صفحات العالم

كيف نسقط نظام الأسد؟


ديفيد إغناتيوس

عندما سقط المزيد من الصحافيين الشجعان، الأسبوع الماضي، خلال تأريخهم لمقتل أكثر من 6.000 من أبناء الشعب السوري على يد الرئيس بشار الأسد، تعالت الأصوات المتعاطفة المطالبة بتسليح ميليشيا المعارضة المحاصرة والمعروفة باسم «الجيش السوري الحر».

تدفق المزيد من الأسلحة إلى المعارضة سيحدث من دون شك، بصورة أو بأخرى، لكنه لن يقيم سوريا ديمقراطية. فربما يكون السبب الأخلاقي في تسليح الثوار قويا، لكنه لا يتغلب على المشكلات العملية، فميدان المعركة هو قوة الأسد لا ضعفه.

والمسار الأفضل للتغيير الديمقراطي في سوريا يكون في مزيج من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والضغوط الأخرى التي نوقشت خلال اجتماع «أصدقاء سوريا» الذي عقد في تونس، والذي طالب أيضا بوقف إطلاق النار. التزويد السري للمعارضة بالأسلحة يتوقع أن يحافظ على بقاء المعارضة، لكن تركيا والولايات المتحدة تعارضان أي تحرك لتدخل عسكري أو فتح الدعم أمام مقاتلي الثوار.

وقد حذر أحد مسؤولي الإدارة المتشككين من أن «الشيء الوحيد الدقيق بشأن الجيش السوري الحر هو أن عناصره سوريون. لكنهم لن يتمكنوا من تحرير سوريا، كما أنهم لن يتمكنوا من تكوين جيش». ربما يبدو ذلك قاسيا، لكن نقل الأسلحة إلى المعارضة السورية في الوقت الراهن لن يزيد سوى أعداد القتلى بين المدنيين. والثوار أكثر شتاتا وأقل تنظيما وتدريبا من أن يتمكنوا من تشكيل قوة وطنية فاعلة.

ولعل الاستراتيجية الأصوب تجاه سوريا تلك التي تتعامل مع أوجه الضعف الرئيسية للأسد، والمتمثلة في الجوانب غير العسكرية.. الأول هو المال، فمن دونه لا يمكن للنظام أن ينجو. والثاني هو التوتر الطائفي الذي عززه الأسد لأنه عزز من ادعاءاته بأنه حامي الأقلية العلوية والمجتمعات المسيحية.

لماذا المال؟ لأن نظام الأسد لا يزال باقيا لأنه يملك ما يكفي من المال لدفع رواتب الجيش، ودعم الاقتصاد، على الرغم من العقوبات وتقديم المال للآلاف من الأتباع. وقد أدركت الولايات المتحدة جوانب الضعف هذه عندما فرضت عقوبات اقتصادية في أغسطس (آب)، والتي تبعتها خطوات مماثلة من الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وتركيا.

لكن آلة النقد السورية لا تزال تعمل. وعلى الرغم من العقوبات لا يزال إجمالي احتياطي البنك المركزي السوري ما يقرب من 10 مليارات دولار، أو ما يقارب ستة أشهر من الصادرات، بحسب التقديرات الأميركية. وقد انخفض هذا الاحتياطي مما يقرب من 18 مليار دولار قبل تفجر النزاع قبل عام، هو انخفاض لكنه ليس معوقا. كما ترجع أسباب استمرار النظام السوري في جزء منها أيضا إلى اعتماده على النظام المصرفي اللبناني المزدهر. وقد حذر مبعوثا إدارة أوباما بشدة الحكومة اللبنانية في نوفمبر (تشرين الثاني) من أنها لا يمكنها الاستمرار في اللعب على كلا الحبلين. فإذا ما اكتشف تورط المصارف اللبنانية في تقديم الدعم من وراء الستار لدمشق، فسوف تكون العواقب وخيمة على النظام المالي اللبناني، بحسب مصدر في وزارة الخزانة الأميركية.

المشكلة الأكثر إثارة للقلق هي روسيا التي تقدم المال والغطاء السياسي لنظام الأسد. ويأمل المسؤولون الأوروبيون في أنه عندما يمنع المصرف المركزي الأوروبي التعاملات مع البنك المركزي السوري هذا الأسبوع، فسوف يجعل ذلك من الصعب على روسيا نقل المساعدات إليه. من المؤكد أن المزيد من العقوبات ستساعد، لكن في حال عدم إصرار روسيا على الحفاظ على نظام الأسد.

وعوضا عن اتهام السلوك الروسي بأنه «مهين»، كما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في تونس، ربما تكمن الإجابة الأفضل في جعل روسيا جزءا من الحل. وهو ما يعني منح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين دورا في وساطة الانتقال – استضافة مؤتمر في موسكو، على سبيل المثال، يجمع المعارضة السورية والجامعة العربية والأتراك. وإذا ما تمكن ذلك من إسقاط الأسد من دون حرب أهلية فربما يمثل قدرا معقولا من الواقعية السياسة.

الأمر الثاني هو مسألة التوتر الطائفي، فمن بين الأسباب الأخرى لبقاء نظام الأسد خوف الطائفة العلوية والمسيحيين من حمام الدم نتيجة عمليات القتل التي ستتبع سقوط الأسد. والولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون في المنطقة، المملكة العربية السعودية وتركيا، بحاجة إلى التعامل مع هذه القضية بصورة مباشرة. ينبغي أن تكون الرسالة هي أن أيام الأسد باتت بالفعل معدودة، وأن على الأقليات الانضمام إلى السنة في التحرك نحو التغيير الديمقراطي، بتطمينات أنه في الوقت الذي يقومون فيه بذلك ستحميهم ضمانات دولية.

جماعة الإخوان المسلمين، التي برزت كأقوى صوت في الربيع العربي، ستفوز بأصدقاء جدد إذا ما تمكنت من ضم تركيا إلى رعاية حوار يضم زعماء العشائر والبطاركة المسيحيين والديمقراطيين المسلمين.

لقد كانت شجاعة الشعب السوري، والصحافيين من أمثال ماري كولفين من صحيفة «صنداي تايمز» وأنتوني شديد من صحيفة «نيويورك تايمز»، الذين لقوا حتفهم خلال تغطيتهم مقاومة الشعب السوري لدبابات الأسد ومدفعيته، مصدر إلهام للعالم. لكن لأن حياة الكثيرين على المحك، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها صياغة عملية تجلب تغييرا ديمقراطيا لا فوضويا.

* خدمة «واشنطن بوست»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى