صفحات العالم

لا يصلح العطار ما أفسده الدهر

 


خالد عبدربه

خرجت مسيرة سلمية من آلاف السوريين في دمشق تأييداً للنظام السوري, رافعين أكبر علم في تاريخ سورية. ولا نعرف إذا كان هذا النوع من المسيرات يحتاج الى تصريح أم لا. لكن هي بالتأكيد حالة صحية ومنطقية لطبيعة الأشياء, فكما هناك معارضين للنظام أيضا لا بد من وجود مؤيدين له, وبغض النظر عن الأحجام والنسب وظروف خروج كل طرف في التظاهر والتعبير عن رأيه, إلا أنه يجب الحديث عن وجود أطراف منها المعارض ومنها المؤيد. الأمر الذي كان من المفترض على النظام السوري التعاطي معه منذ البداية بدلاً من اغلاق عينيه وسد اذانه, واعتبار المعارضة الشعبية مؤامرة خارجية.

فالحالة غير الصحية وغير الطبيعية هي عدم وجود معارضين وعدم رؤية ذلك من قبل النظام وهو الذي يتفرد في السلطة منذ أكثر من أربعين عاماً.

وكان ملفتاً للنظر كيفية تعاطي النظام بكل مكوناته بما فيها مؤسساته العسكرية والإعلامية مع كلا الطرفين. فهو يرى في المؤيدين متظاهرين سلميين يفتح لهم الطرق ويؤمّن لهم المواصلات, “ولا نعرف لماذا لا يتواجد بينهم مندسين أو سلفيين الأمر الذي يتطلب تدخلا أمنيا وعسكريا” في حين أن المعارضين دوماً هم عصابات مسلحة تتطلب تدخل الأمن والجيش لقمعهم.

رغم تأكيد الشعب السوري في كل احتجاجاته على سلمية المظاهرات, فإن النظام السوري لا يقتصر جهدا في محاولة إقناع العالم على أنها غير ذلك. فلم يبق من مسميات غير سلمية لم يستخدمها بعد. من مندسين الى سلفيين الى عصابات إجرامية وآخرها تنظيمات مسلحة, رافضاً الاعتراف بأي تحرك شعبي ليس مؤيدا له على أنه تظاهر سلمي معطياً لنفسه الحق في القتل والقمع.

وقد استطاعت آلاف الكامرات المتحركة عبر هواتف المتظاهرين المعارضين أن ترصد آلاف الصور ومقاطع الفيديو الدالة على سلمية التحرك الشعبي والدالة كذلك على استخدام السلاح من قبل الأجهزة الأمنية والجيش والشبيحة ضدهم, فيما لم تستطع كامرات النظام في سوريا أو هواتف مؤيديه أن تنقل لنا صورة واحدة تدلل على حمل المتظاهرين للسلاح.

الإصرار العجيب على إضفاء الصبغة العسكرية على التظاهرات الشعبية المعارضة يدلل على رفض النظام الكامل في التعاطي مع مطالب المتظاهرين على أنها مشروعة رغم تصريحه بذلك, وهو رفضٌ بالمطلق في الاعتراف بوجود متظاهرين غير مؤيدين.

وهذا ناتج عن صدمة حقيقية لدى النظام, فالمظاهرات المعارضة ثقافة لم تكن موجودة في قاموس النظام في ظل قبضتة الأمنية شديدة الإحكام على مدى عشرات السنوات, فالثقافة السائدة كانت لمسيرات تخرج لتقدم الولاء والطاعة وليس الاعتراض, ولمن يهتفون نفديك بالروح بالدم وليس لمن يهتفون للحرية.

إن خروج مؤيدين لللنظام في سورية كان يمكن أن يكون له دلالاته وأن يكون مفيداً فيما لو كان في سياقه الطبيعي بين مؤيد ومعارض, وكانت الدولة السورية وليس النظام على مسافة واحدة بين الطرفين, وقبل أن يصل عدد القتلى الى أكثر من ألف ومئتي قتيل والمهجّرين الى أكثر من عشرة آلاف مهجر وآلاف من الجرحى والمعتقلين.

بالتالي كان من الممكن لهذه المسيرات الشعبية المؤيدة للنظام أن تكون داعمة حقيقية له ومعبرة عن توجه شعبي يمكن أن يدخل في الحسابات والقياس, ويؤمن شعبية مساندة له يمكن الاعتماد عليها في تثبيت شرعية ما, مستندة على قاعدة جماهيرية كبرت أم صغرت.

أما مع زيادة التصعيد العسكري ضد المتظاهرين المعارضين, واعتماد النظام بالمطلق على المعالجة الأمنية بدل الحلول السياسية, وغياب أدنى درجات التكافؤ بين الطرفين الشعبيين, فلا يمكن لهذه المسيرات والتي لا شك تمثل جانبا من الشعب السوري أن تغير شيئا في المعادلة القائمة, ولن تستطيع أن تقدم أي دعم أو مساندة لنظام لم يعتمد يوما على أهمية الحراك الشعبي, في مواجهة الطرف الثاني من الشعب السوري الذي تُواجه احتجاجاته بالبارود والنار, فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى