صفحات المستقبل

لا للظلام: اسحقوا الخسيس

 


هيغل: “إن الثورة الفرنسية نتجت من الفلسفة”.

الثورة ليست دائما منبعا للخير العميم البعيد الأمد إلا إذا كانت تقوم على أسس عقلية، وفي حالة الثورة لدينا لم نجد فيها ما يشير إلى ثورة على المجتمع والنفس والحياة وتحكم رجال الدين بالمشاعر والتصرفات، وإنما هي بدأت وخلافا لتوقعات معظم التواقين الى التغيير بالكذب والتزوير والخداع والاعتماد على رجال الدين والطائفية والاشاعات وتأجيج الغرائز الدينية والدموية بأي طريقة وبأوقح الطرق. بدأت بالنداءات الطائفية وبعدها بتمزيق وحرق رموز المقاومة ثم بالسلاح المباشر ضد قوى الأمن والجيش، وتطورت لتقلتهم وسط تحالف غربي استعماري وتكالب خليجي  اعلاميا. كل هذا جعل الكثير من الشباب الذين كانوا ينتظرون حصول ما حصل في تونس ومصر بالتراجع، وخاصة من شهد أحداثا بشكل مباشر واستخدام السلاح والأحقاد كوسيلة لنشر ثورتهم، ووصلت الى حد التهديد والنداء بالعشائرية بكل وقاحة في القرن الحادي والعشرين، وهذاأمر معاكس تماما للثورة أي أنها ثورة رجعية ظلاميّة وترسيخ لما يجب الثورة عليه أصلا (الدين والقبلية والعشائريّة والطائفية).

في الحالة الفرنسية قامت الثورة الفرنسية لترفع من شأن العقل على الدين، وقد سبق الثورة الفرنسية ظهور فلاسفة من أعظم فلاسفة التاريخ وهم فلاسفة التنوير، لقد كان التنوير الفرنسي للوصول الى سلطة أكثر سموا وارتقاء من أي سلطة وهي سلطة العقل. فباسم العقل وحده أصدر فولتير إعلانه الشهير الحرب ضد الكنيسة (اسحقوا الخسيس). أما ديدرو فقد قدم اقتراحا بـ ” خنق الملك السابق بأحشاء القسيس السابق”.

ثورة العقل تلك حددت مبدأ أساسيا: لفكرة العقل نقيض وحيد وهي فكرة الدين. وقد أعلنت “الموسوعة” التي تعتبر روح التنوير الفرنسي والتي كان ديني ديدرو محررها الرئيسي: “العقل بالنسبة للفيلسوف هو مثل النعمة بالنسبة الى المسيح. فالنعمة الإلهية تدفع المسيحي إلى الفعل، والعقل يدفع الفيلسوف” أي أن العقل كان مرادفا للعقيدة الإلهية.

في المواد التي كتبت عن الضمير والتعصب واللاتديّن والتسامح وعدم التسامح دافع ديدرو عن التسامح الديني وحرية اعتناق ديانات أخرى أو عدم اعتناق دين على الإطلاق طالما أن الأخلاق مستقلة عن الدين. وفي بعض المواد الأخرى التي كتبها بارون هولباخ فقد كانت بصورة صريحة ضد الدين: “الدين هو اختراع الكهنة البارعين الذين فرضوه على الجماهير الجاهلة والمهددة”.

أما ما رآه الفلاسفة – الذين أسسوا التنوير – في الجماهير آنذاك أنها غير مؤهلة حتى تستطيع أن تدعم وتفهم سير الروح الإنسانية إلى الأمام، وفي مقال بعنوان الدهماء يقول ديدرو: “لا تثق في حكم الدهماء في مسائل البرهان، والفلسلفة، فصوتهم هو صوت الفسق، والغباء والوحشية، واللامعقولية والحكم المبتور…إن الدهماء جهلة، وأغبياء …لا تثق فيهم في مسائل الأخلاق، فهم عاجزون عن الأفعال القوية والنبيلة.. والبطولة هي حماقة في نظرهم من الناحية العملية”.

طبعا يعزي ديدرو ذلك الى أنّ الجماهير كانت في حالة تعيسة، لأنهم كانوا لا يزالون تحت عبودية الدين والكنيسة، وسيحررهم تقدم التنوير من هذ الحالة الغارقة في ظلام الجهل.

لم يلجأ مونتسيكو، وخلافا لزملائه، إلى العقل من حيث أنه المبدأ الأساسي للسياسة والمجتمع. وبدلا من ذلك تناول هذه الموضوعات من الناحية السوسيولوجية، حيث يقول: “يتأثر البشر بعلل متنوعة: بالمناخ، بالدين، بالقوانين، بمبادىء الحكم، بالقدوات السابقة، بالأخلاق، وبالعادات، التي تتشكل منها روح عامة للأمم”. وما هو ملاحظ بصورة ملفتة بالنظر إلى قائمة العلل هذه غياب العقل، وما هو موجود بصورة لافتة للنظر هو الدين.

وهكذا وقبل أن نقول أن ثورة تحدث هنا دعونا نلتفت إلى الوراء لنرى ما سبق الثورة من حركة عقلية، وكلنا نعرف جميعا وبدو استثناء أن لا شيء قد سبقها إلا ما تعرفونه من موجة ارتدادية تونس – مصر – يمن – ليبيا.

الثورة يجب أن تكون أولا قبل كل شيء على القبليّة ورجال الدين (بكل الطوائف) وهما للأسف من يقود فعليا ما يسمى بالثورة بدلا أن نكون ثائرين عليهما.

يجب أن لا نفتح الباب الذي فتحه مثيري الأزمة التي سموها “ثورة” لقبليّة جماعة مؤتمر انطاليا ولا مؤتمر بروكسل الدينيّ ولا للعشائرية والطائفية والزعرنة التي ميزت هذه “الثورة” وعلينا أن نتمسك بكل قوانا بدولة علمانية عسى أن نبدأ التنوير السوري بأقرب فرصة ممكنة، وبدون التمسك بعلمانية الدولة ولو “بالصرماية” فإننا نكون قد انتقلنا الى الظلام وهي نتيجة غير مستغربة من ثورة ظلامية بتزويرها الاعلامي وكذبها وتمويلها الخليجي والغربي ورفضها المقاومة وحرقها لرموزها والغائها الطرف الآخر قبل أن يكونوا في السلطة.

وحتى تلك الفرصة لبدء التنوير السوري يصح فيما يحدث قول فولتير ولو حرفته: لم يسبق أن وُظف ذكاء بهذا القدر ليقدم لنا مثل هذا الغباء.

http://kenanphoenix.wordpress.com

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى