صفحات مميزةلؤي صافي

كي تستطيع المعارضة السورية تجاوز أزمتها/ لؤي صافي

 

أضحى واضحاً أن الثورة السورية تمر بأزمة حرجة تخيم بظلالها الثقيلة على أوضاع السوريين جميعاً من دون استثناء، سواء أقاموا في مناطق محررة أو مناطق تحت هيمنة النظام أو كان مصيرهم اللجوء خارج البلاد. الصراع العسكري مستمر من دون وجود آفاق لحل سياسي ينقذ البلاد من التفكك ويحول دون تحولها إلى دولة فاشلة أو مجموعة محميات لدول إقليمية وقوى دولية. لجوء النظام إلى مسرحية الانتخابات والإيحاء بأن تقدمه العسكري في محافظة حمص، وجملة المصالحات التي عقدها في الغوطة الشرقية، مؤشر لانتصاره على ما سمّاه «المؤامرة الكونية» لا يغير من الحقيقة الجلية في أن إرادة الخلاص من نظام الفساد والاستبداد لدى شرائح واسعة من السوريين تزداد شدة وعمقاً. وبالمثل، يقابل تقدم النظام في حمص تقدم واضح للثوار في درعا وحلب وريف حماة وريف اللاذقية. وبالتالي لا توجد بوادر لأي حسم عسكري، مما يعني أن الصراع السياسي يهدد البلاد بحرب داخلية طويلة وينذر بمزيد من القتل والتدمير للبنية التحتية وزيادة حجم المعاناة الإنسانية في ظروف أمنية ومعيشية في غاية الصعوبة.

ثمة حاجة اليوم إلى إعادة النظر في استراتيجية الثورة وطرق عملها على ضوء التطورات الداخلية والاصطفافات الدولية المتغيرة، وغياب أفق لحل سياسي قريب نظراً الى تعنت النظام وحلفائه. الثورة السورية التي بدأت انتفاضة ضد الظلم وكفاحاً للتحرر من استبداد النظام وفساده بدأت بالتراجع تدريجاً مع دخول الكتائب المؤدلجة التي رفعت شعارات إسلامية بلبوس سلطاني، وتبنت طروحات مناقضة لطروحات الثورة مع تزايد نفوذ الكتائب المؤدلجة التي تقاتل باسم الغالبية السنية ولكنها لا تملك الكثير من الانفتاح الديني والالتزام بالتعددية السياسية الذي ميّز الغالبية السورية منذ الاستقلال.

«الجيش الحر» المتمثل بهيئة الأركان والمجالس العسكرية لم يتمكن من التحول إلى قوة عسكرية ضاربة لأسباب تتعلق بالتنافس الداخلي بين القوى المنضوية تحت هيئة الأركان من جهة، وبسبب إصرار الدول الداعمة على التعاطي مع قادة الجبهات بصورة مباشرة من جهة أخرى. هذه المثالب والثغرات جعلت عملية تطوير قيادة مركزية أمراً مستحيلاً. «الائتلاف الوطني» طرح مشروع الجيش الوطني الموحد، ولكن المساعي تعثرت نتيجة الاستقطاب الداخلي ضمن الائتلاف، وغياب الأطر التنظيمية الضرورية والآليات المناسبة لإنجاز هذا العمل الكبير. المطلوب اليوم من «الائتلاف» ووزارة الدفاع في الحكومة الموقتة وهيئة الاركان إعادة تنظيم الكتائب العسكرية المنضوية تحت لواء «الجيش الحر»، وتحويلها إلى قوة عسكرية خاضعة لقيادة موحدة.

تداعيات عسكرة الثورة تظهر اليوم أيضاً في التغير البطيء في مواقف الحاضنة الشعبية للثورة، بخاصة في المدن الخاضعة للنظام، ما يعكس مخاوف حقيقية من هيمنة قوى عسكرية متنازعة ومتشددة على السلطة واحتمال الانهيار المفاجئ والكامل للدولة. ثمة أيضاً مخاوف حقيقية من دخول سورية في حالة من الفوضى السياسية والعسكرية، بخاصة أن الصراعات الداخلية بادية للعيان في المناطق المحررة. هناك مخاوف أيضاً من أن تقوم الكتائب الإسلامية باستخدام شعار «تطبيق الشريعة» لإنشاء دولة استبدادية تعتدي على حريات الناس وتصادر خياراتهم الدينية والمدنية. ومن هنا تأتي أهمية ميثاق الشرف الذي أعلنته في 17 أيار (مايو) الجاري الكتائب الإسلامية المرتبطة بهيئة الأركان والرافضة منطق الكتائب المتحالفة مع «القاعدة»، والذي يؤكد التزام هذه الكتائب بدولة القانون واحترام حقوق الإنسان والتعددية الدينية والسياسية. لكن هذه الخطوة لا تغطي كل الثغرات القائمة بين هذه الكتائب وقوى المعارضة السياسية، ولا تزال الحاجة قائمة لتطوير آليات قرار سياسي ملزم للجميع.

الخوف من انفتاح الثورة السورية على صراع عسكري طويل لا يقتصر على الداخل السوري، بل هناك أصوات ترتفع داخل المعسكر الداعم للثورة تحذّر من فوضى سياسية عارمة في حال سقوط الأسد، كما سمعنا أخيراً من رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي، الذي قال: «عندما ننظر الى المستقبل ونحاول ان نرى كيف سينتهي (هذا الصراع)، في مرحلة ما، ستحتاج المعارضة السورية الى منظومة حكم يمكنها ان تقدم من خلالها خدمات جيدة وأمناً للسكان، (وإن لم تفعل ذلك) تفشل بسرعة».

وسواء فهمنا كلام الجنرال الأميركي على أنه تبرير لامتناع إدارة أوباما عن تقديم المساعدات العسكرية إلى الثورة أو نظرنا إليه على أنه تعبير عن وجهة نظر خاصة، فإن المحصلة النهائية لمواقف الدول التي ينتظر السوريون منها المساعدة تظهر تردداً، إن لم نقل إحجاماً، في اتخاذ مواقف وخطوات حاسمة تنهي الأزمة وتعجل في وقف نزيف الدم السوري.

الآفاق الوحيدة لحل ينهي الصراع بطريقة تسمح بإعادة بناء البلاد هي في تفاهم وطني لم تتحقق شروطه بعد. هذا الحل السياسي يسمح ببدء عملية انتقالية يشارك فيها السوريون جميعاً، وهو الأمر الذي لا يزال النظام يرفضه ويتوهم أن في إمكانه إعادة عقارب الساعة إلى أيام استبداده الكامل بالسلطة. هذا يعني أن المعارضة لا تمتلك حالياً الشريك السياسي، وأن عليها إيجاد الظروف المناسبة للدخول في حل سياسي.

إن تجاوز الأزمة الحالية يتطلب من المعارضة السورية التحرك على محورين. الأول داخلي يتعلق برفع مستوى التنظيم والأداء داخل صفوف المعارضة، وتمكين الحكومة الموقتة من الانتقال إلى المناطق المحررة لتقديم الخدمات وتنظيم دوائر التعليم وعمليات الانتاج الزراعي والصناعي. وهذا يتطلب أيضاً وجود قوة عسكرية منضبطة وفاعلة لتحقيق حد أدنى من الأمن داخل المناطق المحررة وإنهاء حالة الفوضى الإدارية والعسكرية. أما المحور الثاني فيتعلق بالتنسيق مع الدول الشقيقة ودول الجوار سعياً للوصول إلى تفاهمات إقليمية والشروع في المرحلة الانتقالية الضرورية للدخول بعملية تفاوضية تعلن بدء التحول إلى الحياة الديموقراطية الحرة والمشاركة السياسية.

* كاتب وناشط حقوقي سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى