صفحات العالم

لقاء السفراء الأربعة ليس مخالفاً للأعراف… ولكن شيء ما يتسارع في سوريا ويستدعي مقاربات جديدة

 

    روزانا بومنصف

ليس غريباً او مخالفاً للأعراف الديبلوماسية ان يلتقي سفراء مجموعة من الدول معتمدين في لبنان او في اي بلد أخر. اذ ان هناك اجتماعات دورية لسفراء دول الاتحاد الاوروبي وسواهم من مجموعات سفراء آخرين كدول اميركا اللاتينية، ولا شيء يمنع لقاء ديبلوماسيا  لسفراء من قارات مختلفة ما دام لا يتدخل في شؤون لبنان. الا ان اجتماع سفراء ايران وروسيا والصين وسوريا بدا لافتاً لاعتبارات عدة قد يكون اهمها ان سفراء هذه الدول يتمعتون بمواقع مهمة في ديبلوماسية بلادهم تتخطى دورهم في لبنان في اطار العلاقات الثنائية العادية بين لبنان وكل من هذه الدول، وتاليا فهم يتمتعون بفاعلية في تقويم سياسات بلادهم ليس في لبنان فحسب بل في سوريا ايضا، خصوصا في الظروف الراهنة التي تشهدها سوريا. اضف الى ذلك ان بيروت كانت تاريخياً عنواناً ينطلق منه تقويم سياسات دولية شرق اوسطية يضاف الى اهميتها راهناً كونها الاقرب الى سوريا والى مقاربة ما تواجهه.

وقد يصعب  اعطاء اهمية كبرى للقاءات مماثلة اولا لان سياسات الدول لا تقرر على مستوى عمل السفارات، فضلا انه حين يكون الموضوع جدياً او خطيراً فان الاجتماع لا يحصل بهذه الطريقة العلنية على الاقل انما يحصل على مستوى آخر من الاتصالات، لكن لا يمكن تقليل  اهمية اللقاء لمجرد ان تكون جلسة لشرب القهوة او الشاي خصوصاً ان المرحلة تتطلب تبادلاً للاخبار والافكار ومقارنة التقويمات حول الوضع السوري وتداعياته وربما ايضاً تنسيق المواقف، وفقا لما ابرزه البيان الذي صدر عن السفارة الايرانية، مظهراً وجود كتلة متراصة موحدة الرأي ازاء منطقها ومقاربتها للوضع في سوريا، وما لبث السفير الروسي ان نفى ان يكون بيانا مشتركا عن لقاء السفراء بل عن السفارة الايرانية وحدها.

ولا تجاري مصادر ديبلوماسية في بيروت الرأي القائل بان ايران تسعى عبر دعوة سفراء الدول الداعمة للنظام السوري الى اظهار راحتها في الساحة اللبنانية وتحركها بسهولة فيها، شأن ما كان يفعل النظام السوري ابان قمة نفوذه في لبنان، فهي ربما تعبر عن ذلك عبر مظاهر اخرى كما كانت زيارة السفير الايراني غضنفر ركن آبادي الى زحله قبل ايام في رسالة معبرة عن ان ايران لاعب مهم في لبنان كما في محاولة التأثير في شكل خاص في الاوساط المسيحية والطوائف وحتى في الانتخابات المقبلة. فحركة ايران في لبنان تثير حساسيات سياسية كبيرة خصوصاً في ظل اقتناع بانها ستسعى الى محاولة عدم خسارتها نفوذها في لبنان مع انهيار النظام السوري وربما تحضيرها لذلك عبر وسائل عدة ولذلك من الصعب الا تدرج اي خطوة تقوم بها في هذا السياق.

الا ان ما تتفق عليه المصادر الديبلوماسية ان هناك جديداً في الوضع السوري لا يمكن تجاهله بحيث استدعى ربما تنسيقاً او مقاربة مختلفة. اذ ان السفير الايراني بات يتحدث عن “افق مسدود” في الوضع السوري، علماً ان هذا الكلام هو حمّال اوجه لولا ان عطفه على مواقف مسؤولين في عواصم مؤثرة يشي بادراك ايران ان الأمور باتت حرجة جداً بالنسبة الى النظام، في الوقت الذي شغلت تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي الموفد الروسي الى المنطقة ميخائيل بوغدانوف الاوساط الاعلامية والسياسية وكذلك نفي الخارجية الروسية لما اعلنه مؤكدة ان روسيا لم تغير موقفها من دمشق ولن تغيره. وفيما فسر مطلعون وخبراء كثر في الموقف الروسي  تصريحات بوغدانوف بانها قد تندرج في اطار استعداد روسيا للتفاوض، فان آخرين اعتبروا الارتباك في المواقف الروسية مؤشرا الى وصول روسيا الى مأزق وكذلك جميع المعنيين بالشأن السوري.ففي معرض تعليق واشنطن على ما اعلنه بوغدانوف حول  “مواجهة روسيا الوقائع  وعدم استبعاد فوز المعارضة وفقدان النظام السوري السيطرة” ويقظة روسيا اخيراً  فانها دعت هذه الأخيرة  الى التعاون في الموضوع السوري في مقاربة الحل السلمي، وهو مؤشر على حاجة واشنطن الى روسيا في اخراج حل سلمي للوضع السوري. وثمة معطيات في الاطار نفسه عن سعي ايران الى التموضع ايضا من ضمن الحل الممكن لسوريا تزامناً مع نيتها العودة الى البحث في ملفها النووي قريباً مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا لئلا تكون خسارتها كبيرة من دون اي مكسب مع التغيير المحتمل في سوريا. ومن هنا سعي المسؤولين الايرانيين الى التلويح بوضع سوريا والبحرين على قدم المساواة في اي بحث عن مخرج للنظام السوري.

لذا فانه في حال لم يكن هناك قرار روسي بتغيير الموقف فان هناك على الاقل، وفق ما تقول المصادر المعنية، ما يكفي من المؤشرات من خلال المواقف الروسية الى وجود نقلة ما ليس واضحا اذا كان يمكن ان تترجم توجيه اشعار الى الرئيس السوري بشار الاسد بان الوقت الآن قد يكون الافضل للخروج المحتمل والامن وانهم مستعدون للعب دور في تأمين الضمانات اللازمة لذلك. اذ ان روسيا وكذلك ايران لا يمكن ان تتجاهلا الواقع المستجد على الارض والذي بات يحصر قوى النظام اكثر فاكثر في اماكن محددة ومحصورة بحيث غدا واضحا اكثر من اي وقت مضى ان المسألة باتت فقط مسألة وقت ليس اكثر ولا اقل. ولذا فان التحرك الديبلوماسي في لبنان وربما خارجه مثلما حصل من مناقشات في الامم المتحدة يوم الجمعة الماضي حول احتمال انشاء قوة مراقبي حفظ السلام في سوريا يثير تساؤلات من مثل هل هناك تسارع على الارض يستوجب المواكبة ام ان هذا المسار هو اعداد لمراقبة عملية التغيير عن كثب ومن لبنان باعتبار ان ثمة خوفا متعاظما من وضع متطور في سوريا واكثر في دمشق تحديدا  خارج القدرة على مراقبته او ضبطه.

ما يبدو واضحا اكثر من اي وقت مضى ان الايام المقبلة تبدو في غاية الاهمية على صعيد التطورات المتسارعة على الارض والسباق الظاهري مع امكان بلورة توافق سياسي دولي اقليمي ما  في وقت قريب.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى