صفحات المستقبل

كلمة حق في أهل حماه

 رؤى ريشة

السجن المركزي في مدينة حماه، القصر العدلي.. المحكمة الشرعية… كلها أماكن لم تكن تعني لي شيئاً قبل اعتقال والدتي، ساعات الانتظار الأخيرة أمام بوابة السجن المركزي السوداء كانت الأطول في حياتي، لكن كان ثمة عيون أخرى تنتظر أحبةً خلف الأبواب الموصدة، عيون أخرى كثيرة تشبه عيوني، عيون قلقة مترقبة… شاء الطغاة أن يملؤوها خوفاً، لكن إن استطعت أن تستشف ما وراء ذلك الخوف بعمق، ستجد.. إصراراً، توقاً للحرية، طيبة، شهامة، إنهم أولاد البلد، أبناء حماه.

لم أشعر أنني غريبة أنا الأنثى الوحيدة “السافرة” المتواجدة هناك، أنتظر أمي الأنثى الوحيدة المعتقلة في المحافظة مع 1500 معتقل كلهم من الرجال والشباب، وربما الأقدار اختارتني لأقول كلمة حق في أبناء مدينة حماه التي اتهمت بالتطرف، وشُوهت سمعتها بفعلة فاعل.

المحامي الذي عمل بجهد لمحاولة الإفراج عن المعتقلين قبل العيد، هو ابن مدينة حماه، حاول جهده، لاهثاً لإخلاء سبيل معظم المعتقلين، بدون أتعاب، حتى دون أن يأخذ قيمة ورقة إخلاء السبيل وطوابعها.

عشرات العيون راقبت أمي وهي تخرج من البواية الحديدية بدهشة وترقب، ركضتُ إليها احتضنتها، وعيونهم تحتضن المشهد، “الحمد الله عسلامة الوالدة” أفواه كثيرة قالتها بسعادة، لمست فرحاً حقيقياً في قلوبهم، التي ما زالت تنتظرون بلهفة معتقليهم الذين لم يتم الإفراج عنهم في ذلك اليوم.

في اليوم التالي ذهبت بفرح مع أمي إلى مدينتي حماه، بغية استعادة وديعة بقيت معتقلة في صناديق أماناتهم!!!  (خاتمين من الذهب وقيمة 500 ليرة) كانت حجة مقنعة لأنطلق بفرح إلى حماه، لأول مرة أشعر بالانتماء إلى هذه المدينة وأهلها أكثر من أي مكان آخر، وعلى اعتبار أن القصر العدلي كان قد أحرق بكل ما فيه، كان علي اجتياز شارعين لأحصل على طوابع من المحكمة الشرعية، -أنا ابنة المحافظة لكني لا أعرف أي شيء عن جغرافية حما-ه، لكن اللي بيسأل ما بيتوه وخصوصاً في حماه، انطلقت وحدي سافرة الرأس مرتدية ما اعتدت أن ألبسه (جينز تي شيرت) … “السلام عليكم حجي”  قلت لأول رجل رأيته في الطريق، رجل في خريف العمر له لحية بيضاء “عليكم السلام” أجابني مع ابتسامة، سألته عن العنوان فأرشدني، سرت مسرعة نصف مهرولة، أشعر بأمان لا حدود له، تقصدت أن أبادر بالتحية كل شيخ أراه جالساً أمام بيته وأسأله عن العنوان، وكل من سألته أجابني بود واهتمام، وهناك في بداية شارع المحكمة رأيت شاباً ملتحياً في مقتبل العمر شعرت بأن وجهه مألوفاً بالنسبة لي، بادرته بالتحية وسألته عن عونان المحكمة، فأبى إلا أن يوصلني بنفسه وأعادني إلى أول الحي، في الطريق الذي لم يتجاوز بضعة أمتار داربيننا حوار.

 قلت: اشعر بأن وجهك مألوف بالنسبة لي

أجابني: وأنا ايضاً أعتقد أني رأيتك البارحة أمام السجن المركزي،

فقلت: هل لديك من هو معتقل؟

 قال: نعم أخي وأنت؟؟

أجبت: الله يفك أسرو.. أنا والدتي أفرج عنها البارحة… تابعت: “بدن يخوفونا من أهل حماه، بس نحنا ما رح نخاف، طول عمرنا أهل”.

وعندما عرف أنني من السلمية قال لي: وأنتو أهل السلمية ما بتقصروا معنا، والله استقبلونا ببيوتهم.

نظرت إليه وقلت: الله يفرجا، فأجاب: بإذن الله عن قريب!!

عدت أدراجي إلى القصر العدلي، من صادفتهم في طريق ذهابي، حيوني واطمأنوا إن كنت قد عرفت الطريق!!

هناك أمام باب أحد البيوت أطفال يلعبون ويرددون سورية بدا حرية .. سورية بدا حرية..

التطرف تهمة ملفقة بفعل فاعل

حماه طيبة … حماه شهمة

11/09/2011

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. والله المظاهرات الماجورة لاتسمى ثورة استحو على دمكم ولا تنجرفو وراء المسلسلات التركية يظهر ان المعارضة هى من كتبت سيناريو مسلسل الارض الطيبة وحابين يشوفوها شخصى على ارض سوريا ؟ لكن خسئتم يا خونة فسوريا الله حاميها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى