صفحات الناس

كيف انهارت “قوات أحمد العبدو”؟/ سيباستيان حمدان

 

 

عقب سقوط منطقة القلمون الشرقي في ريف دمشق من دون قتال، وبعيداً عن ترسانة السلاح الكبرى التي جرى تسليمها إلى قوات النظام، انهارت “قوات الشهيد أحمد العبدو” المعارضة، أحد أكبر فصائل القلمون الشرقي. وترافق ذلك مع عمليات التهجير القسري باتجاه الشمال السوري، ودخول القلمون تحت سيطرة النظام.

“قوات الشهيد أحمد العبدو” تأسست في العام 2013 تحت مسمى “تجمع القلمون التحتاني” بقيادة الملازم أول أحمد العبدو، الذي قاد عمليات الاستيلاء على مستودعات مهين الاستراتيجية، إحدى أكبر مخازن السلاح في سوريا. وبعد مقتل العبدو باستهداف سيارته بصاروخ حراري، جرت مشاورات لتوسيع “تجمع القلمون التحتاني”، وضمّه الى عدد من الفصائل تحت اسم “تجمع الشهيد أحمد العبدو”.

وتقول مصادر عسكرية من “العبدو”، لـ”المدن”، إن التجمع ضم قرابة 2000 مقاتل توزعوا ما بين القلمون الشرقي والبادية السورية. وخاض الفصيل سلسلة معارك وحروب بين العامين 2013–2014 ضد مواقع مهمة لقوات النظام شملت مطار الضمير العسكري وبعض كتائب الدبابات وكتائب مضادات الطيران، قبل أن تتحول وجهته إلى مقاتلة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

المصادر قالت إن التحول جاء بغرض “إرضاء المجتمع الدولي وإتمام توافق مع قوات النظام” حيث خاض “التجمع” حرباً طويلة امتدت لأكثر من 3 سنوات ضد “التنظيم”، وكان شريكاً في بعض عمليات “التحالف الدولي” كـ”عملية البوكمال”.

وبدأ “تجمع العبدو” بالانهيار منتصف العام 2016، عقب اغتيال قائده العقيد الركن بكور السليم، من قبل انتحاري من “داعش” في خيمته في البادية الشامية. تعيين شقيقه خالد السليم، خلفاً له، لم يمنع انقسام “التجمع” إلى ثلاثة تيارات؛ “تيار الغربتلية” الذي قاده الملازم أحمد التامر، وجمع حوله حوالي 70 إلى 80 في المائة من المقاتلين. و”التيار المحلي” الذي قاده المقدم أبو يعقوب، المنحدر من مدينة الضمير، وتلقى دعماً دولياً. والتيار الثالث بقيادة خالد السليم، والقائد الاسمي للتجمع.

“تيار الغربتلية” نجح في إيلول/سبتمبر 2016، في الانقلاب والإطاحة بتيار خالد السليم، وتسلم قيادة القوات، وشكّل مجلس قيادة، وعيّن الملازم أحمد التامر قائداً لـ”العبدو”. الأمر لم يعجب غرفة العمليات الدولية “موك” على الإطلاق، ورفضت ذلك، ودعمت التيار المحلي للقيادة، لكن “تيار الغربتلية” رفض ذلك، وبقي لمدة 3 شهور من دون أي تمويل، على الرغم من خوضه حرباً ضد “داعش” لصد محاولاتها للسيطرة على جبل القلمون الشرقي.

في مطلع العام 2017، وخلال اجتماعات الفصائل مع غرفة “الموك” في عمان، تمت الموافقة على تعيين التامر قائداً لـ”العبدو”، ودعمه دولياً شريطة تعيين المقدم أبو يعقوب قائداً عسكرياً ومسؤولاً للعلاقات الدولية. الخطوة هدفت لتحجيم دور “تيار الغربتلية” الذي كان قد نجح في وضع ممثل له وعضو في “هيئة المفاوضات العليا” التابعة للمعارضة؛ جاسر عبارة.

في كانون الثاني/يناير 2017، وعقب أيام قليلة من حل مشكلة القيادة في عمان، وسير الأمور نحو الأفضل، كما كان يُعتقد، جرت انقسامات مفاجئة في قطاع البادية السورية ضمن “العبدو”، وبدأت عملية اقتتال داخلي واعتقالات استمرت ليومين. وتؤكد المصادر أن الانقسامات والخلافات قد تم حلها بعد يومين، نتيجة “دخول قوة من القلمون الشرقي تسلمت الأمور في البادية، ومرت عبر حواجز النظام وفقاً لاتفاق سابق يقضي بتسهل مرور قوافل المقاتلين نحو البادية”.

الأمور لم تنتهِ هنا، في كانون الثاني 2017، شهدت “العبدو” أيضاً انشقاق مجموعة عسكرية صغيرة بكامل عتادها العسكري من مدينة الرحيبة، وانضمت إلى مليشيا “درع القلمون” التابعة لـ”قوات الدفاع الوطني” و”الأمن العسكري”.

في منتصف العام 2017 شهدت “العبدو” عمليات انشقاق فردية جديدة لعدد من المقاتلين ممن التحقوا بصفوف قوات النظام في حاجز السبع بيار. تكرر الأمر بعدها لمرات متعددة.

الضربة القاضية لـ”العبدو” كانت “دولية”، فالدعم الدولي الكبير والمفتوح لم يعد موجوداً، بعدما قررت غرفة العمليات الدولية توجيه الدعم الكامل إلى “جيش أسود الشرقية” وإعطائه الأولوية، عقب زيارة مسؤوليين أميركيين لقاعدة التنف ومحيطها، أثنوا خلالها على التنظيم الجيد لـ”أسود الشرقية”.

وتقول مصادر “المدن”، إنه حينما شارفت الفصائل على القضاء على “داعش” في البادية، وانهار التنظيم في الشمال والشرق، بدأ النظام بالسعي لفرض سيطرته واستعادة المناطق التي حررتها الفصائل في البادية، ودخل في حرب ضدها.

الانشقاقات المستمرة لم تكن وحدها السبب في انهيار “العبدو”، بل أخذ الأمر منحى مختلفاً وتطور إلى “خلافات على المناصب”، بحسب المصادر، ليصبح في التشكيل تيارات جديدة، على الصعيد السياسي.

تقول مصادر “المدن”، إنه عقب فشل ممثل “العبدو” في “هيئة التفاوض العليا” في “إثبات وجوده”، لاسيما “عقب إقصائه من حضور مؤتمر الرياض-2″، الأمر الذي كان صدمة لـ”العبدو” المعروف بتلقيه الدعم من السعودية، أصبحت التيارات تبحث عن تعيين ممثل جديد، متخذة مما حدث في “الرياض-2” حجة لها.

وطرحت أسماء متعددة حينها، كان أبرزها “أبو يعقوب” المدعوم دولياً، يليه “أبو البراء” قائد قطاع الرحيبة في القلمون الشرقي وأحد مسؤولي التفاوض في مفاوضات القلمون. الخلافات لم تتوقف هنا، ووصل الأمر إلى “تذمر” قيادات من قطاعات “العبدو” المختلفة من شخصية قائد التشكيل أحمد التامر، “الضعيف والهزلي”. وتقول المصادر إن التامر، “لم يتجرأ على اتخاذ اي قرار فعلي حقيقي، وكان يكتفي بتأجيل الأمور وعلاج الاشكاليات بإبرة مخدرة فقط”.

وتشير المصادر إلى أن “العبدو” دخلت في مفاوضات منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2017 حتى نيسان/أبريل 2018، وتعرضت في الأسابيع الأخيرة من المفاوضات لضربات موجعة عبر انشقاق مجموعتين وانضمامهما لتشكيل “جيش تحرير الشام” مع كامل أسلحتهم، وتبعها انشقاق مجموعات أخرى بكامل أسلحتها في قطاع الجبل ومدينتي الضمير والرحيبة، لصالح النظام.

وتشير المصادر إلى أن الفصل الأخير كان بتسليم عشرات المقاتلين لسلاحهم، و”تسوية أوضاعهم”، والقتال ضمن “لواء درع القلمون” التابع للنظام، مفضلين ذلك على التهجير باتجاه الشمال. وتقدر المصادر أعداد من تبقى من التشكيل بقرابة 200 مقاتل موجودين في البادية السورية، ونحو 700 مقاتل خرجوا للشمال السوري من أصل 2200 مقاتل.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى