صفحات العالم

لا خيارات للمعارضة السورية/ ماجد كيالي

 

 

بعد سبع سنوات على اندلاع الثورة السورية ثمّة أسئلة على غاية في الأهمية تطرح نفسها، ومثلاً، فهل كان مقدرا لهذه الثورة أن تستمر على هذا النحو، أو أن تصل إلى هذه المآلات المأساوية والكارثية؟ وهل كان بإمكان قوى المعارضة المتصدرة لهذه الثورة فرض مسار أخر، أو خيارات أخرى، تجنّبها ما وصلت إليه؟ ثم ما هي العوامل التي أوصلت إلى هذه النتيجة؟

في واقع اليوم، وبعد هذه التجربة الطويلة والمضنية والصعبة والمعقّدة، فإن المعارضة السورية تبدو وكأنها لم تعد تمتلك مصيرها، ولا مصير الصراع السوري، كما لم تعد تمتلك خياراتها المفترضة، المنبثقة من مصالح شعبها، بعد أن أضحت، بكياناتها السياسية والعسكرية المسيطرة أكثر خضوعاً لأجندات الأطراف الخارجية الداعمة أو الحاضنة، لها، في حين خرج الصراع السوري من بين يديها ومن يدي النظام، بعد أن أضحى محكوماً بأهواء وإرادات الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، أي الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا (إضافة إلى القطبة المخفية أي إسرائيل)، علما أن كل واحدة من هذه الدول تشتغل تبعاً لأجنداتها الخاصة بمعزل عن مصالح وعذابات السوريين.

المهم اليوم أن هذه المعارضة، ورغم كل التضحيات والمعاناة، والتجربة الغنية والمضنية، تبدو أكثر ضعفاً بكثير من ذي قبل، بل إنها باتت وكأنها مسلمة أمرها للدول الراعية أو الحاضنة، كأنها تستمد منها الشرعية السياسية وحتى القدرة على البقاء، أكثر مما تستمدّ أي منهما من شعبها، أو من رصيدها في ميدان الصراع. هكذا، فكل شيء في سوريا يبدو اليوم خارجاً عن السيطرة والمعقول: النظام، والمعارضة والكيانات السياسية والعسكرية والمدنية، والمكوّنات المجتمعية، والقوى الإقليمية والدولية.

فالولايات المتحدة لا تلوي على شيء، ولا تفعل شيئاً، وكأنه لا يهمها سوى أمن إسرائيل، ومنطقة شرقي نهر الفرات، ودعم قوات البي يو دي الكردية، بدعوى التركيز على محاربة تنظيم داعش وتحجيم إيران. في حين أن روسيا، التي تلعب على هامش اللامبالاة الأميركية، مشغولة بترسيخ النظام، والمشاركة معه في وأد المعارضة، وفرض هدن محلية، ومقاومة أي جهد دولي لوقف القصف والقتل والتشريد، بدعوى الحرب ضد الإرهاب، ولفرض ذاتها كقوة دولية لا تقل في مكانتها عن الولايات المتحدة.

ومن جهتها فإن إيران لا ترى في سوريا إلا جائزة لها، لاستكمال سيطرتها على المشرق العربي، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا، لفرض ذاتها كقوة إقليمية، ولتعزيز موقعها التفاوضي في الملفات العالقة مع الولايات المتحدة، وضمنها الملف النووي. أما تركيا فقد بات شغلها الشاغل حماية أمنها القومي، ووأد أيّ طموحات كردية على حدودها، من العراق إلى سوريا، إلى حد قبولها تسليم عفرين للنظام، وذلك بعد أن كان هدفها مساندة المعارضة وإسقاط نظام الأسد.

وعلى صعيد الطرفين المحليين المتصارعين، فإن النظام بعد أن فقد موارده في القوة والسلطة والسيادة، بات رهنا لإرادات الطرفين الداعمين، أي روسيا وإيران، علماً أن الطرف الأول، أي روسيا، بات أكثر تحكماً بالملف السوري، في حين إيران أكثر رسوخا في القوة على الصعيد الميداني.

أما بخصوص المعارضة فهي لم تنجح في توليد كيان سياسي جامع، أكثر تمثيلا للسوريين وكياناتهم، وأكثر تمثلا لمصالحهم ولتنوعاتهم، بل إنها بخطاباتها باتت أكثر ممالأة لخطابات الكيانات الإسلامية المتطرفة، وأكثر بعداً عن خطاباتها التأسيسية المتعلقة بالحرية والمواطنة والديمقراطية.

ولعل الوضع على صعيد كيانات المعارضة العسكرية أكثر بؤسا، فهذه الفصائل أكثر ارتهانا للخارج، ما يفسر مشاركة بعضها في مسارات أستانة التفاوضية، وفي مؤتمر سوتشي، وما يفسر تخلي بعضها عن حلب مقابل معركة درع الفرات، والسكوت عن استيلاء جبهة النصرة على إدلب وريفها، للانخراط في عملية “غصن الزيتون” في عفرين، هذا فضلا عن الاقتتالات المتواصلة في بين فصائلها على القوة والنفوذ والموارد.

ثمّة عوامل رئيسة تسلسلت وتناسلت، وأدت إلى كل ذلك. أولها، العنف التدميري الذي انتهجه النظام، والذي تصرّف ضدّ شعبه منذ البداية، كأنه قوة غريبة، أو قوة احتلال. وثانيها تخاذل المجتمع الدولي، رغم أن ما حصل، وضمنه استخدام الطائرات والكيماوي، لكسر أكثرية السوريين، غير مسبوق، وغير مقبول في المعايير الدولية. وثالثها طول أمد الثورة، مع استعصاء أحوالها وتهتّك قواها، وتقيّح جراحاتها. ورابعها تفجّر التناقضات والانشقاقات في معمعان الثورة، وقبل إسقاط النظام، على خلاف ما حصل في التجربتين المصرية والتونسية. وخامسها تعذّر توليد مركز قيادي أو مرجعية مؤسّسية للثورة، في السياسة والعسكرة والعمل المدني.

المشكلة أن المعارضة بنَتْ كل شيء بناء على مراهنتين خاطئتين، أولاهما، أن الانتصار حتمي وأن النظام سيسقط منذ السنة الأولى. وثانيتهما، أن التدخل الدولي بهذا الشكل أو ذاك آت لا محالة. وبالنتيجة فقد جرى رفع مستوى وتيرة الصراع في سوريا، ليس من حيث مقاصده، وإنما من حيث أشكاله ووتائره ومستوياته بناء على هاتين المراهنتين الخاطئتين.

والمعنى أن السوريين، من دون وهم الانتصار من التجربة أو الثورة الأولى، ووهم التدخّل الخارجي، ربما كان بإمكانهم أن يشقّوا مسارات أخرى لثورتهم، أقل كلفة وأقل مستوى، ولكن ربما أكثر تأثيرا، وفاعلية، حتى لو كانت أطول زمناً، هذا بالقياس إلى الأهوال التي اختبروها طوال الأعوام السبعة الماضية.

على ذلك كان بالإمكان تبني خيارات أخرى، لكن التدخّلات الدولية والإقليمية والارتهان للخارج، وإخراج أغلبية السورين من معادلات الصراع، بالقتل والحصار والتشريد، وعدم قدرة المعارضة على بناء ذاتها، أوصلت الأمور إلى هذه الحالة، أي إلى حالة اللاخيار.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى