقبل سوريا يُبحث معه مباشرة، وهو ما بدا واضحا في اتصالات بوتين المكثفة مع الزعماء الإقليميين والدوليين، والتي جرت بين لقاء الأسد وعقد قمة سوتشي.

ومع الانشقاقات في صفوف المعارضة السورية، وتراجع القوة الرادعة للنظام ومليشيات إيران، وتخلي معظم البلدان العربية عن الشعب السوري؛ فإن الحضور المعارض في مؤتمر سوتشي لن يعبر عن إرادة السوريين الراغبين في التغيير، وستشكل المعارضة “الوطنية” المدعومة من النظام وروسيا وإيران أغلبية ضمن الوفد المعارض.

وفي انتظار التحركات على الأرض ومواقف الولايات المتحدة؛ يصعب التكهن بموعد وبرنامج “مؤتمر الحوار السوري”، وكذلك توقع نجاحه في حل الأزمة. لكن الواضح أن روسيا بدأت جديا مرحلة البحث عن حل مع اقتراب انتهاء تنظيم الدولة، ولعل المؤسف أن الحل المنتظَر مبني على عمل موسكو لإيجاد توازنات تراعي مصالح الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، دون الالتفات إلى مصالح وإرادة السوريين، وبغياب عربي واضح.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2017

 

 

 

ارتدادات قمة سوتشي: توافقات تسعى لحل شامل وتُجبر ترامب على محاولة «استرضاء» أردوغان/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: أجمع مراقبون ومحللون سياسيون على أن قمة سوتشي التي عقدها زعماء روسيا وتركيا وإيران الأربعاء الماضي في روسيا ستشكل نقطة تحول هامة في مسار الأزمة السورية المتواصلة منذ أكثر من 6 سنوات والتي تحاول الدول الثلاث إنهائها بعد أن أنهكت الحرب جميع الأطراف.

وعقب القمة التي شهدت توافقاً على عقد مؤتمر للسلام السوري يجمع النظام والمعارضة في سوتشي، بدأت تظهر مؤشرات على تقارب تركي محتمل مع النظام السوري وربما التسليم مستقبلاً ببقاء رئيسه بشار الأسد في الفترة الانتقالية بالحكم، وسط خلافات مستقبلية متوقعة بين المعارضة السورية وأنقرة الداعم الأكبر لها وخلافات أخرى قد تتصاعد بين أنقرة وموسكو على خلفية اشراك ممثلي الوحدات الكردية في سوريا في المؤتمر المتوقع في سوتشي الروسية.

بيد أن الارتداد الأهم حتى الآن لقمة سوتشي تمثل في اتصال هاتفي مفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره التركي رجب طيب أردوغان ومحاولة «استرضاءه» من خلال التعهد بوقف إمداد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا بالأسلحة والتأكيد على عمق «الشراكة الإستراتيجية» بين الولايات المتحدة وتركيا التي تبتعد أكثر فأكثر عن واشنطن وحلف الناتو باتجاه روسيا.

تركيا ومصير الأسد

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفي تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام تركية خلال عودته من سوتشي لأنقرة، نفى أن تكون هناك أي اتصالات مع النظام السوري «في الوقت الحالي»، لكنه قدم إشارات غير مسبوقة لإمكانية تغير الموقف التركي وفتح قنوات اتصال مع النظام الذي طالبت بإسقاطه منذ بداية الثورة السورية.

وفي رده على سؤال حول إمكانية إجراء اتصالات أو إقامة تعاون مع الأسد، قال أردوغان: «الأبواب السياسية دائماً مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة»، في أبرز إشارة إلى إمكانية تغير موقف أنقرة التي عززت تعاونها مع روسيا وإيران حلفاء الأسد في مسعى لوقف الحرب في سوريا بصيغة تضمن إحباط مساعي الوحدات الكردية لإقامة كيان مستقل في شمالي سوريا، وهو ما ألمح إليه أردوغان بالقول: «إن الأسد ينظر باستياء إلى وحدات حماية الشعب الكردية ولا يريدها أيضاً أن تجلس على طاولة المفاوضات».

تصريحات أردوغان سبقتها بيوم واحد تصريحات مشابهة للناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم ماهر أونال قال خلالها «من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الأسد سيكون جزءا من المرحلة الانتقالية» التي يفترض أن تمهد لإنهاء الحرب في سوريا، مشددا على ضرورة ألا يكون له مستقبل سياسي على المدى الطويل.

تحرك أمريكي مفاجئ

وفي اتصال هاتفي لم معلن عنه سابقاً، بادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاتصال بأردوغان، الجمعة، جرى خلاله حسب بيان الرئاسة التركية استعراض نتائج مباحثات سوتشي والتعاون الأمريكي التركي في الحرب على الإرهاب وتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، فيما قال ترامب قبيل الاتصال عبر تويتر إنه سيبحث «سبل إنهاء الفوضى وإعادة السلام للمنطقة».

لكن الأبرز في هذه المكالمة التي وصفتها أردوغان بـ»البناءة» التعهد المفاجئ للإدارة الأمريكية لتركيا أنها لن ترسل مستقبلاً أي أسلحة لوحدات حماية الشعب الكردية في شمالي سوريا، وهو ما عارضته أنقرة على الدوام وتسبب في خلافات بين البلدين.

وبينما كان البيض أقل وضوحا بالقول إن «ترامب سيراجع سياسات تسليح الوحدات الكردية في شمالي سوريا»، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن ترامب تعهد مرتين وبشكل واضح بوقف تسليح التنظيم، مضيفاً: «ترامب قال إنه أصدر تعليمات واضحة لمؤسسات بلاده بعدم إرسال شحنات إضافية من الأسلحة لتنظيم (ب ي د)».

لكن «تطمينات ترامب» لأردوغان جاءت بعد يوم واحد من كشف صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية عن نية إدارة ترامب إنشاء إدارة محلية بالمناطق الكردية شمالي سوريا، وبعد يوم واحد من إعلان مسؤولين أمريكيين، السبت، أن العدد الحقيقي للقوات الأمريكية في شمالي سوريا يتجاوز الألفين وهو ما يثير مخاوف أنقرة من نية الإدارة الأمريكية مواصلة دعم الوحدات الكردية في مسعاها لإقامة كيان منفصل شمالي سوريا.

وشكك سياسيون ومحللون أتراك في جدوى القرار الأمريكي سيما وأنه يأتي عقب قرب انتهاء الحرب على تنظيم «الدولة» في سوريا وبعد أن باتت الوحدات الكردية تمتلك فعلياً جيشاً معززاً بأسلحة متطورة، حيث اتهمت أنقرة بالسابق واشنطن بتقديم ما مجمله أكثر من 4 آلاف شاحنة أسلحة لهذه الوحدات.

مؤتمر الحوار السوري

ومن أبرز العقبات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، احتمال رفض المعارضة السورية المشاركة في مؤتمر سوتشي الذي توافقت عليه تركيا مع روسيا وإيران، مناقشة مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، في حين تسعى أنقرة التي تعتبر أبرز داعمي المعارضة السورية وتستضيفها على أراضيها إلى إنجاح المؤتمر.

والمعارضة السورية التي باتت مقربة من السعودية بشكل أكبر لكنها لا تستطيع التخلي عن تركيا المجاورة للأراضي السورية وتستضيفها على أراضيها أكد رئيس هيئتها التفاوضية الموحدة الجديد نصر الحريري أن تركيزها ينصب حالياً على محادثات جنيف التي تنطلق بعد أيام برعاية الأمم المتحدة.

واعتبر الحريري أن «اقتراح روسيا عقد مؤتمر للحكومة والمعارضة السورية في سوتشي لا يخدم العملية السياسية»، داعياً المجتمع الدولي وروسيا إلى أن «نركز كل أعمالنا من أجل خدمة العملية السياسية وفقا للمرجعية الدولية في جنيف برعاية الأمم المتحدة حتى نختصر الوقت وحتى نصل للحل المنشود»، وأكدت المعارضة مجدداً خلال مؤتمر الرياض أنها ما زالت تتمسك بـ «لا دور للأسد في الفترة الانتقالية».

خلافات متوقعة

وعلى الجانب الآخر، وفي حال قبول المعارضة السورية حضور مؤتمر «السلام السوري» في سوتشي، يتوقع أن تبرز خلافات أكبر بين أنقرة وموسكو حول مشاركة ممثلي الوحدات الكردية في المؤتمر، حيث شدد أردوغان في ختام القمة على أنه «لا يتوقع أحد أن تجلس بلاده إلى جانب الإرهابيين»، مضيفاً: «لا يمكن أن نعتبر عصابة إرهابية أياديها ملطخة بالدماء طرفاً شرعياً».

وقال جاويش أوغلو: «تركيا عارضت مشاركة (ب ي د) في مؤتمر الحوار السوري في مدينة سوتشي الروسية، وهو ما عارضته إيران أيضا»، مشدداً على ضرورة «عدم مشاركة المنظمات الإرهابية في مؤتمرات الحوارات السورية، وعلى وجه الخصوص تلك التي لا تحترم وحدة التراب الإقليمي السوري».

لكن المتحدث باسم الرئاسة الروسية «الكرملين» ديمتري بيسكوف، وعلى الرغم من قوله إن موسكو تعلن أن «شركاءنا الأتراك لديهم تحفظات حيال موضوع بعض القوى التي يعتبرون أنها تشكل تهديدا لأمنهم»، شدد على أن «هذا لا يعني أن العمل لن يجري. يقوم خبراؤنا بعمل مكثف لكي يقرروا ويتفقوا على لوائح (المشاركين)».

القدس العربي»

 

 

 

أستانة والرياض خيبتان في أقل من عام: هل خسرت الثورة السورية آخر الحلفاء؟/ منهل باريش

أسهم التوافق الروسي ـ السعودي الذي بدأت تتكشف ملامحه منذ زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، في تشرين الثاني (أكتوبر)، في استدارة سعودية تجاه الملف السوري، شبيهة بتلك التي قامت بها تركيا عقب إسقاط القاذفة الروسية، حيث أثمرت عن السماح لتركيا بإطلاق عملية «درع الفرات» وإجبار الفصائل العسكرية على الموافقة على اتفاق أنقرة الذي نتجت عنه جولات أستانة ومناطق «خفض التصعيد».

وتعتبر الدعوة إلى الرياض-2 أولى علائم تلك الاستدارة، حيث قامت الخارجية السعودية بتوجيه الدعوات إلى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، إضافة إلى منصتي القاهرة وموسكو ونحو سبعين مستقلا من الشخصيات العسكرية والسياسية، وقامت الخارجية السعودية باستثناء أغلب أعضاء «الهيئة العليا للمفاوضات» وعلى رأسهم الدكتور رياض حجاب، ما أسفر عن استقالته وتسعة من أعضاء الهيئة العليا، أبرزهم رياض نعسان آغا، واللواء عبد العزيز شلال والشيخ سالم المسلط، إضافة إلى تيار «الصقور» لدى الفصائل والذي يتزعمه الرائد حسن إبراهيم الملقب «أبو أسامة الجولاني».

واستُثنيت «هيئة التنسيق» من قائمة المبعدين من أعضاء «الهيئة العليا» ليحضر أعضاؤها بشكل كامل ويحصلون على «كوتــا» لممثــليــهم مع الائتلاف الوطني ومنصة القاهرة ومنصة موسكو، مع «كوتا» للفصائل غير مقنعة لها، الأمر الذي جعلها تهدد بالانسحاب.

وبعيدا عن الكتل السياسية التي يبدو أنها أخذت قرارا بقبول «الحل السياسي» على الطريقة الروسية وحسب ما يشتهي المبعوث الأممي ستافان ديمستورا، فان الفصائل العسكرية تقع في حرج كبير مع بقائها ضمن التركيبة الجديدة لـ«الهيئة العليا». فاليوم أصبحت الفصائل العسكرية شريكة مع منصة موسكو صنيعة الروس والاستخبارات السورية، ولا تقبل برحيل بشار الأسد، بل وتستعدي على الثورة صراحة وعلانية، حيث اتهم قدري جميل الثورة السورية بأنها «صنع الصهيونية والإمبريالية الأمريكية». وقال عن مطلب رحيل الأسد إنه «غير واقعي» ويعطل الحل السياسي، واقترح أن تقبل المعارضة بأربعة نواب للأسد يقومون بالإصلاح من الداخل.

البيان الختامي يُتهم فريق ديمستورا بصياغته حسب متابعين ومقربين مع جولات المفاوضات في جنيف، ورفض رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن صقر، ومدير الجلسات، أي تغيير في فقرات مسودة البيان التي نوقشت على مدار يوم ونصف. والجدير بالإشارة أن إدارة المؤتمر لم تسلم أي نسخة ورقية إلى المؤتمرين وإنما قامت بتغيير بعض العبارات على الشاشة أمام الحاضرين الذين فوجئوا أن المسودة الأساسية ما زالت على حالها ومررت إليهم وهم على طاولات الغداء يوم الخميس ليوقعوا عليها. وهو ما يعتبر فضيحة بحق الخارجية السعودية، ناهيك عن المعارضة السياسية التي اعتادت الفضائح سابقا ومنذ قبولها بمنصتي موسكو والقاهرة في جولة جنيف 4.

وبعيدا عن البيان الختامي الفضفاض والهلامي، فإن منتج المؤتمر الواضح حتى كتابة هذه السطور يدل على أن أغلبية الوفد التفاوضي المكون من 11 عضوا أصبحت فيه أغلبية ستوافق على الانخراط في المسار الروسي للحل، وذلك حسب النسب المعطاة لكل فريق من الكتل الأربة إضافة إلى المستقلين. ولن ينفع انسحاب الفصائل لاحقا ولن تنزع شرعيته بعد تسميته. هذا إن افترضنا أن لقادة الفصائل الشجاعة على رفض الضغوط في الرياض، لكن تجربة أستانة أفادت أن «العسكر» لا يقاومون أي ضغط بسبب ارتباطهم بالدول الداعمة، وضعف خبرتهم السياسية.

إلى ذلك، أعلن المبعوث الأممي ديمستورا أن صياغة دستور جديد هو على رأس جدول أعمال جنيف المقبلة، والتي ستعقد في 28 الشهر الجاري، ما يعني انقلابا واضحا على بيان جنيف لعام 2012 ويفسر بشكل لا يقبل الشك أن الرياض 2 عقد للإطاحة بالهيئة العليا للمفاوضات بسبب تمسكها بالانتقال السياسي، وهو ما ينفي أي تفسير إيجابي لبيان الرياض 2 يتذرع البعض به. وتصبح القرارات الدولية في المفاوضات المباشرة مرهونة بالتوازنات الدولية والإقليمية وهي بعد الاستدارتين التركية والسعودية أصبحت في صالح النظام بما لا يقبل الشك.

في التوازي، فان توطئة مناقشة الدستور في جنيف ستنتقل إلى موتمر سوتشي للحوار الوطني، التي ستعقده روسيا مطلع الشهر المقبل بعد جنيف مباشرة. فروسيا ترى أن الحل السياسي في سوريا قائم على «إصلاح دستوري» و« انتخابات» يحق للأسد المشاركة فيها باشراف دولي.

وهو أيضا أحد أفخاخ البيان الختامي: «اتفق المشاركون على أن هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية ما يمكن السوريين من صياغة دستورهم دون تدخل، واختيار قياداتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يشارك فيها السوريون داخل وخارج سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة». وهو جوهر حديث بوتين في القمة الثلاثية، الروسية ـ التركية ـ الإيرانية، التي عقدت منتصف الأسبوع في منتجع سوتشي الروسي.

مخرجات مؤتمر الرياض 2 سترسم تحولا جديدا في القضية السورية تسعى من خلاله روسيا إلى إعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه، عبر مطلب تعديل الدستور والقبول بترشحه بضمانة دولية، لكن هذه المرة لم تبق روسيا وحيدة في هذا التوجه، بل أصبحت الدول الصديقة هي اليد الضاربة في عمليات تطويع الرافضين.

القدس العربي»

 

 

 

ورقة الشرع ترفع في سوتشي.. رجل المرحلة الانتقالية؟/ دينا أبي صعب

أوراق روسية وسورية جديدة تطرح عشية الدخول الى مفاوضات “جنيف-8” المقررة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني. مصدر بارز في المعارضة السورية قال لـ”المدن”، إن أهم الاوراق التي ستظهر في مؤتمر “الحوار الوطني السوري في سوتشي”، هي “عودة فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري السابق، الى الظهور بعد غياب استمر لسنوات، ليترأس وفد الحكومة السورية الى مؤتمر سوتشي”، ما يعني أن هذا المؤتمر، المكمل لمسار جنيف، قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة من الحل السياسي في سوريا.

ويشير المصدر، إلى أن طرح اسم الشرع جاء باقتراح تقدم به عدد من المعارضين الى الجانب الروسي، وجاءت الموافقة عليه لاسباب عديدة، أهمها اعتبار الشرع شخصية وسطية، تحظى بقبول رسمي ومعارض في آن، وهو ظل بعيداً من العمل السياسي لسنوات، ما يعني أن شرط المعارضة المتكرر بقبول “من لم تتلوث ايديهم بالدم السوري ينطبق ايضاً على الشرع، الذي سيُطرح، بقبول من المعارضة وروسيا، ليكون رئيساً لسوريا خلال المرحلة الانتقالية”.

لكن “إقناع شركاء” موسكو بالشرع قد لا يكون عملية سهلة، وتشير مصادر تابعت قمة سوتشي الثلاثية، الايرانية-التركية-الروسية، الى أن ايران مازالت متمسكة بالرئيس السوري بشار الأسد في منصبه، فيما “لا تهتم روسيا بشخص الاسد بذاته بقدر ما يهمها الحفاظ على وحدة الدولة وتماسك مؤسساتها، ووجود بديل كالشرع لن يعرقل مسار الدولة، وسيكون مقبولاً من النظام ومؤسساته كما من المعارضة والدول الداعمة لها التي لطالما تمسكت برحيل الاسد عن سدة الحكم” وفقاً للمصادر.

وتشير المصادر الى ان مصالح المعارضة السورية تتقاطع مع القبول الروسي بطرح الشرع، فهو قادر “على تسلم الرئاسة في المرحلة الانتقالية، والخوض في عملية الاصلاح السياسي والدستوري ولا يهدد وحدة مؤسسات الدولة واستمراريتها”، ورجحت المصادر أن تسير الامور بالاتجاه الذي تريده روسيا، بعدما أصبحت تدير الملف السوري بكل تفاصيله، وخصوصاً السياسية.

ويرى مراقبون أن أهمية “مؤتمر سوتشي” تكمن في توقيته والشخصيات التي ستحضره، بالإضافة إلى الدعم الدولي الذي بات يحظى به. ومن المتوقع حضور مئات المدعوين ممن وقعوا اتفاقيات “خفض التصعيد العسكري” عبر “مركز المصالحة الروسي” في قاعدة حميميم العسكرية، بالاضافة الى مستقلين وممثلين عن تكتلات سياسية ومجالس محلية، باعتباره محطة مكملة لـ”جنيف-8″، الذي سيعقد على مرحلتين يتوسطهما “مؤتمر سوتشي”.

ويخطط المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى تخصيص الجولة الجديدة من المحادثات لطرح سلتيه الثانية والثالثة، الدستور والانتخابات، تحت سقف القرار الدولي 2254. وتشير المعلومات الى ان “سوتشي” لن تكون بعيدة عن هذه العناوين، حيث ستشكل فرصة حضور هذه الاعداد الكبيرة من اطياف السوريين، المعارضين والموالين، فرصة مثالية لبحث مسألة الدستور والخيارات المتاحة حياله، إن لناحية التعديل او صياغة دستور جديد للبلاد.

واشارت مصادر دبلوماسية في جنيف، إلى أن مندوبين عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن سيعقدون اجتماعاً في جنيف 27 نوفمبر/تشرين الثاني، تحضيراً للاشراف على مسار العملية التفاوضية. ويتزامن ذلك مع وصول وفد المعارضة السورية الى جنيف، بعد ولادة عسيرة أفضت إلى تشكيله في “الرياض-2”.

وتقول مصادر حضرت المؤتمر، إن الرياض “ارادت ان تنجز الجزء المتعلق بها حيال تشكيل وفد المعارضة بأي شكل، وفرضت تشكيل الهيئة العليا من ٣٦ شخصية وكان على الجميع الموافقة”. واضافت المصادر أن الرياض تجنبت الفشل نظراً للوعود التي قدمتها للدول المشرفة على الملف السوري، وكانت بالتالي مضطرة للتفاوض مع منصتي القاهرة وموسكو على عدد من المقاعد تسمح بمنح المنصتين القدرة على تعطيل القرارات المتخذة من قبل الهيئة.

وفي هذا الخصوص قال رئيس “منصة موسكو” قدري جميل لـ”المدن”، إن المنصتين حصلتا على ثمانية مقاعد “بعد اجتماع لساعات بين رئيس منصة القاهرة جمال سليمان وممثل منصة موسكو علاء عرفات، ولقد رفضنا دخول المعارضة في مفاوضات جنيف بشروط مسبقة لأن وضع شروط مخالف للقانون الدولي 2254”.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى