مراجعات كتب

كتاب مهم للباحث العراقي عصام فاهو العامري: المأزق العالمي للديموقراطية/ عصام فاهو العامري

 

 

صام فاهم العامري «المأزق العالمي للديموقراطية، بلوغ نقطة التحول»، (عن «المركز العربي للأبحاث والسياسات). كتاب يناقش مستقبل السياسات الديموقراطية عملياً وفكرياً في عدد من البلدان مفترضاً أن هذه الديموقراطية تواجه مأزقاً عالمياً بسبب التحولات العالمية الكبرى والمطالبة الشعبية بالديموقراطية التي تتراجع وفق مؤشرات القياس المعتمدة لها. الأمر الذي أوصلها إلى نقطة تحول باحتمالين: ارتدادها وانحسارها أو السير بها إلى آفاق رحبة تنهض بمؤسساتها وقيمها وجوهرها على نحو يستجيب لعصر ما بعد الصناعة.

الكتاب من خمسة فصول، الأول في ماهية الديموقراطية ومفاهيمها وعناصرها ومعاييرها وأوجه قياسها، ويناقش المؤلف الباحث في الفصل الثاني الحجج التي تؤدي فرضية التوسع العالمي للديموقراطية.

وفي الفصل الثالث يتناول بالتحليل والدراسة تحولات الديموقراطية وموجاتها عبر التاريخ، مع التركيز على حوادث الربيع العربي ومآلاته.. أما في الفصل الرابع فيتطرق إلى واقع الديموقراطية في مناطق العالم المختلفة وانتكاساتها والتحديات التي تواجهها، وفي الفصل الخامس شروط ازدهار الديموقراطية، عبر نماذج حكومات ديموقراطية، ليختتم باستنتاج بلوغ الديموقراطية نقطة تحوّل فاصلة في تاريخها.

هنا المقدمة التي تصدرت هذا الكتاب المهم.

[ المقدمة

يخاطر الناس في كثير من الدول بحياتهم بالنزول إلى الساحات مطالبين بتغيير أنظمة الحكم في بلدانهم وبإحلال الديموقراطية. وعلى الرغم من الأثمان الباهظة التي تدفعها الشعوب في سبيل ذلك، فإنها لم تحقق في معظم الأحيان مطالبها في تحقيق الديموقراطية كما أرادت وحلمت. صحيح أنه كثيراً ما أُطيح المستبدون، لكن خصومهم أخفقوا في معظم الحالات في إنشاء أنظمة ديموقراطية قابلة للحياة. وعلى الرغم من الإحباط الذي منيت به شعوب كثيرة بسبب تجارب التحول الديموقراطي الفاشلة، فإن هذه الشعوب نفسها، وغيرها من الشعوب، لم تكف عن المخاطرة المرة تلو الأخرى لدفع الأثمان غالياً في سبيل تحقيق حلمها في الديموقراطية، فهل تستحق محاولة تحقيق الديموقراطية هذه التضحيات كلها؟

أما الأسباب، فيسهل تبريرها؛ فالأنظمة الديموقراطية في المتوسط أكثر ثراء من الأنظمة غير الديموقراطية، وأقل عرضة لخوض الحرب، وتتسم بسجل أفضل في مكافحة الفساد. والأهم من ذلك هو أن الديموقراطية كنظام حكم تتيح للناس التعبير عن أفكارهم، وصوغ مستقبلهم ومستقبل أبنائهم بطريقة أفضل مما يتيحه سواها من أساليب الحكم.

إن مشاهد الانتفاضات الشعبية ضد أنظمة فاسدة وظالمة أضحت تتكرر على نحو متزايد في عواصم مختلفة منذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ليس في الشرق الأوسط وحده، بل أيضاً في كييف وأنقرة واسطنبول وبنغلادش وتايلاند وكمبوديا وغيرها من البلدان. ويُتوقع أن يتوسع في الأعوام المقبلة نطاق هذه المشاهد أفقياً في أماكن أخرى من العالم، بعد أن أضحت الشعوب أكثر قدرة على مواجهة حكوماتها الفاسدة والمستبدة. ومن شأن هذا أن يوسع الاتجاه العالمي للديموقراطية، ولا سيما أن خروج الجماهير إلى الشوارع بعشرات الآلاف، وبالملايين أحياناً، لتغيير حكوماتها، قلّص إلى حد كبير الأدوار التي كانت تضطلع بها الجيوش في حماية الحكومات المستبدة.

في أي حال، يتأكد توسّع الاتجاه العالمي للديموقراطية بفعل الاتجاهات الكبرى التي تسيطر على مجمل التحولات في العالم خلال العقدين المقبلين على الأقل، التي من شأنها أن ترسم ملامح المستقبل للعالم في باقي عقود القرن الحادي والعشرين. وتصنّف هذه الاتجاهات الكبرى بين أربعة اتجاهات رئيسة: أولاً، تمكين الأفراد ونمو الطبقة المتوسطة عالمياً؛ ثانياً، انتشار القوة وتوزعها بين الدول والشبكات والتحالفات غير الرسمية؛ ثالثاً، التغيرات الديموغرافية الناجمة عن التوسع الحضري والهجرة والشيخوخة السكانية؛ رابعاً، زيادة الطلب على الغذاء والمياه والطاقة. ومن شأن هذه الاتجاهات أقله الاتجاهات الثلاثة الأولى أن تبشر بتوسع ما للديموقراطية على المستويين العالمي والمحلي.

غير أن هذا التوسع نفسه بدأ يلقي بظلاله على الديموقراطية ليشكل أحد عناصر مأزقها على المستوى العالمي. فكلما ازدادت الشعوب تمكناً وتحضراً، وارتفعت قابليتها واتسعت قدراتها ومعارفها ومعلوماتها، وتنوع اطلاعها على مشكلاتها وعلى الشعوب الأخرى وطريقة عيشها، وتعرفت إلى حاجاتها، صارت أقدر على تقويم أداء حكوماتها، وعلى فرض أدوات العقاب عليها، وأصبحت بالتالي أكثر تشبثاً بنداء الديموقراطية وبفرضه على نخبها وسياسييها وحكوماتها.

[ الغضب العارم

لعل ما يؤكد هذا الإدراك هو ما تواجهه الحكومات حالياً من غضب عارم يعتري شعوبها التي ساهم ازدياد وعيها من جهة، وتطور وسائل الاتصالات وشبكة الانترنت وتأثيراتها من جهة أخرى في قدرتها على تقويم أداء حكوماتها ومعرفة مكامن الفساد والخلل فيها، وبالتالي تفجر غضب الشعوب ضد أداء الحكومات حتى ساد ما يسميه سيمون شاما «عصر الغضب الشعبي» الذي يجتاح عدداً كبيراً من دول العالم، ومنها دول اوروبا الغربية وأميركا التي طالما اعتبرت «مهد الديموقراطية».

ان بروز عصر الغضب والاساليب التي يمكن ان تلجأ اليها الحكومات الديموقراطية لقمع المتظاهرين الغاضبين بقوة، يلقي الضوء على العنصر الآخر لمأزق الديموقراطية على المستوى العالمي. إذ تكشف مشاهد قمع الغاضبين في لندن وباريس ونيويورك (وول ستريت) وفي غيرها من المدن الغربية، مدى انتكاسات الديموقراطية حتى في الدول الغربية. وربما هذا ما دعا باتريك سيل الى وصف الاساليب التي تتبعها الحكومات الغربية في مواجهة الغاضبين انها «ليست فقط تعبيراً عن انفراط العقد الاجتماعي بل ونسفاً للديموقراطية».

في الواقع، ان الغضب الشعبي الذي اجتاح المجتمعات الغربية ليس مرهوناً بالأزمة الاقتصادية العالمية التي لا يزال العالم يعانيها منذ اواخر عام 2007، وان كانت هذه الأزمة قد فاقمت حالة السخط بسبب ما أحدثته من بطالة وتراجع في مستوى الحياة ونقص الدخل الفردي، وتراكم الديون الشخصية، وانما مصدره هو «توعك» الديموقراطية، كما يقول استاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون، تشارلز كوبتشان، النابع من أزمة الحاكمية التي تعاني الأنظمة الغربية بسببها، اضافة الى العولمة. ويضيف كوبتشان انه في مواجهة الضغط الاقتصادي والتفكك الاجتماعي والانقسام السياسي الذي اضحت تعانيه المجتمعات الغربية، بدأ الناخبون يبحثون عن ممثليهم المنتخبين من أجل نجدتهم ومساعدتهم. لكن، مثلما تحفز العولمة هذا الطلب الضاغط من اجل حكم قادر على الاستجابة، فإنها تضمن ايضاً ان يعاني هذا الحكم نقصاً شديداً في المعروض. وكانت الحكومات في الغرب الصناعي قد ولجت فترة من عدم الفاعلية الواضحة لثلاثة اسباب رئيسة.

[ العولمة

أولها ان العولمة جعلت كثيراً من أدوات السياسة التقليدية التي تستخدمها الديموقراطيات الليبرالية أدوات كليلة وفجة باطراد؛ ففي عالم معولم، اصبح لدى الديموقراطيات ببساطة سيطرة اقل على النتائج مما كان لديها من قبل؛ ثانيها ان كثيراً من المشكلات التي يطالب الناخبون الغربيون حكوماتهم بحلها تتطلب مستوى من التعاون الدولي يبدو غير قابل للتحقق بسبب انتشار القوة الغربية وتوزعها على باقي العالم، ما يعني وجود عدد كبير من «الطهاة» الجدد الذين يعملون في «المطبخ». وبهذا، ما عادت الاجراءات الفاعلة تعتمد بالدرجة الاولى على التعاون بين الديموقراطيات المتماثلة في التفكير؛ ثالثها ان الديموقراطيات تكون ذكية وسريعة الاستجابة عندما يتمتع ناخبوها بقناعة وتوافق في آرائهم، لكنها تكون بطيئة وخرقاء عندما يكون مواطنوها مبتئسين ومنقسمين. ولما كان أداء الأنظمة السياسية الغربية يعاني الجمود والضعف في الاساس، فان هذه الأنظمة كرست تراجع جاذبيتها الانتخابية، وبالتالي جاذبيتها الديموقراطية، الأمر الذي اشارت اليه مجلة دير شبيغل الالمانية في اطار تغطيتها احتجاجات الشباب الاوروبي في لشبونة وباريس واثينا ومدريد، واصفة اياها بأنها احتجاجات تطالب بـ»الديموقراطية الحقيقية».

[ إيبرلي

الواقع ان الشباب المتعلمين في أوروبا واميركا، اضافة الى النخبويين في السياسة والفكر في المجتمعات الغربية، يؤمنون إجمالاً بأن الديموقراطية ونظامها خيار لا يمكن اتخاذ موقف الحياد تجاهه. لكن الديموقراطية في الغرب اصابها التعفن والتقادم واعطاب كثيرة، وبدأ الجميع يشعر بوطأة ذلك، ويدعو الى تجديدها وتغيير مؤسساتها لتكون أكثر حيوية؛ اذ كتب دون ايبرلي في تسعينات القرن الماضي في هذا الشأن: «إن حياتنا السياسية وحوارنا العام في أزمة؛ فالناس يتصورون ان الحكومة غير مؤهلة في كثير مما تفعله، وأن فشلها مكلف، ويعتبرون ان السياسة معزولة وغير مترابطة. لقد تطورت السياسة لتصبح عملاً ذا شأن عظيم بحيث اصبح لدينا طبقة حاكمة شبه دائمة هي المنتج والمستهلك لكل ما يجري. لذلك، لا غرابة ان يرى الناس ان السياسيين لا يخدمون سوى اغراضهم الخاصة، وانهم اميل الى خلق المشاكل من حلها. ومن المستبعد ان يقدموا حلولاً حقيقية لتحسين نوعية الحياة».(…)

[ الحوار

في هذا الإطار، نهدف من هذا الكتاب الى المساهمة في الحوار الدائر في عدد من البلدان في شأن مستقبل السياسات الديموقراطية، ونفترض فيه ان الديموقراطية تواجه مأزقاً عالمياً بسبب وجود تحولات عالمية كبرى وفواعل كثيرة تدفع باتجاه توسع الديموقراطية، وتعظم نداء الشعوب نحوها، ولا سيما ان هناك نماذج حكومات تسعى الى الارتقاء بمثلها وقيمها، اضافة الى تراجع الديموقراطية وفق مؤشرات القياس المعتمدة لها، وانتكاساتها وبروز تحديات متعاظمة تنحدر بها الى نوع من الدكتاتورية والقيصرية، وتحول ربيعها الى شتاء جاف، الامر الذي أوصلها الى نقطة تحول حادة تنفتح على احتمالين: الأول، ارتدادها وانحسارها، كما حدث في عشرينات القرن العشرين وثلاثيناته، والثاني، السير بها الى آفاق رحبة تنهض بمؤسساتها وقيمها وجوهرها على نحو يستجيب لعصر ما بعد الصناعة، بشكل يحيي روح المبادئ الديموقراطية التي خبت، ويعيد الى المواطنة مفهومها المفقود، والى المجتمع السياسي تفاعله الخلاق من أجل أن تصون الديموقراطية للانسان كرامته.

نحاول في هذا الكتاب، في سياق تحقيق الأهداف المرجوة منه، دراسة الديموقراطية من ناحية عملياتية من دون اهمال الجوانب الفكرية الضرورية، وذلك في خمسة فصول وخاتمة:

نبحث في الفصل الأول في ماهية الديموقراطية ومفاهيمها وعناصرها ومعاييرها وأوجه قياسها. ونناقش في الفصل الثاني الحجج التي تؤيد فرضية التوسع العالمي للديموقراطية. ونتناول في الفصل الثالث بالتحليل والدراسة تحولات الديموقراطية وموجاتها التي شهدتها عبر التاريخ، مع التركيز على حوادث الربيع العربي ومآلاته. اما في الفصل الرابع فنتطرق الى واقع الديموقراطية في مناطق العالم المختلفة وانتكاساتها والتحديات التي تتعرض لها. ونستكشف في الفصل الخامس شروط ازدهار الديموقراطية من ناحية عملية، عبر نماذج حكومات ديموقراطية اجتهدت من اجل الارتقاء بأدائها كي تسعد شعوبها. ونختم باستنتاج بلوغ الديموقراطية نقطة تحول فاصلة في مصيرها.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى