صفحات سوريةمازن كم الماز

لماذا الله ليس معنا ؟


مازن كم الماز

الحقيقة أنني أحترم ثوار سوريا , و هذا يعني بالنسبة لأي تحرري ألا يقبل أولا أن يكون خاضعا لأي سيد و ثانيا ألا يقدم نفسه على أنه السيد الأفضل لأي إنسان على الأرض , لا لمجموعة من الناس و لا لشعب أو طائفة أو للبشرية جميعا , أي أنه ينظر للجميع على أنهم أنداد متساوون , له أولا و لأي صاحب سلطان في الأساس , هذا ما يعنيه احترام الآخر عموما بالنسبة للتحرري و احترم الشباب الثائر في سوريا بالنسبة للتحرريين السوريين , لكن هذا شيء لا علاقة له بالمرة بالقبول بالإيديولوجيات و الخرافات أو الحقائق العلمية أو ما يساوي نفسه بها من فرضيات فلسفية أو ميتافيزيقية أو دينية الخ , التي تروج بين الناس و التي تكون أساس إخضاعهم أو استعبادهم لأقلية ما … لا توجد مشكلة للبشر حقا مع الله إلا عندما ينسب بعض البشر , أقلية من البشر , لهذا الله ضرورة أن يكونوا هم , سادة على بقية البشر دون حتى أن يكون لهؤلاء الحق في القبول أو الرفض , أو عندما يتخذ الله ذريعة للنهب و السرقة و الاستغلال و القمع , و أيضا عندما يحول الله إلى عنصر إحباط لنضال الجماهير المستغلة و المقموعة و المهمشة ضد من يستغلها و ينهبها و يقمعها … لنقل بصراحة , أن التغيير الحاسم الذي طرأ على سوريا منذ 15 آذار الماضي هو أن شبابها , فقراءها , قرروا أن يضعوا حدا لقمع و استغلال و نهب النظام لهم , لم يأمر أحد هؤلاء المنتفضين بأن يفعلوا , لقد حاول ذلك كثيرون في الماضي من أعداء النظام , الداخليين و الخارجيين , الذين يحبون الشعب السوري أو يكرهونه بقدر ما يكرهه نظام الأسد , لكن الظروف الموضوعية و الذاتية التي كانت قد نضجت في 15 أو 18 آذار بمساهمة من النظام نفسه و التي على رأسها إرادة السوريين العاديين و تصميمهم على انتزاع حياتهم و حريتهم هي التي حولت سوريا إلى بركان في وجه الطاغية .. يفترض أن السماء كانت ترى ما يتعرض له السوريون العاديون , بالتالي يمكن القول أنها كانت ترى و تسكت , في الحقيقة يتقرر كل شيء هنا على الأرض , فيم إذا كان السوريون سيبقون عبيدا و مستغلين أم سيصبحون أحرارا يملكون ما ينتجون , حتى الأنبياء كان عليهم أن يخوضوا صراعا طاحنا ضد القوى الأرضية المعادية لهم قبل أن يصبحوا سادة لقسم من هذه الأرض , و كان على الدول أو السلطات التي نسبت نفسها إليهم أن تقوم و تستمر بالبقاء فقط بالسيف و السوط و المقصلة أو الخازوق دوما , لم تعتمد أبدا فقط على دعم السماء لها كما تدعي , و في حروب إخضاع و نهب الشعوب المجاورة كانت تستخدم أيضا السيف و من ثم المنجنيق و المدفع و أخيرا القنبلة النووية , رغم أنها كانت تطلب من عساكرها أن يصرخوا لإلههم في كل الأحوال , لكن لا العرب الذي غزوا جيرانهم و وصلوا حتى إسبانيا اكتفوا بدعاء إلههم و لا الإسبان الذين غزوا الهنود الحمر في أمريكا اكتفوا بذلك , و عندما كانوا ينتصرون في الحروب كانوا يعتبرون نسبة للسماء ذاتها التي عبدها الجميع , المنتصر و الخاسر في نفس الوقت , أن ما كان يملكه الخاسر قد أصبح حقا مشروعا لهم , الأنبياء أنفسهم بعد أن قضوا على أية مقاومة بين الشعوب التي سيطروا عليها لم يكتفوا بعبادة إله السماء التي يفترض أنها قضيتهم الفعلية , سيتمتعون بكل اللذات الأرضية , و أخلافهم و خدمهم و السلاطين الذين سيتولون حكم الممالك و الإمبراطوريات التي قامت باسم إلههم سيستبيحون كل شيء , سيكون على الفقراء في تلك الشعوب أن يعملوا بكد و اجتهاد مقابل الفقر الذي اعتبر قدرا من السماء بينما يتمتع أولئك الذين لا يعملون بما أنتجه أولئك الخدم المساكين باسم السماء أيضا , عندما اعترض أبو ذر على تطاول هؤلاء الأغنياء في العمران مع بقاء غالبية المسلمين في الفقر , أي مع مخالفة الطبقة الحاكمة في صدر الإسلام و تدميرها لقانون التضامن الإنساني الذي كان يفرض على أفراد القبيلة الواحدة أن يتوازعوا و يتقاسموا فيم بينهم ما يملكونه الأمر الذي كان يعني أن تمتلك تلك الطبقة و تحتفظ بكل شيء , عندما أنكر أبو ذر ذلك على معاوية تصدى له السلطان , كان وقتها يسمى خليفة و اسمه عثمان , و اعتبر أن قانون التضامن الإنساني ليس جزءا من المقدس الذي على الناس الرضوخ له , بل أن حق تلك القلة في تملك كل هذا المال و التمتع به كيفما شاؤوا هو المقدس الذي على الآخرين , على الفقراء الرضوخ له بقوة السيف , و عوقب أبا ذر بالنفي , اليوم أيضا لا يمتنع رجال الدين عن ركوب السيارات التي اخترعها و صنعها الكفار و لا عن التمتع بالفيلات الرائعة أو الطعام اللذيذ , مع أن هذا متاح فقط لأقلية من البشر , من البشر الذين لا يعملون , بينما تعاني الأغلبية التي تكدح من الفقر و تعيش في منازل أقل و أصغر و من دون أدوات الرفاهية الموجودة في قصور السلاطين و رجال دينهم و تستخدم رجليها أو المواصلات العادية للتنقل , إنني احترم الثوار السوريين بما في ذلك المتدينين منهم لكن هذا لا يعني أن أحترم رجال الدين عندما يفسرون مقدسهم بضرورة أن يكون الناس العاديين عبيدا و أن يبرروا لأقلية ما أن تملك و تحكم دون أن تعمل , إنني أحذر الثوار السوريين , المتدينين منهم خاصة , و سأبقى أحذرهم من رجال الدين و من محترفي السياسة الذين يريدون أن يصبحوا أسيادا عليهم , الذين قد يريدون إسقاط هذا النظام بالذات لكن فقط لإقامة نظام تستمر فيه أقلية ما لا تعمل بامتلاك كل شيء و بإخضاع الملايين لقانونها هذا بينما تعمل فيه الغالبية التي لا تملك , إنكم تستطيعون أن تكونوا سادة أنفسكم , إنكم لا تحتاجون إلى أي نوع من السادة , و ستكونون بحالة أفضل , بل بأفضل حال , فقط إذا أصبحتم سادة أنفسكم , عندها سيأكل الجميع بقدر ما يعملون , عندها سيعيش الجميع حياة لائقة و يسود مرة أخرى قانون التضامن الإنساني بين البشر , و عندها لن تكون هناك سجون , لأنه ببساطة لن يوجد قمع , لن توجد أقلية تريد الدفاع عن امتيازاتها باسم القانون , لن يسرق الناس ما هو ملك لهم جميعا , و لن يختصموا على من سيكون السيد بين عدة متنافسين يستخدم كل منهم حججا و مزاعم مختلفة لأنه لن يكون هناك سادة و لا عبيد , سيكون الجميع سادة أنفسهم .. صحيح أننا اعتدنا على فكرة من يحمينا و الخضوع لهذا الذي يدعي أنه وجد ليحمينا فقط , تعود هذه الفكرة لفترة الطفولة عندما نتعلق بآبائنا كقوة نعتقد أنها تحمينا مما نعتقد أنه خطر , من الآخرين في أكثر الأحيان الذين لا يريدون بنا شرا , لكن الحقيقة أن آباءنا كانوا هم أنفسهم يبحثون عمن يحميهم من ظلم و قهر النظام الاجتماعي و السياسي الذي عاشوا في ظله و أنهم في حالات كثيرة , على الأقل بالنسبة للملايين من الفقراء , لم يستطيعوا أن يحموا أطفالهم بالفعل من سوء التغذية و التعليم و حتى الموت لأسباب و أمراض قابلة للشفاء في معظم الحالات , الحقيقة أن الملايين جاعت و تجوع , تألمت و تتألم و تموت دون ذنب , أن الملايين لا تجد حتى من يخفف عنها ألمها و هي تموت بلا جدوى و بشكل عبثي تماما , تماما كما يموت اليوم الآلاف في سوريا لأنهم يهتفون للحرية , الحقيقة أنكم أنتم من تحررون أنفسكم اليوم و هذا هام جدا لأنه يعني أنه لا فضل لأحد في حريتكم , أن أحدا لا يستطيع أن يزعم فيما بعد أنه قد حرركم بمعنى أنه يجب أن يكون سيدكم الجديد , بمعنى أن تستمر صيغة , علاقة السيد – العبد و أن تكونوا أنتم أيضا العبيد , أنتم تحررون أنفسكم بأنفسكم اليوم من ظلم و استغلال هذا النظام , من دون دمائكم و تصميمكم لن ينتهي ظلام القمع و الموت و الخوف من سوريا , السفير الأمريكي جاء و ذهب , و رجال الدين يدعون السماء ليل نهار , لكن لولا ثورتكم لما كان فجر الحرية يقترب اليوم , السماء كانت دائما و دائما كان هناك من يصرخ من الألم و الفقر و القهر , لم ينته الألم إلا عندما سعى من يتألم بالذات و الآخرون الذين تعاطفوا معه لإنهاء سبب ذلك الألم , و لم يهتز الطغيان و القهر و لم تتزلزل الأرض تحت المستبدين إلا لأن ضحاياهم صمموا على مقاومتهم و الثورة في وجوههم , أنتم وحدكم من يقاتل و وحدكم من سينتصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى