صفحات العالم

لجنة الإحباط

 


حسام عيتاني

أضفى تشكيل لجنة لإعادة النظر في قانون الطوارئ في سورية مزيداً من الإحباط غداة خطاب الرئيس بشار الأسد. واللجنة مكلفة “دراسة وإنجاز تشريع يضمن المحافظة على أمن الوطن وكرامة المواطن ومكافحة الإرهاب، وذلك تمهيداً لرفع حالة الطوارئ”، على ما ذكرت وكالة “سانا” الرسمية.

مصادر الإحباط عدة، أولها أن اللجنة شكلتها القيادة القطرية لحزب “البعث” الحاكم، ما يعني أن السلطة السياسية كلفت نفسها – وليس هيئة مستقلة عنها – البحثَ في إنهاء حالة تُعتبر السلطةُ أولَ مستفيد منها.

وثانيها، أن إيكال المهمة الى القيادة القطرية يكرِّس التداخل بين الدولة والحزب، وهذه مسألة يلحّ المعارضون على حسمها باعتبارها عقبة كبرى أمام بناء دولة المؤسسات في سورية.

ثالث مصادر الإحباط، هو مثول القول السائر بأن “اللجان مقابر القضايا” أمام كل المطالبين بالإصلاح. ولا يساهم تأكيد أنصار الحكم أن المؤتمر الذي عقده حزب “البعث” عام 2005 قد وضع هذه المسائل وغيرها على مائدة البحث، سوى في تعزيز الشعور بإصرار السلطة على دفع المواضيع الإصلاحية المهمة إلى زمن قد لا يأتي. وحتى الآن، لم يظهر غير التذرع بالتحديات الخارجية لتفسير عدم إجراء الإصلاحات المعروفة. والتحديات الخارجية في منطقتنا هي القاعدة، وانتفاؤها هو الاستثناء.

ورابعها، أن الأسد لم يشر في خطابه أمس الأول، إلى أي خطوة إصلاحية ملموسة، ما يترك الباب مشرعاً أمام الحكم للتنصل من كل ما يمكن أن يكون قد ورد في “طلاّت” سابقة للمتحدثين باسمه، طالما أن الرئيس حصر سبب الأحداث في سورية “بمؤامرة خارجية” انساق لها بعض السوريين “ربما عن حسن نية”.

السمة التآمرية التي أعطاها الرئيس للاحتجاجات تتيح لأجهزة السلطة التمسك بالخيار الأمني أداةً وحيدة لمعالجة التطورات. وسرعان ما تجسد الخيار هذا في اطلاق النار على المسيرة السلمية في اللاذقية بعد سويعات من انتهاء كلمة الرئيس، وفي استمرار الاعتقالات بوتيرة عالية.

ويزيد من سواد الصورة وعمق الإحباط، تكرار المعارضين الحديث عن “إضاعة الفرص” وعن “انسداد طريق الإصلاح” بعد خطاب مجلس الشعب، الذي لم يشر إلى أي إمكان لإجراء حوار بين السلطة وقادة المتظاهرين. أما إيفاد شخصية أمنية لإبلاغ أهالي درعا بإجراءات اتخذتها القيادة السياسية لضمان عدم حصول المزيد من العنف، فلا يبشر بخير.

يجوز الزعم أن المشكلة الكبرى التي تواجه الحكم في سورية، وفي دول عربية أخرى سبقتها وستتبعها على طريق “الأحداث”، هو عدم اعتراف السلطة بوجود مكونات متعادلة ومتكافئة يتعين قيام حوار في ما بينها من أجل الحفاظ على السلم.

وإذا كان الحكم الديموقراطي التعددي وتداول السلطة من “المحرَّمات” التي لا يجوز التطرق اليها، خشيةَ اشتمام العدو رائحة الشقاق والصراع الداخلي، فلا بديل من الإدراك العميق أن النزول إلى الشارع في دولنا العربية، المدججة قواتها الأمنية بالرصاص الحي والفقيرة الى قنابل الغاز المسيل للدموع، ليس نزهة، وأن من يلجأ إلى الشارع والحال على ما تقدم، يكون في أمسّ الحاجة إلى حقوقه الأكثر بداهة. المؤامرات الخارجية حجة من لا يرى هذه الحاجات.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى