صفحات سوريةعمر كوش

لماذا تُرك الشعب السوري وحيداً؟


عمر كوش

منذ بدايات الثورة السورية، كنا في جلساتنا شبه الدورية، التي تضم مجموعة واسعة من المثقفين السوريين والناشطين، نتناقش ونتجادل في أن النظام السوري لا يمكنه أن يتوغل في أعمال العنف والتدمير، مثلما فعل إبان بداية ثمانينات القرن الماضي، نظراً لاختلاف ما يحدث اليوم عما حدث بالأمس، ولاختلاف الظروف الدولية، وتغاير التحالفات والتوازنات، وسوى ذلك.

وذهب مراقبون كثر إلى القول بأن النظام السوري لا يمكنه أن يكرر ما ارتكبه من مجازر في حقبة ثمانينات القرن الماضي، وأنه لن تكون هناك “حماة” ثانية، بالنظر إلى أن ما يحدث اليوم مختلف عما حدث في تلك الأيام، حيث أن الشباب السوري يقوم بثورة، يدعمها غالبية السوريين، وهي لا تقتصر على مدينة أو اثنتين، ولا على حزب أو مجموعة أو جماعة بعينها، بل تشمل مختلف أطياف الشعب، وإن شاركت في حراكها بنسب مختلفة، وامتدت إلى معظم مدن وبلدات ومناطق سوريا، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، وبدأت سلمية، تطالب بالحرية والكرامة والعدالة.

وما يدعم القول باختلاف اليوم عن الأمس هو تطور وسائل الاتصال، وبشكل لا يسمح لأحد التستر على جرائمه، فهناك الفضائيات التي تنقل الأحداث لحظة وقوعها، وهناك الأقمار الصناعية التي تصور بدقة عالية جميع التحركات على الأرض، وهناك التويتر والفيس بوك وكاميرات الهاتف المحمول، التي وظفها الشباب السوري في تصوير وتوثيق ونشر كل الأحداث والانتهاكات، وبالتالي اعتقد كثيرون أن هذا التطور في وسائل الاتصالات والمعلومات سيدفع المجتمع الدولي للتصدي لانتهاكات النظام ولوقفه عن الإمعان في نهجه، حماية للسلم ولحقوق الإنسان التي أقرتها كل الهيئات والمؤسسات الدولية.

لكن الخلاصات، التي كان يشاركنا بها العديد من المتابعين والمهتمين بالشأن السوري، ضرب بها النظام عرض الحائط، في ظل صمت المجتمع الدولي، إذ إن الانتهاكات بحق السوريين اعتبرتها أكثر من منظمة دولية جرائم ضد الإنسانية، تحدث على مرأى العالم ومسمعه، ولم نسمع من ساسة الدول الكبرى سوى تصريحات من دون أي عمل فاعل أو تهديد، يمكنه أن يردع النظام ويوقفه عن نهجه العنيف.

ولا شك في أن ساسة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا والدول الأخرى، يعرفون جيداً ممارسات هذا النظام، وعلى علم بأنه يتلقى الدعم المباشر من طرف إيران وروسيا وحزب الله اللبناني وأطراف عديدة في العراق، ويمدونه بالرجال والسلاح والمال، ويدافعون عنه في جميع المحافل الدولية، حيث استخدم الروس والصينيون الفيتو ثلاث مرات لإفشال صدور أي قرار يدين أعمال النظام. لذلك من المخجل أنه بعد أشهر عديدة من القتل اليومي، لم يفعل الساسة الغربيون سوى إطلاق تصريحات فارغة المضمون، في سعي منهم لإدارة الأزمة، وعدم بذل جهد كافٍ للبحث عن أي حلّ يجنب السوريين التكلفة الباهظة، التي يدفعونها يومياً، لذلك نجدهم يصرون على أن الحل في سوريا هو حلّ سياسي، من دون بذل أي فعل يحقق هذا الحل المنشود، ويكررون كلامهم ذاته في وقت أغلق فيه النظام كل أبواب السياسة مبكراً، واعتمد نهجاً أمنياً وعسكرياً لا يجيد سواه.

وبات العديد من السوريين يعتقدون أن ما يظهر على أنه انقسام دولي بين محورين، أحدهما داعم للنظام تقوده روسيا وإيران والصين، وآخر داعم للثورة تقوده الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا، هو في حقيقة الأمر انقسام شكلي لا أكثر، وأن صفقة ما أو اتفاق، أبرم بين الفاعلين الأساسيين في كلا المحورين.

وفي مطلق الأحوال، يبدو أن هناك توافقاً دولياً بخصوص التعامل مع الأزمة السورية، يرتكز إلى مبدأ عدم الحسم، يؤكده سير التطورات والمواقف الدولية، وتعرجاتها، وتباين وتيرتها منذ أكثر من عام ونصف إلى يومنا هذا. وينهض جوهره على عدم الاستعجال في الحسم، والتعامل مع الأزمة وفق متطلبات إدارتها، بوصفها صراعاً أهلياً بين طرفين، لجأ كلاهما إلى استخدام العنف للقضاء على الطرف الخصم. وفي ذلك تجنٍ كبير على الثورة السورية، التي يشهد العالم بأجمعه على أنها بدأت سلمية، وكانت شديدة الطهورية، وأخلاقية بامتياز، لكن تغّول النظام في أعمال العنف، دفع قسماً من شبابها ومن أفراد الجيش إلى حمل السلاح، دفاعاً عن النفس وعن المدنيين السوريين.

غير أن السؤال الذي يحرق أنفاس السوريين يطاول الأسباب التي جعلت القوى الدولية تتوافق على ترك النظام السوري يفعل ما يريد بشعبه، ولماذا لجأت الدول الغربية إلى طمأنته، من خلال تكرار كلام مسؤوليها العلني حول عدم وجود نية لديها في التدخل العسكري، بمعنى يُفهِم النظام بأنه مهما فعل من انتهاكات، لن تكون هناك قوة دولية تردعه. إضافة إلى اعتراف قادة المحورين الدوليين بدور كل منهما في التعامل مع الأزمة السورية، لذلك أيد ساستهما خطة كوفي أنان، التي ولدت ميتة على يديهما، ويؤيدان اليوم مسعى الأخضر الإبراهيمي، ولا يكفان عن عقد الاجتماعات أو المشاركة فيها ودعمها، إلى جانب دعم مختلف المبادرات التي تطلق على كل المستويات الدولية والعربية، بالرغم من معرفتهما الأكيدة بعدم جدوها في وقف القتل اليومي للشعب السوري. ولعل كل هذه المبادرات والاجتماعات والمهمات التي طرحت، كانت تمنح النظام السوري المزيد من الوقت للمضي في نهجه.

ويبدو أن لدى كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإيران، ومن دار في فلك هذه الدول، مصلحة ودوافع مشتركة في دمار سوريا، وجعل الأوضاع فيها تسير نحو التعفن والتفكك والدمار، وذلك من منطلق الحرص على الاستقرار في المنطقة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، فهي تتذرع بحسابات داخلية، تدخل في صلبها الأزمة المالية والاهتمامات الانتخابية، وتتذرع كذلك بالخصوصية السورية، المجسدة بالتنوع المذهبي والديني وانقسام المعارضة وسوى ذلك. وتتفق هذه الدول مع روسيا في عدم السماح لمفاعيل وإرهاصات الأزمة السورية بالامتداد إلى دول الجوار وتأثيراتها الإقليمية، لكنها تخفي جميعاً حسابها الأساس، المجسد في أن أي تغير في سوريا أو سواها من دول المنطقة، لا يضمن أمن إسرائيل، لن تسمح في حدوثه إن استطاعت، حيث أن اللوبي الإسرائيلي قوي في كل من روسيا والولايات المتحدة، وله تأثير كبير على صناع القرار في كلا الدولتين، ومعروفة المقولة الإسرائيلية التي تفسر موقفها، والقائلة: “عدو عدوي، ليس بالضرورة صديقي”.

وبرز في الفترة الأخيرة، عامل جديد، يسهم في التوافق الأميركي والروسي حيال الأزمة السورية، وهو تنظيم “القاعدة” والجماعات الجهادية، حيث لم تخف روسيا من إظهار تخوفها من أن سقوط النظام سيسلم سوريا إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهو ما يشكل خطراً على المنطقة وعلى دول الاتحاد الروسي وعلى العالم، حسب الزعم الزائف لساستها. بينما تريد استخبارات الولايات المتحدة الأميركية أن تحول سوريا إلى ساحة لجذب تنظيم القاعدة ومعه سائر الجماعات المتطرفة، كي تصفي حساباتها معها.

وبصرف النظر عن التوافق الدولي، وعن مدى تحققه الفعلي، فإن الثوار يعرفون جيداً أنهم يواجهون أعتى نظام ديكتاتوري قمعي في الشرق الأوسط، وأن حراكهم، المتعدد المركبات والفعاليات، هو الفاعل الأساس في إنهاء الأزمة السورية، والأهم هو أن حسابات الدول وتوافقاتها مختلفة تماماً عن حساباتهم، لذلك، لن يتوقفوا حتى يبلغوا مرادهم.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى