سمير العيطةصفحات سورية

لا غالب ولا مغلوب/ سمير العيطة

 

 

يمكن الاستدلال بأحداث لبنان لقراءة التطوّرات المستقبليّة في المشرق العربيّ. وها قد تمّ انتخاب رئيسٍ لبنانيّ جديد بعد استعصاءٍ سياسيّ دام طويلاً، على خلفية حرب المحاور القائمة، خاصّة بين إيران والسعودية. من خصائص الرئيس الجديد أنّه ذو قاعدة شعبية حقيقية ومتحالفٌ مع «حزب الله». وما سمح بفكّ الاستعصاء السياسي المديد هو التحرّك المفاجئ والسريع لزعيم الطرف الغريم في حرب المحاور، بعد زيارات شملت خاصّة موسكو والرياض، كي يحصل في المقابل على رئاسة الوزراء في حكومة ربما يكون عنوانها الرئيس «لا غالب ولا مغلوب».

هناك الكثير من التكهنات بشأن الدوافع التي سرّعت الحلّ في لبنان، برغم الصعوبات التي سيتم خوضها في الأيام المقبلة، خاصّة في ما يتعلّق بصياغة بيانٍ حكوميّ يأخذ موقفاً من المشاركة المباشرة في الصراع السوريّ على الأرض السوريّة. ومن الدوافع التطورات الاقتصادية في السعودية وأثرها على مصالح لبنانية، والتدهور الاقتصادي المالي في لبنان جرّاء الاستعصاء الذي قد يقضي على مصالح جميع الزعامات اللبنانيّة من دون استثناء، وغير ذلك. لكنّ هذه الدوافع ليست كافية وحدها، فالحلّ يأتي بالضرورة في سياقٍ إقليميّ ودوليّ.

من اللافت أنّ صيغة «لا غالب ولا مغلوب» يمكن أن تنطبق بشكلٍ ما في العراق. فالجيش العراقيّ المدعوم من إيران يتعاون بشكلٍ وثيق مع قوّات البيشمركة لإقليم كردستان العراق، المدعوم تركياً في معركة الموصل، برغم جميع الخلافات الجوهريّة بين الطرفين. وتبدو تحرّكات القوى على الأرض مضبوطة عرقيّاً وطائفيّاً، وكذلك إقليميّاً، للانتهاء من تنظيم «الدولة الإسلاميّة» ولإخراج ما سيأتي بعده. والدلالة الكبرى في ما يجري، بعيداً من بعض التصريحات «الطنّانة،» هي توجيه «البغدادي» مؤخراً تهديداته الأساسية نحو السعودية وتركيا بالتحديد.

لكنّ السؤال يبقى كبيراً عن معنى صيغة «لا غالب ولا مغلوب» في سوريا، بعدما وضعها مستشار الرئيس الروسي عنواناً للحلّ في مقابلة لافتة له أواخر أيلول الماضي، في خضمّ احتدام معركة حلب والحديث عن التحضيرات لمعركة الرقة، بالتزامن مع المهاترات الإعلاميّة حول فشل الاتفاق الروسي ـ الأميركي.

والصيغة يُمكن أن تُفهم بطرقٍ مختلفة. لكن أهم ما فيها هو ربما إطارها، أي إنّ أياً من الأطراف لا يُمكن أن ينتصر في طروحاته حتى على جزءٍ من الأرض السوريّة. فالحلّ حتى على هذا الجزء يخضع لتوافقات تقبل بها جميع الأجزاء الأخرى.

هكذا تخصّ هذه الصيغة أوّلاً السلطة في سوريا. ذلك أنّ انتصار الجيش السوري وحلفائه عسكريّاً في المعارك الحالية لا يعني انتصاراً سياسياً لمصلحة طروحاته، خاصة لمصلحة رأس السلطة، وأنّ مساهمة «وحدات الحماية الشعبيّة» في التخلّص من «داعش» لا تعني انتصاراً لطروحات «حزب الاتحاد الديموقراطيّ» الكردي، لا في إعلان الفدراليّة من طرفٍ واحد ولا في خريطة المناطق التي يُمكن أن تطبّق فيها الإدارة الذاتية.

لكنّ المعضلة الأكبر تكمُن في تفسير الـ «لا غالب ولا مغلوب» في ما يخصّ «المعارضة»، إذ لا يبدو مقبولاً أن يتمّ شمل «فتح الشام/ النصرة» وتنظيم «القاعدة» في هذه الصيغة. هذا فيما ربطت الأطراف المعارضة في «الهيئة العليا» و «الائتلاف» وغيرها معنى انتصارها بانتصارٍ عسكريّ في حلب تقوده «فتح الشام».

هذه المعضلة لا يُمكن حلّها بسهولة، وعلى الأغلب لن تجد مخرجاً إلا من خلال التطوّرات الميدانيّة المُقبلة في حلب، من ثم الرقّة، وبروز الوعي بالفخّ الذي ينتهي بحشر الجيد مع السيئ في إدلب. حينها قد تعود ربما السياسة في سوريا. لكنّها يُمكن أن تُنتج صيغة «اللاغالب ولا مغلوب» بوتيرةٍ أسرع من لبنان والعراق. وربما كان اقتناع الأطراف الإقليمية والدولية بإمكانية هذا التسارع هو الذي دفع إلى التسريع بالحلّ اللبنانيّ.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى