صفحات سوريةغازي دحمان

لتكن حرباً على الإرهاب/ غازي دحمان

                                            ثمة جهود ديبلوماسية وسياسية مكثفة، تحظى بتغطية إعلامية منسقة، يجريها مشغلو نظام بشار الأسد الخارجيين، روسيا وطهران، تهدف إلى حرف الأزمة السورية عن عناصرها الأساسية بوصفها مشكلة شعب، أو أجزاء كبيرة منه، مع نظام عائلة استبدادية متسلطة، وإن تحالف معها بعض المكونات وذوو المصالح، إلى مشكلة محاربة ما يسمى بالإرهاب ومواجهة بعض المجموعات المتطرفة. وهي مجموعات نشأ اغلبها في مختبرات النظام والدول المشغلة له، أو هي كانت نتيجة استدعاء لها، كإفراز طبيعي للحرب الطائفية، التي يشنها الحلف المذكور على مكون سوري بعينه، بقصد تدميره وإخضاعه، وإجهاض كل ممكنات الثورة بداخله.

من موسكو إلى طهران وبغداد، يبدو الحديث عن محاربة الإرهاب مزدهراً، حتى انه بات يجري الحديث عن تشكيل آليات إنجاز هذه المهمة كأولوية سورية بل وإقليمية وعالمية. وبالتالي، فرض نتائج مسبقة على مؤتمر جنيف2، المنوي عقده في بداية العام المقبل، على أساس تشكيل حكومة موسعة، بقيادة عميل روسيا ووكيل طهران، على أن يجري ضم الثوار في أطر جيش موحد من أجل محاربة الإرهاب.

بالطبع ما يشجع على مثل هذه الأطروحات، اعتقاد روسيا وإيران أن المناخ العالمي صار مهيأ للقبول بأي حل للأزمة السورية، وانه يتجه إلى توكيلهما هذا الملف بالكامل، وما عليهما سوى إخراج الحل المناسب. وبالتالي، فإن الأمر لا يتطلب أكثر من تقديم رواية متماسكة عن خطر الإرهاب، وأولوية محاربته في هذه الظروف، وجعل قضية تنحي الأسد تبدو غير منطقية وغير واقعية في مثل هذه الظروف. ألا تستدعي “الواقعية” مثل هذا النمط من التفكير،خصوصاً انه يجري تقديم السياسات الانتهازية واللا إنسانية على اعتبارها سياسيات واقعية؟

حسناً، ما دام مناخ الواقعية والتعقل هو السائد، فإنه يتوجب أن يقف العالم على وقائع الحدث السوري وتفاصيله كما هي، وليس انتقاء بعض التفاصيل من سياقها العام، وتقديمها على أنها الحدث الحقيقي. وعليه، فحين نتحدث عن الإرهاب، لا بد من التأكيد على أن الإرهاب الحقيقي هو ما يمثله ويمارسه بشار وحلفاؤه على جسد الشعب السوري. لا يحتاج الأمر للبحث عن شواهد وأدلة لإثبات هذه الحقيقة الفاضحة، إذ تكفي قائمة القتلى التي تكاد تلامس الربع مليون مواطن سوري، ومثلهم معوقون، ونحو المليون جريح، وعشرات ألاف المخفيين، ومئات المقابر الجماعية المخفية، زد على ذلك ثلاثة ملايين لاجئ خارج سوريا، وعشرة ملايين نازح داخل سوريا نفسها، وتدمير حواضر ومدن بكاملها إنطلاقاً من كونها تخص المكون الاكثري في البلاد.

عند الحديث عن الإرهاب أيضاً، يتوجب التذكير بأن فصائل المرتزقة الإرهابية، التي تعمل بشكل منظم ودائم هي الكتائب التي تقاتل إلى جانب النظام، وهي تمارس كل أنواع الجرائم التي تحظرها قوانين الحرب، بعد منحها نظام بشار الأسد الصلاحية الكاملة وحرية التصرف مقابل إنقاذ نظامه، وفي مرحلة لاحقة لم يعد له القدرة على السيطرة على سلوكها حتى لو أراد، وهي نوع من أخطر أنواع المرتزقة معفية من أي التزام قانوني وأخلاقي، وبالتالي، فهي تمارس الجريمة بكل مستوياتها ودرجاتها بدءا من النهب والاغتصاب وانتهاء بقتل الناس وتهجيرهم.

وتسجل مصادر محايدة أعداد هؤلاء المرتزقة بأكثر من مئة وخمسين ألفاً، تم جلبهم من إيران والعراق ولبنان واليمن وباكستان، تحت ذريعة الدفاع عن العتبات المقدسة، وهي ليست سوى واجهة من أجل ممارسة جرائم بحق السوريين، دافعها الحقيقي الانتقام الطائفي من شعب آخر، عبر استعباده وإرهابه. يضاف إلى هؤلاء، استقدام آلاف المجرمين المحترفين من روسيا وكوريا وبعض جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابقة، حيث يحصلون على مقابل مادي كبير يتم اقتطاعه من حق السوريين المحرومين، والذين وصل عدد الذين هم بحاجة إلى مساعدات فورية حوالى تسعة ملايين، فيما وصل عدد الذين يتهددهم خطر الجوع عتبة المليوني شخص.

ليس من حق أحد أو جهة التحدث عن الإرهاب في ظل وجود بشار الأسد، واستمراره باغتصاب الحكم في سوريا. ليس ثمة إرهاب أسوأ من ذلك الذي يمارسه من يدعي انه رئيس لشعب ويستدعي المجرمين عبر شركات مقاولة لقتل مواطنيه. ويختبئ وراء مراقد الشيعة ليستثير فيهم الغرائز والحمية لقتل السوريين. وإذا كنا في سوريا لا ننكر بعض الممارسات الإرهابية، التي تمارسها بعض الأطراف المنخرطة بالحدث السوري، فإننا نعرف كسوريين اننا لم نستدع أحداً لفعل ذلك. على العكس، يعرف العالم خيوط العلاقة التي ربطت بين تنظيم القاعدة وكل من النظامين السوري والإيراني اللذين استخدما لقتل الآلاف من العراقيين في سبيل إخضاعهم لمخططات إيران. ومن ينسى في سوريا كيف تحولت البلاد إلى أوتوستراد سياحي وعلني لنقل عناصر القاعدة من مطار دمشق إلى الأراضي العراقية عبر رحلات كانت تنظمها أجهزة الأمن السورية جهاراً نهاراً.

محاربة الإرهاب وتنحية الأسد صنوان لا ينفصلان. المفروض تركيز الاهتمام في هذا السياق على محور الإرهاب وصانعه ومفتعله في سوريا، وهو بشار الأسد. فمحاربة الإرهاب إن تمت ببقائه ستكون أشبه بمحاربة طواحين الهواء.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى