صفحات العالم

للجيل السوري المقبل


ساطع نور الدين

الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها شوارع القاهرة على العدوان الاسرائيلي في سيناء الذي ادى الى مصرع ثلاثة جنود مصريين الاسبوع الماضي، يبدد الكثير من المخاوف المصطنعة التي روجت حول الثورة المصرية، بصفتها ثورة وطنية مقفلة، تحيي فكرة الامة المصرية، وتقطع الصلة مع كل ما يقع خارج حدود الجغرافيا المصرية.

كالعادة، أو كما كانت الثورة في جوهرها، جاءت الاحتجاجات من خارج المؤسسات والاحزاب السياسية المصرية. خرج المحتجون من منازلهم بعفوية شديدة ومن دون تنظيم مسبق ومن دون توجيه من حزب او قائد او مسؤول، فقط بدافع الانتصار للكرامة الوطنية، والحرص الطبيعي على الضباط والجنود المصريين الذين يحمون حدود الدولة المصرية، وبالتالي يصونون استقرار الداخل المصري، في لحظة تحول تاريخي.

قال الشارع المصري بطريقة حاسمة ان التسامح انتهى مع مثل هذه الاعتداءات الاسرائيلية التي تكررت اكثر من مرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، الذي لم يكن يتجرأ حتى على تنظيم جنازة لائقة للضحايا المصريين، ولا كان يطالب الاسرائيليين بتعويض اسرهم، ولا حتى كان يطلب من الحكومة المصرية ان تدفع تعويضات استثنائية لهم توازي التضحية التي قدموها على الحدود مع اسرائيل.

بسرعة، التقط الاسرائيليون الاشارة المصرية، بعدما كانوا اول من سجل للتاريخ بان الثورة المصرية ادخلت الشارع المصري خاصة والعربي عموما طرفا رئيسيا في معادلة الصراع الذي لم يعد يمكن ان يحل بالاتفاق مع الحكام العرب لوحدهم. وشرعوا في محاولة احتواء الغضب المصري الذي تطور الى حد المطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، والتمهيد لمرحلة مواجهة سياسية مفتوحة مع الاسرائيليين، لا شك انها ستكون اهم من المواجهة التي يخوضها الاتراك مثلا، منذ ان اعتدت اسرائيل على اسطولهم المتوجه الى قطاع غزه العام الماضي.

يقال ان الاحتجاجات الشعبية التي ازالت العلم الاسرائيلي من سماء القاهرة هي مجرد تعبير عن العصبية المصرية المستعادة بعد طول غياب، وهي لا تتخطى حدود صحراء سيناء ولا تشعر انها معنية بشكل خاص بما يتعرض له قطاع غزه الفلسطيني من جرائم حرب اسرائيلية. وهذا غير دقيق، كما انه يغفل حقيقة ان تلك العصبية الوطنية هي التي ستؤسس لتحول جوهري في مسار الصراع العربي الاسرائيلي، يبدأ بوقف الغطرسة الاسرائيلية تجاه مصر ولا ينتهي الا بوقف تلك الغطرسة تجاه جميع الدول العربية من دون استثناء.

حتى ولو كانت العصبية الوطنية المصرية مقدمة لاعادة انتاج الهوية المصرية بمعزل عن الهوية العربية، فانها بالتعريف وبالتصنيف ستكون معادية للمشروع الصهيوني، وستكتشف، اكثر من الانظمة ذات الادعاءات العربية، ان الحدود غير موجودة بين امن مصر الوطني وبين امنها القومي، الذي لا يصان الا بصيانة غزه، وبموقف جذري من العدو الاسرائيلي.

هو درس جديد تقدمه الثورة المصرية، يمكن ان يستفيد منه بشكل خاص اولئك الخائفون من ان يكون الجيل السوري المقبل اكثر وطنية واقل قومية، لا سيما في الموقف من اسرائيل واميركا والغرب عموما.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى