الحرية لرزان زيتونة، الحرية لمخطوفي دوماصفحات مميزةوائل السواح

لماذا رزان مختلفة؟/ وائل السوّاح

 اعترض ناشطون سوريون كثر على الاهتمام الذي أحاط باستهداف الناشطة السورية رزان زيتونة ورفاقها وائل حمادة (زوجها ورفيق دربها) والقيادية السياسية منذ سبعينات القرن الماضي سميرة خليل (زوجة المفكّر ياسين الحاج صالح) والمحامي ناظم حمادي. الأربعة ناشطون في مركز توثيق الانتهاكات وهو المركز الحقوقي المعرفي المدني الذي كان يسعى بموضوعية إلى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب من أي طرف جاءت.

اعتراض الناشطين – وجلّهم على “فايسبوك” ومقيمون خارج سوريا– جاء على قاعدة أن السوريين متساوون وليس من مبرّر للاهتمام باختطاف ناشطة بعينها بينما يتعرّض آلاف السوريين يومياً إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ولا يذكرهم الإعلام بالاسم، وإنما يشكّلون جزءا من رقم كبير.

أنا مع هذه الرؤية إلى حدّ كبير، وأعتقد أن كل سوري بالنسبة لأهله وأصدقائه ومحبيه هو أهم من أي سوري آخر. بيد أن القصة لا يمكن أن تتوقف هنا. ولا يسوء سوريا والقضية السورية أن يكون الاهتمام ببعض القياديين والكتّاب والمناضلين أكثر من غيرهم، فيما لو كانوا يستحقون ذلك.

لماذا تستحق رزان زيتونة ورفاقها اهتماما أكبر؟

مبدئياً، ليست رزان ابنة الثورة بل هي إحدى صانعاتها. فمن خلال نضالها المستمرّ في مجال حقوق الإنسان، كمحامية وناشطة، ومؤسّسة ومديرة لموقع “رابط معلومات حقوق الإنسان في سوريا” كانت تؤسّس لثورة السوريين العظيمة التي وقف كل العالم ضدّ توجهها المدني وحاول تغيير وجهها الديمقراطي. ومن خلال علاقتها اليومية مع المعتقلين وأسرهم وضحايا نظام القمع والأجهزة الفاشية للنظام السوري، كانت تساهم في رفع معنويات السوريين وتخفيض عتبة تحملهم للظلم وتقبلهم له. وعندما اندلعت الثورات في تونس ومصر وليبيا، كانت رزان فاعلاً رئيسياً في البحث عن الطرق التي يمكن من خلالها نقل التجربة إلى سوريا. ورزان (مع ناشطين آخرين كثر) كانت وراء اعتصام أهالي المعتقلين وأصدقائهم الشهير أمام وزارة الداخلية في 16 أذار 2011، وهو الاعتصام الذي أسهم في إشعال فتيل الانتفاضة السورية التي انطلقت من درعا بعد ذلك بيومين لتعمّ كل المدن والبلدات السورية.

ورزان هي التي ظلّت حتى لحظتنا هذه تدافع عن سلمية الثورة وتبرز الوجه المدني لها، محاولة على الدوام إبراز دور المرأة والشباب، وتقديم العمل المدني على العمل المسلّح. وعندما انتقلت الثورة إلى الطور المسلّح، كانت تعمل دائماً على عقلنة المسلحين، ورفض الأعمال الانتقامية والعمليات ذات الطابع الطائفي. وكانت – ولا زالت –  مناضلة عنيدة ضدّ عمليات الخطف التي يتعرّض لها المدنيون لأي سبب كان، ولم تبرّر يوماً الوسيلة بواسطة الغاية التي تريدها.

ورزان أصرّت على البقاء في الداخل السوري رغم كل الأخطار الجدية التي كانت عرضة لها من طرف أجهزة القمع الفاشية وشبيحة النظام وميليشياته الطائفية المنتشرة في كل مكان. كانت رزان المطلوب رقم 1 بالنسبة لكافة أجهزة الأمن السورية، وكانت هدفاً مشروعاً لأي شبيح أو أجير عند النظام. ومع ذلك بقيت في دمشق، ومن ثم انتقلت إلى الغوطة عندما حوصرت الغوطة وعملت على تقديم الدعم والغوث لأهالي الغوطة، دون أن تتوقف يوماً واحداً عن متابعة عملها في مركز توثيق الانتهاكات.

ورزان حِرَفية صارمة في التوثيق، فهي لا تقبل أية معلومة ولا تنشر المعلومة إلا إذا كانت موثقة من أكثر من طرف. ولذلك فإن المركز الذي تديره يشكّل إلى اللحظة المصدر الأكثر مصداقية للمنظمات الدولية والإقليمية وللناشطين المحليّين وقوى المعارضة السورية.

وكان بإمكان رزان مغادرة سوريا في أي وقت. ولو أنها فعلت لاستقبلت استقبال الفاتحين في أي عاصمة غربية، ولمنحت المكانة والإمكانية لتعيش حياة مرفهة كما يعيش بعض قادة المعارضة اليوم. ولكنها رفضت العروض المتوالية، وأصرت على أن تبقى في العمق السوري تتقاسم خبز الشعير والمياه الملوثة مع السوريين الصامدين الباقين في بيوتهم وبلداتهم.

رزان صديقة الجميع. لم تغلق خط التواصل معها في يوم من الأيام، وكانت تتواصل مع كل من يتواصل معها. ولكنها أيضاً صديقة للقطط. وعندما قالت وسائل الإعلام إن الآدميين في بعض المناطق المحاصرة يأكلون القطط، هدّدت على صفحتها على “فايسبوك” بأن أي شخص يحاول الاقتراب من قطّتها ستكون عاقبته وخيمة.

قبل أشهر من اختطافها تعرّضت رزان لتهديدات جدية من مسلّحين ملثّمين أطلقوا طلقات تحذيرية على منزلها في الغوطة “المحرّرة”، وتركوا لها رسالة قالوا فيها: “نكتفي بذلك اليوم.” يبدو أن الملثمين اكتفوا بذلك لفترة قصيرة قبل أن يهاجموها من جديد، ويدمّروا أو يصادروا أجهزة مركزها كما يفعل عادة مخبرو النظام وشبيحته، وقبل أن يقتادوها مع رفاقها إلى جهة مجهولة.

وفي مقابلة لها، قالت رزان “لم أشعر بالخوف، لكنني أحسست في البداية بكثير من المرارة! فكّرت لوهلة بالرحيل إلى مكان يعزلني ولا يمنعني من استمرار العمل فيما بدأت به. لكنها كانت لحظة إحباط لا أكثر. أنا لست في “مهمّة” هنا، كما قلت: أنا أعيش! وعندما لن يكون هناك ما أفعله سأغلق باب بيتي عليّ، بيتي في المنطقة المحرّرة من بلدي”.

ذلك كله يجعل رزان متميّزة عن مناضلين آخرين، وجميعهم محلّ تقدير لا شك فيه. ولكن رزان ورفاقها، وائل وسميرة وناظم، لهم نكهة مختلفة.

أفرجوا عنهم.. أفرجوا عن سوريا!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى