بدر الدين شننصفحات سورية

لماذا السلاح .. وضد من ؟ ..


بدر الدين شنن

لإعلان تسليح ” المعارضة السورية ، الذي طرحه في الآونة الأخيرة وزراء ومسؤولون في المملكة السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة ، الذي تزامن مع اعتماد دول ومنظمات حضرت ما’زعم أنه مؤتمر ” أصدقاء سوريا ” أن ” المجلس الوطني في استانبول ” يمثل الشعب السوري ، بعد آخر غير دعم مفاعيل السلاح القاتلة وزيادة مساحة التدمير ، هو البعد السياسي الذي يختزل جميع التيارات المعارضة بالأطراف المسلحة ، التي يمثلها أو يقودها برهان غليون ، ورياض الأسعد ، ومحمد رحال ، وأيمن الظواهري ، ويحاول إخضاع كافة المعارضات السياسية لهيمنة هذه الأطراف . ما يعني الجزم ، برفض الحوار مع أهل الحكم والتعبيرات السياسية والاجتماعية عموماً ، ورفض الاحتكام إلى صناديق الاقتراع برعاية حقوقية محايدة لحل ازمة البلاد . الأمر الذي يدعو إلى الاعتقاد المبرر ، أن خلف إلتزام أو إلزام المعارضة بخيار السلاح والتسلح ، يكمن اعتراف سافر من الأطراف المسلحة ، أنها بوضعها الراهن غير واثقة من الحصول على الأصوات الكافية لتصل إلى السلطة ، وأن خلف هذا الإصرار على المزيد من التسلح ، تكمن قوى خارجية إقليمية ودولية لها مصلحة في حض الأطرا ف المسلحة وغيرها على رفض الحوار ، وعلى مواصلة وتوسيع الصراع المسلح ، لصنع نظام بديل يحقق لها مخططاتها وأهدافها على المستويين السوري والإقليمي ، دونما شروط او تردد .

وهذا ما يستدعي ، مرة أخرى ، إضاءة سيرورة الحركات السياسية السورية المعارضة ، التي نشطت ، قبيل وبعد الاستقلال ، في إطار العملية السياسية ، من اجل تصويب سياسات الدولة لاسيما في المسائل المصيرية ، أو من أجل تداول السلطة ، والتي اتسمت منذ نشوئها بتعدديتها ، وتنوع خلفياتها ، وانقساماتها ، وصراعاتها البينية أيضاً ، وبشكل خاص المرحلة التي استحوز فيها حزب البعث على السلطة اعتباراً من 8 آذار 1963 .

وإذا اعتبرنا أن ما حدث في 8 آذار 1963 قد شكل إرهاصاً للحراك المعارض لمواجهته ، الذي تواصل على امتداد عهود البعث ، فإنه لابد من الإشارة ، بداية ، إلى أن الأحزاب البرجوازية التقليدية التي أطيح بها ، وفي مقدمتها ، حزب الشعب والحزب الوطني ، قد تلقت ضربة الإطاحة بها دون مقاومة . ولم تبادر بعيد الحدث الآذاري للقيام بإعادة بناء ذاتها والبدء بحراك معارض ، بل قبلت بهزيمتها الأبدية ، تاركة لقوى يمينية ويسارية كانت تدور في الفضاء السياسي لعهدها ” الديمقراطي ” المهزوم ، لتقوم بهذا الحراك ، مثل الأخوان المسلمين والحزب الشيوعي السوري والحزب القومي السوري الاجتماعي …

بيد أنه لابد من القول ، أن صباح إعلان ” ثوار آذار ” استيلاءهم على السلطة ، كان موعداً لولادة الحراك المعارض لحكم البعث ، وقد أثرت عقلية البعث الأيديولوجية والسياسية والإجرائية ، بشكل كبير على نوعية وبنية تيارات المعارضة في المراحل اللاحقة ، وطبعت لزمن قارب النصف قرن العملية السياسية بطابعها الأحادي وتداعياته المتلاحقة ، التي اكتشف حتى البعثيون أنفسهم أنها كانت العقبة أمام بناء تطور الدولة والمجتمع .

صباح 8 آذار 1963 ، اختفت قيادات الحزب الشيوعي السوري من الشارع ، وانتقل الحزب إلى النضال السري . وتوجس الأخوان المسلمون شراً من بنية حركة آذار ، التي كانت تضم عدداً كبيراً من الضباط الناصريين ، وللأخوان المسلمين صولات من الصدامات السياسية الموجعة مع العهد الناصري في مصر . لكنهم لم يتحركوا فور وقوع الحدث . وقد أضاف حب احتكار السلطة عند البعثيين ، الذي دفعهم ، بعيد 8 آذار ، للإطاحة ، بالتعاون مع النظام البعثي الجديد في العراق ، بشركائهم الناصريين في الاستيلاء على السلطة ، أضاف تياراً سياسياً جديدأً معارضاً في المشهد السياسي . ثم كان الصراع بين تيارات حزب البعث نفسه وما أفضى إليه من تصفيات ، بين ما سمي في حينه ” القيادة القومية اليمينية ” من جهة وبين ” اليساريين البعثيين ” من جهة ثانية . حتى عام 1970 ، كان المشهد السوري المعارض يتألف من ” البعث اليميني ” والأخوان المسلمين ، والناصريين . غير أن السلاح لم يكن متداولاً في صفوف المعارضة . فقط حركتان مسلحتان حدثتا وتم وأدهما بسرعة ، إحداها في دمشق عام 1963 بقيادة العقيد الناصري جاسم علوان ، والثانية في حماة عام 1964 بقيادة الشيخ مروان حديد الأخواني .

وقد شكلت البلدان التي لجأت إليها قيادات وكوادر المعارضة ، حاضنة سياسية وفكرية للمحاور الأساسية للمعارضة . زعامات البرجوازية التقليدية السياسية وزعامات أخوانية وإسلامية معروفة لجأت إلى المملكة السعودية . القسم الأعظم من الأخوان المسلمين ، والبعثيون اليمينيون ويساريون متطرفون لجأوا إلى العراق . والناصريون لجأوا إلى مصر . مابعد 1964 حتى عام 1970 ، لم يكن هناك حراك معارض مسلح ، أو دعوة إلى التسلح في الشارع السوري . ما حدث في هذا السياق هو سعي النظام العراقي إلى تجييش المعارضين السوريين المتواجدين لديه من خلال جبهة الإنقاذ ، وتهريب بعض الأسلحة إلى الكوادر الموالية له في سوريا . لكن هذه الأسلحة لم تظهر في أي عمل كبير معاد للنظام في تلك المرحلة . لكنها ظهرت في زمن الاغتيالات المتبادلة بين النظامين العراقي والسوري في مرحلة السبعينات ، وفي زمن الحرب التي جرت بين الأخوان المسلمين والنظام في مرحلة الثمانينات .

مابعد ” الحركة التصحيحية ” عام 1970 التي قام بها الفريق حافظ الأسد ، وبعد إحكام قبضته على السلطة ، وعلى الحزب الحاكم والأحزاب السياسية اليسارية والقومية ، وعلى الجيش ، بات واضحاً أن عهد الانقلابات قد انتهى ، وأن دروب التغيير باتت حصراً هي دروب السياسة . وقد لعبت حرب تشرين 1973 دوراً هاماً في فتح أفق تغيير قد يمر عبر تقاطعات مع أطراف من النظام ، وليس عبر إسقاطه . وقد جاءت أولى الإشارات عام 1978 في موضوعات المؤتمر الخامس ” للحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي ” ، التي حددت مهام المرحلة بإجراء تغيير وطني ديمقراطي . ثم جاءت الإشارة الثانية الأهم عام 1979 في ميثاق ” التجمع الوطني الديمقراطي ” الذي يضم خمسة أحزاب يسارية قومية معارضة مستقلة . ومنذ 1979 حتى آذار 2011 كان خيار المعارضة بجميع فصائلها خياراً سياسياً لإجراء تغيير وطني ديمقراطي ، أضيف إليه في السنوات الأخيرة ” تدرجي سلمي “

المشهد السوري المعارض الآن يكاد أن يتجاوز بالكامل مرحلة معارضة سياسية عمرها عقود من السنين ، وأن ’يعلن خطأ وإفلاس الحراك السياسي في المراحل السابقة ، وأن لاتغيير إلاّ بالسلاح مهما بلغت جسامة الخسائر والدمار التي تنتج عن ذلك . وهذا ما يستدعي سؤالاً بديهياً ، هل كان خيار المعارضة السياسي خاطئاً ووصل فعلاً إلى حافة الإفلاس ؟ .. أم أن هذا الخيار لم ’يستكمل بشروطه السياسية الاجتماعية والشعبية ، التي يتطلبها لاكتمال القدرة على تحقيق الأهداف المشروعة ، ما أدى إلى تفرد نخب سياسية في قراراته وتوجهاته ، تاركة ملعب الحامل الاجتماعي الحقيقي لبرنامج التغيير خاوياً ، ليلعب فيه أهل الحكم وحدهم ، ومن ثم تحويله إلى حامل لطروحاتهم على خلفية ارتفاع المنسوب الوطني إلى مستوى احتواء كل المسائل الأخرى ، ولما شعرت هذه النخب بحالة انعدام الوزن ، راحت تستعيض عن الحامل الداخلي بالخارج ، الذي شوه وحرف مساراتها وحاصرها بمشاريعه ومخططاته ، ودفع بعضها إلى فخ التسلح والعمليات المسلحة ، التي دفع ومازال ثمنها آلاف المتورطين والضحايا من المدنيين والعسكريين ، وسوغ لأهل الحكم انتهاج الإجراءات الأمنية الصارمة واستخدام الجيش ؟ .

النتائج الموضوعية الموجعة لسيرورة الحراك المعارض على مستوى الداخل تؤكد ، أن الخيار الحواري الوطني ، والنضال السلمي ، التدرجي ، للتغيير لم يكن من حيث المبدأ ، والرؤى العلمية ، والمصلحة الوطنية ، لم يكن خاطئاً . بل ولازال صالحاً للأخذ به بمصداقية ومسؤولية قبل فوات الأوان . وتؤكد هذه النتائج ، أن هذا الخيار مع اكتمال شروطه السياسية الاجتماعية ، كان ومازال ليس بحاجة لمراهنات وارتهانات الخارج المعروف بتاريخه الاستعماري العدواني ، وليس بحاجة للإعلام التحريضي المخرب ، وليس بحاجة بالضرورة للسلاح والتسلح . إنه بحاجة لمسألتين أساسيتين ، الأولى .. الاستعداد للتضحية ، وهي أقل بكثير مما يتأتى عن استخدام السلاح ، من أجل الوصول إلى التغيير الوطني الديمقراطي العادل ، والثانية ، إدراك أهل الحكم ، أن الوعود بالإصلاح وحدها لاتكفي .. والتصدي للمخططات العدوانية الخارجية لايكفي .. ليقتنع الشعب بمصداقية السير الجاد نحو الإصلاح والتغيير وبالانقياد المطاق لمجابهة الخارج .. دون تمتعه الكامل بالحرية والكرامة والعدالة القانونية والاجتماعية .

كما تؤكد النتائج الموضوعية أن خيار الخارج الذي يقوم على معادلة ” استلام الحكم مقابل تسليم الوطن ” وما تبعها من مقتضيات حمل السلاح والصدام المسلح ، لم يجلب للمعارضة ، التي سلكت هذا الخيار ، سوى الضرر لحراكها ، بل وتسبب بأن يتحول الناتج العام للعملية السياسية ومن ضمنها حراك 2011 إلى رصيد النظام . وأفقد المعارضة بمجملها قرارها الوطني ، وباتت خاضعة لموازين الصراعات الدولية ، ولمتطلبات الدول التي تقدم لها الدعم بأشكاله المتعددة ، من ملاذ ، ومساحات تحرك ، ومنابر ، ومال ، وإعلام ، وسلاح . وأفقد السوريين بشكل أو بآخر القدرة على التوصل لحل أزمتهم المشتركة ، دون موافقة ودعم أو مشاركة هذا الطرف الدولي أو ذاك . وإذا ما سارت الأمور كما تخطط ” المعارضة المسلحة ” وأصدقاؤها ” الإقليميون والدوليون ، فإن السلاح مع الراتب الشهري للقتلة سوف ينتشر على نطاق أوسع في صفوف المعارضة ، وسوف تشهد المدن والأرياف السورية المزيد من القتلى والدماء ، وصولاً إلى ما يريده هؤلاء ” الأصدقاء ” للوطن السوري ، قبل ما يريده من رفع في البدايات مطلب التغيير الوطني الديمقراطي ثم رفع في النهايات مطلب السلطة باي ثمن ، وفي هكذا نهايات ، لن يحصلوا حينها لاعلى وطن ولا على ديمقراطية . فالوطن والديمقراطية وجهان للقيمة الإنسانية الوجودية الأعلى ، التي تتفرع عنها ، قيم العرض ، والشرف ، والكرامة ، وحب البقاء النبيل في كيان يضم مكونات إنسانية ، يجمعها التاريخ المشترك ، والمصير الواحد ، والانخراط بالعمل والبناء بحرية وإخاء ، لتحقيق أحلامها وآمالها ورقيها الحضاري .

ولابد هنا من أن يطرح السؤال ، كيف حدث الانتقال من المعارضة السلمية التدرجية إلى حمل السلاح ؟ . هل هو فقط فشل أساليب التغيير السلمية ؟ .. أم هي عدوى رياح التغيير التي انطلقت في بلدان عربية أخرى ؟ .. أم هي اختراقات إقليمية ودولية للطموحات والمطالب الشعبية ؟ .

أعتقد ان الأساليب السلمية التي مورست من اجل التغيير ، لم تبلغ مداها الشعبي ، ولم تطبق تنوعاتها المتاحة والتي يمكن أن تأتي بها التجربة . حتى قبل 15 آذار 2011 كانت مختلف قوى المعارضة تعبر عن معارضتها بالتصريحات والبيانات الورقية والتلفزيونية . وكانت أقلام وقامات ثقافية معروفة تتصور ، أنه مجرد الإعراب عن معارضتها في مقال أو محاضرة سوف ينهار النظام ويستسلم لطروحاتها . وعندما انطلقت رياح التغيير في غير بلد عربي ، تكثف نشاط النخب الإعلامي وتعددت اتصالاتها بمنظمات حقوقية وسياسية دولية . لم تلتفت كما قلنا آنفاً إلى الداخل لدراسة وتبني هموم الطبقات الشعبية والفئات المتضررة الأخرى من الحكم الأحادي وخاصة من إجراءات اقتصاد السوق التي طبقتها حكومة العطري المقالة ، ولم تجتهد لايجاد آليات جامعة لحراك جماهيري واسع ، وقفزت في المناخ العربي الجديد إلى ” لعبة الثورة ” دون برنامج سياسي اجتماعي بديل ، ودون دراسة خصوصية ومقومات الحالة السورية ، وخاصة بنية النظام السياسية ، وبنية الجيش ، والقواعد الحزبية الخاصة والحليفة التي يرتكز عليها ، ودون دراسة موازين القوى والاصطفافات السياسية الفعلية وحركة متغيراتها ، مع إهمال مشاعر وحقوق الأقليات التي أرعبها ما حصل لمثيلاتها في العراق وليبيا ومصر ، ودون التفكير بضمان مصالح البرجوازية النامية التي تهيمن عليها مراكز قوى النظام .

وهذا يعني ، إذا أحسنا النوايا ، أن حيثيات انتقال المعارضة إلى ما سمته ” الثورة ” غير متوفرة ، أو غير كاملة على الأقل ، وأن مسوغات ارتباطاتها الخارجية مع دول لها تارخ عدائي استعماري مع الشعب السوري مرفوضة ومدانة شعبياً ، لأن هذه الارتباطات أدت عملياً إلى أن يختطف أوباما وساركوزي وكاميرون وميركل وأردوغان وسعود الفيصل وحمد بن جبر آل ثاني الحراك السوري المعارض ، وتوجيه مسارات هذا الحراك للإتيان بحكم سوري فاقد للسيادة الوطنية ، وللقرار الوطني المستقل ، وخاضع لإملاءات التغيير وفقاً لخريطة الشرق الأوسط الجديد ، لصالح هيمنة الاحتكارات البترولية والمالية ومجمعات الصناعات الحربية الدولية ، التي يشكل حلف الأطلسي ذراعها العسكري لإخضاع من يتمرد من الدول على منظومة هذه الهيمنة . وهنا وقعت المعارضة التي اختارت طريق السلاح ، في الخطيئة مرتين . مرة عندما تجاوزت الطبقات الشعبية ، ومرة ثانية بارتباطها بالدول الاستعمارية والرجعية العربية .

لاحاجة لبذل الجهد في البحث عن مصادر السلاح . فهذه المصادر أعلنت عن نفسها وعن عزمها على تقديم السلاح والمال ووسائل الاتصال على الملأ ، في أكثر من مؤتمر وتصريح .. إنها قطر والسعودية و تركيا والولايات المتحدة وفرنسا بمشاركة إسرائيلية مستبطنة . والسؤال الأكثر مشروعية ، هو ضد من يستخدم .. وسيستخدم هذا السلاح في سوريا ؟ واضح ومعروف من القاصي والداني ، أن هذا السلاح يرسل وسيرسل إلى سوريا ضد الشعب السوري دون استثناء ، وبخاصة ضد الجيش السوري . تدل على ذلك نسبة أعداد القتلى الذين استهدفهم سلاح المسلحين من المدنيين والعسكريين ، التي تكاد تكون متساوية . أما قتلى العبوات الناسفة والتفجيرات الانتحارية أو عن بعد هم من المدنيين أكثر من العسكريين .

وفي هذا الصدد ، أليس من حق المواطن أن يسأل لماذا يستهدف الجيش السوري ، لاسيما إذا عرفنا أن الكثير من عناصر الجيش وضباطه قتلوا أمام منازلهم أو هم في تنقلهم إلى حيث يعملون . ألأنه كما ’يزعم إحدى مؤسسات النظام فقط ؟ أليس هو ، أياً كان الحكم والحاكم ، الدرع الوطني في مواجهة إسرائيل وعدوانية غيرها من الدول الاستعمارية الطامعة في البلاد ؟ أليس هو مؤلف من أبناء الشعب جنوداً وضباطاً وقادة ؟ .

إذا كان بعض المعارضين المتطرفين يخلطون عن عمد أم عن غباء ، بين النظام والوطن والجيش والنظام ، ويعتبرون الجيش إحدى مؤسسات النظام ويستبيحون دم جنوده وقادته ، فإن من يزودونهم بالسلاح من دول استعمارية وعربية رجعية ومعها الكيان الصهيوني ، لايهمهم غباء هذا الخلط ، بقدر ما يهمهم تدمير الجيش السوري الذي يشكل تاريخياً المؤسسة المعوقة لمخططاتهم وأهدافهم . وفي هذا السياق لابد من التذكير ، أن استخدام السلاح لم ولن يختصر الزمن للوصول إلى ما ’ينشد من التغيير ، ولايوفر بالمطلق البديل االأفضل ، وإنما قد يمتد سنوات ، ويدمر ما يمكن البناء عليه من بدائل ، ويكلف أعداداً كارثية من الضحايا ، وكميات هائلة من الخسائر المادية التي تحتاج لعقود من السنين كي تعوض . فالحرب الأهلية في لبنان امتدت عشرين عاماً وكلفت ( 230 ) ألف قتيل . والمثال العراقي كلف مليون قتيل وأربعة ملايين يتيم ومليون أرملة وتدمير يحتاج لعقود من الجهد ليعوض . والمثال الليبي تجاوز عدد ضحاياه المئة ألف ومئات المليارات من الدولارات وتقسيم ليبيا وتحولها إلى دولة فاشلة . وكان قبل عشرين عاماً مثال الصومال الذي لم يتوقف دماره ونزيفه حتى الآن .

التاريخ يعلمنا ، أن لسوريا خصوصية سكانية جغرافيا سياسية ، تفيد أحياناً وتضر احياناً أخرى . وهذه الخصوصية تنعكس على العملية السياسية فيها وتعقدها . ومهما تعددت الحيثيات التي تتطلب التغيير في عهد من العهود ، ولعبة تداول السلطة في كل العهود ، يبقى المنسوب الوطني حاضراً وبقوة ويفرض نفسه ، بشكل مباشر عند سخونة الإقليم ، أو غير مباشر في حالة الاستقرار الإقليمي . ومن يحترم أهمية مستوى هذا المنسوب القائم تربح رهاناته .. ومن يتجاهله ربما يخسر .. حتى حياته . لقد حسبها العثمانيون خطأ فاندحروا .. وحسبها الفرنسيون خطأ فهزموا .. وحسبها حسني الزعيم خطأ فدفع حياته الثمن .. وحسبها أديب شيشكلي خطأ فسقط وقتل في المنفى .. وحسبها الأخوان المسلمون خطأ في الثمانينات من القرن الماضي فدفع الشعب السوري الثمن ثلاثين عاماً إلى الوراء في حياته السياسية .

يعز الآن أن نجد من هو قادر أن يعرف ، كم سيكون ثمن خطأ حساب من اختار دروب المعارضة المسلحة ، كم من القتلى .. كم من الخسائر المادية .. وكم سيبقى من أرض الوطن ؟ .

وحسب استحقاقات إجمالية وتفاصيل المشهد السوري الراهن ، أصبح معيار وطنية وديمقراطية أي معارضة تتصدى لإنجاز مهام التغيير الوطني الديمقراطي ، هو رفض تسلح المعارضة .. رفض استخدام السلاح في تجاذبات العملية السياسية في البلاد .. وذلك على مستوى واحد من الرفض والتصدي للمخططات الصهيو أميركية غربية ورجعية عربية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى