صفحات العالم

لا حسم في سوريا وجمود… في انتظار مصر


سركيس نعوم

اثارت تركيا “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي الحاكم آمالاً كبيرة في نفوس غالبية الشعب السوري التي انتفضت على نظام آل الاسد. لا بل قوّت ثقتها بنفسها وبقدرتها على تحقيق التغيير رغم كل القمع. ولم تكن هذه الغالبية تخدع نفسها عندما اعتبرت ان تركيا المذكورة يمكن ان تساعد على الوصول الى الاهداف المرجوة. ذلك انها اعتمدت في موقفها المراهن على تركيا على امرين. الاول، العلاقة القريبة من التحالف التي قامت بين الجارتين سوريا وتركيا، والتي تُرجمت في سرعة اتفاقات تجارية واقتصادية وتعاون امني والغاء تأشيرات الدخول. كما تُرجِمت علاقة صداقة حميمة بين المسؤولين الكبار في البلدين.

ومن شأن الامر الاول هذا مساعدة الغالبية الشعبية في سوريا والنظام على التوصل الى صيغة اصلاحية مرضية، وتجنيب سوريا الثورة والقمع وربما لاحقاً الفتنة المذهبية فالحرب الاهلية. اما الامر الثاني، فهو المساعدة اللوجستية والامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العسكرية التي تستطيع ان تقدمها الـ”تركيا” المذكورة اعلاه الى غالبية الشعب السوري لتمكينه من تحقيق التغيير بنفسه في حال امتناع النظام عن القيام به. وما شجعها على التوقع الايجابي هذا كون تركيا قوة اقليمية كبرى اقتصادياً وعسكرياً وديموغرافياً، وكونها عضواً في حلف شمال الاطلسي وحليفاً لاميركا والغرب عموماً، وكونها صديقاً للعرب وربما ملاذاً لهم، وخصوصاً بعدما شعروا بتهديد ايران الاسلامية لهم وادركوا عجزهم عن مواجهته.

طبعاً اصيبت الغالبية الشعبية في سوريا بشيء من الإحباط جراء عدم صحة رهاناتها التركية بسبب التردد والبعض يقول “التذبذب” في مواقف حكومة “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي. فهي مرة تنتقد نظام الاسد وتوبّخه وتتوعّده. ومرة تحاول “تطبيقه” للقيام بالاصلاح. ومرة تمهله اسبوعين للاصلاح. ومرة تقطع الاتصال به. ومرة تدعو الى سقوطه. كل ذلك أثار في عقول السوريين والعرب سؤالاً واحداً مهماً هو الآتي: ما هو الموقف الفعلي التركي “الاسلامي” من الثورة السورية؟ او بالاحرى ماذا ستفعل مع نظام الاسد الذي يقمع في رأيها شعبه؟

يقول متابعون اتراك وغربيون لتركيا “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي، جواباً عن السؤالين المطروحين اعلاه، ان تركيا انتقلت نهائياً الى المعسكر المعادي لبشار الاسد ونظامه. وان المسؤولين الكبار في انقرة بدأوا منذ منتصف الصيف الماضي يتحدثون عن فقدانهم اي امل فيهما. فضلاً عن أن الحكومة التركية بدأت استضافة المعارضين السوريين على اراضيها ورعاية محاولاتهم تنظيم انفسهم بغية الاستمرار في الثورة. الى ذلك بدأ كبار الحكومة يعتبرون ان سقوط النظام السوري لن يمكن تجنّبه.

وفي اواخر ايلول الماضي رجّح رئيس الحكومة اردوغان ان يدمّر النظام السوري نفسه اذا توحّد شعب سوريا واستمر في المواجهة. لكن رغم ذلك كله، يتابع هؤلاء، تبدو الخيارات السورية امام تركيا محدودة. فهي تستطيع ان تفرض على نظام سوريا عقوبات “ناعمة”، وهذا ما ابلغه اردوغان لرئيس اميركا اوباما في نيويورك. وتستطيع ان تتخذ خطوات اخرى غير ناجعة عملياً. كما انها ستستمر في حملاتها على الاسد. ولكن في ما عدا ذلك لن تستطيع تركيا ان تقوم بشيء عملي في غياب توافق دولي واضح على تنفيذ مشروع معيّن في سوريا. وهذا يعني ان التدخّل العسكري التركي في سوريا مستبعد. إلا طبعاً اذا كانت مُسهِّلاً وشريكاً في تحالف دولي يتحرّك ضد الاسد لا مُقرِّراً.

تبعاً لذلك ماذا يمكن ان يحصل في سوريا؟

المصادر الديبلوماسية العربية والاجنبية تعتقد ان الوضع الحالي في سوريا سيستمر، اي لن يستطيع فريقا الصراع حسمه. كما انه قد يصاب بشيء من الجمود في انتظار انتقال مصر من المرحلة الانتقالية عبر الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية. اما لماذا مصر؟ فلأن هناك تشابهاً بينها وبين سوريا ولا سيما لجهة كون الجهة الأكثر تأثيراً في ثورة كل منهما هي الاسلاميين وخصوصاً “الاخوان المسلمين”. فاذا تصرّفت هذه الجهة بعد “الفوز” باعتدال في مصر وعلى نحو يريح المصريين على تنوعهم اولاً، ويحترم معاهدات مصر مع الخارج ثانياً، ويمتنع عن تشجيع الارهاب بل يشترك في مكافحته ثالثاً، فان الباب الغربي والعربي قد يفتح امام “اخوان” سوريا والذين مثلهم. ويبدأ التحرّك الخارجي الفعلي لمساندة ثورة غالبية الشعب فيها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى