صفحات الحوار

مع محمد العبدالله ,, تحليل في عمق الثورة


نشره فري سيريا

في حوارنا اليوم , مع الناشط محمد العبدالله , يكشف به أمور عدة , غائبة عن الكثير منا , في داخل المجلس الوطني و توجهات هيئة التنسيق , و موقف اسرائيل من النظام , و عن الأفضل للجيش الحـر و اعلام الثورة , و خطاب الأقليات , و عن ” الزنقة ” الروسية , و مدى انتفاع الثورة من مبادرة كوفي عنان , في كلتا حالتيها ,, و في عمق  نقاط كثيرة تحيط بـ غالب الجوانب السياسية و الشعبية في ثورتنـا اليوم , شملها اللقاء التالي الخاص على موقع المندسة السورية ,,

المندسة : لقد خرجت من المجلس الوطني ، و أعلنت في اليوم الأول أنك ستشهر لاحقاً اسباب انسحابك , و لكن رجعت و تكتمت عليها، يُحسب لك ذلك , و لكن مالفرق فيما تقدمه لـ الثورة خارج المجلس , عن لو استمريت فيه ؟

محمد : أولاً ليس هناك أسباب خفية ، واضح مما يحصل اليوم في المجلس أن الأمور داخل المجلس ليست على ما يرام . اعتراضي منذ البداية كان على الافتقار لآلية واضحة لاتخاذ القرار . من يقرر وكيف و بإسم من ؟ هذه مور حساسة لا سيما أننا نتحدث عن مصير سوريا و الشعب السوري و ليس عن عمل حزبي أو غيره . أنا بالفعل تحدثت قليلاً عن اسباب مغادرتي و وجهت انتقادات قاسية لرئيس المجلس عندما شعرت أنه ” يبيع كلام ” للناس دون إطلاعها على حقيقة ما يحصل . أولاً ليس هناك أي طرف فوق النقد أيا كان ، و ثانياً من حق الناس ان تعرف ماذا يحصل بين المجلس و المجتمع الدولي لتطمئن عن مسير ومصير ثورتها.

 ليست المشكلة في الفرق بين ما اقدمه للثورة من داخل أو من خارج المجلس . المجلس أداة فقط للمساعدة بإسقاط النظام و ليس هدفاً بحد ذاته. ولائي في النهاية للشعب السوري و ثورته و ليس لمؤسسة أو حزب أو كتلة سياسية . يسبب الافتقار لآلية واضحة في صنع القرار و التكتم عن التطورات داخل المجلس أو بين المجلس و المجتمع الدولي إلى الافتقار للصدقية في الكلام في الاعلام . للأسف تعمل تكتلات داخل المجلس بطريقة العصابات و هذا نتج عنه ضياع كبير في سياسة المجلس . عدم مشاركة المعلومات بين الجميع أنتج إحتكار قلة لتفاصيل التطورات , و بالتالي فإن أي شخص يحاول المساهمة بالعمل السياسي للثورة قد يسبب ضرراً دون قصد , كونه قد يطرح نقاط أو أفكار مناقضة لما يقوم به المجلس ، و كوجه إعلامي كان علي الظهور عدة مرات على الشاشات لأشرح للناس ما يحصل وأعلق على التطورات في الوقت الذي كانت المعلومات تحجب عني عن عمد من قبل المكتب الإعلامي الذي كنت عضواً فيه ، كان أمامي خياران : أن أبقى و اخرج على الاعلام و اجتهد بشكل شخصي , و بالتالي يمكن أن اسبب ضرراً كما أسلفت ، و بالتالي سأكذب على الناس عبر تقديم كلام من الهواء لا علم لي بأية تفاصيل حقيقة حوله ، أو أغادر و اعمل كمستقل , و هنا اعلق برأيي الشخصي عما اعرفه فقط ولي ضلعٌ فيه ، و هذا سبب تغيبي عن كثير من المقابلات , حيث أشارك فقط بما استطيع ان اقدم فائدة فيه . للأسف ، السياسة السابقة من المكتب التنفيذي للمجلس , ترتب عليها مصائب كثيرة ، أقلها أن يخرج اعضاء المجلس الوطني على الاعلام دون أدنى علم بما يحصل , و هذا انتج هزات إعلامية كبيرة , عندما يقدم اعضاء المجلس روايات متناقضة عن ذات الاحداث , بسبب عدم إطلاعهم عما يجري . برأيي هذا يسبب ضرراً كبيراً وتشتيتاً للثورة , لم ارغب ان اكون طرفاً فيه .

المندسة : اشتهرت بـ ظهورك الاعلامي ، كاريزما و بديهة سريعة و ملَكة تكلم من الطراز العالي ، و بهذا اكتسبت شعبية كبيرة , يوجد من يتشارك معك في هذه الميزة من معارضين آخرين ، و لو بـ درجات مختلفة ، بينما هناك كثر من المعارضة لا يملكون تلك الملَكة , هل أصبحت فاعلية المعارض , تقاس بـ مستوى حضوره في الاعلام , و ينعكس ذلك على شعبيته ؟

محمد : لا، إطلاقاً , لا يجب أن تقاس فاعلية المعارض بمدى حضوره الإعلامي , في ذلك أخطاء كثيرة , هناك من يملك موهبة الكلام بشكل عام و هذا لا يعني خبرة سياسية عميقة بالضرورة ، و هناك من يملك موهبة الكلام و في ذات الوقت هو/هي من اكثر النشطاء السياسيين خبرة . للأسف تقييم الناس للنشطاء المعارضين قائم على أمرين : الاول هو الحضور الإعلامي , و الثاني هو التاريخ السابق في مقارعة النظام . الخبرة في التعاطي مع الاعلام ضرورية جداً ، بدون شك ، لكن لا يجب ان تكون ، أو تكون وحدها ، معيار فاعلية أو نشاط الشخص . بالاضافة الى ان هناك عشرات بل مئات النخب في سورية لم تتح لهم الفرصة بالظهور نظرا لاستحالة الظهور الإعلامي من داخل سوريا لكنهم يتمتعون بالخبرة سياسية العميقة والموهبة الإعلامية أيضاً . في النهاية ، التعاطي مع الاعلام بمهارة ممكن تحقيقه عبر دورات تدريبية .

برأيي يجب ان ينحصر تركيز الناس على أمرين : من يتكلم بواقعية و موضوعية ، بمعنى لا يطلق وعوداً في الهواء ولا يبالغ في الاخبار و الكلام ، و الثاني هو دور الناشط السياسي في تحقيق تقدم سياسي لصالح الثورة و تسجيل مكاسب لها بعيداً عن الاعلام . طبعاً عرض الفكرة بالطريقة المناسبة أمر هام أيضاً ، بصراحة الكثير من الشباب ، من أعضاء المجلس الوطني أو من خارجه ، أساؤوا كثيراً للثورة عبر مقابلات إعلامية فاشلة بكل معنى الكلمة ، بعيداً عن مجادلة أبواق نظام وتفنيد حججهم ، لم يقدموا كلمة واحدة مهمة أو مفيدة في المضمون . عموماً ، حاولت كثيراً مساعدة من اعتقدت انه مؤهل , و يملك الخامة الاساسية لكن يفتقر لبعض الممارسة . كانت الفكرة هي تشجيعهم عبر مقابلات هاتفية أولاً لكسر حاجز الخوف ثم مقابلات قصيرة لعدة دقائق لكسر هيبة الكاميرا للوصول لبرامج حوارية طويلة ، وهذا نجح مع بعض الأصدقاء ممن تقبلوا فكرة المساعدة .

أمران أساسيان برأيي المتواضع يجب أن يكونا معيار الناشط نفسه للمشاركة أو رفض المشاركة في أي مقابلة : هل يملك كامل المعلومات و المعطيات حول الموضوع ؟ هذه مثلاً يمكن العمل عليها عبر بحث جاد عن آخر التطورات والتفاصيل قبل المقابلة للإحاطة قدر الإمكان بالوضع الراهن . والثاني هي إستشارة اصحاب الخبرة و طلب مساعدتهم في تحليل الأوضاع ، و هذا اقوم به بشكل كبير , في النهاية  يبقى الاعلام مجال الشهرة و للأسف لن تجد الكثيرين ممن يعتذرون عن مقابلة رغم إدراكهم سلفاً عدم قدرتهم على مقاربة موضوع المقابلة .

المندسة : كـ حيادي , و كـ عضو مجلس وطني سابق , و ربما لاحق ، لماذا لم يقم المجلس اليوم بـ ثورة داخلية على نفسه , بعد ما يسمى  ” فضائح ” انتشرت أخيراً عن ماضي بعض رموزه ؟ و يبيض صفحته أمام الثورة ؟

محمد : برأيي هذا سببه الافتقار للعملية الديمقراطية داخل المجلس , و انعدام آلية اتخاذ القرار بداخله . الأمانة العامة في المجلس لا تعمل ، النظام الداخلي في المجلس مثير للشفقة ، يمكن تعديله للتمديد لرئيس المجلس و يمكن تعديله لتجاوزه ببساطة . الثورة الداخلية في المجلس تعني أن يقوم عشرات اعضاء المجلس برفض ما يحصل ، الطريقة الوحيدة ليستمع لهم المكتب تنفيذي هي أن يحتجوا علناً و يهددوا بالانسحاب وهذا سيقودنا إلى مزيد من التفكك والتشرذم . ناهيك عن وجود ميل لابتزاز المجلس من قبل مكتبه التنفيذي قائم على يقين المكتب التنفيذي أن أعضاء الأمانة العامة قلبهم على الثورة و لن يقوموا بأي عمل قد يضرها , و بالتالي هم لن يحتجوا علناً , و يسببوا المزيد من التفكك و الاحراج للثورة ، و من هنا يمكن تجاهل رأيهم و الضرب به عبر الحائط .

 اعتقد ان السؤال يشير لحالات مثل مقابلة بسمة القضماني الشهيرة وغيرها . للأسف عندما لا يتمتع الشخص بالقدر الكافي من الكرامة للاستقالة و السماح لآخرين يقدمون صورة أفضل , بالحلول مكانهم فنحن امام مصيبة . كان الأحرى بالسيدة قضماني ان تستقيل مثلاً بدلاً عن ذلك الشرح السخيف الذي زاد الطين بلة , عن مقابلتها و أجوبتها التي لا يوافق عليها الشعب السوري . في النهاية لا يمكن شراء كرامة لمن يفتقدها .

هناك ممارسة قام بها المكتب التنفيذي و رئيس المجلس بنفسه , و هي إغراق المجلس و مكاتبه , بشخصيات لا تمت للعمل السياسي بصلة و إن كانت معارضة ، ولا تحمل أي أفكار حقيقية ، عادة أشير لهم بـ ” الصيصان ” , عمل مثل هذه الشخصيات هو التطبيل و التزمير لشخص ما , أو كتلة ما و استغلال هذه الأصوات عند أي تصويت لقلب النتائج , في حين لا يقدمون شيئاً للثورة سوى التعليق على فايس بوك , أو شتم النظام .

المندسة : الأغلبية ترفض وجهة هيئة التنسيق الوطنية في الحل ، على أنّ الاختلاف في نقطة التدخل العسكري , و لكن أخيراً , وجدنا أن ما طرحته هيئة التنسيق هو ما يطبق اليوم , فقد قالت سابقاً و ما زالت :  نعم لـ إسقاط النظام , و نعم لـ المبادرة العربية , و لكن بـ الجلوس مع الروس أولاً ، أليس هذا ما يحدث اليوم ؟ لماذا تأخرتم في تأييد مثل ذلك الطرح منذ البداية ؟

محمد : الأغلبية ترفض وجهة هيئة التنسيق لانها ضبابية و غائمة , و لا تحمل ( أو لم تحمل وقت ظهورها على الأقل ) موقف قطعي و حاسم من النظام . ما معنى إسقاط النظام الأمني مثلاً ؟ سيخرج علينا من يقول ان الاسد محاط بأجهزة أمنية ترتكب الجرائم , و لا علاقة له بالقرار , وبالتالي إسقاط النظام الأمني لا يطاله . و ما معنى لاءاتهم السخيفة ؟ لا للعنف ، لا للطائفية , و لا للتدخل الخارجي ؟ من يمارس العنف معروف ، من يستثمر في الخطاب الطائفي و يحاول جر البلاد الى نزاع طائفي معروف وهو النظام . كلام هيئة التنسيق كان يشير للثورة , و يلمز منها في هذا الصدد . أما التدخل الخارجي فهو العقدة الأكبر ، نحن لسنا عشاق تدخل خارجي ولا مغرمين به ، لكن نرى أن النظام لن يتوقف عن قتل الناس دون الخوف من استخدام القوة بحقه . ممكن أن تحقق وساطات سياسية عبر موسكو وقفاً لإطلاق النار , لكن سيكون مرهون بوقف التظاهرات ، و هذا ما لا يقبله الشعب السوري . نحن لسنا ضد الجلوس مع الروس ، ذهب نشطاء عدة إلى موسكو , و التقوا بمارغيلوف قبل تأسيس هيئة التنسيق ، النتيجة إننا تعرضنا لشتائم هيئة التنسيق في هذا الصدد . و بعد تشكيل المجلس ذهب وفد من المجلس و التقى بسيرغي لافروف . لا أرى المجلس الوطني ضد الجلوس مع الروس إطلاقاً ، لكن ماذا قدمت موسكو في هذا الصدد ؟ المزيد من السلاح و المزيد من السلاح و خبراء مكافحة الإرهاب ! المجلس الوطني هو من طالب الجامعة العربية بالتدخل و هو من أجرى لقاءات مكوكية  بهذا الصدد منذ البداية و لم يتأخر يوماً عن ذلك . مشكلة هيئة التنسيق برأيي في عدة نقاط : هي تحاول أن تبحث لنفسها عن دور في الثورة وهذا مبرر لكنها اعتمدت مهاجمة المجلس الوطني و تخوينه كوسيلة . في أول ليلة أُعلن فيها المجلس الوطني , خرج هيثم مناع على الهواء و اتهم المجلس بالعمالة لدول النفط , و بتلقي أموال من منظمة آفاز الفرنسية , و اتهم الثوار بقبض أموال لرفع لافتات تؤيد المجلس . و ثاني نقطة أن هيئة تنسيق تعلم ما لا تريد و لكنها لا تعلم ما تريد . هي لا تريد قرار مجلس أمن , و لا تريد ناتو , و لا تريد تدخل , و لا عقوبات , لكنها لا تقدم تصوراً عن رؤيتها لكيفية إسقاط النظام . أكثر من ذلك ، وجود شخصيات داخل الهيئة مشاركة في قتل الشعب السوري , أمر لا يمكن تجاهله . صالح مسلم ممثل البي كي كيه ( حزب العمال الكردستاني ) عضو في هيئة التنسيق . هؤلاء من اغتالوا الشهيد مشعل تمو . هؤلاء من اطلق النار على مظاهرات الحرية في عفرين , و في الأشرفية في حلب . ثم إن هناك أسئلة محقة لا تجيب عنها هيئة التنسيق , مثل زياراتها المتكررة لطهران . دولة لم تتردد في إرسال السلاح لقتل الشعب السوري ، أرسلت قائد شرطة طهران ليشرف بنفسه على خطة تقسيم العاصمة ( انظر ايميلات الأسد المسربة عبر الغارديان )،  دولة أرسلت خبراء انترنت لتتبع النشطاء و تحديد أماكنهم و تحديد موقع إشارات الهاتف الفضائي ليتم قصف تلك الاماكن (جرى اغتيال الشهيد رامي السيد بهذه الطريقة ) . ماذا تفعل هيئة التنسيق هناك ؟؟ طرحنا تساؤلات علناً ,و لم نتلق إجابات عليها . هل طالبت الهيئة طهران بالتوقف عن هذا الدور السيء و الاجرام بحق الشعب السوري ؟ في مراسلات حسين مرتضى من قناة العالم للأسد قام بنصحه باستضافة اعضاء هيئة التنسيق عبر ” المحطات الصديقة ” لإفشال مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس . جميع الرسائل موجودة على الإنترنت .

المندسة : يقول كثيرون : بدل من انبطاح جل المعارضة لـ الغرب ، لماذا لا تنبطح لـ الفئة الصامتة , و يكون الحل وقتها من صناعة سورية مئة في المئة , هل فعلاً الحل بـ يد الفئة الصامتة ؟ وهل الوقت لم يفت بعد لـ إغرائهم ؟ و مالطريقة الى ذلك ؟

محمد : أولاً لا أرى جل المعارضة منبطحاً للغرب . للغرب مصالح كثيرة في كل مكان و ما تحاول المعارضة السورية إيصاله للغرب أن مصلحته مع الشعب السوري و ليس مع النظام السوري . لكل أسلوبه في ذلك عبر التأثير بالرأي العام للبلاد المقيم فيها من مقابلة مسؤوليين إلى الحديث عبر الإعلام المحلي إلى المحاضرات في الجامعات… إلخ ، لكن لا أرى أن هناك إنبطاحاً .

في موضوع الفئة الصامتة أو ” الأغلبية الصامتة ” ، لا أعتقد أن المعارضة قد قصرت في مخاطبة المجتمع السوري . المعارضة اتخذت جميع الخطوات الممكنة لجذب الناس للثورة أو على الأقل لدفعهم أن يقفوا على الحياد دون معاداة الثورة . في النهاية لا أعتقد أنك تستطيع جذب كل السوريين . بصراحة لا أعتقد بجدوى المحاولة مع الشبيحة أو العناصر التي تدور في فلك النظام منذ عقود كونها مستفيدة و تدافع عن مصالحها . للأسف هناك مثقفين سوريين معروفين بدأوا بوضع شروط على الثورة للمشاركة بها أو الوقوف إلى صفها مثل أدونيس : لا أشارك بثورة تخرج من المساجد ، لا أشارك بثورة لا تحمل العلمانية كقيمة فيها ، لا أشارك و لا أشارك… و لن أشارك إن لم تفعلوا كذا وكذا …  بالنهاية كما يقال “عنك ما شاركت “…  الثورة لا تحتاج إلى مثل هذه النوعية في صفوفها .

أمر أساسي يجب إبقاؤه في الذهن أن الثورة السورية ثورة شعبية . تفاجأ بها الجميع ، السلطة و المعارضة ، و بهذا المعنى لم يرتب لها و لم يخطط لها و خرجت بشكل عفوي و حصل ما حصل من ترتيب تلقائي لصفوف الثورة و فرز قيادات ميدانية و بروز شهود عيان و قياديين على الأرض . يمكن أن تعيب عملاً سياسياً إن كان مخططاً لكن العمل العفوي والشعبي الذي لم يسبقه تحضير أو تخطيط فلا يحمل النقد الفلسفي المتفذلك الذي يغوص في الشكل والمنهجية بعيداً عن المضمون . هناك سؤال واحد وسهل جداً : أنت مع الشعب أو مع السلطة ؟ إن كنت مع الشعب لكن لديك بعض الملاحظات على أداء الثورة فتستطيع أن تشارك بها عبر لعب دور في نقدها وتصحيح مساراتها و منعها من الإنزلاق إلى مناطق لا تخدم مصلحة الشعب السوري .

أرغب بإضافة بعض التحليل هنا عن الفئة الصامتة . لا أعتقد أن هناك أغلبية صامتة في سوريا بعد اليوم . إن كان الإشارة لوجود أغلبية صامتة يستند إلى عدم خروج كل سوريا و لا سيما دمشق وحلب فيمكن العودة لأبرز الثورات في التاريخ حيث لم تتعد نسبة المشاركة 2% في الثورة الفرنسية مثلاً . ضمن الربيع العربي أعتقد أن الثورة السورية كانت الأكبر مشاركة شعبياً بعد الثورة اليمنية . نسبة المصريين الذين تجمعوا في التحرير صغيرة نظراً لعدد سكان مصر مثلاً . نسبة المشاركة السورية أعلى بكثير .

و لا أرى بعد اليوم أن هناك فئة صامتة في سوريا . الفئة الصامتة خرجت عن صمتها و أعلنت رفضها لما يقوم به النظام من قتل بحق الشعب السوري . اليوم لدينا فئة متكلمة ، ربما غير داعمة للثورة ، لكنها رافضة للنظام وهذا أمر ممتاز .

المندسة : هل أصبحت الأزمة السورية , كـ الكرة التي قذفت الى الخارج , و صار من الصعب على السوريين استعادتها ؟

محمد : الأزمة السورية أصبحت قيد التدويل ، و هذا سببه العنف الذي انتهجه الحل العسكري والأمني ضد شعب أعزل . التدويل أمر طبيعي و إيجابي في بعض الحالات . هناك حالات كثيرة نجح فيها نشر مراقبي أمم متحدة على إنهاء أزمات كادت تودي بحياة آلاف الأبرياء . في كينيا نشرت الأمم المتحدة مراقبين أممين بعد سقوط ألف مدني فقط و نجح في إحتواء العنف الذي بدأ في أعقاب انتخابات عام 2007 المتنازع على صحتها . الكرة أصحبت في الملعب الدولي ، السيء في هذا الموضوع أن الملف السوري و الوطن السوري أصبح مفتوح أمام الجميع للتدخل ، بإيجابية و بسلبية كذلك ، و مع الوقت سيصبح دور المعارضة السياسية أقل , حيث تُتخذ المبادرات على صعيد دولي و توافق عليها المعارضة أو ترفضها . فنتحول من مبادرين إلى منفذي مبادرات . لكن هل من الصعب على السوريين استعادة الكرة إلى ملعبهم ؟ بالطبع . السوريون هم من أطلق شرارة الثورة و بالتالي هم القادر على الإستمرار بها و توجيهها . لاحظنا في الأوساط الدولية ميل لحمل المعارضة السورية على التفاوض مع النظام على بعض الأجزاء من ” كعكة السلطة ” . الشارع تصدى لمثل هذا التوجه , و صعد مطالبه و أوصلها ليس سقف إسقاط النظام , بل و إعدام الرئيس . يستطيع الشعب السوري إستعادة زمام المبادرة ، قد يتطلب ذلك تغير في بعض موازين القوى أو بروز عوامل و قوى و لاعبين جدد , لم يكونوا موجودين في بداية الثورة ( الجيش السوري الحر لم يكون موجوداً على سبيل المثال ) .

المندسة : يبتعد كثير من المحللين و المعارضين , عن ذكر اسرائيل صراحة على أنها العائق في التحرك الدولي لإزاحة الأسد ؟ هل هيَ فعلاً كذلك , أم نظرية المؤامرة ما زالت تسيطر علينا ؟

محمد : الحقيقة أنها كانت كذلك في الأشهر الثلاثة الأولى لبداية الثورة . كان هناك قرار إسرائيلي واضح بالدفاع عن الأسد ودعمه . تم نشر عشرات المقالات ( أشهرها واحدة مع صورة كبيرة للأسد على الصفحة الأولى لهآرتس بعنوان : أسد تل أبيب ) . لكن مع الوقت تغير الموقف الإسرائيلي تدريجياً , و وصل منطقة حياد سلبي , أي أنه غير معني ثم تحول إلى موقف متمني إنتهاء الأسد سريعاً.

ما يحكم قرار إسرائيل هو أمنها في المقام الأول . نظام الأسد ( الأب و الإبن ) حمى إسرائيل عبر إغلاق جبهة الجولان لعقود و منع السوريين من مجرد التفكير بمحاولة إستعادة أرضهم بالكفاح المسلح . و طالما أن الأسد يضمن الأمن و الإستقرار لإسرائيل , فهو مرغوب . مع تقدم الثورة حاول الأسد إستخدام القضية الفلسطينية لصرف أنظار شعبه عن المجازر التي يرتكبها . دفع بعض الفلسطينيين في سوريا و لبنان لشريط الحدود في البلدين في ذكرى النكسة و في ذكرى النكبة . أردت القوات الإسرائيلية 12 شهيداً فلسطينياً على الحدود السورية  في المرة الثانية , و بدا لها واضحاً أن الأسد ممكن أن يستخدم إسرائيل و يستفزها لصرف الإنتباه عن جرائمه و هنا بدأ الموقف الإسرائيلي بالتحول قليلاً .

مع الأخذ أنّ الأسد فقد سيطرته على البلاد , بدأ الموقف الإسرائيلي بالتغير . لم يعد الأسد قادراً على الحفاظ على أمن نظامه اليوم و بالتالي هو لا يحفظ أمن إسرائيل . أكثر من ذلك ، تنظر إسرائيل بعين القلق إلى الإنشقاقات في الجيش السوري و إلى وصول السلاح ليد الشعب السوري في معركته ضد الأسد . لدى إسرائيل قلق جدي من تشكل هذه المجموعات المسلحة في النهاية , في صيغ مقاومة مسلحة ترغب بالعمل المسلح على جبهة الجولان ( قادت الحرب الأهلية اللبنانية و إنتشار السلاح بكمية كبيرة بيد الناس إلى تشكل حالة مقاومة شعبية  , في ذلك الوقت أطلق عليها حزب الله تحولت فيما بعد إلى آلة عسكرية إقليمية ) . لدى إسرائيل قلق حقيقي من إنفلات الوضع الأمني في سوريا و إرتدادات ذلك على أمنها لذلك أصبحت تتمنى رحيل الأسد قبل أو دون إنهيار الدولة في سوريا .

الأمر الثاني الأساسي لدى إسرائيل هو إيران و ملفها النووي . مقاربة إسرائيل للملف السوري تمر بالضرورة من إيران . في زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن قال بما معناه أن سقوط نظام الأسد سيكون أكبر إنتصار إستراتيجي لإسرائيل على إيران في العشرين عاماً الأخيرة . لذلك ، لم تعد إسرائيل تمانع سقوط الأسد على الإطلاق بل تتمنى أن يحصل ذلك بشكل سريع و دون إنفلات أمني إقليمي .

الآن مع المعارضة السورية العزيزة ، قسم منها لا يجرؤ على مقاربة الموضوع حتى لا يتهم أنه يدافع عن إسرائيل ، و قسم غير ملم بمجريات الصحافة الإسرائيلية التي تعكس الرأي العام السياسي في تل أبيب ( على الرغم أن معظمها يترجم في الصحافة العربية ) ، و قسم ثالث ، للأسف ، عندما لا يجد جواباً على التعقيدات الدولية للملف السوري , يجيب دوماً بأن إسرائيل تعرقل إسقاط النظام و تحمي النظام و و و…إلخ . هذا للأسف يشوش المستمع السوري الذي لا يزال يعشق نظرية المؤامرة و يبدأ فوراً بنسج خيوطها بالحديث عن صفقات و ترتيبات إسرائيلية مع أميركا لحماية الأسد و نظامه . و أيضاً يشيع جو من التشاؤم مفاده أن المجتمع الدولي بأسره متآمر على الشعب السوري .

المندسة :  روسيا اليوم قوية اقتصادياً , بعد ارتفاع سعر النفط منذ الـ 2006 ، و بـ عودة بوتين لـ الحكم , ثبتت من قوتها السياسية , ما الذي يمكن أن يغريها لـ ترفع يدها ؟ و من القادر على تقديم مثل ذلك الاغراء ؟ الخليج مثلاً ؟

محمد : روسيا قوية إقتصادياً بفضل الغاز أكثر من النفط للأمانة كونها تبيع غاز لمعظم أوروبا تقريبا و لا سيما الدول الشرقية . الموضوع ليس موضوع إغراء بحت . روسيا تنظر بقلق كبير للثورات العربية لعدة أسباب : سقوط و إنهيار المزيد من الأنظمة التي تشبهها ، تمدد عربي- سني ( إسلامي ) في الشرق الأوسط يقلق روسيا فيما لو حاولت هذه الدول دعم جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق المسلمية مثل الشيشان ( لذلك تقيم روسيا حلفاً ضمنياً مع إيران الشيعية لمنع المد السني من التدفق للقوقاز ) . ضرورات إنتخابية لبوتين ليظهر بمظهر البطل القومي الذي هزم العم سام الأميركي في مجلس الأمن . إضافة لتحالف تقليدي روسي- سوريا , يضمن صفقات سلاح لروسيا و ميناء في طرطوس . كما أن موسكو تظهر دولياً بمظهر الدولة التي تتخلى بسهولة عن الحلفاء وهذا صعب على روسيا كثيراً إمكانية خلق تحالفات جديدة في أفريقيا كون هذه الدول أصبحت ميالة لعقد تحالفات مع فرنسا أو الولايات المتحدة …..

( كنت قد نشرت مقالاً متواضعاً في صحيفة الحياة عن الموقف الروسي عقب الفيتو الثاني ، ممكن للراغبين الإطلاع عليه ) .

المفيد ذكره أن روسيا لا تستطيع أن تبقى على موقفها ، ستغير هذا الموقف ببطئ شديد و بتدرج شديد و تضغط قليلاً على الأسد . لم تصوت روسيا أو الصين بالرفض على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير , بل امتنعتا عن التصويت فقط . تدعم روسيا اليوم مبادرة عنان بشكل مطلق مع علمها أن المبادرة لا تصب حقيقة في ملصحة حليفها الأسد بشكل كلي . الموضوع أعقد من إغراء روسيا لكن و لحد كبير شعرت موسكو بتضرر مصالحها بسبب موقفها السيء من الثورة السورية . التصريحات السعودية المباشرة ضد موسكو و تلتها تصريحات قطرية , دفعت بلافروف فوراً إلى زيارة الجامعة العربية في القاهرة , في محاولة لإمتصاص الغضب الخليجي الذي سينعكس سلبياً على التجارة و الإقتصاد بين روسيا و العالم العربي . هذا مؤشر مهم جداً أن هناك من هو قادر على الضغط على روسيا . و تبقى قطر ربما صاحبة النفوذ الأكبر على موسكو كونها الأكبر في تصدير الغاز المسال . لو تلاعبت قطر بأسعار الغاز و قامت بتخفيضه عالمياً سيتسبب ذلك بمشكلة إقتصادية كبيرة لموسكو . طبعاً الموضوع ليس بهذه السهولة كون ذلك سيؤثر في أسعار الغاز و النفط عالمياً , لكن طالما أن المعركة  وصلت لمرحلة كسر العظام فلا أعتقد أن ضربة تحت الحزام مثل هذه قد تكون مستحيلة على قطر .

المندسة : ما الذي يعيق استنساخ الحل اليمني ؟ هل بشار الاسد نفسه أم  من حوله ؟  و هل الحل اليمني اصلاً , قابل للتطبيق لدينا ؟

محمد : ما يعيق استنساخ الحل اليمني في سوريا هو طبيعة النظام و أقصد هنا النظام بأسره ، الأسد و من حوله ، هؤلاء يعملون على قلب رجل واحد و الديباجة التي تتحدث عن دور قوى الأمن , و دور أقل للأسد أصبحت عارية كون الأخير يشرف بنفسه على خطط قصف المدن كما أظهرت الرسائل المسربة من بريده الشخصي .

تركيبة النظام لا تقبل المساومة على الإطلاق . هناك صلف وعنجهية لا مثيل لها لا تسمح له بالتنازل 1% . لذلك فإن الخبراء بالنظام السوري دائماً يشككون بنواياه تطبيق أي مبادرة تقلل من دوره في السلطة فكيف بالحديث عن التنحي بملء إرادته عن السلطة . هذه العنجهية و الصلف رأيناها في صدام حسين ، ناشده الروس المغادرة لموسكو قبل غزو العراق بـ 48 ساعة , و لم يفعل , و كانت حاملات الطائرات الأميركية وصلت للمنطقة . الحالة ذاتها مع القذافي ، وصل الثوار مشارف طرابلس و اضطر للهرب و لم يحاول التنازل . طبيعة هذه الأنظمة هي الرفض المطلق لمجرد فكرة مشاركة السلطة فكيف بالتخلي عنها . في حديث مع أحد الباحثين هنا في واشنطن عن الأسد قال لي بما معناه : أن الأسد لو نجح في سحق الثورة فلن يكتفي بذلك ، سيجبر المدن على الخروج بالتظاهرات الموالية له . طبيعة الحكم في سوريا تقتضي ذلك . و اليوم نظرة على ما يحصل في بلدنا الحبيب تجد أن الرجل مستعد لتدمير مدن و قرى و إفراغها من سكانها ليقول أنه لا يوجد من يرفضني أو يعارضني .

الحل اليمني يتطلب دولاً تملك تأثيراً سياسياً كبيراً على النظام . في اليمن لعبت المملكة العربية السعودية و الولايات المتحدة هذا الدور . السعودية لديها قلق من نزوح يمني و من تمدد الحوثيين في حال انشغل النظام في مقارعة الثورة ، و الولايات المتحدة لديها هاجس القاعدة و الإرهاب في اليمن . ضعط البلدان بشكل كبير جداً على صالح للتنحي , و مع ذلك تعهد الأخير بتوقيع اتفاق نقل السلطة و أخلف بوعده عدة مرات . من يملك مثل هذا التأثير أو النفوذ على الأسد ؟ طهران و موسكو . الطرفان ليسا بوارد طلب التنحي منه أولاً . ناهيك عن أن النظام السوري سينقلب على موسكو فيما لو طلبت ذلك . اعتقدت تركيا أن لها ” مونة ” و صداقة مع الأسد و عندما حاولت استخدامها في غير هوى الأسد كانت النتيجة أن الأسد هاجمها و ناصبها العداء .

الحل اليمني غير ممكن في سوريا بتاتاً .

المندسة : هل استعجل الثوار  اللجوء الى السلاح ؟ و هل علينا الترحّم على أيام السلمية ؟

محمد : عندما نتحدث عن ” استعجل ”  يبدو و كأن الأمر كان مدروساً أو مخططاً . اللجوء للسلاح ، كما الثورة ، تم بشكل عفوي و كرد فعل على حدث ما . اللجوء للسلاح حصل عندما بلغ العنف مرحلة استباحة المنازل و ترويع المدنيين و استباحة أعراضهم و هذا الأمر كان للدفاع عن النفس و في مرحلة لاحقة لحماية المظاهرات السلمية , قبل أن يتبلور في صيغة الجيس السوري الحر . لذلك لا يمكن الحديث عن الاستعجال في ذلك . بقي الناس يقتلون حوالي ستة أشهر دون مقاومة تذكر ، لكن مع اشتداد العنف بعد شهر رمضان بدأ الناس جدياً بالتفكير في الدفاع عن أنفسهم وهذا ما حصل .

لن نترحم على أيام السلمية . المتابع عن قرب لما يجري في الثورة السورية يرى أن المظاهرات السلمية لا تزال تعمل إلى جانب الكفاح المسلح . تتظاهر المدن فتقصف ، خلال القصف و اجتياح الدبابات لا يمكن لعاقل أن يتوقع أن يخرج الناس في مظاهرات ، هنا تظهر المظاهر المسلحة . في عدة أماكن كانت المظاهرات السلمية تحمى من قبل ملسحين و هذا امتد لفترة أشهر . في بعض الأماكن كان من الضروري لإنطلاق مظاهرة سلمية أن يذهب بضعة مسلحين و يهاجموا الحاجز على مدخل القرية فيهرب العناصر و بعدها تتظاهر القرية و تنهي مظاهرتها قبل وصول التعزيزات الأمنية . يمكن للكفاح المسلح أن يعمل جنباً إلى جنب مع التظاهرات السلمية . لا أجد أي تعارض بين الإثنين أبداً و إنما يلعبان دوراً مكملاً لبعضهما البعض .

المندسة : ما رأيك في فتح باب التسليح للجيش الحر ؟ و بـ المقابل ما هي مآخذك على أدائه و استراتجيته ؟ و هل ما جرّه على بابا عمرو تحديداً , و على مناطق عدة عموماً , يعتبر تعنتاً منه , أم أنه فعلاً كشف لـ الثوار و العالم المقدار الحقيقي لـ قوة الجيش النظامي , و كان ذلك ضرورياً ؟

محمد : لا أرى مانعاً من تسليح الجيش الحر وفق شروط و ضوابط . التسليح موضوع خطير و رمي السلاح لـلناس بشكل اعتباطي ليس بالعمل الصائب أولاً , و لن يقود بالضرورة إلى النصر ثانياً , تسليح الناس دون تدريبها أو تنظيمها أمر لا يخدم الثورة كثيراً. في البداية لا يمكن الحديث عن تسليح السوريين للجيش الحر ، هذا ضرب من الجنون . يستطيع بعض السوريين التبرع ببضعة بنادق أو قذائف أو غيرها لكن هذا لا يعني سلاحاً بالمعنى العسكري للكلمة . التسليح الحقيقي يتطلب تدخل دول و رعاية دول له . لذلك لا أجيب عن أي من الأسئلة التي ترسل لي عن كيفية التبرع للجيش الحر أو ما شابه . التسليح يتطلب إنخراط دول و حكومات فيه , و هذا يتطلب قرار سياسي دولي و إقليمي بالتسليح .

بذات الوقت تنظيم الجيش الحر و ترتيب كتائبه أمر مهم . تعمل جميع الكتائب بشكل منفصل لحد كبير . يفرض البعد الجغرافي ذلك و يمنع شح الإتصالات من الترتيب و التخطيط المشترك . و بذلك تتعرض كل كتيبة أو قطعة لهجوم على حدة دون أن تستطيع باقي الكتائب مساعدتها و نجدتها أو القتال للتخفيف عنها قليلاً . القيادة الموجودة في تركيا , غير مرتبطة فعلياً بالقتال الميداني ( ربما باستثناء إدلب ، لكنها لم يكن لها أي دور يذكر في حمص مثلاً ) ، و من هنا لا توجد خطة وطنية للجيش الحر , بل هناك خطط مناطقية , أو ما شابه .

أمر أساسي هو التصريحات التي لا تخدم الجيش الحر , كتصريح أحد قياداته أننا حررنا مدينة دوما ، أو حررنا الزبداني ، أو أننا على بعد 2 كلم من القصر الجمهوري . هذا جلب ردات فعل قاسية جداً من النظام على هذه المناطق و للأمانة لم تكن تصريحات حكيمة أو موفقة . ما أخشاه أن تنجر قيادات الجيش الحر لحالة  ” الشبق الإعلامي ” التي تعاني منها المعارضة السياسية . هذه التصريحات يجب أن يعاد النظر فيها , و أرى أن الجيش الحر بدأ بذلك بالفعل .

أمر أساسي جداً لتسليح و تنظيم الجيش الحر هو دفع مرتبات العساكر و الضباط المنشقين . اتذكر ان كتبت عدة بنود ضمن ” خطة طوارئ ” في أعقاب الفيتو الروسي- الصيني الثاني , و تحدثت فيها أن توحيد الجيش الحر على خطة وطنية يقتضي توحيد كتائبه عبر دعمها مالياً , و محاولة مركزة القرار العسكري للجيش الحر , فلا نرى كل كتيبة تتصرف من تلقاء نفسها , و بعفوية قد تضر الثورة دون قصد . للأسف وجدت هذه الخطة طريقة للتنفيذ الأسبوع الماضي فقط ، بعد حوالي شهرين ، بدأ المجلس الوطني تنظيم الجيش الحر و تخصيص رواتب له , و أعلن عن تحويل مبلغ مالي لكتيبة الفاروق لتغطية احتياجاتها .

أمر آخر أساسي هو وضع القيادة العسكرية للجيش الحر تحت إشراف مدني ، هذا أساسي جداً كون الشعب السوري لديه تجربة غير سعيدة مع الجيش و العسكر عموماً ، و هذا يطئمن الجميع من الشعب لدول الجوار ، و يفرز طرفاً سياسياً , يمكن أن يرتب عملية تسليح الجيش الحر فيما لو بدأت مع الحكومات الراغبة ، و هو أمر لن يستطيع الجيش الحر القيام به على عاتقه فيما لو بقي مجموعة كتائب منفصلة عن بعضها البعض .

أريد أيضاً التعليق على موضوع تسمية الكتائب . من المستغرب ألا تجد كتائب تحمل أسماء شهدائنا الأبرار . لدينا الآلاف من الشهداء ممن يستحقون تخليد ذكراهم و تقدير بطولاتهم عبر تسمية كتائب الجيش الحر باسمهم , لكن بدلاً عن ذلك تظهر في بعض الأحيان نزعات ” هبل ” في التسميات مثل كتيبة حمد بن جاسم , أو كتيبة كمال جنبلاط ، و هذا يسيء للجيش الحر الذي يظهر كالمداهن في حين أن قضيته نبيلة ومشرفة.

بخصوص ما حصل في بابا عمرو . تحصن الجيش السوري الحر في المدينة لم يكن الخطة الأفضل و الأحكم كما رأينا . يمكن التعويل على ذلك عندما تكون أمام نظام يحسب حساب المدنيين , لكن نظامنا وجد في تحصن الجيش الحر في المدينة مبرراً لدكها بشكل عنيف بأسلحة ثقيلة و تهجير أهلها . اتضح للجيش الحر أن هذه الاستراتيجة لا تنفع و بالفعل غير عمله بشكل واضح و بطريقة سريعة مغادراً إدلب مثلاً لتجنيبها مصيراً مماثلاً . النظام لعب على هذه الورقة في محاولة لتأليب السكان على الجيش الحر لكن دعم الناس للجيش الحر استمر للنهاية .

على الجيش الحر العمل على حرب استنزاف للنظام . لا يمكن لجيش نظامي أن ينتصر في حرب شوراع و عصابات و هذا ما يجب على الجيش الحر الخوض فيه . عمليات سريعة و خفيفة فيها كر و فر سريع . عمليات نوعية تستهدف مقرات أمنية و حواجز و قطع خطوط الإمدادات . تنويع توزع العمليات على المحافظات لتجنيب منطقة بعينها حملة عسكرية قوية و نقل المعركة قدر الممكن إلى دمشق كون النظام لا يمكن أن يدمر وسط العاصمة كما يفعل في القرى و المناطق الأخرى . مثل هذه العمليات ستؤدي إلى نشر الجيش على رقعة واسعة من البلاد و بالتالي استنزافه و سيسهل ضرب خطوط إمداداته و هذا سينعكس سلباً على معنويات العساكر و الشبيحة . من الممكن أيضاً إعتماد خطة تفجير أرتال المدرعات و الدبابات عبر تغليم جوانب الطرقات السريعة خارج المدن و استهداف هذه التعزيزات .

المندسة : تطمين الأقليات , هل ترى أنه حاجة ملحّة ؟ و إن كان رأيك بالموافقة فمن هو الجدير اليوم لـ يقدم مثل هذه التطمينات و ما شكلها ؟

محمد : تطمين الأقليات أمر أساسي لكن الحديث عنه الآن أصبح متأخراً . حاولت المعارضة جاهدة تطمين الأقليات أن هذه الثورة شعبية و وطنية و ليست عربية و سنية . هناك من اقتنع و هناك من لم يقتنع . بشكل عام يمكن تطمين الأقليات عبر تقديم تصور شامل عن سوريا الغد بعد الثورة . شكل النظام السياسي و دور القوى السياسية و الأحزاب و اعتماد المواطنة كمعيار بعيداً عن الدين أو الطائفة أو القومية . هذا أمر أساسي و هام وعلى المعارضة القيام به و أعتقد أن تقديم هذا التصور عن سوريا الغد هو مهمة المجلس الوطني السوري كونه الممثل الأكبر للثورة أو للمعارضة السياسية .

لا يعني تطمين الأقليات ، كما يخيل للبعض ، أن تقدم ضمانات لطائفة ما أنها ستكون مميزة عن بقية الطوائف ، أو تقديم تعهدات معينة بخصوص محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب . تطمين الأقليات يتركز على إقناع هذه الأقليات أنها لن تتعرض للتهميش في العملية السياسية القادمة و أن دورها مضمون في الحياة السياسية بناء على المواطن . السوري يشارك في سوريا الغد بغض النظر عن دينه و قوميته .

المندسة : ما الذي ينقص إعلام الثورة ؟ و كم تعطيه من العشر درجات ؟ و لماذا ؟

محمد : إعلام الثورة لعب دوراً مميزاً جداً في هذه الثورة . لعله الطرف الأكثر ترتيباً ضمن منظومة ” المجلس الوطني- الجيش الحر- إعلام الثورة  ” .  لن أقيم بالأرقام و الدرجات كوني لست الخبير هنا و كوني من المعجبين بإعلام الثورة و بأداءه الرائع . لدي بعض الملاحظات التي تهدف لدفع العمل للأمام و هذه مسؤوليتنا جميعاً : إعلام الثورة ، النشطاء ، وسائل الإعلام ، و المجلس الوطني .

نرى أحياناً أن هناك تباين في تغطية المناطق . مناطق تتم تغطيتها و التركيز عليها في حين يتم إهمال بعض المناطق على الرغم أننا نشتكي أنها لا تشارك . فجأة تشارك هذه المنطاق بكثافة ولا نحصل على أخبار كافية أو صور أو فيديوهات منها . هذا يستلزم توسيع شبكات النشطاء ممن يقومون بالتصوير و التواصل أكثر مع الثوار .

وسائل الإعلام بدورها تهتم بـ ” الخبر الساخن ” : أكثر الأماكن شهداءً ، أكبر المظاهرات ، أكثر الصور أو الفيديوهات وضوحاً دون الأخذ بعين الإعتبار أهمية تغطية تلك المظاهرة الصغيرة في تلك القرية النائية و دلالاتها السياسية . هذا دور المجلس الوطني عبر مكتبه الإعلامي أن يتحدث مع هذه المحطات و يشرح لها خصوصية المناطق و إمكانية تشجيعها عبر بث مظاهراتها بشكل أكبر . لكن للأسف المكتب الإعلامي في المجلس الوطني يعتريه الصدأ ، ولا يلام إعلام الثورة هنا .

أرغب من إعلام الثورة التركيز أكثر في موضوع تدقيق الفيديوهات و الصور . الحمد لله أصبح الشباب أكثر خبرة مع مرور عام على الثورة السورية لكن وقعنا في بعض أفخاخ النظام مثل قضية أحمد البياسي أو فيديو زينب الحصني. مصداقية إعلام الثورة هو ما أكسب الثورة زخماً كبيراً و تضحيات الكثيرين ضمن فريق البث المباشر من الشهيد رامي السيد إلى المعتقل علي عثمان , هي من سطلت الضوء على معاناة الشعب السوري . برأيي أن تضحيات هؤلاء الشباب جديرة أن ندافع عنها و نصونها و نحصنها بالمصداقية أكثر فأكثر .

نقطة أخيرة ، أن يبتعد إعلام الثورة و ينأى بنفسه عن العمل السياسي . هذا لصالح إعلام الثورة حقيقة و لصالح الشعب السوري . السياسة قذرة ، تأخذك إلى أماكن لا ترغب الذهاب إليها و تفرض عليك بعض الأجندات السياسية أحياناً . الإعلام الثوري المستقل هو الأداة الأفضل لحماية الثورة و الشعب السوري . يخطئ السياسي فيتغير ، و يصحح موقفه لكن إن فقد الإعلامي مهنيته و مصداقيته فمن المستحيل أن يستعيدها .

أذكر أنه نشب في بعض الحالات ” حرب داحس و الغبراء ” بيني و بين بعض المعلقين على فايس بوك , عندما ناقشت مصداقية فيديو ما . الموضوع بغرض الدفاع عن مصداقية الثورة و الحمد لله الوعي بهذا الموضوع أصبح أعلى بكثير .

المندسة :  بـ اختصار مبادرة كوفي عنان ، هل ستطبق ؟ و إلى أين سنذهب من هناك في حال طبقت أم لم تطبق ؟

محمد : مبادرة عنان جيدة جداً . السيء فيها أنها لن تطبق . لن يطبق النظام المبادرة و سيماطل و يحاول قتل المزيد من الناس و كسب الوقت و إفراغ المبادرة من مضمونها .

عنان مختلف . جاد جداً . تاريخ الرجل و مهنيته تمنعانه من الفشل . تحدث بصوت عالٍ جداً أن وقف إطلاق النار لم يتم . انتزع من الأسد جدولاً زمنياً و إن كان الأسد لن يلتزم به . طرق جميع الأبواب لإنجاح مهتمه من موسكو لبكين للرياض وصولاً لطهران .

ما يميز مبادرة عنان أنها تحظى بدعم روسي وصيني . و هنا لأول مرة وجد الأسد نفسه أمام مبادرة تدعوه لسحب جيشه و دباباته تحظى بدعم روسي . روسيا في مأزق لهذا السبب . عنان سيطلب لمجلس الأمن إرسال مراقبين للإشراف على فك الإشتباك العسكري وعلى وقف إطلاق النار . مجلس الأمن يحتاج قراراً لذلك لن تستطيع موسكو التصويت عليه بالفيتو كونها داعمة للمبادرة و هنا سيصبح الأسد كبالع الموس على الحدين . إن رفض إدخال المراقبين فهو يرفض مبادرة روسيا و ستقوم موسكو بالضغط عليه سياسياً و إن سمح بدخول المراقبين فنحن أمام إشراف أممي لأول مرة على الثورة السورية و هذا أمر ممتاز . لذلك الأسد في مأزق .

اليوم أصبح واضحاً للمجتمع الدولي فشل سياساته تجاه الأسد . إنتهاج الحل الدبلوماسي و الإقتصادي لا يجدي مع مثل هذا النظام و هذا ما أدركه الجميع . أرى أن مبادرة عنان بحجمها السياسي الكبير و بثقلها الغير مسبوق من مستوى الدعم الذي تحصل عليه هي المبادرة السياسية الأخيرة . وضع الجميع بيضهم في هذه السلة و يراهنون عليها . الأسد سيرفض المبادرة أو سيقبلها كلامياً لكنه لن يوقف إطلاق النار بعد 10 نيسان/أبريل و أنتظر أن يكون هذا مفصل جديد في تاريخ الثورة السورية لننتقل لإجراءات غير المبادرات السياسية .

المؤسف أن المعارضة رفضت المبادرة في البداية و هاجمتها ، ثم فهمت محتواها لاحقاً فقبلت بها . صحيح أن المبادرة لم تعد تنص على تفويض الأسد صلاحياته لنائبه لكنها تتحدث عن مفاوضات و هذه المفاوضات لن تكون لإيقاف الثورة مثلاً بل للتفاوض على إنتقال السلطة .

أمر أساسي يجب أن نضعه نصب أعيننا أن تنفيذ المبادرة سيتم بالترتيب بمعنى سحب الدبابات و إطلاق المعتقلين و السماح بدخول المنظمات الإغاثية الدولية و السماح بالتظاهر السلمي قبل الوصول للتفاوض . هذا يعني أنه لو طبقت المبادرة سنشهد مظاهرات ضخمة للغاية تعيد الزخم للثورة السورية و أيضاً تقوي موقع المتفاوضين فيما لو حصل التفاوض . عندها يذهب وفد المعارضة مدعوماً بملايين المتظاهرين في الشارع و يكون موقعه التفاوضي أقوى .

لا أتوقع أن يطبق النظام المبادرة كونه مدرك تماماً للكلام أعلاه . لذلك سيصعد العنف و يحاول إختلاق بعض التفجيرات بعد 10 نيسان لتبرير إعادة إستخدام القوة كون هناك ” مجموعات إرهابية ” و أن المعارضة لم توقف إطلاق النار من طرفها . أمر أساسي أن تعلن المعارضة و الجيش الحر إلتزامها إلتزاماً مطلق بوقف إطلاق النار لتفويت الفرصة على النظام و تعريته في خرقه للمبادرة فيما لو فعل .

المندسة : صحيح أنه يبقى في علم الغيب ، لكن ما توقعاتك لـ ثورتنا ، ستنتصر انتصار مطلقاً ؟ أم ترى أننا سنصل إلى مرحلة الحلول الوسطى التي ترضي الطرفين ؟

محمد : إلى النصر المطلق إن شاء الله . سنصل إلى مرحلة الحلول الوسطى التي ترضي الطرفين و نعزز موقع ثورتنا و موقف ثوارنا و منها إلى مرحلة الإنتصار المطلق . العمل السياسي تراكمي بطبعه و السياسي لا يعمل وفق قاعدة  ” كل شيء أو لا شيء ” . سنحقق بعض المكاسب الهامة جداً و نقبل بها و لكن سنتابع الثورة للنهاية للنصر المطلق إن شاء الله . طبعاً هذا لا يعني أن نقبل بالتفاوض مع النظام على نائب أو وزير . القضية ليست في المشاركة بالسلطة و إنما في الإجهاز على المنظومة الأمنية للنظام و تفكيك بنيته .

حقيقة، و دون مبالغة ، الثورة أحرزت تقدماً سياسياً كبيراً جداً . اليوم روسيا تدعم مبادرة تفرض على الأسد وقف إطلاق النار . المشكلة الوحيدة لدينا هي أن الكلفة البشرية عالية و أننا نخسر شهداء بشكل كبير و أن الوضع الإنساني أصبح سيء للغاية و الناس بحاجة لإغاثة و مساعدة عاجلة . في السياسية ، وفقاً لدبلوماسي روسي رفيع المستوى ، ” لا نعد جثثاً و لا أبنية ” . هذه للأسف المعادلة السياسية الدولية التي لا تقيم إعتباراً حقيقياً للخسائر البشرية . فيما عدا ذلك فإن موقع الثورة أقوى بكثير من موقع النظام و إن كان البعض أحبط قليلاً مما حصل في  بابا عمرو أو من زيارة الأسد للحي . الأخير كان يحاول إصطناع إنتصار وهمي سيجد حقيقته على المحك في 10 نيسان .

المندسة : شكرا لـ تجاوبك مع موقع المندسة. نتمنى لك التوفيق , و لك الكلمة في النهاية، فتفضل ,,

محمد : بالعكس، شكراً لموقع المندسة على هذه الفرصة . يسعدني كثيراً الإجابة على الأسئلة . اعتذر إن كنت قد تأخرت في الإجابة رغم وعودي المتكررة . حقيقة مشغول بأمور لا تقل أهمية لخدمة الثورة . و اعتذر من القارئ إن كنت قد أطلت في إجاباتي لكن لا أريد أن أجيب بنعم أو لا,  و أمر مرور الكرام دون إضافة معلومة للقراء.

الثورة بـ عون الله منتصرة ,,

فري سيريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى