صفحات الناس

في سوريا… سوق صرف “خاصة” لكل محافظة

 

 

لا توجد سياسة مالية أو قرار اقتصادي يحكم سعر الصرف في سوريا، وعليه، أصبحت كل محافظة تحدد سعر صرف يتناسب وظروف الحرب التي تعيشها، الأمر الذي يسمح بنقل مبالغ كبيرة يومياً بين المحافظات، مقابل تراجع كبير في نسبة توفر الليرة السورية. كل ذلك ينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع في الأسواق وعلى الحركة التجارية. فعدم توفر القطع الأجنبي لتمويل المستوردات يدفع التاجر إلى السوق السوداء لشراء القطع ما سيزيد من تكلفة البضائع ويؤثر على السعر النهائي للمنتج عند طرحه في الأسواق. ويعتمد تقييم سعر الصرف في كل محافظة على السعر المحدد في المحافظات الأخرى أو بحسب العمليات التجارية التي تتم فيها.

واختلاف سعر الصرف بين محافطة وأخری يتوقف على حجم السيولة بالليرة السورية في كلّ منها. ففي محافظات مثل دمشق وحماه هناك ارتفاع كبير في المعروض من أموال بالليرة، لذلك نجد سعر صرف الدولار مرتفعاً دائماً، أما في بقية المناطق فهناك صعوبة في إيصال الليرة، خصوصاً في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام، لعدم وجود مؤسسات مالية فيها.

يشرح عمر الجراح، وهو موظف في أحدى شركات الصرافة، لـ”المدن”، كيف يتم تقييم سعر الصرف في كل محافظة، إذ “لا يتم تحديد سعر الصرف في منطقة إلا بناء علی منطقة أخری، فعلى سبيل المثال سعر الصرف في درعا يعتمد علی السعر في دمشق، والسعر في حلب ومنبج علی سعر الصرف المحدد في الرقة، والسعر في الحسكة والدرباسية وعامودا يقيّم علی أساس سعر الصرف في القامشلي، أما السعر في أدلب وحمص فيحدد بناءً علی سعر الصرف المتداول في محافظة حماه”.

يضيف عمر: “في ظل الاختلاف في سعر الصرف بين محافظة وأخرى يتم تسجيل حركة كبيرة لنقل مبالغ بالدولار أو بالليرة من منطقة إلى أخری، تتراوح بين 50 و100 ألف دولار، كما يتم نقل مبالغ بين الرقة ومنبج تفوق ذلك بكثير”.

وعن تأثير تغيّر قيمة سعر الصرف على عرض السلع وطلبها وتذبذب أسعارها، يشير عمر إلى وجود انعكاس مباشر لسعر الصرف على حركة الأسواق التجارية. فمعظم التجار لجأوا لشراء القطع الأجنبي من السوق السوداء خصوصاً بعد أن تلقوا وعوداً كاذبة من المصرف المركزي بتمويل مستورداتهم، ولذلك فإن 90% من تجار سوريا يعتمدون علی السوق السوداء لشراء الدولار، أما التجار الآخرون فيحصلون على الدولار بالسعر الرسمي عبر الواسطات والمحسوبيات”.

وفي السياق، يشير برهان الكردي الذي يعمل في “تجارة العملة” في ريف ادلب، الى أن هناك مبالغ كبيرة من الصعب تحديد قيمتها تنتقل بين المحافظات. “فعلى سبيل المثال الدولار الموجود في ريف أدلب يُنقل إلى محافظة حماه، كما سمعنا مؤخراً عن وصول شحنة مالية من بيروت إلى سوريا. والهدف من نقل العملات بين المحافظات هو جني الأرباح نتيجة لفارق السعر”. ويضيف أن “زيادة الطلب على الدولار تؤدي إلى ارتفاع سعره خصوصاً من قبل التجار لتمويل مستورداتهم، ما يؤثر على أسعار السلع والمواد في الأسواق. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يتم تسعير السلع بالليرة أما في مناطق المعارضة فيكون التسعير وفق قيمة الدولار”. وتجدر الإشارة إلى وجود صعوبة في نقل الدولار في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لأن الأخير يلاحق أي شخص بحوزته مبالغ بالدولار، وهذا أمر يتسبب بارتفاع سعر الصرف، أما في مناطق المعارضة فيكون سعر الصرف أقل بسبب توافر الدولار بكميات كبيرة. فمثلاً سعر صرف الدولار في حلب الشمالية هو 285 ليرة، وفي وسط مدينة حلب 288 ليرة. أما في الرقة فيصل سعر الصرف إلى 283 ليرة، “لأنّ داعش يقوم ببيع النفط للنظام بالدولار”، وفق ما يقوله لـ”المدن” عبد الوهاب طحان، صاحب محل للصرافة في مدينة الأتارب غربي حلب.

ومن وجهة نظر “مصرف سوريا المركزي”، فإنه يضع، من خلال التدخل الذي يجريه بين الحين والآخر في سوق الصرف، آلية لتمويل المستوردات وخصوصاً للصناعيين والمصدّرين. وهو يعتبر ذلك خطوة استراتيجية لدعم محركات الانتاج في السوق السورية، وبالتالي خلق فرص عمل وإعادة خلق صناعات وطنية منافسة، إلى جانب تشجيع المنتجين والصناعيين المحليين على افتتاح معاملهم من جديد. والأهم جذب القطع الأجنبي من الخارج من خلال التصدير ما سيؤدي حتماً لتحسين سعر الصرف في المدى الطويل والمتوسط. إلا أنه لا دور لأي من هذه الأجراءات في ما يتعلق بخفض أسعار السلع التي ترتفع باضطراد.

وبحسب أحد الخبراء الإقتصاديين، فضّل عدم ذكر اسمه، فإنّ الفرق بين المحافظات في سعر الصرف في السوق السوداء، وهو فرق بسيط لا يتعدى 1%، لا يؤثر على أسعار السلع عند تقييمها وفقاً للدولار.

ويشير إلى أنّ “اختلاف اسعار الصرف يعود الى حركة العرض والطلب، ففي دمشق الحركة مختلفة عن المحافظات الأخرى، وكذلك الأمر في المحافظات الساحلية حيث يحتاج التجار إلى مبالغ بالقطع الأجنبي لتسديد رسوم معينة. أما التاجر في حمص فقد لا يحتاج إلى قطع أجنبي لأن تسديد قيمة بضاعته سيتم في دمشق أو اللاذقية. وبذلك يكون ارتفاع أو انخفاض سعر الصرف متوقفاً على وضع كل محافظة: هل هي محافظة استيراد أو تصدير أو نقطة لعبور البضائع؟ وما هو حجم الفعاليات والأنشطة الاقتصادية فيها؟

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى