صفحات المستقبل

قناة في غير “دنيا”


لميس فرحات

تتحفنا “قناة الدنيا” السورية يومياً بأخبار وتحليلات خلاقة، لو مرت على بال جوزيف غوبلز، وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر، لكانت النازية أقوى السياسات في العصر الحديث.

هذه المؤسسة الإعلامية التي اعتمدت منذ 11 شهراً على منهج “اكذبوا ثم اكذبوا حتى تصدقوا أنفسكم أو حتى يصدقكم الجمهور”، تستحق عن جدارة لقب “المؤسسة الغوبلزية الجديدة” بعد أن أتقنت فن الدعاية في تغليف وتزيين أبشع الأحداث منذ اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

بعيداً عن محاولة إثبات صحة ما تبثه “الدنيا” من زيفه، إذ إن ذلك سيتطلب مجهوداً علمياً وعصبياً في آن معاً، يبقى الخبر الأهم والأكثر دلالة هو استفتاء “تفتقت” عنه “عبقرية” القناة، ويدعو الشعب السوري إلى دعم الجيش العربي السوري “ادعم المطالبة الشعبية للجيش العربي السوري بالقضاء على الإرهاب المسلح، صوتك يؤثر”، استفتاء بسيط بمحتواه، إنما كبير وخطير بمعناه.

بعد أن تحول الجيش العربي السوري من “حامي الديار” إلى “حامي دار” واحدة ومعينة، لجأت “قناة الدنيا” إلى استراتيجية هي أقرب إلى فعل أمر من استفتاء، إذ بدأت بـ”ادعم” موجهة أوامرها إلى الشعب السوري، من دون تقديم أي شروحات أو توضيحات وكأن النتائج معدة سلفاً.

للإجابة عن الاستفتاء، يتعين على المواطن السوري إرسال رسالة فارغة إلى الرقم 1842، الأمر الذي يعني أن شركة الاتصالات “سيرياتيل” ومن ورائها رامي مخلوف ستكون “الحاضنة” لهذا الاستفتاء، مع ما يفضي إليه من نتائج مالية وسياسية وأمنية ومعنوية ترتد وبالاً ومآسي على الشعب السوري الأعزل.

بالتأكيد رامي مخلوف لا يسعى إلى الربح المادي من هذه الخطوة، ليس تعففاً بل امتلاءً وانتفاء حاجة، والمستفيد الأول والأخير من الاستفتاء هو حشد التأييد الشعبي لحملة قمع وحشية، تنذر بأسوأ مما أثمرت.

لم توضح أوامر “قناة الدنيا” المعايير التي تعتمدها في تعريف “الإرهاب المسلح”. هل هو ذاك الذي يطالب بالحرية بصرخة مجروحة ويموت وحيداً، أو من يوجه نحوه طلقة الموت لأنه تجرأ على قول الـ”لا” المحرمة، أم ذاك الذي أنشد الحرية واقتلعت حنجرته.

واستناداً إلى الاستفتاءات السورية السابقة، هل ستكون نتيجة دعم الجيش في القضاء على الإرهاب المسلح 99.99% ككل مرة، أم أن دعم وتأييد الشعب السوري سيتخطى هامش عدم التأييد الذي يرمز إلى الديموقراطية ويمثل دائماً نسبة 0.01 %؟

والأسوأ في “حملة التحريض على القتل” تسميتها أو نعتها بـ”الاستفتاء”، ذلك أن الإجابة مفروضة ووضعت سلفاً لتتماشى مع نتيجة ارتفاع تعداد الضحايا؟

الاستفتاءات أو الأسئلة التي تتطلب من المشتركين الإجابة عن سؤال محدد بواسطة رسالة نصية، عادة ما تعد المشتركين بـ”ربح سيارة” أو “سفرة أحلام” وربما مبلغ مالي ضخم. لكن الاستفتاء الذي أتحفتنا به فضائية “الدنيا”، يطلب من الشعب دعم الجيش في عملياته الوحشية، والفوز هنا هو: البقاء على قيد الحياة تحت حكم كتائب الأسد والأجهزة الأمنية.

فرضاً أن الاستفتاء موضوعي مئة بالمئة وسيعبر عن الفئة التي تدعم الجيش العربي السوري بالقضاء على “الإرهاب”، ماذا عن أولئك الذين فقدوا أطفالهم ورجالهم وعائلاتهم بنيران هذا الجيش؟ ألا يوجد استفتاء يمثلهم؟ أم أنهم في فئة الإرهابيين التي يشير إليها الاستفتاء، والذين سيتم القضاء عليهم، وفقاً للنتائج المعروفة سلفاً؟

منذ متى والجيش يستمد شعبيته من استفتاء هاتفي؟ أليس “حامي الديار” من يكتسب شرعيته من الشعب الذي يحميه وينصره ضد المعتدي؟ أليس الجندي المثالي والوطني هو الذي يسهر على راحة وأمن المواطن، لا من يهدد حياته وحياة عائلته؟

المواطن يطمئن عندما ينام في سريره قرير العين وهو على يقين بأن الجيش يحمي أرضه وعرضه، لكن السوري ينام بعين واحدة ويبقي الثانية مبصرة متنبهة إلى يد الغدر التي تطاله تحت جنح الظلام، وبصبغة مزيفة يستحيل أن تتغلب رائحتها النتنة على الدماء الزكية التي تروي تراباً اشتاق للحرية.

قناة الدنيا حرصت على التأكيد لمشاهديها أن أصواتهم سترسل إلى “السيد وزير الدفاع”، ظناً منها أن ذلك سيضمن مصداقية الاستفتاء وشفافيته، حتى خُيل للمواطن السوري أن الوزير يذرع مكتبه ذهاباً واياباً ويفرك يديه شوقاً للنتيجة التي تعتمد على حسابات دقيقة بالأرقام والوثائق.

على هذا، فإن السؤال الملح: هل ستعلن نتائج “الاستفتاء” على حقيقتها، أم أن النتيجة مقررة سلفاً؟ وهل سيتصرف السيد الوزير وفقاً لنتيجة الاستفتاء أم أن خارطة القتل رسمت وستنفذ مهما كانت المعوقات؟

أيها المواطن السوري، ادعم الجيش العربي السوري في استفتاء عنوانه “القضاء على الإرهاب”، لا يستر عورة نظام حاقد اعتاد سحق شعبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى