صفحات الرأي

لعودة الى فهم مصادر المعرفة/ إبراهيم غرايبة

 

 

الدين والتصوف والفلسفة والعلم…، مصادر مستقلة عن بعضها، وقد يبدو ذلك جدلياً بالنسبة للتصوف، لكنه في علاقته بالدين لم يكن سوى استحضاراً مثل الفلسفة والعلم، ولذلك نجد التصوف الاسلامي والتصوف المسيحي واليهودي والهندوسي …التصوف سبق الدين ولعله سابق للعلم والفلسفة… عندما كان الانسان يرى يقلبه وينهل من الفضاء الحكمة او يلتقطها، والاسطورة من السطر اي الكتابة عندما ادرك الانسان الحكمة وأراد ان يحلها في حواسه ليفهم الحكمة كما تدرك الحواس الاشياء، تشوهت الحكمة قليلاً ولكن حيلة الانسان هذه حفظت الحكمة من الضياع وان تحولت الى معانٍ لا تدركها الحواس.

في التصوف تحايلت الحكمة على السلطة الدينية والسياسية بالرموز، فلم يعد المعنى متاحاً ولا محتملاً، ولكن يمكن او لعله يسكن فيك ويعمل وانت لا تدرك، وحين تستخلصه صافياً من الطقوس والمعارف تواجه الحقيقة… فتلجأ الى الجهل محتمياً من وهجها وطاقتها التي تجعلك دكاً. هؤلاء الدراويش عرفوا، وان كنا نظن اننا احسن منهم فلأننا لا نعرف، ربما!

وفي الدين نلجأ الى استحضار/ توظيف/ استيهام اليقين المستحيل لنظفر بالطمانينة، ولكنا لأجل ذلك نتنازل عن السر العظيم الى السلطة التي نصنعها او نرتضيها او نصدقها لنصلح ما افسدناه، كما نقبل على مضض بحكم المباراة، ففي احتمال عسفه تكون لعبة جميلة الى حد ما، وهكذا نستعين بالنسبية لنظفر بالمطلق، وبعدم اليقين كي ننال متعة الطمانينة، أو على الأقل السلام والاستقرار. الدين هو القربان الذي نقدمه لتحمينا السلطة التي نخافها ونكرهها وهي ايضاً تكرهنا ولا تثق بنا، لكن السلطة لا تشعر ابداً بالأمان وتظل ابداً مشغولة بامتلاك الدين وتطويع التصوف أو حتى القضاء عليه، فلا تحتمل السلطة أبداً أن يظل الناس قادرين على ادراك الأشياء وتتبع الحقائق بقلوبهم مستقلين عن الدين بما هو أدوات السلطة! فاحتمى التصوف من السلطة المندمجة مع الدين بالرموز والتقية والباطن!

وأما العلم والفلسفة فهما عدو السلطة بلا مصالحة ابداً ولا قدرة على التكيف او التقبل، ولكنهما عدوان ما من صداقته بد، السلطة الليبرالية وغير المتدينة ما أبعد العلم والفلسفة عن المدارس وليس المتدينون الاصوليون، وان كانوا هم ايضاً يكرهون العلم والفلسفة.

ويبدو الحلّ حتى اليوم في الفن بما هو ادراك الجمال واحلاله في الشعر والموسيقى والرسم والنحت والعمارة والأثاث والطعام واللباس والذوق العام والسلوك وأسلوب الحياة… الفن هو الذي يصالحنا مع هذه التناقضات ويقلل من فجاجة الحياة، أو على الأقل يقسم الحياة بيننا وبين السلطة وأدواتها ومؤسساتها، فنجد مساحتنا الخاصة بنا وتأمن السلطة شرورنا!

* كاتب أردني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى