صفحات العالم

تحطم الوهم السوري


ساطع نور الدين

يتعلم السوريون في مدارسهم وجامعاتهم كما في حلقاتهم الحزبية ومقاهيهم السياسية ان بلادهم هي قلب العالم العربي ومحوره الاستراتيجي وهي مدخل الشرق الاوسط ومركز العالم الذي لا يمكن ان يطل على الشرق كله الا من دمشق، التي لا يمكن ان تكون حرب او سلام من دونها.

وهو عارض لا يقتصر على السوريين وحدهم بل هو يشمل غالبية الشعوب العربية التي اكتسبت تلك الثقافة السياسية بناء على دراسات مبسطة لخريطة العالم وعلى قراءات قديمة للجغرافيا السياسية مستمدة من معطيات القرن التاسع عشر، عندما كان موقع اي بلد عربي هو العنصر الحاسم والوحيد في تحديد أهميته، وعندما كان تاريخه هو العامل المؤثر في تحديد دوره وراجت نظرية الجسر بين القارات والحضارات والامم ، من دون اي اعتبار للقيمة الفعلية التي تمثله هذه البلدان ومن دون اي تقدير للتطور الهائل في معارف الغرب ومصالحه وطموحاته العربية.

وهو وهم سبق ان أصاب الفلسطينيين الذين اعتبروا انفسهم، وربما ما زالوا، الرقم الصعب في العالم العربي بل وفي الكرة الأرضية كلها، كما سبق ان أصاب اللبنانيين الذين زعموا انهم طليعة اليمين واليسار العربيين وظنوا ان بلدهم هو مرآة العرب ومنارتهم قبل ان يكتشفوا انه ملعبهم ومركز تسليتهم، كما سبق ان أصاب العراقيين الذين افترضوا ان نفطهم ومياههم تحميهم من الخراب والدمار ..

ما زال السوريون يعيشون على ذلك الشعار الاثير الذي يرددونه كل يوم، على اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية: قلب العروبة النابض الذي ينزف الان بغزارة شديدة، من دون ان يبدو ان العرب يشعرون بالاضطراب، بل ببعض الوجع والأسى المستمد من بعض الحرص الذي تتنوع أشكاله وتختلف درجاته على الوطن السوري الغارق في حرب أهلية لا احد يعرف مداها ولا سبل إنهائها.. لكن الجميع يدرك ان سوريا لن تكون أغلى على العرب من فلسطين، او اهم من العراق، او اشد إغراء من لبنان، ولن تكون أيضاً اكثر إلحاحا من اليمن او مصر او حتى ليبيا او تونس مثلا .

حان دور السوريين لكي يدفعوا ثمن هذا الوهم الذي يبدو ان الثورة الشعبية تفككه من اجل ان تعيد انتاج هوية وطنية سورية ومصرية وليبية وتونسية طبيعية تستطيع ان تبلور في مرحلة لاحقة الهوية العربية على أسس عقلانية راسخة. الكلفة الدموية باهظة، لكنه مسار حتمي لا رجعة فيه، لا في سوريا ولا في اي بلد عربي آخر.

.. ويتحدثون عن مؤامرة خارجية على سوريا، لن يكون لها سند في قرار الجامعة العربية غداً في القاهرة بتمديد مهمة المراقبة البائسة، ولا في التزام الغرب بان يصرخ بأعلى صوته مستنكرا المذبحة التي تمثل ذروة الخيانة للثقافة السياسية السورية المشوهة.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى